الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طاب يومك بالألمانية

آکو کرکوکي

2013 / 9 / 19
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة



گوتن تاخ... گوتن تاگ.

هكذا تقريباً ، تُلفظ تحية "يومٌ سعيد أو طاب يومك "بالألمانية . ولو ألقاها عليك أحدهم، دون أن يبتسم، ودون أن يكون لك سابق معرفة باللغة الألمانية ، فمن المرجح جداً ، إنك ستفسر الموقف على إن المقابل يقوم بنهرك..أو توبيخك على خطأ ما لربما قد أقترفته. فإيقاع الكلمات هذا لايوحي أبداً بإنها مجرد تحية لطيفة تُلقى عليك!

هذهِ هي بعضٌ مِن معاناتنا مع اللُغة الألمانية...نحنُ المستجدون عليها والمتأخرون عُمرياً في تعلمها.
.
من المؤكد إن أول الأشياء التي ستصدمك حين تطئ قدماك هذا البلد ..هي لغتها...فهي من حيث الإيقاع ، والموسيقى ، ومخارج الحروف ، ومعاني المفردات ، والقواعد ، ومنطق بناء الجمل ، وأسلوب الحديث ، والكتابة ، ومجمل الثقافة التي تحملها جديدة عليك كلياً!

ولربما سيكون أول كلمة تتلعثم في نطقها هي كلمة ...أنا…. Ich = بالألمانية!

فلاتعرف كيف تُلفظ...إِيش..أم.. إِخ...أم.. إِخش..أم.. إيك...إلخ.

ولربما ستقضي عُمراً هنا دون أن تتعلم تلفظ هذا الحرف "ch" بالشكل الصحيح، والذي لاتجدهُ في لغة أخرى غير الألمانية ، والذي سيتكرر وللأسف... في العديد ، والعديد من الكلمات الألمانية الأخرى!

وبعد مشكلة التلفظ ، دعني أعطيكم مثال بسيط على صعوبة الكتابة بالألمانية.

ففي هذه اللغة كل ما يلفظ يكتب أي لاتوجد حروف صامتة أو الضمة، والكسرة وغيرها .وعادة ما يدمج عدة كلمات لأنتاج كلمة واحد. فهل تعرف ماعدد حروف هذه الكلمة وماذا تعني مثلا:


dreihundertfünfundvierzigtausendsechshundertsechsundsechzig

إنها فقط الرقم 345666 كتابة.

فكتابة هذا الرقم في العربية ، والأنجليزية سيعطيك جملة...غير إنه في الألمانية سيعطيك كلمة واحدة طويلة!

ولنأتي الى تعلم قواعد اللغة الألمانية، وسأحاول مقارنتها بين الحين والحين مع قواعد اللغة العربية، لمجرد تقريب الفكرة...لا أكثر.

أول ما يجب تعلمهُ هو إن الألمانية كالعربية ، يتخذ كلُ إسمٍ فيه صفة التذكير أو التأنيث ، وإضافة لذلك فهناك حالة أخرى يسمى بالمحايد ، والذي هو لا مذكر ولا مؤنث ، والمشكلة إنه ليس بالضرورة أن يكون جنس الكلمة في اللغة ، مُطابقاً لجنس الشئ في الطبيعة!

فمثلاً الرجل في الطبيعة مُذكر ، وفي اللغة فإن كلمة الرجل أيضاً مُذكر ، غير إن " الفتاة das mä-;-dchen=" ، هي في الطبيعة كائن مؤنث ، وفي اللغة العربية ، أسم مؤنث ، غير إنها في اللغة الألمانية ، أسم مُحايد!

هذا إضافة الى أسماء الأشياء الأخرى، والتي لايعرف بسهولة حتى في الطبيعة هل هي مذكر أم مؤنث . فكما في العربية يصعب معرفة التذكير والتأنيث لكلمات مثل:...النار...والشمس...والبحر...والفراغ...والذكاء...وغيرها...فكذلك في الألمانية كل الكلمات تأخذ صفة التذكير أو التأنيث أو..صفة المحايد... ولايعرف بسهولة حتى في الطبيعة هل هي مذكر أم مؤنث .

وإذا كانت بعض الإشارات في اللغة العربية كتاء التأنيث، تشير الى تأنيث الأسم مثلاً، فإنه في اللغة الألمانية يستوجب أولاً: معرفة جنس الكلمة (مذكر ، مؤنث أم محايد) ، وثانياً إضافة الإشارة والدلالة على جنس الكلمة.

والغريب إن أداة التعريف المُشابه لِلألف واللام في العربية والتي تسبق الكلمات " مثل: الشمس ، القمر" هي التي تعرف الأسم، وتحدد جِنسهُ. فكل أسم مُعرف يجب أن يُسبق بأدوات التعريف التالية:

- der للمذكر …و -die للمؤنث ….و- das للمُحايد...مثلاً:

der Man أي "الرجل"-مذكر مُعرف،
و die Frau أي "المرأة"-مؤنث،
das Wort أي "الكلمة"-مُحايد.

لحد الآن يبدو الموضوع مألوفاً بعض الشئ غير إن الصعوبة ستبدء من هنا!

ففي العربية يعرب الأسم حسب موقعهِ في الجملة. فيكون إما مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً. وعلامات الرفع هي الضمة أو الف والنون أو الواو والنون... ، وعلامة النصب الفتحة و... إلخ ، وعلامة الجر الكسرة و... إلخ.

غير إن علامات الإعراب في الألمانية مختلفة ويتم بتغير أداوات التعريف. فيمكن أن يتحول أداة التعريف der للمذكر الى dem أو den أو des حسب موقع الأسم من الجملة. بل إن die للمؤنث يمكن أن تتحول الى der حسب موقعه من الجملة...وتبقى مُشيرة الى أسم مؤنث!!!

وكيف يتم هذا...سنضرب مثلاً آخر..على الفاعل والمفعول بهِ...فمعرفة الفاعل بالألمانية بسيط نسبياً حيث لايجري تغير على أداة تعريفهِ فتبقى:

der للمذكر و die للمؤنث و das للمُحايد.

غير إن هذه الأدوات تتغير للمفعول به، وحسب عدة قواعد يجب حفظها. لايقتصر المشكلة على حفظ القواعد فقط ، بل في إن هناك ثلاث أنواع من المفعول بهِ، إضافةً الى حالة أخرى يشبه المضاف والمضاف أليهِ يجب تمييزها، وهن:

Nominativ, Genitiv , Dativ, Akkusativ...!

لربما من السهل بعد فهم المعنى التفريق بين الفاعل، والمفعول به، وحتى المضاف أليه، غير إن السؤال الأهم الآن هو: عندما تصيغ جُملة ويأتي فيها ذكر لأسم ويقع في موقع المفعول بهِ فكيف يمكنك أن تعرف هل هو:

…Dativ أم Akkusativ .... ؟

فمن معنى الجملة لايمكنك التحدد. أما القواعد، والطرق التي تمكنك من الإجابة على هذا السؤال فهي صعبة، ومرهقة.

فمرة تعتمد على الضمائر التي تسبق الكلمة مثلاً ، ومرة تعتمد على الأفعال المُساعدة التي تسبق الكلمة ، لكن الأصعب عندما تعتمد على الأفعال. فالأفعال في الألمانية، تنقسم الى عدة مجموعات. مجموعة تأخذ Akkusativ ، ومجموعة أخرى تأخذ Dativ ، ومجموعة تأخذ كلتيهما، مرة هذا ومرة ذاك أو تأخذ مفعولين بهما. فمن مجموع 14000 فعلاً موجوداً في الألمانية يجب أن تعرف الى أي مجموعة تنتمي وهل تأخذ Dativ أو Akkusativ وهكذا.

وأخيراً لو تمكنت من معرفة إن الأسم هو مذكر أو مؤنث أو محايد، ولو تمكنت من معرفة هل هو فاعل أو مفعول بهِ Dativ أو
Akkusativ أو مضاف أليه .Genitiv عندها فقط يمكنك أن تطبق قائمة طويلة من القواعد التي يجب حفظها عن ظهر قلب لتحديد: أيُ أداةٍ للتعريف يجب أن يسبق الأسم der أم die أم das أم dem أم den أم des مع مراعاة المفرد والجمع وهكذا.

وكل هذا لقول أو كتابة جملة واحدة فيها أسم. فكيف يمكنك في الأساس حفظ الأسماء كلها مع أجناسها الصحيحة؟

وكيف يمكنك تصنيف كل الأفعال للمجاميع التي جئنا على ذكرها؟

هي عملية ممكنة فقط للذي يولد هُنا ويقضي عمرهُ في سماع، وخزن كل الأسماء المتداولة، بإجناسها الصحية، وكذلك بالنسبة للأفعال. ويكاد يكون من المستحيل إتقان هذا الأمر بالنسبة للبالغ، المُستجد على اللغة، والذي لايملك خلفية لغوية منذ الطفولة . وكل هذا لكتابة أو قول أسم بالشكل الصحيح في جملة واحدة ، وماذا لو كتبت نصاً أو دخلت في نقاش لمدة 10 دقائق أو شرحت أمراً بسيطاً؟

وماذا أصلاً عن الأجزاء الأخرى للجملة فقط ، أقصد الضمائر، والحروف، والأفعال. والصفات كيف تكتب وتعرب ومتى وكيف تستخدم وأي قواعد تحكمها؟ فكل واحدة من هذه لها قصة طويلة . فهل تصدق إنه في الألمانية هناك أفعال، الفعل الواحد فيه ، ينقسم خلال الجملة الواحدة الى أجزاء. جُزء من الفعل يُكتب في بداية أو وسط الجملة ، والمتبقي يُكتب في نهاية الجملة. أي فعل يأتيك بالتقسيط خلال الجملة الواحدة!

ونحن هنا نتكلم عن القواعد الأساسية، أي ألف باء قواعد اللغة الألمانية ، والذي يتعلمها الطالب في الحصص الأولى ، والذي يحتاجه كل شخص ، ولم نقترب الى المستويات العليا الأخرى ، والتي تُمنح للطلبة اللذين ينون أن يبدؤا بها وظيفة مكتبية بسيطة أو يواصلوا دراستهم في الجامعة.

ولو وصلت الى هذه „المستويات العليا“... فسيأتيك مشكلة لغة المتخصصين. ولأنك تعيش في مجتمع متقدم، فكل تخصص قد بنى لنفسهِ أسلوب معين، ومفردات ، ومصطلحات خاصة بها. فهناك فرق بين كتابة نص أدبي، ونص علمي، وبين علم، وعلم آخر. وبعكس العربية فهؤلاء لايحبون غالباً المبالغة ، والإسهاب بل الإختصار، والكلام الدقيق ، والمختصر. Prä-;-zision وهذه الثقافة بحد ذاتها يحتاج الى وقت طويل للتعود عليه.

ومع توخي الدقة يأتيك مشكلة المعنى ، فالألمانية هي لغة الفلاسفة، والعلماء، والأدباء العِظام، ولدولة صناعية متقدمة، وعريقة. فهذه اللغة قد شهدت تطوراً كثيراً. لذلك يمكن أن تعطي الكلمة أو المصطلح الواحد أكثر من معنى، بل عدة معاني كلٌ حسب السياق الجملة التي ستأتي فيها.

فهل سمعت بمصطلح …Dasein...للفيلسوف الألماني مارتن هايدجر؟
المصطلح بالأساس مكون من كلمتين بسيطتين ، هناك Da... ، وكلمة أن تكون أو فعل الكينونة . sein...
غير إن مصطلح Dasein لها معناً بسيطاً "أن تكون هناك" ، ولها معناً فلسفياً عميقاً لايفهمهُ إلا المختصين بفلسفة هيدجر.
فتترجم الى الآنية والوجود ..أو الموجود- هنا أو الوجود المشترك. وغالباً ما تأخذ هكذا دون ترجمة في الأنجليزية ، والعربية ، ومن ثم يقومون بشرحها.

وهنا يمكننا أن نفرق في مستوى ، ونوع اللغة المطلوبة حسب المجالات. ففي حين طورت العلوم الطبيعية ، كالفيزياء ، والكيمياء ، والأحياء ، والعلوم التطبيقية مثل الهندسة ، والطب أساليب ، ومصطلحات لغوية أكثرُ تحديداً ، ودقةً، وتبسيطاً. نرى إن اللغة المُستخدمة في العلوم الإنسانية كالإجتماع ، والسياسة ، وعلم النفس أكثر تشعباً ولاتحديداً، وبالتالي أكثرُ صعوبة في التعلم.

ولربما سيكون نصيحتنا هنا للطلبة الذين ينون متابعة دراستهم في ألمانيا ، أن يعرفوا إن تعلم اللغة الألمانية ليست بالنزهة التي يمكن أن ينهيها بدورة لستة أشهر أو حتى في سنة. وطبعاً حسب الإختصاص المطلوب. فعليهم أن يفرقوا بين مستوى، ونوع اللغة المطلوبة للدراسة بين العلوم الطبيعية، والتطبيقية، وبين العلوم الإنسانية، وعليهم أن يفكروا لأكثر من مرة، قبل أن يتجرؤا، ويقرروا، دراسة الفلسفة، والأدب ، باللغة الألمانية. لا بل عليهم أن يفكروا لألف مرة ، قبل أن يقرروا دراسة „القانون“ بالألمانية.

وغير هذا فهناك مشكلة بناء الجملة. فهي غير العربية الذي غالباً ما يأتي فيهِا الفعل ثم الفاعل ثم المفعول بهِ. وأي تقديم وتأخير في مواقع الأفعال، والأسماء، والحروف سيؤدي الى ركاكة الجملة. فإن للألمانية أيضاً تتابع آخر لأجزاء الجملة، مختلف تماماً عن العربية. وأي تقديم وتأخير سيؤدي ليس الى ركاكة جملة في النص فقط بل حتى الى إساءة فهم جملة بسيطة تقولها يومياَ.

ولتلافي هكذا مُشكلة يلجأ الألمان الى الإستعانة بالكليشات النصية المُعدة سلفاً، تقريباً لمعظم الحالات، والنصوص. من كتابة رسالة بسيطة الى كتابة تقرير طويل. فحتى النصوص القصيرة لايقوى عليها إلا اللذين يمتلكون موهبة كتابية للتعبير، وحتى هؤلاء لربما سيكون نصهم مطولاً أو مُسهباً، وغير دقيقاً.

غير إن الألمانية ، رغم ماتبدو عليها من صعوبة، تعتبر لغة غنية، بل هي كنزٌ ثقافي، ومعرفي لاينضب. لمن لديه القدرة، والرغبة، لخوض غمار مغامرة تعلم اللغة، أولئك اللذين يعتبرون الصعوبة تحدياً، ويشعرون باللذة من ممارسة هذا التحدي.

وكل هذا هو غيض من فيض. فلو إن حافظ إبراهيم يقول عن العربية:

أنا البحر فى أحشائهُ الدُرُ كامنٌ…. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟

فإنك يمكن أن تقدر الألمانية بالمحيط ، والأفضل أن تسأل „غواصة“ لا فقط „غواص“ عن درر اللغة الألمانية. أعني إنك لو كنت تبغي معرفة درر العربية، فلربما يكفيك سؤال أيُ شاعرٍ أو أديبٍ " غواص -عربي " عنه. أما في الألمانية فيجب أن تسأل الشاعر، والأديب، والفيلسوف ، والعالم ، وأناس بسطاء من مدن عدة ،عن درر اللغة. أي بالأحرى سؤال مؤسسة لغوية كاملة "غواصة" تعني بأمر اللغة.

وحين تقترب من هذه الدرر، تبدء بإدراك ثقافة، وعظمة هذا الشعب، وسيعتريك بالتأكيد الإحساس: إن هؤلاء لم يتركوا تقريباً أمراً أو مشكلةٍ ما، إلا وقد فكروا فيها، ووضعوا لها قواعدها وحلولها وأساليبها والمصطلحات، والكلمات التي تعبر عنها أجمل تعبير.

ومن الإيجابي أيضاً إن غالبية الناس في ألمانيا يتكلمون، ويفهمون اللغة الألماتية العليا، اللغة الفصحى. رغم وجود العديد من اللهجات. وحتى لو حدث وأخطأت فلن يسخر منك أحد ، بل إن تهذيبهم يمنعهم في أغلب الأحوال من تصحيح خطأك، منعاً لأحراجك. ويذكروك بتفهمهم لصعوبة تعلم اللغة الألمانية بالنسبة للأجانب، ويقولون: نحن أيضاً لو تكلمنا لغتك لأخطأنا.

بعكس العربية والذي تقضي فيه عمراً، وأنت تتعلم اللغة الفصحى، وحينما تتحدث به بين العرب، فستكون على الأغلب مثار سخريتهم. ففهم اللغة العربية الفصحى مقصورٌ على القلة المتعلمة من العرب أنفسهم، وحتى هؤلاء يفضلون الحديث باللهجة العامية للبلد أوحتى للمدنية والمنطقة التي عاشوا فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك