الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أربعينية القاص عبد الستار ناصر: في رثاء الكلمة الجميلة

باقر جاسم محمد

2013 / 9 / 15
الادب والفن


تمر اليوم أربعينية القاص و الروائي المبدع عبد الستار ناصر. و إسهاماً في أحياء هذه المناسبة الحزينة، كلفني عدد من مثقفي العراق في كندا و الولايات المتحدة بكتابة رثاء للعزيز الراحل أبي عمر. و سوف يقرأ الشاعر هادي ياسين على النص الذي كتبته في حفل التأبين الذي سيقام اليوم في كندا و يحضره مثقفون عراقيون و عرب و مسؤولون من السفارة العراقية. و هنا أنشر النص الكامل للرثاء. و عسى أن يتلفت المسؤولون عن الثقافة لإقامة ندوة علمية عن نتاج عبد الستار ناصر الغزير.

عبد الستار ناصر
في رثاء الكلمة الجميلة
باقر جاسم محمد
كلية الآداب/ جامعة بابل/ العراق

و الآن، هل رحل عبد الستار ناصر حقاً؟
تجيب السجلات الرسمية: "نعم."
و تجيب عقولنا:
"نعم."
فهل انتهت حكايته؟ و ماذا تقول ضمائرنا؟
نقول: كلآ، فمنذ أن ولد في محلة الطاطران، كان عبد الستار ناصر، ذلك الفتى الوسيم المسكون بهواجس إبداعية، نغمة عظيمة في لحن الحياة، فهو ما انفك يحدق فيها بعينين جميلتين تشبهان نبعين صافيين في نهار وجهه الذي تشع منه الطيبة. و كان ممتلئاً بالبساطة الآسرة، إذ على الرغم من كونه الفتى الأكثر وسامة بين أقرانه، فإنه ممن لم يركبه الغرور بوسامته الباذخة حد الترف، و في الوقت نفسه، لم يلتفت كثيراً خوفاً من الماضي و من صليب تاريخه الأسري، بل كان يعانق ذلك التاريخ بصدق منقطع النظير، فكان أن انعكس بعض من ذلك التاريخ الذاتي في قصصه و رواياته حين صار كاتباً له منزلته بين كتاب الستينيات من القرن العشرين. فكان يسرد بصراحته و صدقه المعروفين أطرافاً من تاريخه الأسري دون وجل أو تردد. و أعتقد أن أكثرنا، إن لم أقل جميعنا، كان يفتقر إلى شجاعة عبد الستار ناصر الآسرة في هذا المجال. و لو تهيأ لنا شيء من صراحته و شجاعته فربما كان دور المثقف العراقي قد تغير على نحو جذري. و لو كتبنا التاريخ النقدي للقصة العراقية فإن عبد الستار ناصر سيكون في مقدمة كتاب القصة الذين تتداخل في كثير من قصصهم العناصر السيرية الذاتية مع العناصر الحكائية المأخوذة من الحياة. و لعل كتابته لسيرته الذاتية في الأدب و الحياة التي نشرها في مجلة الأقلام العراقية و في مجلات ثقافية أخرى، بما تتميز به من صدق و حميميه، شاهد حي على ما أقول، و هي من أهم وجوه إبداعه كشفاً عن ملامحه النفسية و الأخلاقية و عن قناعاته الفكرية و الاجتماعية.
لا يعاني عبد الستار ناصر كثيراً في كتابة قصصه و رواياته و نصوصه المسرحية القصيرة، فهو يكتبها كمن يمتح من نبع متدفق لا كمن يمتح من بئر عميقة. و هو يحرص على أن تكون قصصه مسكونة بالهموم الإنسانية البسيطة بعيداً عن التعقيدات التقنية أو الأسلوبية حتى ليمكن القول أنه كان يكتب القصة بالسهولة التي يتنفس بها أو يقطع الشارع مشياً، أو يحدق في منظر أو في وجه امرأة جميلة، فهو قد ولد ليعيش الحياة بكل تفاصيلها السارة و المحزنة من جهة، و لينجز فعل السرد القصصي عن حياته و حياة الناس من حوله من جهة أخرى. و شيئاً فشيئاً تحولت القصة إلى واحدة من أهم الأسباب التي تمده بالرغبة بالبقاء و مواصلة الحياة و التحديق فيها بشبق الفتى العاشق، ذلك الشبق الذي لم تخفف السنون من غلوائه. فقد ظلت ينابيع عبد الستار ناصر الروحية تمور بحب الحياة حتى اللحظة الأخيرة.
في العراق، كنا نلتقي في دار الشؤون الثقافية أو في مقهى حسن عجمي، في البصرة أو الموصل أو أربيل، و في خارج العراق التقينا في عمان، و في مقهى السنترال، و كنا نتحاور، و في أحيان كثيرة كنا نختلف، لكن عبد الستار ناصر كان يتواصل مع الجميع بروح من المودة و التسامح تثير الإعجاب، فما أن تجلس إليه حتى يحدثك، و هو منهمك في لعبة ما مع صديق آخر، عن آخر إصداراته، و أنه سوف ينتهي قريباً من العمل في قصة أو رواية. نعم، لقد كان بسيطاً، بل هو الغاية في البساطة، فلم يكن يحمل شيئاً من عجرفة المثقفين في عالمنا العربي الثالث الذي يرتد الآن ليكون عالماً عاشراً.
عبد الستار ناصر، الإنسان و المثقف و الكاتب، ابن العراق؛ شهد تحولاته و فجائعه و اتسا}}ع رقعة آلامه. و في أحيان كثيرة، امتلك شجاعة التصدي لذلك الانهيار القيمي الذي صاحب صعود الدكتاتورية، فكانت بعض نصوصه القصصية، مثل (سيدنا الخليفة) ذات البنية الفنية المحكمة، نوعاً من القصة المكرسة لنقد الواقع السياسي و الاجتماعي في أواخر السبعينات من القرن العشرين، و كان ذلك في وقت انصرف فيه بعض القصاصين إلى تمجيد النظام بينما لاذ بعضهم بالصمت. و كان من عقابيل ذلك أن دخل عبد الستار ناصر السجن الانفرادي، و عاش فيه ظروفاً غاية في الصعوبة حدثني عنها قبل أكثر من عقدين حين كنا في القطار في طريقنا إلى البصرة. و لم يخرج من سجنه الرهيب إلا بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات. و لكن، لأنه ابن الثقافة العراقية الأصيل، فقد عاني أيضاً من الانكسارات التي مرت بالبلاد. و على خلاف كثير من الكتاب و المثقفين، فقد امتلك عبد الناصر ناصر شجاعة الاعتراف بتلك الانكسارات و الاعتذار عنها مما ينم عن نفس نقية و ضمير حي.
و الآن، هل رحل عبد الستار ناصر حقاً؟
تجيب السجلات الرسمية: "نعم."
و تجيب عقولنا:
"نعم."
"و أين كانت وفاته؟"
نقول: "بعيداً عن شواطئ دجلة التي عشقها و كرس حياته ليحكي عن أهلها.
و لكن ضمائرنا، نحن أصدقاءه و محبيه، تقول:
"لم يمت عبد الستار ناصر. فهو باقٍ ما بقيت قصة الإنسان و الحياة ليدون، سردياً، تفاصيل مرحلة تاريخية أرهقت الجميع. إنه خالد في ضمائرنا جميعاً، و في تاريخنا الثقافي و الإبداعي."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل