الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعودية ... ومعضلة البحث عن الدور الإقليمي

جاك جوزيف أوسي

2013 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن ألغى مصفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية وأسقط أخر خلفائها يوم الثالث من آذار عام ألف وتسعمائة وأربع وعشرون، شعرت جميع الأسر الحاكمة التي كانت تحكم في منطقتنا العربية، تحت وصاية التاج البريطاني، أن منصب خليفة المسلمين هي الجائزة الكبرى التي يجب أن تحصل عليها بعد أن تخلى عنها أصحابها الرئيسيين. وكان تقدير قادة هذه الدول أنه حتى بعد تأسيس الجامعة العربية فإن منطقة الشرق الأوسط يغطيها ظل إسلامي يحتاج إلى تعبير سياسي عنه، وهذا التعبير لا يتقاطع مع فكرة الجامعة العربية بل هو استكمالٌ لدورها وتعزيزٌ لقوتها.
الشيء الغريب في هذه الفكرة أنها كانت تتقاطع مع المخططات البريطانية ولاحقاً الأميركية التي كانت تؤسس للحلم الصهيوني في فلسطين، ذلك أن لندن وواشنطن كانتا تدعما وتشجعا فكرة الخلافة ولكن من منظور حلف عسكري إسلامي يجمع جميع دول الشرق الوسط مع دول الحزام الشمالي المحيطة به مباشرة، وهي تركيا وإيران وباكستان، بالإضافة إلى إسرائيل بعد قيامها، بهدف إغلاق الطريق على الإتحاد السوفييتي ومنعه من الوصول إلى المياه الدافئة ومنابع النفط في الشرق الأوسط.
العقبة الوحيدة التي اعترضت هذه المخططات كانت البحث عن دولة تستطيع واشنطن أن تسلمها صك زعامة المنطقة، كوكيل وممثل للمصالح الأميركية والصهيونية، في هذه المنطقة الهامة من العالم، حيث تصارعت العروش الأربعة في تلك الفترة (الهاشميين في عمان وبغداد، آل سعود في الرياض، وعائلة محمد على في القاهرة) على هذه الوكالة. ومع سقوط الأنظمة الملكية في القاهرة وبغداد، وتراجع دور عمان إلى مجرد بيدق على رقعة شطرنج الشرق الأوسط، لم يبقى سوى الرياض التي من الممكن أن تلعب هذا الدور لسببين اثنين، الأول وقوع أهم المقدسات الإسلامية على أرضها، والثاني الاحتياطي الهائل من البترول ومقدرتها المالية الهائلة التي تجعلها قادرة على لعب أدوار كبيرة في المنطقة.
وما ساعد الرياض على القيام بهذا الدور، أن العالم العربي ترهّل أصبح جسمٌ بلا رأس يقوده وقلب يضخ دماء الشباب في شرايينه، بعد أن تراجع دور القاهرة منذ توقيع اتفاقية كامب – ديفيد مع الكيان الصهيوني، وانشغال دمشق بقتال العصابات المسلحة التكفيرية، التي تحاول تدمير الدولة السورية وتأسي إمارة لها كي تمارس شذوذها الفكري والعقائدي، والتي تقدم لها السعودية جميع أنواع الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، وقيام واشنطن بتدمير بغداد يوم التاسع من نيسان عام ألفين وثلاث.
فالرياض ومنذ موجة المد اليساري في منتصف القرن الماضي، بدأت تعيد النظر في العقائد الأساسية التي تؤمن بها وعلى رأسها القومية العربية ... حيث رأت أن الخطر الأكبر عليها يأتي أولاُ من القومية العربية والشعارات اليسارية التي رفعتها مثل "بترول العرب للعرب" وبروز مصطلحات مثل "ثروات العرب"، حيث اعتبر آل سعود أن هذا البترول بترولهم وهذه الثروات هي ثرواتهم الشخصية، ومن أجل ذلك شنّت السعودية حرباً باردة ضد المد القومي العربي واليساري، في العقدين الخامس والسادس من القرن المنصرم، تحوّل إلى حرباً ساخنة في اليمن وسورية. وكعائلة شيمتها الغدر والخيانة (وخصوصاً بعد أن بدأت تتكشف أبعاد تأمر هذه العائلة على مستقبل ومصير المنطقة وسكانها) أدرك آل سعود إن الاطمئنان والركون لدرع الأمان الذي تقدمه واشنطن لهم هو درع وهمي وخصوصاً بعد أن هبّت رياح "الربيع العربي" على المنطقة حيث وجد آل سعود الحاكمين في الرياض أن واشنطن قد تخلّت سريعاً عن حلفائها في المنطقة، الواحد تلو الأخر، خلال أسابيع قليلة. لا بل رحّبت بهذا التغيير وتعهدت بدعمه. ومن أجل هذا كله بدأت الرياض بالتحرك على كامل المساحة الممتدة من باب المندب باليمن إلى شواطئ المتوسط في سورية ولبنان، ومن ضفاف الخليج في البحرين إلى شواطئ نهر النيل في مصر والسودان.
كل هذا جعل الرياض تُصاب بعقدة البحث عن دور على مسرح السياسة الإقليمية، حيث حاولت أن تُمسك بأوراق وملفات في محاولة للتأثير على قرارات دول الجوار وتعمل على خلخلة أمنهم واستقرارهم حتى تتمكن من السيطرة على توجهاتهم السياسية في المجال الداخلي والخارجي. كي تتمكن في المرحلة الثانية أن تضغط على اللاعبين الكبار على مسرح السياسة الدولية حتى يغيروا من بعض مخططاتهم الاستراتيجية بما يناسب مصالحها وتوجّهاتها. وقد ساعد الرياض على لعب هذا الدور امتلاكهم الكثافة السكانية والثروة التي تتيح لهم شراء احدث المعدات التقنية وامتلاك التكنولوجيا العسكرية المتطورة، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي الهام والذي تحاول أن تستغله لتوسيع نفوذها. هذا بالإضافة إلى العقيدة الوهابية المتشددة، والتي تُعتبر المرجع الأساس للتنظيمات التكفيرية الجهادية، التي تستخدمها الرياض كرأس حربة في زرع الفوضى وتأليب المكونات السكانية والعرقية والدينية على بعضها البعض في دول الجوار الإقليمي لها.
إن الرياض قد تدفع الثمن باهظاً جداً نتيجة استنزاف قدرتها وطاقتها في ملاحقة حلم أن تكون دولة إقليمية بارزة شنّت في سبيل تحقيقه حروب بالوكالة في مناطق كثيرة على امتداد منطقة الشرق الأوسط في وقت كانت تحتاج فيه الرياض إلى الالتفات إلى معالجة مشاكل الفقر المتزايد والجهل المتصاعد والبطالة التي تفشّت بكثرة في ربوع المملكة، بالإضافة إلى الغضب الشعبي الذي بدأ يتصاعد داخل المملكة وخارجها نتيجة سياسات التمييز الديني التي تتبعها الرياض واحتقارها لمعتقدات وعقائد ومقدسات الآخرين. فالإرهاب الديني الذي رعته الرياض وصدّرته للخارج سيرتد عليها عاجلاً أم أجلاً، والسياسات الطائفية والمذهبية التي بذرت بذرتها في المنطقة ستُثّمر وحشاً كاسراً يقضُّ مضاجع الرياض ويهز أعمدة سلطة آل سعود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا