الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الفرنسية..بحث في الأسباب والنتائج

حميد حبيب المالكي

2013 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لقد فتحت الثورة الفرنسية أمام الأنسانية فتحا كبيرا فقد كانت هذه الثورة نبراسا استضائت به شعوب اوروبا ومن بعدها باقي شعوب العالم أنار لها درب الحرية وأطلق العنان للعقول لتتحرر من القيود وادران الملكيات المطلقة التي اطبقت على رقاب شعوبها فعصر الثورة الفرنسية هو فعلا العصر الذهبي للفكر الأنساني والطفرات التي تحققت بعده هي دون شك مدينة بشكل من الأشكال للثورة الفرنسية عام 1789م وسنحاولا في السطور اللاحقة ان نستعرض بأيجاز اسباب تلك الثورة ووبعضا من وقائعها ونتائجها.
ما قبل الثورة:
نستطيع القول ان العامل الاقتصادي هو الاهم والابرز في الثورة الفرنسية رغم وجود اكثر من سبب تداخلت وهو الامر الذي يختلف عن الثورة الانجليزية فقد كان العامل الديني والسياسي هو الاهم ففي انجلترا بدأت الثورة من البرلمان فاصطف الشعب معه اما الثورة الفرنسية فقد كانت حراكا شعبيا.
ولاجل ان نعرف كيف كان واقع حال فرنسا ماقبل الثورة لا بد ان ناتي على ابرز ملوكها والذين كانوا هم المسببين للحالة التي وصلت اليها فرنسا.
اولا:لويس الرابع عشر صاحب مقولة انا الدولة والدولة انا التي غدت مقولة تجسد السلطة المطلقة للملوك في ذلك العصر,كان شخصية محورية وصاحب واحدة من اطول فترات الحكم في التاريخ حيث دام حكمه لاكثر من اثنين وسبعين عاما فولد عام 1638م حتى توفي عام 1715م رغم انه لم يكن يحكم فعليا باول ثمانية عشر عام وهي فترة ادارة الكاردينال مازارين للوزارة حتى وفاته عام 1662م ومما يتضح تلك الفترة هو انه حتى خلال حكم والد لويس الرابع عشر اي لويس الثالث عشر فقد كان كاردينالا اخر ذو تاثير قوي على مجريات السياسة الفرنسية قد يكون تاثيره اكثر من الملك نفسه وهو الكاردينال رويشيلو وكان رويشيلو هذا يمثل اول ظهور لمنصب رئيس وزراء بالتاريخ وبشكل يقترب من شكلها الحالي.كان لويس الرابع عشر يدعى بالملك الشمس وكان واسع الاهتمام بالادب والعلوم والفنون كما انه كان ذو شخصية قوية وعلى ثقافة واسعة لكن لويس الرابع عشر ابتدأت معه معاناة فرنسا من الديون والمشاكل الاقتصادية ولم يستغل طول فترة حكمه لتطويرها رغم انه تمكن من ابعاد انتقال عدوى الثورة الانجليزية الى فرنسا حيث عاصر كل تلك الثورات.
ثانيا:لويس الخامس عشر وتتناقض الاراء حول هذا الوضع حيث يذهب البعض الى ان سياسته الخارجية وحروبه قد ارهقت فرنسا واثرت سلبا في واقعها الداخلي خصوصا الاقتصادي مما زيد جراحها في حين ان الغير يرى فيه شخصا مصلحا ونصيرا للفقراء لكنه لم يتمكن من انجاز ما كان يبتغيه.
ثالثا:لويس السادس عشر وماري انطوانيت ولويس السادس عشر هو حفيد لويس الخامس عشر كون ولد لويس الخامس عشر قد توفي بحياته وتزوج من ماري انطوانيت ابنة ملكة النمسا القوية ماري تيريزا وقد تم اعدامه هو وزوجته ومات ابنهما الصغير مرضا عام 1793 بعد الاطاحة به في الثورة الفرنسية.كان شخصية هادئة وطيبة وهو الامر الذي سمح لزوجته النمساوية ان تبرز وتطغى على شخصيته وكانت ماري انطوانيت صغيرة ومدللة كما انها كانت ذكية لكنها كانت تشعر بالكآبة لبعدها عن ديارها فصارت تعوض عن ذلك باقامة الحفلات والسهرات والولائم بشكل يومي وتدعو النبلاء لحضورها بنفس الوقت الذي كانت فرنسا تعاني فيه من مشاكل جمة مما جعل ميزانية الدولة خاوية بل اصبحت فرنسا تغرق بالديون ومع تزايد سكان فرنسا مما اصبح عامل ضغط بنفس الوقت لم يكن الملك والملكة منتبهين للفوران بين الشعب وكان هنالك برلمان في فرنسا لكنه لم يجتمع منذ عشرات السنين.
تزايد كره الشعب للعائلة المالكة خصوصا الملكة التي يذكر انه عندما قيل لها ان الشعب لايجد خبزا ليأكله فقالت لهم فليأكلوا كعكا ,لكن هذه المقولة لم تثبت نسبتها اليها وكان كره الملكة هذه احد العوامل الرئيسية المحركة للثورة فقد برز في هذه الثورة الدور المهم للأعلام:اذ كان هناك اعلام ضد الملكة يستهدفها أثر بشكل كبير على الشعب وحركه.مما سبق يتبين لنا تطور الاوضاع السيئة في فرنسا واتساع الفجوة مابين الحاكم والمحكومين اضافة الى تحول المشاعر الى كره.كما كان للحروب الطويلة التي خاضتها فرنسا تارة مع الامبراطورية النمساوية وتارة مع اسبانيا وتارة مع بريطانيا الى تكليفها الكثير مع ان فرنسا حققت بعض المكاسب خصوصا حصولها على الاراضي المنخفضة الفرنسية او ما تعرف حاليا ببلجيكا لكن خسائرها كانت اكثر.ودعمت فرنسا الثوار في الولايات المتحدة الاميركية للاستقلال من بريطانيا عدوها اللدود في حين ان الشعب كان يعاني الامرين بسبب الجوع وعدم استجابة النظام لقاعدته قاد بالتالي للنتيجة المأساوية باعدام الملك والملكة بالمقصلة وثورة دموية برغم ما حققته هذه الثورة من مكتسبات طبعت اثرها على الديمقراطيات الاخرى وخصوصا انها كانت اول جمهورية تمكنت من الاستمرار في العصر الحديث.
قيام الثورة:
تعد الثورة الفرنسية واحدة من اكبر المؤثرات في الشعوب الاوروبية والفكر الاوروبي ومحرك لشعوبها نحو الديمقراطية فيرى الكثيرون ان اثرها اكبر من اثر الثورة المجيدة في انجلترا فحولت فرنسا من دولة يحكمها حاكم بسلطات مطلقة الى جمهورية فبعدما كانت نظرية الحكم هي الحق الالهي للملوك اصبحت الارادة العامة للشعب وسيادة الامة ورفعت شعار حرية واخاء ومساواة.الغت هذه الثورة بالاضافة للحكم المطلق الاقطاعية والامتيازات الطبقية والنفوذ الديني فتميزت بذلك عن الثورة المجيدة كما ان هذه الثورة احدثت انقلابا هائلا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ناهيك عن السياسي.
ككل الثورات كانت الثورة الفرنسية استكمالا لمؤثرات وتحركات سابقة او ثمرة لها وكما اوضحت فان العامل الاقتصادي هو الاهم لها.كانت الغالبية العظمى من الشعب الفرنسي من المزارعين الذين يدفعون ضرائب ثقيلة للنبلاء وهؤلاء بدورهم يدفعون للملك كما وهنالك اكليروس من رجال الدين المنتفعين ايضا وكان الملك غير مبال بكون معظم الشعب لايجد ما يسد به رمقه خصوصا وان السنوات السابقة للثورة كانت فرنسا قد عانت خلالها من تدهور الزراعة وعدم هطول الامطار او هطولها بغزارة مما اتلف المحاصيل وسبب المجاعة بنفس الوقت الذي كانت الاخبار تنقل للشعب عن البذخ الذي كانت تعيشه الاسرة الحاكمة فزاد الغل في قلوب الفقراء وزاد في كرههم للعائلة المالكة خصوصا ملكتهم النمساوية.كما لا يفوتنا اثر مفكري عصر التنوير ومفكري الثورة الانجليزية الذين وان ضغطت الدولة لمحاولة عدم السماح بتغلغل افكارهم للداخل الا انها دخلت وانتشرت لا بل تم تطويرها على يد مفكرين فرنسيين واصبحت المادة النظرية للثورة بذلك جاهزة خصوصا جان جاك روسو صاحب الاثر الكبير بهذه الثورة باكثر مما اثر به لوك على الثورة الانجليزية حتى انه بعد نجاح الثورة تم نقل رفات روسو ودفنه بمقبرة العظماء باحتفاء مهيب يوضح الاهمية التي كان يمثلها روسو من خلال افكاره على هذه الثورة وقد تمكنت الثورة من تطبيق الكثير من المباديء التي نادى بها روسو.كما أن ضعف الملك لويس السادس عشر لعب دورا في هذه الثورة وفي ارتباكه وعدم الحزم باتخاذ القرارت كما انه لم يستجب لمطالب الشارع ولم يستمع لها من الاساس ولم يقم باي خطوات اصلاحية من شانها ان تمتص غضب الشارع فتأزمت الامور فغادر الملك قصر فرساي الى قصر اخر فقامت مجموعة من الغاضبين بمحاصرته في قصره فحاول الفرار هو وعائلته مما زعزع ثقة الشعب به اكثر وكانت مجموعة من الجنود السويسريين تحمي الملك وقامت بحمايته لكنهم ابيدوا عن بكرة أبيهم والقي القبض على الملك وتم محاكمته وسجنه واعدم لاحقا.كان الجميع مندفع تجاه الافكار الجديدة من مساواة وحرية وفصل السلطات والافكار ذات البريق ما يشكل اهدافا تلبي رغبات وعطش الشعب بعد معاناة طويلة.
مما يلاحظ في الثورة الفرنسية هو الدور الكبير الذي لعبه الفلاحين في هذه الثورة كونهم الاكثر تضررا من النظام السياسي ومساوئه,ومرت هذه الثورة بمراحل عدة نستطيع تقسيمها الى:
اولا:المرحلة الاولى من 1789 حتى 1792 وهي التي تم فيها الهجوم على الباستيل وحرقه وتحرير السجناء رغم ان عدد السجناء فيه حينها لم يكونوا يتجاوزوا اصابع اليدين لكن سقوطه كان يمثل سقوط لرمزية السلطة المطلقة للنظام.شملت هذه المرحلة سقوط الملك واعادة الروح بالبرلمان وعاد لاصدار القوانين والتشريعات وتحويل فرنسا من ملكية مطلقة الى ملكية دستورية ونتج عنها صدور بيان حقوق الانسان الفرنسي ووضع دستور للبلاد.
ثانيا:المرحلة الثانية من 1792 حتى 1794 وخلال هذه الفترة تصاعدت المطالب بتحقيق انجازات وكانت دموية فسميت بعصر الارهاب وسيطر خلالها روبسبير على مفاصل السلطة فقام بالتخلص من الكثير من الرموز التي تحسب على الملكية او على الثورة حتى فشعر الاخرون بالخوف منه فتخلصوا منه وخلال تلك الفترة تم اعدام الملك والملكة وتحويل الدولة من مملكة الى جمهورية بنظام متشدد.
ثالثا:المرحلة الثالثة من 1794 حتى 1799 وخلالها تراجعت المطالب الشعبية وخفتت الثورة بعدما تمت تلبية معظم المطالب الشعبية لكنها شهدت استغلال الطبقة البورجوازية للفرصة بتراجع القوى الثورية وسيطرت على الحكم ومد النفوذ ومررت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش ودفعت ضابطا كورسيكيا طامحا للقيام بانقلاب عسكري لكنه انقلب عليهم ومسك هو بزمام الامور وحكم البلاد.
نتائج الثورة:
جاءت الثورة بنتائج آنية واخرى على المدى الطويل كما ان نتائجها لم تقتصر على فرنسا بل عبرت الحدود الى دول اخرى استنارت بقبس الثورة الفرنسية وما حققه الشعب الفرنسي خلالها من انجازات واهمها:
اولا:ظهور نظام جمهوري بشكل عصري حديث يختلف عن اشكال النظم الجمهورية التي سبقتها وانتشر هذا الشكل من اشكال النظم السياسية ليصبح الاكثر انتشارا بين دول العالم وانتهى معه عهد الملكية المطلقة.
ثانيا:كتابة اول دستور للبلاد اقر بفصل السلطات مما يحجم ويقلل من امكانية هيمنة سلطة على السلطات الاخرى رغم الانقلابات اللاحقة على الدستور الفرنسي.كما كان اول دستور علماني بالعصر الحديث كونه اقر بفصل الدين عن الدولة ومباديء سامية لم يسبقه لها دستور اخر من قبيل المساواة وحرية التعبير عن الراي والتفكير وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين ولاول مرة يتمكن من خلال هذا البند ان يكون اليهود مواطنين كغيرهم ليس كما كان حالهم في باقي اوروبا درجة دنيا من البشر ومضطهدون ويرى البعض ان ذلك النص كان بتدخل من اليهود انفسهم ليمرر رغم عدم ثبوت هذا الادعاء.
ثالثا:تحررت السياسة الفرنسية من سلطة الكنيسة ورجال الدين كما الغيت امتيازات النبلاء ورجال الدين هؤلاء وهو الامر الذي استغلته البرجوازية المتوسطة للصعود خصوصا وان من نتاجات هذه الثورة هو تحرر النظام الاقتصادي للدولة ويتجه نحو الراسمالية والاقتصاد الحر.
رابعا:جاءت بمفاهيج جديدة واحيت اخرى مثل الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية والتعليم المجاني واعتماد اللغة الفرنسية كلغة رسمية للدولة باكملها مما اوجد لاحقا عاملا من عوامل الوحدة.
يحدد كثير من المختصين السياسيين تأريخ الثورة الفرنسية كتأريخ لنشوء الدول القومية الحديثة التي تمثل الانظمة فيها ارادة شعوبها ورغم التعثر الذي اصاب مسار هذه الثورة والعقبات التي اعترتها لكنها دقت ناقوس الخطر ولحظة انطلاق زلزلت عروش ملوك اوروبا المستبدين مما جعلهم يناصبون العداء لهذه الثورة ويحاولون اجهاضها وفعلا نجحوا بأعادة الملكية لكن لمدة قصيرة فأرادات كل حكام اوروبا لم تستطع الحيلولة دون تحرر الشعب الفرنسي وقلب العروش على اصحابها لا بل أن الثورة الفرنسية امتد تأثيرها خارجا فأن لم تطح بالملوك فقد اطاحت بسلطتهم المطلقة وصلاحياتهم وأصبحوا مجرد حكام شكليين وتمكنت الشعوب من أن تحكم نفسها بنفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار