الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غائيهم حتى يعود (بغداد ابنتي الغائبة)

بهار رضا
(Bahar Reza)

2013 / 9 / 24
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


الفرق بين بناتي، أربعة عشر! تسألون ماذا تعني أربعة عشر! تعني ...قرة عيني ابصرت النور في الموعد المحدد لولادتها بدون ان تقدم او تأخير يوم! بعد أربعة عشر دقيقة طلق مفاجئ محطمة رقم قياسي كبكر .هذا ما اخبرني الأطباء به .بعد ان طمئنوني بان كتفها المخلوع نتيجة تصارعها وتسارعها للخروج الى مسرح الحياة سيضمد خلعه ذاتياً خلال اسابيع .لتضل اخر عنقودي ملتصقة بأحشائي متأخرة أربعة عشر يوما عن موعد ولادتها أربعة عشر يوماً من الطلق المنتظم ،الى ان صرت مهددة بفقدانها بعد ان بدأت دقات قلبها تتباطئي مع كل طلقة.
خوفي لفقدانها اخافها هي ايضاٌ ،وكان السبب الرئيسي لتسارع دقات قلبها التي انقذتها من موت حتمي. فهمت بأن كل شيء فيها سيتذكر هذا اليوم وستتسارع دقات قلبها الرائع مع ابسط الاحداث. علقت الدكتورة بعد ان اكدت لنا سلامتها بأنها طيبة ترفض الخروج لعالم تجتاحه الحروب .
أعشق الطبخ أيام العطل لأنه يكون بصحبة بناتي ،يكون ممتع ولذيذ بأحاديثهن التي تأتي مع نكهتها الروحية من القلب .من قلب القلب. كان يوم مشمس وكنت اعدا السلطة عندما سألتني الصغيرة
ــ ماما متى سنعود الى موطننا ؟
اول مرة تسألني بهذه اللهجة ،كانت اكثر جدية اجبتها
ــ لا أعرف ..ما زالت الحرب قائمة بشكل او بآخر
ــ ومتى ستنتهي الحرب؟
ــ لا اعرف !
ــ ماما ، لماذا اله الدنماركيين يحبهم ويحميهم في حين الهنا لا يحمينا ويبعد عنا شبح الحرب .
لم أتمكن من اجابتها .جاولت ان اخفي حزني . لتجيبها اختها
ــ لا دخل للآلهة هنا ..الطمع والجاه والقدرة هي الدافع الرئيسي. البشر الجشعين هم سبب الحروب .
ــ وهل تتصورين ان الدنماركيين ملائكة ؟هل هم جميعهم طيبين؟ الا يوجد بينهم جشعين؟ لا يوجد بكل تأكيد، لكن الههم يحميهم والهنا لم يعد يحبنا ولذلك لن يرعانا .
لم تعطي الفرصة لأي منا للتعليق بدأت هجومها المباشر نحوي
ــ انت أم؟ أي أم انت؟ اسألك وتجيبيني: لا اعرف، لا اعرف .... الا تشعري بشعوري؟ الا تشعري بشعوري؟ انظري اليّ، معني النظر. انا داكنة وبلدي مشرق والدنماركيين مشرقين وبلدهم داكن غامق. انا يا ماما لا انتمي الى هذا المكان .هل انت عمياء؟ حسي ماما
الالم حين يفيض عن احتماله لا يمكن للصدور ان تتسع له. أحسست بوجع ،حتى دموعي المتدفقة كالنهر، كانت هي الاخرى تتوجع. الصدمة وثقل كلماتها ارغمتني للجلوس على أرضية المطبخ لأخفي هشاشتي بين يدي الثقيلتين.
طلبت الكبيرة من اختها ان تذهبا خارجاً حتى اهدأ. بالفعل بعد نوبة من البكاء هدئت. وعدن وما ان اصبحن بالداخل حتى بدأت تتودد لي وتتسلل الى لموضوع من النافذة بعد ان أصبحت هزيمتها من أوسع الابواب
ــ ماما انت تتحدثين عن "تكريس" والشمس المشرقة هناك. تصوري يا ماما ان عُدنا ! تصوري كل يوم بعد الدوام نذهب للسباحة في ذاك النهر الجميل . الا يسعدك هذا ؟
لم اتمالك نوبة الضحك وانا متصورة منظرنا بملابس السباحة في نهر دجلة
ــ هل هناك ما يدعي للضحك ؟
ــ لا حبيبتي .لكن ان نزلنا للسباحة في النهر ستكون صوان اذنينا هي اكبر قطعة من اجسادنا ،وانا لا اتحدث عن اسماك القرش لالا ...الناس سيقطعوننا
ــ لماذا ؟؟نحن سنبح فقط في الأماكن المخصصة للسباحة .حتى في الممنوع نأخذ غرامة لماذا القتل ؟انت تبالغين.
تدخلت اختها مرة أخرى لتقول لها
ــ حبيبتي العراق وضعه غير وضع البلدان العربية التي زرناها .هناك حرب منذ عشرات السنين ماما كانت طفلة يوم اندلعت الحرب وهي اليوم ماما ..عمر ...تتغير النفوس من رائحة الدماء
استغربت لتعاطف الكبيرة بالعادة تستهزئ بمشاعر اختها وتنعتها (انت صايرة دنماركية) وهي تحزن وتقول(ماما كوليلها هيجي تجرحني) .
عادت نظرات الحيرة لعينيها وكأنها تبحث عن منفذ اخر .آبية الاستسلام
ــ تعرفي ماما انت مشتاقة ونحن متشوقين لرؤية بيتك ومدرستك وشارعكم التي لطالما حدثتينا عنه زيارة فقط زيارة اوعدك بهذا.
رثيت لحالي ...ابنتي تبحث عن هوية عن وطن عزيز سلب هويتي وترك هويته في كياني .قلت لها
ــ يقول العرب (غائبهم حتى يعود) اقصد بغداد ابنتي البعيدة اعرف انها اليوم ليست كسابق عهدها .سيحزنني رأيكم عند زيارتها وانتم تقولون (تبكين هذه الخرابة ماما؟)
ــ انت تقولين هي ابنتك الثالثة ولا تزوريها ؟؟ دعينا نذهب ونشتري مقشة وطلاء للجدران ونبدأ نحن الثلاثة بحملة تنظيف. والناس ستتشجع وتساعدنا. نطلي جدران مدرستك نكنس شارعك وانا مطمئنة ستكونين اكثر سعادة .
احتضنتها وانا اقبلها بكل فخر ...ضممتها لصدري وكأني اضم دجلة والفرات في ان واحد ..أخبرتها بعدم إمكانية الزيارة ووعدتها بأننا سنزور العراق يوماً .حين أكون على استعداد نفسي لهذا اللقاء. وسأنظم تلك الحملة بأمسها . مرت سنين على هذا الوعد الذي قطعته .ما زالت هي تلون معي بعض اللوحات بهدوء متأملة تغيير العالم بالألوان . واختارت اختها كلية تمكنها من تغيير العالم بقوة الاكتاف. وكانت دهشة البروفسور الطلاب اثناء تعرفهم عن خلفيات بعضهم البعض كبيرة وهم يستمعون لإنجازاتها المتمثلة بخدمة في الأونروا في مخيمات الأجبين الفلسطينيين في الأردن ومنظمات خيرية شتى وبأنها اليوم (Project Manager) في منظمة حماية الطفولة وهي لم تكمل السنة الأولى من دراستها الجامعية.
اتأمل ان يتمكنوا من تحقيق ما لم يحققه نضال وتضحيات اهلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحامية انتصار السعيد


.. في يومه الثاني ملتقى العنف الرقمي يناقش الوقاية والاستجاب




.. اليمنيات بين التحديات والإنجازات المسيرة مستمرة


.. الحروب والكوارث الطبيعية تُعرض الأطفال للإصابة بالاكتئاب




.. الشهباء تكتسي ثوبها الأخضر بقدوم فصل الربيع