الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق اولا ... ثم الوطن ثانيا

محمود بلحاج

2013 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية




ربما من المفيد أن ابدا مقالتي هذه بالقول أن العنوان المذكور أعلاه يعبر ، وبشكل كبير وموضوعي أيضا، عن حقيقة تعيشها النخبة المغربية بصفة عامة، والنخبة القومية بصفة خاصة؛ وهي حقيقة اهتمامها المفرط بقضايا الشرق (القضايا العربية تحديدا) أكثر مما تهتم بالقضايا الوطنية التي من المفروض ، أخلاقيا ومنطقيا ، أن تكون ضمن أولوياتها النضالية وليس العكس، سواء كانت هذه القضايا تتعلق بالسياسة، أو الثقافة ، أو الفن أو غيرها من القضايا . ولهذا يمكن القول ، وبدون أية مبالغة أو تضخيم، بأن قضايا الشرق تعتبر من ابرز القضايا المطروحة على أجندة النخبة المغربية على مدار العقود الماضية، وبالتالي في أولوياتها النضالية ، ومازال الأمر كذلك إلى الآن رغم كل التحولات التي عرفها العالم خلال العقدين الآخرين ، وبالذات التحولات التي عرفتها المنطقة(= الشرق الأوسط) نفسها على أكثر من صعيد. وبدون أية مبالغة كذلك، نرى أن الاهتمام المفرط للنخبة المغربية بقضايا الشرق يعبر في العمق عن وجود أزمة الانتماء/ الهوية لدى الفاعل /المثقف المغربي، وبالتالي فإنه يعيش ، بوعي منه أو بدون وعي، انفصام في شخصيته الفكرية والأخلاقية( البدن في المغرب والعقل في الشرق) ، خاصة لدى الفاعل القومي، سواء كان يساريا أو إسلاميا . انطلاقا من هذا المعطى الموضوعي، يمكن القول أن هذا الموضوع (= الاهتمام المفرط بقضايا الشرق من قبل النخبة المغربية) يعتبر من ابرز الأسباب والعوامل التي أدت إلى انتشار ظاهرة العنف والتطرف الديني بين الشباب المغربي في الداخل والخارج.

لقد عرفت، كما هو معلوم، مختلف المدن المغربية خلال نهاية الأسبوع الماضي، وخاصة مدينة الرباط، تظاهرات عارمة من أجل التنديد بالمجازر الوحشية التي ارتكبتها القوات الأمنية المصرية(= الشرطة والجيش) في حق أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي، وبالتالي التضامن مع الشعب المصري. طبعا، ليست هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها الشعب المغربي الأمازيغي للتضامن مع الشعب العربي وقضاياه العادلة، كما أنها ليست المرة الأخيرة بكل تأكيد. وباعتبارنا من أنصار الفكر الديمقراطي والعلماني حيث نسعى إلى التعايش الثقافي والديني واللغوي والعرقي بين كافة شعوب الأرض بعض النظر على الأمور الشخصية والجنسية، ونناهض أيضا كافة أشكال العنف والاضطهاد السياسي والطائفي حيث أن الحق في الحياة مسألة مقدسة لا نقبل المساس بها تحت أي مبرر وغطاء ( سياسي، امني، ديني، ثقافي أو عرقي ..الخ) ، فأننا نعلن تأيدنا المبدئي، والكامل، لمثل هذه المبادرات الإنسانية(= التضامن) الهادفة إلى وقف إراقة الدماء ودعم حق الشعوب في العيش الكريم والتعبير عن إرادته واختياراته الحرة.

لهذا، وبناءا على هذا الموقف المبدئي من مسألة التضامن ونصرة المضطهدين والمستضعفين في الأرض، نؤكد أن الموضوع الذي نتوخى اثارته من خلال هذه المقالة المتواضعة لا يتعلق - إطلاقا - بالمظاهرات والمسيرات الشعبية المؤيدة للشعب المصري، التي تم تنظيمها يوم الأحد الماضي في مختلف المدن المغربية من قبل بعض القوى الإسلامية، وإنما يتعلق الأمر - أساسا - بموضوع أكثر أهمية وخطورة في ذات الوقت ؛ انه موضوع الاستلاب الثقافي والديني والسياسي الذي تعاني منه فئة واسعة من النخبة المغربية( السياسية، الفكرية والدينية..)، وبالتالي تعاني منه العقلية/ الفكر والمجتمع المغربيين. والمثير في الأمر هو أن كل شيء يأتينا من الشرق مقبول من جهة/ و" أفضل" مما نتوفر عليه محليا/ وطنيا من جهة ثانية. كما أن كل ما يحدث أيضا من الأحداث والتطورات في الشرق الأوسط يصيبنا ويعنينا بشكل مباشر، وفي بعض الأحيان يعنينا أكثر مما يعني الشرق نفسه وهنا تكمن الفاجعة والطامة الكبرى. ومن أكثر الأسئلة الاستفسارية التي تطرح نفسها بالقوة عندما نناقش هذه الإشكالية العويصة في الفكر والنضال المغربيين، هي: لماذا تتعلق النخبة المغربية، خاصة السياسية، والفكرية، والدينية..، بقضايا الشرق الأوسط أكثر مما تتعلق بقضايا الوطن؟ فهل يمكن اعتبار المغاربة أكثر عروبة من العرب القاطنين في الشرق الأوسط إذا ما تجاوزنا مرحليا الجدل الفلسفي والتاريخي حول الأصول العرقية والتاريخية والثقافية واللغوية للشعب المغربي، واعتبرناه تجاوزا شعبا عربيا؟ وهل الشعب المغربي أكثر إيمانا / إسلاما من الشعوب الإسلامية التي لم تشهد أي تضامن شعبي من حجم ومستوى التضامن الذي شاهدناه في الرباط وباقي المدن المغربية خلال يوم الأحد الماضي بالرباط؟

ومن هنا فإن الأمر يتعلق كذلك بموضوع ترسيم وتحديد الأولويات النضالية لدى القوى السياسية والثقافية والدينية، والإعلامية في بلادنا، وخاصة لدى القوى الإسلامية، التي عادة ما تستعرض عضلاتها وقوتها التنظيمية والجماهيرية عندما يتعلق الأمر بقضايا الشرق الأوسط( فلسطين، العراق، مصر، سوريا.. الخ) ولا تحرك ساكنا عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجوهرية للشعب المغربي ( مثل الزيادة في الأسعار، قضية الصحراء، قضية سبة ومليلية، مسألة العفو الملكي على المجرم العراقي/ الاسباني دنيال ..)، فعلى سبيل المثال لماذا لم تدعوا القوى السياسية والمدنية والنقابية التي دعت إلى مسيرة الأحد الماضي للاحتجاج ضد العفو الملكي الذي شمل المجرم دنيال؟ هل كرامة الطفل المغربي رخيصة إلى هذا الحد؟ لماذا لم تخرج هذه الإطارات والهيئات ضد الزيادة في المحروقات والحليب مثلا؟ لماذا لم تخرج ضد الاعتقال السياسي في بلادنا؟ لماذا لم تخرج ضد استبداد الملكية وتقول للملك كفى من التدخل في الأمور السياسية وحماية المفسدين أو ارحل عن البلد؟

نظر لهذا الواقع، ندعوا القوى الإسلامية إلى عدم التباهي ؛ وهو تباهي أجوف بالمناسبة، أمام الجماهير الشعبية والقنوات الفضائية بعرض عضلاتها وقدراتها التنظيمية في قضايا لا تعتبر أولوية في حياة المواطن المغربي في جميع الأحوال.

فالإنسان المصري يقول مع احترامنا للشعب المصري وتضحياته وتاريخه العريق في المقاومة ومناهضة الظلم والاستبداد، ولكل شعوب الدنيا، قلنا أن الإنسان المصري يقول وينطلق من قاعدة مفادها مصر أولا وبعدها الآخر (= قضايا الشعوب الآخر) ، وكذلك يفعل أيضا الإنسان الهولندي والفرنسي والألماني والتركي .. الخ، وبالتالي فالسؤال المطروح هو التالي : لماذا فقط المغاربة هم الذين ينطلقون من قاعدة مفادها الآخر أولا ثم الوطن ؟ علاوة على هذا، هل تستطيع القوى الإسلامية، على سبيل المثال، تنظيم تظاهرت مليونية ( كما تفعل من أجل فلسطين والعراق) أو على الأقل في حجم مظاهرة التضامن مع الشعب المصري، من أجل قضية الصحراء، أو من أجل الاستعمار الاسباني للجزر والمدن المغربية المحتلة (= سبتة ومليلية) أم أن بغداد وعزة هي أولا؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بعض الأجوبة عن تساؤلك
ميس اومازيغ ( 2013 / 8 / 22 - 16:23 )
يا رجل تقبل تحياتي/تساؤلاتك وجيهة وارى ان اقدم للقارىء بعضا من الأجوبة اذ الحالة تقتضي دراسة يتولاها مختصون وتدخل في نضري في اطارالأمراض النفسية غير ان ما يمكن استخلاصه من الأحداث المتتابعة منذ الغزو العربي باسم الأسلام هو اعتماد هذه العقيدة من قبل المغاربة لما حققته من تغلب على المقاومين من امثال اكسل وثيهيا العظيمين الى ان استطاع اللاجىء السياسي ادريس الأول الهارب من بطش اهله وباسم هذا الدين طبعا تولي المسؤولية على قبيلة اوربة الأمازيغية والتي كانت تدور في فلكها حيث استغل شرف النسب المهتدى اليه من قبل الساسة العرب في سقيفة بني ساعدة لأستمالة الدهماء هذا النسب الذي ما يزال مفعوله ساريا الى يومنا هذا وما كثرة القيل والقال التي رافقت مراسيم البيعة في السنين الأخيرة الا دليلا على انتباه المغاربة الى اس مشكلة الدولة المدنية في بلدنا.ان النظام كما تعلم منذ ادريس المذكور لا عصبية له غير العصبية الدينية وهو بذلك حام لخدامها ما داموا عضدا له في الوقت الذي يعادي ويشيطن مخالفيه من داخل نفس الدين(العدل والأحسان)مثلا وحيث ان اصل هذا الدين هو الشرق فان الواجب الأهتمام بهذا الشرق .... يتبع


2 - تابـــع
ميس اومازيغ ( 2013 / 8 / 22 - 16:47 )
اقول لابد من الأهتمام بهذا الشرق درجة عدم اعتبار مصالح الوطن الا لملأ البطون وهذا الأهتمام هو الذي تجسده ليس فقط صورة الأسلامي في كل مناسبة تجمعه بالغير للتظاهر بل وحتى السياري المتطرف افلا تلاحظ الكوفة الفلسطينية ملفوفة على اعناقهم؟ الم ياتيك خبر ادعائهم ان القضية الفلسطينية قضية وطنية؟ لا احتجاجات وطنية معبرة يا رجل غير تلك التي يرفرف فيها على رؤس المحتجين العلم الأمازيغي اما الذين عنيتهم في مقالك فانهم يعتبرون انفسهم مجرد مارين بارض تامزغا.
ان الأسلاميين كثلة واحدة مع تقسيم الأدوار وغايتهم في النهاية الأممية الأسلامية لذا لا غرابة في دفاعهم عن اخوانهم المشتت شملهم من قبل احفاد الفراعنة في مصر كما ان القوميين العرب بشعورهم الداخلي بغربتهم عن ارض تامزغا وانعدام قطر بديل قد يقبل بهم يحاولون جهدهم فرض الهوية العربية على أبناء الأرض عملا بمقولة مادام اني اصلعا فليكن الجميع كذلك.
اليوم عزيزي انتبه الأمازيغ بفظل جهدهم الخاص خارج ما كان يشحنون به في البرامج التعليمية الرسمية واللحظة كانت منتضرة من قبل ممثلي النظام لأنه يعلم جيدا ان لهذا البلد اهله المخلصين فاخذ يتنازل لفائدة الحقيقة...يت


3 - تابــع
ميس اومازيغ ( 2013 / 8 / 22 - 16:57 )
اقول يتنازل لفائدة الحقيقة التاريخية والجغرافية لكن بحذر شديد مخافة من ان تقلب عليهم الطاولة ولأن الزمن كثيرا ما كان حالا لكثير من المشاكل فلاباس من محاولة تمديد اجل النظام باللعب بورقة العروبة والأسلام وبالتالي توجيه الأنضار الى المشرق ما دام ان المطالبة بالدولة الأمازيغية لم تفرض بعد بالشكل المهدد لمصالح النظام.
وكما اعتمد الغزاة بالأمس على محاربة ابناء الأرض بيد بعضهم البعض فلم لا خلق نزاعات فيما بينهم لدرجة تفظيل بعضهم الأسلام عن الوطن والآخر القومية العربية ايضا عن الوطن الا يوجد حزب مجهري يناصر قيام جمهورية عربية على اقاليمنا الجنوبية وبالرغم من ذلك لم يتهم باقترافه جريمة الخيانة العظمى للوطن؟
تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال