الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 30 يونيو واساس الدولة الديموقراطية

محمد رجب التركي

2013 / 9 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


العدالة الانتقالية تعني عدالة فترة الانتقال من الثورة إلى الاستقرار وترمي أساساً إلى الانتقال بالمجتمع من مرحلة الاستبداد إلى صميم مرحلة الديمقراطية.
ويرجع بدايات تطبيقاتها الأولي إلي ما بعد الحرب العالمية الثانية في “محاكمات نورمبرج ” في ألمانيا، وهي من أشهر المحاكمات التي شهدها التاريخ المعاصر، والتي قامت بمحاكمة مجرمي الحرب من القيادة النازية.
ثم كانت البداية الحقيقية لما يمكن أن يسمي تطبيق للعدالة الانتقالية، في محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وبعدها في المتابعات للحكم العسكري في الأرجنتين وتشيلي من خلال لجنتي تقصي الحقائق في الأرجنتين 1983 وتشيلي 1990 ومن بعد ذلك في العديد من دول القارة اللاتينية.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن تم إقرار مبدأ العدالة الانتقالية في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم بما فيهم دول عربية كالمغرب والجزائر ودول أوروبية كرومانيا وبلغاريا والتشيك. والجدير بالذكر أنه ليست هناك صيغة واحدة للتعامل مع ماض مفعم بالانتهاكات، فجميع المناهج والأساليب التي تم اتباعها في معظم البلدان التي طبقت تلك التجربة تستند إلى إيمان جوهري بعالمية حقوق الإنسان، ولهذا يجدر بكل مجتمع أن يختار الطريق الملائم له.
وليست العدالة الإنتقالية نوعًا "خاصًّا" من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الإنتقال من النزاع أو قمع الدولة. ومن خلالها تقدّم العدالة الإنتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.
ولأنّ الإنتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول أن تضمن، بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، عدم تكرار تلك الإنتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسّسات التي إما كان لها يد في هذه الإنتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها
• ما هي طبيعة الآليات والعمليات المرتبطة بتحقيق العدالة الانتقالية؟ «
العدالة الانتقالية ليست شكلاً خاصًا من أشكال العدالة، بل هي تكييف للعدالة على النحو الذي يلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان. وهناك مجموعة من الآليات المتنوعة المرتبطة بتحقيق العدالة الانتقالية، منها الآليات القضائية وغير القضائية مثل:
تقصي الحقائق: عن طريق تشكيل لجنة مستقلة تتقصي حقائق جرائم الماضي وكيفية ارتكابها والمسئول عنها، وتحدد ضحاياها.
محاكمات الأفراد المسئولين عن جرائم الماضي، سواء على انتهاك حقوق الإنسان أو جرائم اقتصادية متعلقة بقضايا الفساد واستغلال النفوذ والرشوة.
التعويضات وتشمل تعويض الضحايا وأسرهم عن الضرر الذي أصابهم من جراء انتهاكات الماضي.
الإصلاح التشريعي والدستوري: ويتضمن التخلص من ترسانة قوانين الماضي التي شُرِعت من أجل هيمنة النظام السابق على مقدرات الحياة السياسية، وكرست لمبدأ إفلات الجناة من الموظفين العموميين من العقاب. كما يتضمن سن قوانين ودستور جديد يتوافق مع الانتقال إلى الديمقراطية. ويندرج تحتها أيضًا كل ما يراه المجتمع ضروري للتعامل مع ميراث من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان حتى إذا تطلب ذلك تغيير القانون الجنائي والقوانين سيئة السمعة التي كان يتحصن بها النظام البائد لتبرير أفعاله الإجرامية.
فحص السجلات: وذلك بمراجعة الملفات الشخصية للموظفين العموميين وأفراد الأمن للكشف عن تجاوزاتهم وجرائمهم والفصل فيها بهدف إصلاح حقيقي للنظام الأمني والقضائي بجانب الإصلاح المؤسسي.
تغيير المناهج التعليمية: لتكون قائمة على ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية، وفحص المناهج القديمة لاسيما المتعلقة بالتاريخ وتنقيحها مما قد شابها من تشويه وذلك عن طريق لجنة مستقلة.
تخليد ذكرى الضحايا: بإنشاء نصب تذكارية ومتاحف وتخصيص يوم وطني للحداد.
فعملية العدالة الانتقالية وما تتضمنه من محاكمات ولجان تقصي الحقائق، وتعويضات وإعادة التأهيل هي -بلا شك- عملية مكلفة علي المدى القصير ومع ذلك، فالفشل في التعامل مع مثل هذه القضايا علي نحو منطقي وديمقراطي وشامل سوف يكون أكثر كلفة على الدولة والمواطنين علي المدى البعيد.
• كيف يمكن تحقيق العدالة الانتقالية؟ «
تحقيق العدالة الانتقالية ليس بالأمر السهل لاسيما في ظل مجتمع تم إقصاء -أو إضعاف- مؤسساته علي مدي سنوات من القهر السياسي، وفي إطار أمن منقوص وتيارات سياسية واجتماعية منقسمة، وموارد مستنزفة، والأهم من ذلك حالة الصدمة والتخوين بالإضافة إلي انعدام ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وافتقار الاحترام الحكومي لقيم حقوق الإنسان وسيادة القانون، علاوة علي حداثة القوي السياسية المهيمنة علي مقاليد الحكم بالعمل السياسي وبالخبرة السياسية والقانونية اللازمة لتحقيق تلك المفاهيم، لذا يستلزم الأمر عدة متطلبات هي:
1. الإرادة السياسية: فهي المحرك الأساسي لمنظومة العدالة الانتقالية وإن توافرت كل السبل التقنية اللازمة لتحقيق تلك المنظومة. فإن لم تتوفر الإرادة السياسية لن يتم تفعيل القوانين والقرارات الجديدة أو سيتم استخدامها لكبح جماح المعارضة السياسية، مما يعني إعادة إنتاج النظام السابق.
2. سيادة القانون: فالسلطات الحاكمة تضع تدعيم سلطتها وسطوتها علي مقاليد الحكم علي جدول أولويتها، وتنشغل عن تعزيز سيادة القانون بل وقد تنظر إلى سيادة القانون بوصفه خطرًا علي تدعيم سلطتها، وقد يزداد الأمر سوءً إذا ما اتخذت السلطات الجديدة (الانتقالية) المأخذ نفسه من الانتهاكات التي كان النظام السابق يبتغيها. وعليه ولهذا توجد ضرورة ملحة لتوخي الحذر عند إقرار قوانين خاصة بمعاقبة النظام السابق حتى لا يتسبب ذلك في زيادة قوة ترسانة القوانين الاستبدادية المعرقلة للحياة الديمقراطية، وذلك عن طريق البعد عن القوانين الاستثنائية التي تخل بمعايير العدالة الجنائية، ولا تحقق قيام محاكمات عادلة ومنصفة. فالغرض من تطبيق منهج العدالة الانتقالية ليس الانتقام من النظام السابق بل الوقوف على حقيقة إدارة هذا النظام وتحديد الضحايا من أجل إعادة الاعتبار لهم، في إطار هدف أوسع وهو الوصول إلى العدل.
3. استقلال السلطة القضائية: فلا يمكن تخيل أي نوع من تطهير المؤسسات أو عزل الجناة أو حتى المحاكمات دون إقرار قانون جديد للسلطة القضائية، يضمن استقلاليتها وتحريرها من سطوة وزارة العدل والجهات الأمنية. والمطلوب ليس فقط ضمانة لاستقلال القضاة ولكن أيضًا النيابة العامة، معاونين القضاء، وخبراء وزارة العدل بما فيهم الطب الشرعي.
4. إنشاء محكمة متخصصة لمعاقبة جرائم النظام السابق: علي البرلمان بعد تحصين السلطة القضائية أن يضع مشروع قانون شامل يضمن فيه محاكمة النظام السابق عن طريق إنشاء محكمة متخصصة لمعاقبة جرائم النظام السابق، بشرط أن يكون قانون إنشائها متناسب مع المعايير الدولية للمحاكمات العادلة وألا تعد المحكمة المنشأة محكمة خاصة أو استثنائية.
دور منظمات المجتمع المدني
ضرورة عمل منظمات المجتمع المدني بتزويد الدولة بالتقارير الموثقة عن الإنتهاكات مما يسهل علىها عملية التعويض للضحايا أو محاسبة مرتكبي الإنتهاكات. ويستمر عمل منظمات المجتمع المدني أثناء فترة ااتعويض والمحاسبة كمراقب لعمل الدولة
ومن أهم الأدوار التي يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعبها في مثل هذه المراحل هو رفع الوعي عند المواطنين لضرورة الإلتزام بالقانون ومخاطر الإنزلاق بحالات الإنتقام الفردية التي لن تنتهي إلا بوجود محاكمات شرعية ذات مصداقية. أي أنها ترتبط إرتباطا وثيقا بتطبيق مفهوم العدالة الإنتقالية وهنا تكمن أهمية هذه المنظمات لتكمل عمل الدولة أولا ولبناء علاقة أقوى مبنية على أسس القانون والعدالة بين المواطن والدولة وخاصة عندما تكون هذه الدولة تمر بمراحل معينة وخاصة المراحل الانتقالية ومرحلة ما بعد الأزمات.
اضف الي ذلك ان لمنظمات المجتمع المدني دور بالغ الاهمية من أجل خلق وعي جماهيري بضرورة العدالة الانتقالية، والضغط على النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة مثل الحكومة والبرلمان والقضاء، وباستخدام جميع الوسائل خصوصاً وسائط الإعلام التقليدية والإلكترونية والعمل الجماهيري، لإنفاذ عملية العدالة الانتقالية. كذلك عرض لمشاركة منظمات المجتمع المدني وأهالي الضحايا فعلياً في عملية العدالة الانتقالية، إلى جانب مؤسسات الدولة من لجان تحقيق ومحاكم وغيرها.
مصادر :
• مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان
• المركز الدولي للهدالة الانتقالية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات