الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثاني من القراءة للدولة الفلسطينية

سليم النجار

2005 / 5 / 26
القضية الفلسطينية


* سليم النجار
حين تمضي في رحلة الكشف عن مظاهر تزيف الوعي الفلسطيني، وانهيار عقله السياسي، وغياب المنطق، كما تمثلت على ردود الفعل على فكرة قيام الدولة الفلسطينية، ستظهر لنا أمثلة مضافة، على تزيف الوعي السياسي الفلسطيني وخلط متقصد على كافة الاصعدة بين أساليب الفلسطينيين في التعامل مع فكرة الدولة الفلسطينية، على المستوى الشخصي، وأساليبهم في النظر لفكرة الدولة الفلسطينية، ولعل هذا الخلط يظهر جليا في الشتات الفلسطيني، الذي أصبح هذا المصطلح متداول في النخب الثقافية والسياسية الفلسطينية، وهذ التداول، ليس المقصود به زيادة الوعي أو الكشف عن برامج حقيقية لتحقيق هدف استراتيجي، ممثلا في قيام الدولة، بل الهدف من التداول هو زيادة رؤية الضبابية في الوعي السياسي الفلسطيني، نتيجة عجز حقيقي في تقديم برنامج سياسي ونضالي حقيقي في كيفية تحقيق هدف سياسي، متمثل في قيام الدولة الفلسطينية.
الشتات الفلسطيني بقي في رؤية القيادات السياسية الفلسطينية بمختلف مشاربهم الأيديولوجية، تنظر لهذا الشتات على أنه قطيع ينقاد بلا عقل، في أي اتجاه يفرض عليه، وهذا التعالي على الشتات، والاعتقاد بأنه أية أكذوبة يمكن ان تمر عليهم، ليس إلا النتيجة الطبيعية لجو القهر المخيم منذ أمد بعيد، والذي أشاعه نظام سياسي سلطوي في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي استمد قوته وسطوته من الأنظمة العربية الديكتاتورية، التي قلبت هذا الدور، ما دامت النظم السياسية السلطوية في منظمة التحرير الفلسطينية ان تبرأ تلك الانظمة من دورها العاجز في الدفاع عن فلسطين، وعن دورهم في كثير من مراحل الصراع بين العرب والحركة الصهيونية، كان التواطؤ.
هذه التبرئة جعلت الأنظمة العربية وبحدود محسوبة ان تجعل منظمة التحرير الفلسطينية، ان تتواجد في الشتات الفلسطيني، إما عبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أو السماح للإتحادات الشعبية الفلسطينية، ان تتأسس وتنشط بحدود، جوهر النشاط اعلامي ساذج، لا يقدم أو يؤخر في مسيرة القضية الفلسطينية.
ومن شان اتباع هذا النهج من النظام السلطوي في منظمة التحرير الفلسطينية، ان يبدو فكرة تحقيق الدولة الفلسطينية، شأن شخصي تمثل في زعامة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "ابو عمار".
واستفاد ابو عمار من الشروط الاجتماعية التاريخية، التي جعلت الفكرة القطرية في سدة الوعي السياسي لدى وعي الجماهير العربية، واصبحت الدولة في نظر هذه الجماهير "جواز سفر، وعلم وطني، وأجهزة أمنية، وجيش" هذه المكونات للدولة القطرية أوقعت الشتات الفلسطيني هو الآخر يبحث ويناضل عاطفيا من اجل تحقيق هذه المكونات، ولعل المثل الصارخ في تحقيق هذه المكونات قيام فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في تأسيس كيانات تقترب من مفاهيم هذه المكونات، ولعل فتح كبرى الفصائل الفلسطينية مثالا صارخا على هذا التوجه والمنهاج في آن معا، فقيام الدائرة المالية والدائرة العسكرية، ودائرة الاعلام..الخ، كذلك حصل في منظمة التحرير الفلسطينية، وقيام دوائر هي عبارة عن وزارات مصغرة، وذهب النظام السلطوي في منظمة التحرير الفلسطينية، حين أسس جيشا وطنيا أطلق عليه اسم جيش التحرير الفلسطيني، وهكذا تكتمل الصورة بكامل وضوحها.
الشتات الفلسطيني غذى هذه الدوائر، وتتعاطى معها، كإحدى مكونات الدولة الفلسطينية القادمة، في حقيقة هذه المكونات كانت مسخ كريه عن الأنظمة العربية.
ولم تستطع هذه المكونات الفلسطينية، ان تطور نفسها من الداخل، بل على العكس تماما من ذلك، فإنها كانت تلتهم وعلى نحو متدرج بعض مكوناتها، وما يؤسف له اكثر ان شروط التطوير كانت معدومة.
وحتى لا يكون هذا الوصف تعميما، سنضرب أمثلة محدودة،
المثال الأول: المجلس الوطني الفلسطيني، هذا الجسم "الديمقراطي" كما كان يزعم النظام السلطوي الفلسطيني المهيمن على القرار الفلسطيني، استطاع تحويل هذا الجسم الى كرنفال فلسطيني، يمارس طقوس الكرنفال لأيام معدودة، من أجل تجميل الصورة السلطوية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فلم يعرف هذا الجسم منذ تأسيسه حتى اليوم أنه اتخذ قرارا يعارض توجهات النظام السلطوي لمنظمة التحرير الفلسطينية، حاله حال البرلمانات العربية، حتى أكثر من ذلك، يتشكل هذا الجسم من خيارات الفصائل السياسية، التي قبلت بالفتات، وهيمن فتح على هذا الجسم، حتى المستقلين هم في حقيقة الأمر أزلام فتح، والقلة يفنون خارج هذا السراب، وهؤلاء من أجل تجميل الديكور الديمقراطي الفلسطيني، وكان الشعار المرفوع دائما لعدم اجراء انتخابات للتجمعات الفلسطينية، ان الظروف السياسية الموضوعيةن لا تسمح بإجراء هذه الانتخابات في الوقت ذاته كانت الظروف تسمح لإجراء انتخابات للإتحادات الشعبية الفلسطينية، وهنا مفارقة لافتة تدعو للسخرية، كيف تقبل الأنظمة العربية بالسماح لإجراء انتخابات لإتحادات الشعبية الفلسطينية، التي تتواجد على أراضيها، لكنها في الوقت ذاته لا تسمح للتجمعات الفلسطينية ان تسمح لها بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، وحتى لا نغرق في التنظير، القضية واضحة، الاتحادات الشعبية عادة الانتساب اختياري، لتلك الاتحادات، مدفوعة بعاطفة جياشة، تتمثل في انشاء مكون فلسطيني مع هيمنة كاملة للفصائل الفلسطينية مع محدودية الانتساب كلها، عوامل يمكن السيطرة عليها.
بينما لو سمح لإجراء إنتخابات تشريعية ديمقراطية في التجمعات الفلسطينية التي تتواجد على الأراضي العربية لإختيار أعضاء للمجلس الوطني الفلسطيني قد يحصل ما لا يحمد عقباه، وهذا ما كانت تخشاه النخب السياسية الفلسطينية المنطوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، هذا التواطؤ بين النظام الرسمي الفلسطيني والأنظمة العربية الرسمية جعل من الصورة" الديمقراطية" الفلسطينية كاريكاتورية.
المثال الثاني: المؤسسات الشعبية، أو الاتحادات الشعبية، كإتحاد العمال، والمرأة، والكتاب، إلخ، كلها مؤسسات وهمية لا قيمة لها على صعيد التأثير الشعبي الفلسطيني، أو على صعيد القرار الفلسطيني، وكما أسلفنا أن هذه الاتحادات الإنظمام لها إختياريا، وهي عبارة عن دكاكين سياسية، وفي أحسن أحوالها نوادي اجتماعية من أجل السمر!.
فهذه المؤسسات منذ تأسيسها وحتى الآن لا دور لها، إلا المشاركة في المؤتمرات العربية ذات الاقتصاص، وكأن المقصود، إذا كان كان هناك اتحاد كتاب للمغرب، فلماذا لا يكون هناك اتحاد كتاب لفلسطين، وبدا الأمر، هو الغيرة السياسية إذا جاز لنا التعبير، ولم تكن هذه الؤسسات إلا ادارة تنفيذية عمياء لرغبات القائد الرمز، ولم يعرف يوما ان هذه المؤسسات دافعت حتى عن اعضائها الذين انضموا اختياريا لها، وكان التبرير دائما ان هذه المؤسسات، هي مؤسسات سياسية، وليست نقابية وطبعا التبرير دائما هو الظروف الموضوعية التي لا تسمح لهذه المؤسسات القيام بدورها.
صحيح ان الصراع القائم هو صراع سياسي، ولا يختلف أحد فيما أظن، في أنه صراع متولد عن استعمار استيطاني في فلسطين، وعن سيطرة اقتصادية وعسكرية، والى حد ما ثقافية، أمريكية على المنظمة العربية، لكن الصورة بهذا التوصيف ليست مكتملةن وللحق استطاعت اجهزة الاعلام الفلسطينية الخاضعة للنظام الرسمي المعارض الفلسطيني، تصوغ الأمر عل أساس ان الصراع الدائر في مجال السياسة هكذا يتم تصويره.
والسبب في ظني يرد من انه إذا وصفت طبيعة الصراع صراعا سياسيا، فإنه يظهر مباشرة من فيه المعتدي ومن فيه المعتدي عليه، هذه الصورة صورة زائفة، فالمعتدي عليه الشتات الفلسطيني وفلسطين الداخل في فلسطين كله، والمعتدي الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، بل يشاركه في هذا الاعتداء النظام الرسمي الفلسطيني على وجه الخصوص، والتدقيق في توضيح الصورة، فالنظام الرسمي الفلسطيني، أقلم ظروفه السياسية مع هذا الوضع، ويتحرك ضمن هذه الهوامش التي تسمح له بالحفاظ على مكتسباته الفردية، وهي تصل لدرجة القداسة، وتتساوى مع حق العودة الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية، فإذا تعارضت المصالح الفردية مع حق العودة، قيام الدولة الفلسطينية، لا ضير في تأجيل هذه المشاريع، والقبول بمشاريع بمسخ ما دامت تتوافق مع نمو وتطور مصالحهم الفردية.
ولا أعتقد ان النموذج "للاتحادات الشعبية الفلسطينية" سواء تلك المسماة اتحادات تحررية، وطنية معادية للإستعمار، أو تلك الأسبق منها، ثورية الهوية الفلسطينية القائمة على التعبئة العامة في الشعب الفلسطيني، من أجل توحيد فئات الشعب الفلسطيني الموزعة على مناطق جغرافية متباعدة في أنحاء العالم، وليس العالم العربية فقط، قادرة على استيعاب هذه الفئات لأن الدور السياسي المناط بها، هو ترويج والانصياع/ غياب القائد الرمز، وهذا الدور جعل هذه الاتحادات الشعبية لا قواعد شعبية فعالة بين أوساط الشتات الفلسطيني، وتحولت الى مزامير سلطوية للنظام الرسمي الفلسطيني.
ان الاتحادات الشعبية الفلسطينية، كإنتماء سياسي كان من المفترض ان يتوسع انتمائها الى المهنية أي تتمثل هذه الاتحادات الشعبية، لوعاء حضاري واقعي تاريخي، يمثل جميع الفئات الشعبية الفلسطينية، التي تمثل القاعدة العريضة لحركة المقاومة الفلسطينية، لأنه حصل ذلك، سيتم الدفاع عن مصالح فئات الشعب الفلسطيني في الشتات، وبالتالي ستفرز قيادات شعبية ذات ثقل شعبي، يستطيع التخلي عن الضغط الرسمي العربي، وبالتالي تتسع دوائر التحرك السياسي الفلسطيني، ويتسع الهامش النضالي.
المثال الثالث: ان النظام الرسمي الذي أبدع في تمييع عمل المؤسسات الشعبية، وجعل الانتساب منها طوعية لكنه استطاع ان يفرض على الأنظمة الرسمية العربية، فرض ضريبة مالية على رواتب الفلسطينيين في الشتات الفلسطيني في دول الخليج العربي مثلا، حتى التي لا يتواجد فيها تجمعات فلسطينية في الدول العربية، كالمغرب العربي، كانت هنالك ضريبة على تذاكر السينما لصالح العمل الفلسطيني، قد تبدو الصورة جميلة إذا ما تم النظر لها شكليا، لكن إذا دققنا قليلا لإكتشفنا ان الدعم المادي مباشرة يذهب لصناديق وجيوب قادة النظام الرسمي الفلسطيني، وتبقى الحلقة المفقودة والمغيبة، هي الفئات الشعبية الفلسطينية، لأن هذه الأموال لن تذهب لبناء مؤسسات شعبية وتعزيز دورها في الشتات الفلسطيني إلا ما نذر كما هو حاصل مع الهلال الأحمر الفلسطيني الذي تواجد في مناطق جغرافية عربية محددة.
كلبنان لوجود القوات الفلسطينية العسكرية قبل عام 1982 وفي سوريا عيادات صغيرة وفي مصر مستشفى فلسطين لقرب مصر من غزة، لتقديم خدمة لأهالي غزة.
لقد كانت روح المواطنة الفلسطينية خاضعة تماما لأطر ومؤسسات القائد الرمز والديمقراطية، تحولت في عهده إلى ديمقراطية البنادق كما كان يرددها، أي من يحق له أن يتمتع بالديمقراطية للنظام الرسمي الفلسطيني، من يحمل البندقية، والبندقية الفلسطينية التي صيرت لمشاريع ومصالح للقيادات الفلسطينية السياسية الرسمية والمعارضة ولم تأخذ طريقها لتحرير فلسطين.
إن الشتات الفلسطيني تتعاطى مع فكرة الدولة الفلسطينية كرواية شفوية تتأجح جبنا وتخفوا جبنا آخر حسب القمع الذين يتعرضون له من قبل الأنظمة الرسمية العربية وصمت النظام الرسمي الفلسطيني الذي كان في كثير من الحالات شاهد زور على ما جرى للشتات الفلسطيني!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة