الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحالف الثلاثي ضد الثورة المصرية - الجزء الأول

محمود بلحاج

2013 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التحالف الثلاثي ضد الثورة المصرية - الجزء الأول

لا شرعية تعلو فوق شرعية الميادين..

مقدمة عامة:

سنحاول، في هذا المحور مناقشة أهم وابرز الأسباب والعوامل الموضوعية التي عجلت بتأزم الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية بمصر ، خلال السنتين الماضيتين، وذلك لكون أن البحث في اختلال المشهد السياسي والأمني في هذا البلد ( = مصر) يستدعي استحضار مجموع الأسباب التي تساهم في حدوثه، خاصة بعد صعود الإسلاميين/ الإخوان إلى الحكم. وهي الأسباب التي ساهمت – بلا شك - في تشكيل وإفراز الوضع المصري الراهن، الذي سار يهدد سلامة وامن المصريين من جهة، ووحدتهم الوطنية من جهة أخرى، كما تشير مختلف المؤشرات المتداولة الآن بخصوص المشهد المصري الذي يتجه نحو التدهور والانكسار في حالة استمرار الوضع كما هو عليه الآن.

إن المتتبع للواقع السياسي بمصر يواجهه سؤال مركزي : إلى أين تسير مصر ؟ خاصة وان الأوضاع التي تعيشها وتجتازها مصر راهنا تجعلها في مفترق الطرق، لهذا فمن الواضح جدا أن مصر ، وشعبها المناضل، يعيشان لحظات عصيبة من تاريخهما المعاصر، نتيجة انفتاح مستقبلها ( = مصر) على كل الاحتمالات والتكهنات، بما فيه نشوب حرب أهلية وصراع طائفي مدمر - مع الأسف - حيث قال النائب البريطاني جورج غالوي المعروف بمناهضته للغرب الامبريالي ما يلي " تقسيم العرب هذه المرة سيأتي على أساس الاختلافات الطائفية والمذهبية أن جرت استخدامها كوسيلة لتحريض المسلمين في اقتتالهم بعضهم لبعض..".

ومن الوارد، والمحتمل، عودة الاستبداد والنظام البوليسي إلى الحياة المصرية ، كما كان عليه الوضع طيلة العقود الماضية من التاريخ السياسي المعاصر لهذا البلد( =مصر) المركزي فيما يمسى تعسفى بالعالم العربي، خاصة إذا علمنا أن التحالف الثلاثي القائم بين الإخوان المسلمين، المجلس العسكري وأمريكا، يهدف - أساسا - إلى تحقيق هذا المبتغى الخبيث، لكن شريطة القضاء والإجهاز على الثورة أولا، و تجريدها من كافة مكتسباتها ثانيا، ووقف زحفها الثوري ثالثا، وهو الأمر الذي سيحقق استمرارية النظام القديم ( ربما أن اطلاق سراح مبارك يدخل ضمن هذا التوجه والمخطط !!) ، لكن بوجوه جديدة وسياقات جديدة، وذلك لكون أن استمرار تنامي الوعي الثوري، خاصة بعد تزايد المد الجماهيري للثورة، والتحولات التي عرفتها على مستوى خطابها وشعاراتها أيضا باتت تشكل خطرا حقيقيا على القوى المتحالفة ضد الثورة التي كانت حتمية تاريخية حسب لغة ماركس.

يندرج هذا المقال ضمن المجهودات التي نبدلها إلى جانب زملاء آخرين قصد المساهمة – قدر الإمكان - في تنوير الرأي العام بحقيقة الأحداث الجارية الآن بمصر على أكثر من صعيد، وبالتالي فإننا نجتهد في تقديم قراءة مخالفة ومغايرة لتلك التي يعمل التيار الإسلامي ، ليلا ونهارا، على نشرها وطرحها في مختلف الوسائل الإعلامية، وهي قراءة لا تخلو من التزييف والتضليل الممنهج، حيث أنها تسعى إلى إظهار وتقديم الجماعة ( = الإخوان المسلمين) على أنها ضحية " لمؤامرة " الجيش والعلمانيين، وبالتالي فهي مجرد ضحية لمخطط علماني " معادي " للإسلام، بينما أن الواقع الموضوعي يؤكد لنا العكس تماما، كما سنوضح ذلك فيما بعد .

لهذا، فإننا سنحاول تقديم قراءة موضوعية وعقلانية للواقع المصري بعيدا عن منطق المزايدات السياسية والصراعات الإيديولوجية التي عادة ما يمارسها الإسلاميون أكثر من غيرهم، فغايتنا الوحيدة، والأخيرة، هي تقديم المعلومات الصحيحة والمعطيات الموضوعية للقارئ الذي يشتاق إلى معرفة حيثيات وحقيقة الأحداث التي تشهدها مصر الصامدة في وجه الطغاة. وخاصة بعد الحملة الإعلامية التي دشنتها قوى الإسلام السياسي في بلادنا (= المغرب) ضد القوى الديمقراطية والعلمانية بخصوص موقفها من الأحداث الجارية بمصر، هذا بالرغم من أن موقف القوى المغربية الديمقراطية، وبشكل عام، هو موقف مناهض " للانقلاب العسكري " ، وهو ما يفسر أن الهدف من الحملة الإعلامية التي تباشرها، كما قلنا، القوى الظلامية والرجعية في بلادنا تهدف إلى طمس حقيقة الصراع الدائر بمصر، وتشويه حقيقة الموقف الديمقراطي والعقلاني للقوى الديمقراطية والعلمانية في بلادنا، لكونها تعتبر أية قراءة خارج تصوراتها ومصلحتها؛ أي خارج تصورات ومصلحة الإسلاميين المغاربة، دعما للانقلاب ومناهضة للديمقراطية، وبالتالي فهي غير مقبولة لديهم. ومن عجائب، وغرائب، التي جاء بها الربيع الديمقراطي هو بروز الإسلاميين كمدافعين عن الديمقراطية ، فهل يعبر هذا المنحى " الجديد " في التعامل السياسي للقوى الإسلامية عن تحول ما في بنيتهم الفكرية ام أنه مجرد تعامل مرحلي انتهازي؟

أمريكا والبحث عن " مبارك إسلامي " :

يعرف المشهد المصري تحولات عميقة ودراماتيكية على أكثر من صعيد، التي تهدد، في حالة استمرار الوضع كما هو عليه الآن، سلامة وأمن الشعب المصري برمته، والدولة المصرية ومؤسساتها أيضا، حيث أن الوضع في مجمله يتجه نحو إعادة إنتاج التجربة الجزائرية مع بداية التسعينيات القرن الماضي، خاصة بعد أن أعلن التيار الإسلامي (الإخوان ومسانديه) تشبثه بالشرعية الانتخابية وعودة الرئيس المعزول ذ. محمد مرسي إلى الحكم. للإشارة فقط، يتميز تاريخ الجماعات الإسلامية(= الإسلام السياسي) عموما، وجماعة الإخوان المسلمين خصوصا، بالعنف والعمالة للغرب الامبريالي، فعلى سبيل المثال، تعاونت جماعة الإخوان المسلمين بمصر مع بريطانيا وأمريكا ضد جمال عبد الناصر الذي كان احد أعضائها، ونفس الشيء أيضا حصل ضد صدام حسين في العراق ، الذي اتضح من خلال الأحداث السياسية التي يعيشها " العالم العربي " أنه مات رجلا، وكان شجاعا ووطنيا قياسا إلى الزعماء العرب الآخرين ( القدافي، بنعلي، مبارك ..) بصرف النظر عن الجرائم التي ارتكبها في حق الشعبيين العراقي والكردي، أما في بلادنا فالسيد بنكيران أصبح ملكيا أكثر من الملك وتاريخه في التعامل مع الأجهزة الأمنية معروف .

عديدة هي التساؤلات التي يطرحها المشهد المصري الراهن ، حيث يتساءل البعض، قائلين، ماذا يحدث في مصر؟ ولماذا يحدث؟ وما هي الأطراف المسئولة عن ما جرى ويجرى الآن من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ( العنف/ قتل المواطنين، الاعتقالات، قمع الحريات .. الخ) ؟ و ما هي طبيعة النزاع/ الصراع الدائر بين الأطراف المتصارعة هناك؟ وما هو دور القوى الإقليمية والدولية في هذا الصراع؟ وهل ما حدث بعد 30 يونيو هو " انقلاب عسكري" أم أنه احتجاج شعبي عارم ضد النظام الإخواني الفاشي والمستبد، وبالتالي اعتبار الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها البلاد يوم 30 يونيو، الموجة الثانية من الثورة، استمرارا للثورة الشعبية التي باشرها الشعب المصري بكل طوائفه يوم 25 يناير 2011 ضد نظام مبارك السيئ الذكر ؟

هذه الأسئلة، وأخرى مشابهة لها، كما يلاحظ عليها تبدو، وتشير إلى وجود شيء استثنائي وغير طبيعي في المشهد المصري على كافة المستويات، و بالذات على المستوي السياسي والاجتماعي والأمني، خاصة بالنسبة للذين لم يستطيعوا متابعة التطورات المتلاحقة التي عرفتها مصر قبل وبعد أحداث 30 يونيو المنصرم، أما بالنسبة للذين كانوا على اطلاع مستمر ومتواصل؛ أي مند الوهلة الأولى لاندلاع الثورة المصرية وتنصيب مرسي رئيسا للجمهورية ، بعد أن قاموا بإعادة تنظيم وترتيب أوراقهم الداخلية واتفاقهم أيضا مع المجلس العسكري برئاسة وزير الدفاع (= المشير الطنطاوي) ، ونحن نعرف جيدا كيف غابوا عن معظم المظاهرات والاحتجاجات التي كانت ضد المجلس العسكري بعد تنحى مبارك، ونعرف أيضا كيف كان موقفهم الرسمي من المظاهرات والاحتجاجات التي كانت ضد مبارك حيث تركوا لاعضاهم حرية التصرف والاختيار ، هذا أولا، وثانيا بعد تفاهمهم كذلك مع الامبريالية الأمريكية وحليفته قطر . قلنا أن الذين كانوا يتابعون التطورات المصرية مند بدايتها حتى المرحلة الراهنة، فهؤلاء سيكون لهم - دون ريب - رأي وقراءة مخالفة لتلك التي نقرئها الآن لمختلف الفاعلين في المشهد المصري، سواء كانوا مصريين أو غيرهم.

وفي هذا الإطار العام ؛ أي في إطار التفاهم المذكور سابقا، يمكن فهم وتفسير الموقف الأمريكي والقطري من الأحداث التي تعرفها مصر مند 30 يونيو، خاصة فيما يتعلق بمسألة تدخل الجيش إلى جانب الشعب كما يبدو ظاهريا، بينما في العمق كان تدخله من أجل حماية مصالح الامبريالية الأميركية والإسرائيلية أولا، وحماية مصالحه الخاصة ثانيا، التي سارت مهددة بفعل المساعي التي تبدلها جماعة الإخوان المسلمين لتأسيس كتائب وجهازا امنيا خاصا بها على غرار ما هو موجود في إيران ( انظر جريدة الدستور الصادرة يوم 26 يناير 2013)، وأيضا بعد تصاعد المد الثوري وإقحام أمريكا وإسرائيل في مظاهرات 30 يونيو حيث تم ترديد شعارات قوية ضد أمريكا وإسرائيل،وهو تطور جديد في مسار الثورة المصرية.

لهذا من المحتمل جدا أن يكون تدخل الجيش المصري الذي تم يوم 3 يوليوز، واختطافه بعد ذلك للرئيس المنتخب " ديمقراطيا " قد تم بأمر وطلب من أمريكا التي وصلها صدى شعارات الثوار المصريين المناهضة للتبعية الأمريكية، وبعد أن اتضح أيضا ضعف وفشل الإخوان في إدارة البلاد وتحقيق الاستقرار السياسي المطلوب شعبيا وأمريكيا، حيث أن حتمية سقوط مرسي كانت مسألة وقت فقط بعد الحشود الشعبية التي ملئت بها شوارع وميادين مصر يوم 30 يونيو، وبالتالي فإن الهدف الأساسي والجوهري من التدخل العسكري هو إجهاض الثورة وليس عزل محمد مرسي الذي كان ضمن لائحة المغادرين / الراحلين بعد خروج ملايين المصريين ضده، أو على الأقل لم يكن هو الهدف الرئيسي من تدخل الجيش، علما أن الجيش كان بإمكانه التدخل في فترة سابقة، لعدة أسباب سنتناولها في الجزء الثاني من هذه الورقة، وبالتالي فالتوقيت الذي اختاره الجيش للتدخل يطرح أكثر من علامة استفهام . وفي ذات الإطار نفسه يمكن أيضا تفسير وفهم الموقف التركي من الأحداث المصرية، حيث لعب الرئيس التركي(رجب طيب أردوغان)، إلى جانب الدكتور سعد الدين إبراهيم( أستاذ جامعي ومدير مركز ابن خلدون الإنمائي)، دورا مهما في الوساطة بين أمريكا والإخوان من جهة، وبين قطر والإخوان من جهة أخرى.

ومن المنطقي والطبيعي أن يودي هذا التفاهم إلى أمرين أساسيين: الأول هو تكرار تجربة مبارك وبالتالي استمرار نظامه الاستبدادي ، لكن بوجوه/ أشخاص جديدة وسياقات جديدة كما قلنا أعلاه ، وبالتالي عدم إجراء أية تغييرات جوهرية على نظام مبارك الرجعي، حيث أن أمريكا كانت ومازالت تبحث عن " مبارك إسلامي " يقول المفكر الأمريكي نعوم تشيكوفسكي في محاضرة له قبل 25 يناير 2011 . وهذا ما أكدت عليه أيضا السيدة دانيال بورين، منسقة المنظمات اليهودية بأمريكا، حيث قالت بالحرف " لنا اتصالات سرية مع الإخوان بدأت في عام 2006 بهدف إزاحة الرئيس مبارك وعائلته .." . و تجدر الإشارة هنا إلى أن علاقة أمريكا بنظام مبارك توترت بشكل كبير خلال العقد الأخير ، نتيجة رفض مبارك مساندة ودعم أمريكا في حربها الثانية على العراق( 2003) ، وهو الأمر الذي حد بالإدارة الأمريكية إلى تغيير سياستها وإستراتيجيتها تجاه مبارك ونظامه، حيث سعت أمريكا (مند 2005 ) إلى إزاحة مبارك من الحكم.

والأمر الثاني هو عدم استقلالية القرار السياسي والاقتصادي ، وبالتالي استمرار معاناة الشعب المصري على جميع المستويات، و من ضمنها استمرار هيمنة الجيش على مفاصل الدولة. هذا بالإضافة إلى استمرار تبعية مصر للقوى الرأسمالية الامبريالية عبر منحها قروض ومساعدات مالية مشبوهة . وهذا ما يفسر رفض مرسي لعدة اقتراحات ومبادرات وطنية للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها مصر، التي تقدمت بها هيئات وشخصيات مصرية عديدة، وهي مبادرات تتوخى الاعتماد على الإمكانيات الذاتية لمصر والمصريين من جهة، وجذب الاستثمارات الخارجية من جهة أخرى، لكن – مع الأسف - رفضها (= مرسي) جميعا واتجه نحو الصندوق النقد الدولي من أجل القرض( القروض بالفوائد حلال 100% عندما يتعلق الأمر بمصالحهم وحرام عندما يتعلق الأمر بمصالحنا نحن الفقراء والمسحوقين !!).

التحالف الثلاثي ضد الثورة:

بناءا على التحليل والتصور السالف، يمكن القول أن الشيء الوحيد الذي تم تغييره في مصر ما بعد مبارك هو بعض الوجوه المألوفة في المشهد السياسي والإعلامي خلال المرحلة الماضية؛ أي خلال مرحلة ما قبل الثورة، التي تحالف ضدها الإخوان والأمريكان و الجيش من أجل تحريف مسارها و إجهاض أهدافها الإستراتيجية، لكونها تشكل خطرا حقيقيا على مصالح هذه الأطراف المتحالفة ضد إرادة الشعب المصري في التغيير الثوري الجذري ، وبالتالي فإن التغيير الذي كان يتحدث عنه قادة وزعماء المشهد السياسي والاجتماعي والإعلامي والديني بمصر خلال السنتين الماضيتين ،خاصة المتحدثين باسم التيار الإسلامي، ما هو إلا كلام فارع لا أساس له من الصحة، هذا بالرغم من بعض التطورات الشكلية التي توحي للمواطن العادي بأن التغيير الذي طالب به الثوار أثناء ثورة 25 يناير، قد بدأ " تحقيقه " بالفعل، تماما كما حدث بالمغرب ، على سبيل المثال فقط، حيث اعتقد الكثير من المغاربة أن التعديل الدستوري الأخير، وصعود الإسلاميين أيضا (= حزب العدالة والتنمية المغربي) سيغير من الواقع العملي للمغاربة، بينما أن الواقع السائد الآن بالمغرب، وعلى جميع المستويات، يؤكد العكس تماما، بل والأخطر من هذا أن جميع التقارير الدولية بخصوص المغرب (الصحة / التعليم، الرياضة، الأمن، الهجرة...) تؤكد تراجعه المستمر مقارنة عما كان عليه الوضع في عهد الحسن الثاني؛ أي أن الوضع العام للبلد في زمن الحسن الثاني رغم تميزه بالاستبداد والقمع المفرط كان أفضل مما هو عليه الآن. كما أن الواقع السائد يؤكد أن الملك هو المتحكم في كل كبيرة وصغيرة، خاصة في السياسية والاقتصاد والفلاحة والأمن( انظر كتاب"الملك المفترس" للصحفيين الفرنسيان كأثرين غراسي وإريك لوران ، ترجمة جماعية ).

لهذا، نرى أن التغيير في مصر ما بعد رحيل مبارك إلى حدود الآن كان شكليا فقط، وبالتالي لم يمس الجوهر / المضمون كما كان يجب أن يكون؛ أي أنه قد تم تغيير بعض الأسماء ولم يتم تغيير النظام الذي يعني مما يعنيه تغيير شكل وطبيعة النظام القائم ( تغيير الدستور ، التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والإعلامية ..الخ)، بل وأكثر من ذلك تم وضع دستور طائفي وعنصري بامتياز (انظر الجزء الثالث) ، والخلاصة النهائية لهذه الوضعية هي انتقال مصر من الاستبداد العسكري إلى الاستبداد الديني. وهو ما يفسر مطالبة، وأسرار، القوى الإسلامية أثناء ثورة 25 يناير ، وعلى رئسها التيار الاخواني، تغيير الحكم وليس النظام حيث كان شعارها المركزي هو أن " الشعب يريد إسقاط الحكم " بينما كان شعار القوى الثورية الأخرى، خاصة الشباب هو أن " الشعب يريد إسقاط النظام"، وهذا ما كان يفسر أيضا أسرار وتشبث الإخوان بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل التعديل الدستوري، وأسرار الرئيس المعزول على إجراء استفتاء شعبي على الدستور رغم معارضته الواسعة آنذاك.

ومن المفيد الإشارة في هذا السياق إلى نقطتين مهمتين فيما نحن بصدد الحديث هنا ، الأولى هي أن هذا المعطى؛ أي عدم تغيير النظام وليس الحكم( هناك طبعا فرق شاسع جدا بين تغيير الحكم وتغيير النظام) كان من ابرز الأسباب والعوامل الموضوعية التي أدت إلى ظهور حركة " تمرد" التي قادة حملة شعبية من اجل سحب الثقة من الرئيس / مرسي وحكومته عبر تجميع أزيد من 22 مليون توقيع ( بينما بلغ عدد الأصوات الذين صوتوا لصالح مرسي يزيد قليلا عن 12 مليون صوت ). والثانية هي أن المفاوضات الأمريكية – الاخوانية التي اعترفت بها هيلاري كلينتون حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيان في هذا الشأن، والتي أفضت إلى قبول الدعم الأمريكي الهادف إلى " إقرار الديمقراطية " في الشرف الأوسط والحفاظ على جميع الاتفاقيات والمعاهدات المشتركة بين البلدين، بما فيها تلك المبرمة مع إسرائيل حيث نقرأ في احد الصحف الإسرائيلية / هارتس " برئاسة مرسي أكد الإخوان مصادقتهم على كامبد ديفيد وتحسنت العلاقة الأمنية بين البلدين " ( انظر العدد 4215 من الحوار المتمدن/ مقال تحت عنوان " الإخوان وإسرائيل" للدكتور رفعت السيد) . نضيف هنا أن مرسي ومحمد بديع تعهد باستمرار العلاقات الطيبة مع الشركات الغربية والالتزام بنظام اقتصادي يزاوج بين الاقتصاديين " الإسلامي" والغربي بينما اشترطت أمريكا على الإخوان أن تظل وزارة الخارجية والدفاع من اختصاص المجلس العسكري ( انظر رسائل سرية بين محمد مرسي وهيلاري كلينتون " بتاريخ 24 مارس 2013 على الموقع الالكتروني / نجوم مصر ).

المشهد المصري وتحديد المسؤوليات:

بعد هذا التوضيح الضروري في تقديرنا، نعود الآن إلى متابعة حديثنا السابق، ونقول، إن الذين كانوا يتابعون الوضع عن كثب في ظل سلطة الأبرتايد التي كان ينهجها الحزب الإخواني خلال سنة كاملة من حكمه الطائفي والفاشستي، هؤلاء سيكون لهم - دون شك - رأي وقراءة مغايرة لتلك التي نقرئها الآن لمختلف الفاعلين الأساسيين في المشهد المصري، وإلا كيف نعلل اتفاق " الجميع" تقريبا على اعتبار أن ما حدث بعد يوم 30 يونيو هو " انقلاب عسكري" وليس احتجاج شعبي ضد حكم الإخوان وبالتالي على مشروع "دولة الخلاقة " التي يسعون إلى تحقيقها على المدى البعيد ؟ وحتى إذا افترضنا جدالا، على سبيل المناقشة فقط، أن الرأي القائل بالانقلاب ضد مرسي هو الصحيح والصائب، فهذا الموقف/ التحليل لا يعفي ولا يبرئ أطلاقا الرئيس محمد مرسي وحكومته من المسؤولية القانونية والمعنوية، بالإضافة طبعا إلى مسؤوليته السياسية والأخلاقية عن الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تعرفه مصر مند توليه الحكم ، وبالتالي في إراقة الدماء المصرية، حيث وفر ت حكومته جميع الأسباب والظروف الموضوعية لتصاعد وتيرة الاحتقان الاجتماعي والطائفي ، فإلى جانب عدم وفائه بالوعود الانتخابية والتصريحات الصحفية التي أدلى بها الرئيس المعزول بخصوص تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي خلال 100 يوم فقط من توليه الحكم كما جاء في أحد تصريحاته الصحفية، والحفاظ كذلك على مكتسبات وأهداف الثورة؛ أي ثورة 25 يناير ، ومنها بناء دولة مدنية ديمقراطية، فإن الرئيس وجماعته سعيا بكل الوسائل من اجل فرض تصوراتهما وتوجهاتهما الاخوانية، وبالتالي رفضهما لمبدأ الشراكة والانفتاح السياسي عن القوى المجتمعية الأخرى حيث كان من المفترض بناء توافق وطني بين جميع مكونات المجتمع السياسي بمصر، خاصة أن البلد تعيش ظروف استثنائية ومرحلة انتقالية تستوجب تقديم مصلحة البلد والعباد على المصلحة الشخصية والحزبية. والغاية المرجوة، والمنتظرة، من هذا التصرف الاخواني هو التمكين من الدولة المصرية ومؤسساتها ، خاصة المؤسسات الإعلامية والاقتصادية والقانونية كما نقرأ ذلك في الرسالة التي وجهها ذ. محمد خيرت شاطر ، نائب المرشد ، إلى أحد الصحفيين المصريين ( انظر تفاصيل الرسالة على الحوار المتمدن العدد 4212 )

محمود بلحاج/ لاهاي
للتواصل: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن