الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب : رواية الفصل28

حبيب هنا

2013 / 9 / 18
الادب والفن


- 8 2-
في عام 1947 رفضت القيادة الفلسطينية قرار التقسيم ودخلت حرب غير متكافئة من حيث العتاد والدعم الدولي الذي قاد الدولة المغتصبة إلى بسط سيادتها على أكثر مما هو مقرر في الأمم المتحدة . وهكذا أدت هذه الحرب إلى استباحة ممتلكات الشعب الذي هرب جراء المجازر التي نفذت في العديد من المدن والقرى بهدف ترويع وإشاعة روح الهروب مما قد يتعرضون إليه من انتهاكات تمس بالشرف . فضلاً عن الانتهاكات بحق الذين آثروا البقاء مهما كلف الثمن، والذي أدى إلى حالة اضطهاد غير مسبوقة صادرت أدنى الحقوق المدنية وما زالت أثارها باقية حتى يومنا هذا .
فهل يومئذ كانت القيادة بحاجة إلى قرار شجاع على هذا المستوى وهي لا تملك مقومات الدفاع عنه أم أنها كانت بحاجة إلى دراسة أبعاد قرارها وما ينطوي عليه ؟
على أيه حال ، الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن يشكل قاسماً مشتركاً على مستوى قطاعات الشعب .
وهذه الرؤية تنفي أن يكون السؤال بسيطاً وبديهياً ولا يحتاج إلى البحث والتمحيص وقراءة المعطيات وما إلى ذلك من نقاشات حتماً ستطول إلى أبعد مما يتصور البعض .
وبعد عشرين عاماً ، هاجمت الدولة المغتصبة ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في حرب خاطفة نتج عنها احتلال البقية الباقية مع الإضافة إليها أراض عربية جديدة . إذ ذاك أظهر الشعب الفلسطيني بعد أشهر معدودة شجاعة لا وصف لها دفعت إلى مقاومة الاحتلال وإيقاع خسائر في صفوفه تفوق خسائره في الحرب مع الدول العربية . وبالتالي ، ظهور قدرة غير محدودة على الإبداع وتجنيب الشعب ويلات الدمار الذي عانوا منه في العام 1947 ، بل وكذلك التمسك بالأرض وعدم الرحيل عنها بالطريقة التي حدثت آنذاك .
فهل كانت القيادة بحاجة إلى دراسة أبعاد قرارها المقاوم وما يمكن أن يترتب عليه ، وبالتالي الرحيل عن الأرض وتركها للمحتل الغاصب خشية التنكيل ؟ أم أنها كانت بحاجة ماسة إلى قرار شجاع يأخذ على عاتقه التمسك بالأرض وإعلان المقاومة ضد المحتل ؟
إن فعلهم المقاوم أرّخ لمرحلة جديدة من تاريخ الصراع ، وما فعلوه كان نابعاً من الاستعداد لفقدان الحياة في سبيله وليس فقط فقدان بعض الحريات الآنية التي يمكن لها أن تصادر نتيجة أي ظرف طارئ في معظم الدول الديمقراطية . وما القول بغير ذلك ؟ ولا أحسب أن هناك من يقول غير هذا إلاّ إذا كان يفكر بدولة ثنائية القومية تقود في المستقبل إلى وصول الأغلبية الفلسطينية إلى سدة الحكم،وهذا الرأي بحاجة إلى التفكير فيه جدياً. ولكن دعونا من هذا الآن كي نواصل ونقول :
لو افترضنا أن التاريخ يعيد نفسه بذات التفاصيل والاحتمالات ، ماذا كان يجب علينا أن نفعل ؟
المقارنة: في الحرب الأولى تركنا الأرض هرباً من الموت واستباحة المحرمات . في الثانية قررنا المقاومة والدفاع عن الوطن الذي لا بديل عنه وفضلنا الموت والسجون والتشرد عن التخلي عن الأرض وتركها للغاصب.
أيهما الأصح : القبول بقرار التقسيم وتجنيب شعبنا ويلات الحرب ونحن غير مستعدين لها، أم القبول بالنتيجة كما نعيشها اليوم ؟
قد يقال لو أننا قبلنا بقرار التقسيم ما كان العدو سيتركنا هكذا نعيش دون تنغيص علينا ، بل لما كان تورع عن شن الحرب مجدداً بغية الاستيلاء على كامل الأرض وترحيلنا عنها وما يرافقه من تواطؤ دولي نلامسه اليوم عند كل صغيرة وكبيرة .
والشيء ذاته عند المقارنة مع الحرب الثانية : هل قرار القيادة الذهاب إلى المقاومة هو القرار الصائب ، أم الذهاب نحو الدولة ثنائية القومية والقبول ببقاء الاحتلال جاثماً على الأرض وفوق صدورنا والتفريط بالحقوق والثوابت التي لا تجيز لنا التنازل عن الأرض مهما كان الثمن ؟
إن كلا الأمرين صعب ، والأصعب أن تكتشفوا السؤال الذي كان يبدو من السهل الإجابة عليه ، غدا أكثر تعقيداً مما تتصورون في حالة إعمال الفكر .
إذن ، لعبة الاحتمالات ، أو الفرضيات ، لا يمكن انطباقها دوماً على حياة البشر كما هو الحال في الرياضيات أو الفيزياء أو غيرهما من العلوم .
وعليه ، فإن التجربة مرة واحدة لا تتكرر بنفس التفاصيل والحيثيات ، وإلا لكان سهلاً علينا الاستفادة من التجربة ، من خلال تقييمها بما يقودنا في المرات اللاحقة إلي الصواب الذي نسعى إليه دوماً .
وهكذا ، لابد من الإقرار أن الأخطاء القاتلة لا يمكن إصلاحها مرة ثانية باعتبار أن الذي حاول إبطال مفعول القنبلة الموقوتة لن يقيض له الحياة كي يعيد التجربة بشكل مختلف محاولاً تجاوز الخطأ السابق .
بهذا المعنى فإن الحياة دائماً هي على هذا النحو . لذا ينبغي علينا عندما نأخذ بالتفكير في المسائل المصيرية ، أن نقيسها قبل التنفيذ ، لأنه قد نرى وجوب مشاركة الآخرين في صياغتها باعتبار أن لا أحد يمكنه الادعاء بامتلاكه الحقيقة المطلقة وحدة .
وهكذا بكل يقين ، ينبغي أن يبقى صاحب تجربة القنبلة الموقوتة الذي لم تتح له الفرصة مرة ثانية ماثلة أمامنا ، رغم اختلاف المعنى والمضامين !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما