الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الانجليزية..الأسباب والنتائج

حميد حبيب المالكي

2013 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ان الانجليزهم اول الشعوب التي خطت بأتجاه الديمقراطية في العصر الحديث,ومما لا شك فيه انهم لم يحصلوا على مكتسباتهم دفعة واحدة بل كان الامر تدريجيا وابرز مظهر فتح الابواب للتحرر والنظم الديمقراطية والتخلص من تجبر الملوك كان الثورات الانجليزية التي حدثت في انجلترا في القرن السابع عشر.ان اكثر من عامل لعب دورا في حدوث هذه الثورات في انجلترا قبل غيرها وبهذا الشكل دون غيره,ابرزها النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقانوني:
فبالنسبة للعامل الاجتماعي والسياسي فالمجتمع الانجليزي باغلبه كان برتستانتيا و أقلية من الكاثوليك وهذا الامر سبب صراعات مابين الشعب والملوك الكاثوليك الذين وصلوا للتاج امثال جيمس الثاني فكان من شبه المستحيل ان يقوم الملوك بتغيير مذهب معظم الشعب كما ان الملوك بما لهم من جبروت وسلطات مطلقة لم يكن يرق لهم ان يكون الشعب بروتستانت لمخاوف من اثر ذلك السياسي.
ودخلت انجلترا بشد وجذب بين الطرفين وكل يحاول ان يفرض نفسه والامر الواقع على الطرف الاخر بما له من اساليب وضغوط فمثلا الملك الكاثوليكي لم يكن يعين بالمناصب العليا والبلاط الملكي الا من الكاثوليك اما الشعب فكان يتمرد ويثور والجيش يعصي اوامر الملك حتى وصل الامر بالملك ان يستعين بفرق عسكرية خارجية من الكاثوليك لتدعمه وهو الامر الذي اثار الشعب بصورة اكبر.
هذا الامر سبب الكثير من الصراعات وادى بالنهاية الى حدوث الثورة وما عرف بالحرب الاهلية الانجليزية.
نفس السبب اي رفض الانجليز لان يكون ملكهم كاثوليكيا ادى ان يصل الى سدة الحكم ملوك بروتستانت,لكنهم ليسوا من بريطانيا ولا يتكلمون الانجليزية حتى وكانوا من المانيا وهذا الامر الذي قد يكون غريبا ادى لان ينشأ النظام البرلماني ومزيد من الديمقراطيات بمعية الاسباب التي سبق ذكرها.
اما عن العامل الاقتصادي,فكان للثورة الصناعية التي بدأت علاماتها بالانطلاق من انجلترا هذه نفسها الاثر الكبير,فالتغير في الوضع الاقتصادي واكتضاض المدن بالسكان والانتقال من المجتمع الاقطاعي او الريفي الى الصناعي المدني وكل ما تعلق بذلك من متغيرات وتغير المنظومة الاجتماعية احدث حراكا قويا داخل المجتمع مما يتطلب بالتالي تغييرا سياسيا وكما هو معلوم في علم الاجتماع فان المجتمعات الصناعية هي الاكثر ديمقراطية في حين المجتمعات الزراعية اقل واقلها هي المجتمعات البدوية.
والعامل المؤثر الاخر هو العامل القانوني,فانجلترا ايضا من اوائل الدول التي تمكنت من ايجاد قواعد قانونية متطورة سبقت بها غيرها من الدول وابرزها هي الماغنا كارتا الشهيرة وسنتحدث عنها قليلا كنموذج يوضح لنا ان ماحصل كان تفاعليا مرحليا وليس مفاجئا كما انه وخلال الحروب الاهلية التي سبقت الثورة المجيدة تم العودة الى ما ورد في الماغنا كارتا كدستور مؤقت الى حد ما.
والماغنا كارتا هي وثيقة انجليزية صدرت عام 1215م واعتمدت كقانون عام 1225م واعيد اصدارها كلائحة عام 1297م.ومن اسباب اهميتها هو ليس فقط انها اول وثيقة قانونية بنصوص متطورة ورائدة ولكن لان كثير من نصوصها لا تزال للان معمول بها ضمن الانظمة الداخلية لانجلترا و ويلز.وكانت انطلاقة متقدمة للوصول الى حكم دستوري في بريطانيا رغم انها لم تكن اول وثيقة لكنها كانت الاهم فمعنى ماغنا كارتا هو ((الشرعة الكبرى)).سبقها ميثاق للحريات صدر زمن حكم الملك هنري الاول عام 1155 وقد تماشت بعض نصوص الماغنا كارتا مع ذلك الميثاق,ان السبب وراء صدورها هو تمرد البارونات على الملك اثر خسارة معركة مع فرنسا وكما هو معلوم فان الملك لايمكنه الاستغناء عن هؤلاء البارونات فهم يمدونه بالجيش والمال مما جعله يرضخ لهم ويصدر هذه الوثيقة.
في ذلك الوقت كانت انجلترا كاثوليكية وعلى علاقات قوية مع البابا خصوصا وانها شاركت بالحروب المقدسة التي دعا اليها البابوات في مستهل الالفية الثانية وعلى العموم فان البابا حينها قد دعم الملك جون الذي حكم بغياب اخيه ريتشارد المعروف بقلب الاسد مما دعم موقف الملك وقواه وابرز انه موجود في مكانه هذا بمباركة البابا.
مع كون الماغنا كارتا جاءت بضغط من ذوي النفوذ من النبلاء والارستقراطيين الا ان عامة الشعب استفاد منها الى حد ما وكانت لبنة قوية تمكن من ان يكمل البناء عليها لاحقا ويفتح الانجليز نافذة للعالم على الديمقراطية.فكانت بالبداية تشير الى العودة للبرلمان من اجل رفع مبلغ الجزية,والتي كانت تعني زيادة على ما يدفعه هؤلاء الارستقراطيين والنبلاء وبالتالي اجهاد عامة الشعب حيث انهم كانوا يعلمون ان اي زيادة ستجعلهم يثورون وتثقل كاهلهم بما لا يقدرون عليه وكل ذلك لاجل تمويل حروب الملك ونفس الامر تكرر لاحقا ايام الملك وليم الثالث ولاجل ذلك ايضا خضع هذا الملك واعطى مزيدا من الحقوق للبرلمان وكان البرلمان يهيمن عليه هؤلاء البارونات.وبالتالي حصل البارونات على ما كانوا يرغبون,فاعطي لهم ميثاقا يصبح وفقه البرلمان هو الجهة الوحيدة المخولة برفع مبالغ الجزية والضرائب.كما نصت ايضا على انه لايجوز مصادرة املاك رجل حر او وضع اليد عليها دون قانون ينظم ذلك والحكم وفق تلك القوانين.ونصت ايضا على انه لايجوز احتجاز او ايقاف او سجن مواطن دون تهمة وهذا النص اخذت به قوانين العالم المتحضر اجمع لاحقا.
وبشكل عام فانه لم يتم العمل بها جميعا كما ان الامر ضل مرتبطا بقوة الملك او الارستقراطيين والنبلاء لكنه تم الاخذ بها بشكل فعلي وقوي وطورت نصوصها ابان الثورات الانجليزية والحرب الاهلية الممتدة من عام 1642 حتى 1646 ومن 1648 حتى 1649 ثم من 1649 حتى 1651م ثم طالب الثوار في الثورة المجيدة ونادوا بها عام 1688م وكان اثرها كبيرا في تلك الثورة.
الحرب الاهلية1642م_1651م:هي سلسلة من الحروب التي تنشب تارة وتهدأ تارة اخرى وعلى ثلاث مراحل وسببها هو الصراع بين انصار الملك من جهة وانصار البرلمانيين من جهة اخرى وكان للعامل الديني دوره كما اشرنا سابقا حيث كان الملك شارل الاول كاثوليكا فكان مؤيدوه هم ايضا من الكاثوليك وكان هذا الملك يطمح لان يعيد انجلترا الى الكاثوليكية من جديد بعد مئة عام من تحول معظمها للبروتستانتية,امتدت هذه الحروب لتطال الممالك الرئيسية المكونة للتاج البريطاني من ايرلندا واسكتلندا انتهت السلسلة الاولى من الحروب الاهلية بهزيمة الملك وانصاره فقام بتسليم نفسه للاسكتلنديين الذين كانوا الى جانب البرلمانيين وهم بدورهم سلموه لهم وذلك عام 1646م وانتهت مع ذلك الفترة الاولى منها.
في العام التالي اي 1647 تمكن الملك من الفرار فاندلعت الحرب الاهلية ثانية وهذا الفرار الذي يذهب البعض الى انه مكيدة من تدبير القائد الابرز اوليفر كرومويل كي يمتلك المسوغ لاعدامه لاحقا وهو ما حصل فعلا فقد القي القبض على الملك وقام كرومويل بتاليف لجنة من البرلمانيين المتعصبين للثورة ضد الملك واصدروا الحكم باعدامه وذلك في وايت هيل بالقرب من وستمنستر عام 1649 كما حكم على ولده شارل الثاني بالنفي وانتهت معها المرحلة الثانية.
عادت الحرب لتنشب من جديد هذه المرة مابين انصار الملك شارل الثالث وانصار البرلمان ايضا وانتهت بهزيمة انصار شارل على يد الثوار بقيادة اوليفر كرومويل في معركة ووريستر.
كان كرومويل هو الشخصية المحورية في الحرب الاهلية الانجليزية وكان دكتاتورا دمويا رغم عدم دموية هذه الحرب مقارنة بغيرها وفرض كرومويل سيطرته على الدولة والبرلمان وقام بتحويل انجلترا من مملكة الى جمهورية لكنها عادت الى ملكية بعد وفاته عام 1658, واسس ما دعي بكومنويلث انجلترا الحر وتراسه وعين حاميا للوردية الانجليزية الاسكتلندية الايرلندية وكانت سابقة حينها لان كرومويل هذا جاء من عائلة متواضعة لكنه تمكن من حكم انجلترا والتخلص من كل خصومه بما له من دهاء وقوة وشخصية اذ تمكن من توحيد صفوف الثوار وكسب تحالف الاسكتلنديين معهم الامر الذي حسم الامر الذي رجح كفة الثوار.
الثورة المجيدة 1688م:تكللت الثورات والحروب الدينية والاهلية والعصر المليء بالاحداث في القرن السابع عشر,تكلل بالثورة التي قامت عام 1688 والتي عرفت بالثورة المجيدة.
انهت هذه الثورة الاستناد الى نظرية الحق الالهي للملوك حيث تضمنت نتائجها على ان حق الملك في التاج مستمد من الشعب الممثل في البرلمان وليس من الله.
وكان هذا امرا غير مسبوق اذ ومنذ ثورات الاصلاح الديني في اوروبا والتخلص من هيمنة الكنيسة على واقع اوروبا بمجمل النواحي,منذ ذاك والملوك اصبحوا هم المهيمنين وسادت نظرية الحق الالهي للملوك مما لم يفسح المجال لان ينازعهم احد ملكهم كونهم مختارون من قبل الله.
ان ممارسات الملك هي التي جاءت بهذه الثورة,فقد كان مستبدا ويفرض الضرائب الثقيلة على الشعب ويصدر القوانين دون الرجوع للبرلمان كما ان العامل الديني كان له دوره,فقد كان الشعب يعتقد ان الملك يعتنق المذهب الكاثوليكي بالتالي ثار الجميع عليه واطاحوا به وجاءوا بابنته وزوجها ونصبوهما ملكا وملكة على انجلترا هما الملكة ماري ووليم اورنج او ما سمي بوليم الثالث.
بعد اعدام شارل الاول ونفي شارل الثاني هدأت الامور وبعد وفاة كرومويل قائد الحرب الاهلية ضد الملك خلفه ابنه ولم يتمكن من مجاراة وجود شارل الثاني لذلك استقال وعادت انجلترا مملكة دون ان تحصل صدامات تذكر بين الملكيين والبرلمانيين.
توفي شارل الثاني عام 1685م وخلفه اخوه جيمس الثاني الذي كان قويا كما انه حاول الانتقام لابيه ممن اعدموه وان يضعف البرلمان وان يعيد الامور الى ما كانت عليه ورغم تجاوز الملك الجديد على ما اتفق من ان لا يحكم انجلترا الا بروتستانتي الا ان الامر مضى في البدء كون الشعب كان يترقب ان تتولى الحكم بعده ابنته ماري وزوجها وليم اورنج البروتستانتيين لكن الملك رزق بولد عام 1688 مما يعني ان يحكم ملك كاثوليكي اخر فثار الشعب وتحالفوا مع وليم اورنج الذي تمكنت قواته من الاطاحة بالملك ليهرب الى فرنسا التي قضى بها بقية حياته منفيا رغم محاولاته استعادة عرشه لكن محاولاته باءت بالفشل. رغم عدم دموية هذه الثورة لكنها حققت انجازا عظيما اذ مدت البساط لانجازات عظيمة تبدأ بانطلاق اول اشكال العمل الديمقراطي والحزبي وتمثيل الشعب في البرلمان بصورة فعلية وبروز البرلمان كسلطة اعلى في البلاد.
ونتج عن هذه الثورة امور هامة نوجزها بما يلي:
1:ظهور تكتلين في البرلمان الاول مؤيد للبرلمان عرف بحزب التوريز والتكتل الاخر كان مؤيد للملك عرف بحزب الويجز.
2:انشيء مجلسين هما العموم واللوردات واعطيت اوسع الصلاحيات لمجلس العموم الذي اصبح ممثلا فعليا للشعب.
3:ظهور المجالس والانتخابات والتمثيل النيابي والنظام البرلماني كاحد افرازات هذه الثورة.
4:تقييد الملك بشكل كبير والحد من صلاحياته والانتقال من مرحلة ملك يحكم بالحق الالهي للملوك ولا ينازع في ملكه الى ملك يملك ولا يحكم.
5:اثرت على المفكرين وافكارهم داخل بريطانيا وخارجها كما وان هذه الثورة لم تقتصر على بريطانيا بل امتدت اثارها فلحقتها الثورات الشعبية في معظم ارجاء اوروبا خصوصا الثورة الفرنسية.
هذا فيما يخص المكاسب السياسية العامة,لكن هذه الثورة لم تقتصر على ذلك بل صدر عنها من خلال البرلمان وثيقة هامة جدا عرفت باعلان الحقوق ومما جاء فيها:
1:حق الملك في التاج مستمد من الشعب وليس الله.
2:ان لايقوم اي ملك بالانتقاص من حقوق الشعب.
3:ليس للملك اصدار قوانين جديدة او الغاؤها دون العودة للبرلمان.
4:حرية الراي والتعبير في البرلمان مصانة.وكما نلاحظ فان انجازات هذه الثورة بحق عظيمة لكن وكما يلاحظ فان الحذو حذوها تاخر بعض الشيء في باقي اوروبا رغم انها كانت مستنيرة بقبسه عند حدوثها ويرجع ذلك الى ان ملوك اوروبا احسوا بالخطر العظيم المحدق بهم فاسرعوا الى الضرب بيد من حديد لكل من يحول ان يمس سلطانهم او ان ينقل التجربة البريطانية الى ممالكهم كما انهم عادوا انجلترا نفسها وثورتها هذه.
ويذهب المختصون الى سبب نجاح هذه الثورات وعدم دمويتها بنفس الوقت في حين ان الامر لم يكن كذلك بباقي الدول الى شخصية الفرد البريطاني نفسه وعقليتهوانها هي ما سمح بحصولهم على تلك المكتسبات كما لاننسى ان بريطانيا نفسها كانت محصنة اكثر من غيرها فهي ليست متصلة بالبر الاوروبي مما يسمح بحصول ثورات واضطرابات دون الخوف من ان تتعرض لعدوان او هجوم خارجي رغم التنافس لقرون طويلة وحروب كثيرة بينها وبين فرنسا.
مما سبق يتبين لنا اثر اكثر من عامل مع بعضها البعض وتبقى العوامل الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي الابرز التي حركت باتجاه حدوث هذه الثورات.كما كان لخضوع اراضي كثيرة كمستعمرات لبريطانيا الى نقل افكارها لتلك المستعمرات وابرزها الولايات المتحدة الامريكية التي استقلت عن بريطانيا عام 1776م والتي تبنت بعد الاستقلال المباديء الديمقراطية التي كانت سائدة في بريطانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا