الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا تتكرر المأساة فى مصر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2013 / 9 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من المعروف أن الشعوب لا تقوم بثورة كل عام أو عامين. فبعض الشعوب قامت بثورة واحدة طوال تاريخها لأنها فى الواقع اتخذت إجراءات سليمة وخطوات صحيحة لتحقيق كل الأهداف التى قامت من أجلها الثورة. ولا شك أن اتخاذ الخطوات الصحيحة بعد الثورة يعد الضامن الوحيد لعدم تكرار الثورات فى بلد ما. فالشعب المصرى خلال تاريخه المعاصر قام بعدة ثورات (ثورة عرابى وثورة 1919 وثورة 1952م) وهى ثورات كانت تهدف للتحرر الوطنى حيث كانت مصر تقبع تحت نير الاستعمار البريطانى. أما ثورة 25 يناير 2011م فهى الثورة التى كانت تهدف لتحقيق أهداف اجتماعية وسياسية كالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لذلك اعتقدنا أن هذه الثورة من شأنها أن تنقل البلاد إلى مرحلة جديدة حيث يسود القانون وتنتعش الحياة الحزبية ويتبنى رجال السياسة الثقافة الديمقراطية كوسيلة فعالة لحكم البلاد وبحيث تغنينا الآليات الديمقراطية عن القيام بثورة جديدة. وفى ظنى فان الأمر الذى أدى إلى الثورة الثانية والفوضى التى عاشتها البلاد يتمثل فى خطأين كبيرين. الخطأ الأول هو وضع العربة أمام الحصان. أما الخطأ الثانى فيتمثل فى أن الطرف الذى وصل إلى الحكم متسلقا سلم الديمقراطية لم يعر اهتماما لتطبيق السبل الديمقراطية فى حكم البلاد.

من المفيد أن نشير هنا أن الدول التى شهدت ثورات كبرى عبر تاريخها توقفت عن استخدام الثورة كوسيلة لتغيير نظام الحكم. فالأمريكيون قاموا بثورة فى عام 1776م ولم يلجأوا إلى الثورة مرة أخرى لتغيير الرؤساء والمسئولين. لقد رأينا كيف استطاع الأمريكيون مواجهة الأوضاع التى نجمت عن فضيحة ووتر جيت فى السبعينيات حيث اضطر الرئيس نيكسون إلى تقديم استقالته حتى يتفادى إدانة الكونجرس. كما شهدنا كيف رفض الأمريكيون إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش الأب وقبله الرئيس كارتر. ولعل الكثيرين أصيبوا بالدهشة حين رفض الانجليز إعادة انتخاب تشرشل رغم أنه خرج منتصرا فى الحرب العالمية الثانية. السؤال: لماذا لم تشهد هذه البلاد ثورات تهدف إلى تغيير نظام الحكم؟ الإجابة ببساطة تتمثل فى أن هذه البلاد تعتبر ديمقراطيات راسخة ولديها دساتير تحدد مهام الرئيس أو رئيس الوزراء وتحد من سلطاته وتبين كيف يمكن محاكمة هؤلاء إذا خرجوا عن حدود سلطاتهم ومقتضيات واجباتهم. الخطأ الذى وقعنا فيه بعد ثورة 25 يناير هو أننا أجرينا انتخابات برلمانية ورئاسية قبل إعداد الدستور أى وضعنا العربة أمام الحصان على أمل أن تجر العربة الحصان وهذا عكس النواميس والقواعد المتعارف عليها. فدستور 2012 وضعته لجنة اختارها نواب البرلمان المنتخبين وتم إقراره بعد تولى الرئيس المنتخب مهام أعماله. لا نضيف جديدا إذا قلنا إن الثورات التى نجحت فى إحداث نقلة عظيمة فى بلادها بدأت بالدستور على اعتبار أنه بمثابة خريطة توضح معالم الطريق لسلطات الدولة، أى إن الدستور هو الذى ينشىء السلطات ويحدد اختصاصاتها ويبين العلاقة بين السلطات الثلاثة: التنفيذية والتشريعية والقضائية. وبعبارة أخرى فالدستور هو الحصان الذى يجر عربات السلطة.

الخطأ الثانى الذى وقع فيه المسئولون بعد ثورة 25 يناير يتلخص فى أنهم اعتقدوا أن الديمقراطية تنتهى بانتهاء نتائج الاقتراع. من المؤكد أن الفكرة التى ترسخت لدي هؤلاء المسئولين تمثلت فى أنهم باتوا مستعدين لممارسة الحكم بالطريقة التى تحلو لهم. وفى ظنى فإن الدستور الذى أعدوه بعد إقصاء القوى السياسية شجعهم على إلقاء الخطوات والأدوات الديمقراطية فى سلة المهملات. والدليل الذى نسوقه هنا هو الإعلان الذى أصدره رئيس الجمهورية السابق فى 22 نوفمبر 2012م والذى بموجبه أصبح يتمتع بسلطات غير عادية حيث صارت قراراته محصنة وغير قابلة للطعن منذ توليه الرئاسة وحتى انتخاب مجلس شعب جديد. من الواضح أن الطرف المنتخب بعد ثورة يناير أراد أن يحكم بذات الآليات التى قامت الثورة ضدها. لعل هذا الطرف رغب فى أن يرث السلطة بمساوئها ولم يفكر برهة فى الأسباب التى أدت إلى الثورة فى المقام الأول. الدليل على هذا الكلام يكمن فى ثنايا الدستور الجديد الذى حافظ على السلطات والاختصاصات التى تحول أى شخص بسيط إلى دكتاتور. فالسلطات التى منحها دستور 2012م لرئيس الجمهورية هى ذات السلطات التى كان يتمتع بها الرئيس مبارك فى ظل دستور 1971م ومنها رئاسته لمجلس الأعلى للقوات المسلحة (المادة 146) والشرطة وحقه فى تعيين رئيس مجلس الوزراء (المادة 139) المحافظين ورؤساء الجامعات والسفراء وإعفائهم من مناصبهم (المادة 147).

من المؤكد أن الدساتير هى التى تحدد هوية ومستقبل الأمم. فالفضل يرجع إلى الدستور إذا صارت دولة ما عظيمة أو "قد الدنيا" على حد قول الفريق أول عبد الفتاح السيسى. من المؤكد أن السبب الرئيسى فى تقدم وعظمة الولايات المتحدة الأمريكية يرجع إلى الدستور الذى تم إقراره فى القرن الثامن عشر. وفى المقابل فالدستور يمكن أن يأتى بنتيجة عكسية حيث تتردى الأوضاع ويترسخ النظام الديكتاتورى. فالسبب الذى ساعد فى استمرار الرئيس مبارك لمدة ثلاثين عاما هو دستور 1971م حيث تم تعديل المادة 77 لتعطى الرئيس فرصة البقاء فى الحكم مدى الحياة. لذلك نقول إن اللجنة المنوط بها إعداد الدستور تعتبر مسئولة أمام التاريخ وأمام الأجيال القادمة إذا أدى الدستور القادم إلى تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة مواد لم يتم تعديلها. وقد يقول قائل إن الشعب هو الذى يقرر من خلال الاستفتاء إذا كان الدستور صالحا أم لا. ولهؤلاء نقول إن الشعب المصرى منذ أكثر من ثمانين عاما لم يقل "لا" فى أى استفتاء. فالشعب المصرى قال "نعم" لكل الدساتير والإعلانات والتعديلات الدستورية التى استفتى عليها. لقد قال "نعم" لدستور 1923م وقال "نعم" للإعلان الدستورى الذى صدر فى ديسمبر 1952 ثم الإعلان الدستورى الثانى فى يناير 1953م ثم دستور 1956م ثم دستور الوحدة مع سوريا فى عام 1958م ثم دستور 1971م الذى أدخلت عليه عدة تعديلات لم يرفضها الاستفتاء الشعبى ثم الإعلان الدستورى فى 2011م وأخيرا دستور 2012م. إذن الشعب اعتاد على التصويت الايجابى فى أى استفتاء. لذلك يقع على عاتق اللجنة مسئولية إعداد دستور قوى يحتوى على نصوص ومواد غير قابلة للتعديل لعدة سنوات قادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري