الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقلُّ من بلادٍ قليلةٍ وأقلّْ

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2013 / 9 / 7
الادب والفن


][مجرّدُ فتاة][
كانت مجردَ فتاةٍ بثوبٍ بلونين، أصفر وأحمر، كعادة البناتِ في مناطق غزة المفتوحة، راعيةُ أغنامٍ تهاجمُ حدائقَ الأغنياءِ على الشاطئ، فتأكل كل ما يخرج عن السورِ العظيمِ الذي يحيط بالبناية العظيمة: أبقِ روحكَ داخلَ السورِ فكلُّ ما يخرجُ عن حدودِ سورِكَ يصيرُ مِلكَنا، تقولُ الراعيةُ فيما أغنامُها تطاردُ أغنياءَ آخرين.

][مجرّدُ حجر][
وكأنهم على سلّم الغجر الصاعد الهابط معاً، يحلمون بما بين أيديهم، ويسلقون الكلامَ بماء الكسالى، يجلسون على رأس الهرم دون أن ينتبهوا إلى تآكل القاعدةِ بفعل الريحِ والنملِ الغزير الناهضِ من السنوات الكثيرةِ تحت الحجارةِ، يموتون ويظنون الحياة في موتهم، لستم سنابل ولو صدقتم أنفسكم، الحجر ميت فوق الأرض، وميت تحتها، فانتبهوا إلى موتكم.

][مجرّدُ يد][
نعم هي يدي، وليست خرافة أو مزاج محضّر أرواحٍ أراد أن يكثّف الحضور البشري، هي يدي، تلك التي زرعت أعماراً على شكل شجر، والتي عزفت على كلّ آلةٍ دهراً، هي يدي التي حددت مسارات الأنهار، وألوان الطبيعة، هي يدي التي حمت العصافير من السقوط والغيمات من الثبات، هي يدي التي كتبتْ، هي يدي التي أطالت عمر الحكايات القديمة، هي يدي التي أبقت الكهوف والآثار دون أن تصاب بسوء، هي ذاتها نفس اليد التي لم تستطع أن تدافع عني حين خمشني الحنين من القلب.

][مجرّدُ حاملِ خطايا][
قبل الفجرِ رأيتُه يقوم من موته، يصلي الصبحَ مع الحساسين، ويوزع اللون الأخضر على الأشجار، ثم يغطس في الأفق حاملاً ما استطاع من خطايا الناس، ويموت إلى الفجر التالي...

][مجرّدُ ولد][
وكان مجرّد ولدٍ يلعبُ في الشارعِ حين أكلتهُ الطائرةُ بجناحيها الفضيين، قال أبوه: ما كان عليه أن يلعب تحت السماء، وقال صديقه الذي أخطأته نفس الطائرة: لقد كان يلوّح لها بقلم رصاصٍ ويقصد أنه سيرسمها بشكل عنكبوتٍ بشع، وقال قائد الطائرة إن الصاروخ كان حملاً زائداً ليس إلا، وقالَ الشارعُ: أفتقد لطفَ دعسته حافياً، وقالت الكرةُ التي نجت بأعجوبةٍ: كان لاعباً سيئاً، لكنني لم أغضب من طفل مطلقاً، كل هذا الحديث لم يوقظ عيناً واحدةً من عينيه، ولم يحرّك إصبعاً من أصابعه، لقد كان ميّتاً تماماً حتى أنه لم يتمكن من هش الذبابة الصغيرة على مقدمة أنفه.

][مجرَّدُ نارٍ وماء][
كأنني من نارٍ وماء، كلما أعددتُ وليمةً للغائبين قليلاً، تمرّد الكلامُ على اللسانِ والإحساسُ على اللغةِ وبقيتُ كما أنا، من نارٍ وماء، لا أحترقُ ولا أنطفئ، تضربني المسافات بألف لعنةٍ ولا أصدقُ كلّ هذا الخراب، ويسألني الليلُ: ومن أنت حتى ينشغل الخراب بإيمانك؟ فأجيبُ: أنا من نارٍ وماء...

][مجرّدُ نهاية][
خِفنا جميعاً من انهيارِ المسافةِ بين الفكرةِ والأرض، حملنا خوفَنا في محافظَ من جلدٍ قويٍّ وفخمٍ وأنيق، شكّلناهُ بذوراً لقصائدَ لم تأتِ، لعناوينَ لم نسكنها ولم تصلها أية رسالةٍ منذ الأزل، لأزهارٍ لم نزرعها ولم نهدِها لأحد، لمواقفَ لم نقِفها، لحبيباتٍ لم نُوْدِعْ جمالهنّ في أرواحنا كي يحميننا من الفناء، الخوفُ لم يكنْ شرساً، نحنُ رفعناهُ إلى هذا المعنى، وأعطيناهُ السيادةَ فسادَ، كنّا أقلَّ من بلادٍ قليلةٍ، وبقينا زجاجاً مجوّفاً ظانّينَ ألا أحدَ يرانا من الداخلْ.

السابع من أيلول 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى