الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هويةٌ في مأزق

مازن مرسول محمد

2013 / 10 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



عندما تكون صلات الارتباط والتماسك مع الجذور في الرقعة التي وُلدَّت بها وتُعد مهد تاريخ حياتك بكل ما تضمَّها من افكار وسلوكيات وميراث عميق ، بحالةٍ تدعو للارتجاج والاختلال وعدم الثبوت ، فالأمر يُنَّذر بكارثةٍ على مستوى بقاء الهوية رسماً ومعنىً ، اذ ان تفرَّعات الهوية لا تأتي بمحض الصدفة وما تماسك هذه الفروع وتغلغلها في حياة الفرد الا دليل على عمق الانتساب وقوة الروابط التي ما تنفك ان تنقطع بسهولةٍ لتعرضها الى تأرجح وربما الانهيار .
ولا يمكن بأي حالٍ من الاحوال خلق هويةً راسخة تفصح عن ما في مكنوناتها دون الاعتماد على المعطيات التي تجعلها تبدو بهذه الصورة ، اذ ان لها بيئة تبدأ منها لتسير في حياتها ولتسموا وتصل الى مراحلٍ عالية ، وعند عدم توفر هذه البيئة او اختلالها في مفصلٍ من مفاصل المسيرة هذه تتقزَّم الهوية وتُصاب بالاختلال الذي قد يكون مؤشرٍ لنهايةٍ محتومة تقضي على جذورٍ تاريخية كانت قد نشأت في مكانٍ ما .
انك ان تولد في مجتمعٍ ما وتريد ممارسة حقك وتفعيل حياتك وفق ما دأبت عليه المجتمعات والحياة البشرية ، فالأمر يحتاج الى مسالك يُفترض ان تكون ملائمة على الاغلب لعدة مقتضيات ، منها ما يناسب تفاعل الآخرين مع الثقافة التي نشأت عليها ، وكيف ستُحدد لك طريقاً لبناء ذاتك وتاريخك ومن ثم الاتكاء على هويةٍ تحمل في طياتها عمق ميراثي وحضاري يُشكَّل انطلاقة وقاعدة اساسية للحياة ، ولكن الامر لا يتوقف على حتمية توافر مثل هذه المسالك ، فقد يشذ الامر عن ذلك ويبتلي الانسان بكل ما يُخالف قواعد العيش والحياة بكرامةٍ ، فتتصدَّع حياته وذاته وتتأرجح هويته بين الثبوت والحركة غير المستقرة ، الامر الذي يجعل منه مُهدداً بالإقصاء وفق مقاسات ومعايير الحياة المعتادة للإنسان .
لعل اكثر ما يُعرَّض المجتمعات الى المرض الذي ان لم يُعالج سيؤدي الى اندثار تلك المجتمعات ، هو اصابته في واحدة من الركائز الرئيسة التي تبني خريطة ومعالم واضحة للمجتمع الا وهي الهوية ، فما بالنا بهوية ممزقة تعاني ويلات وآهات تأن منها بسبب تداعيات ثقافية واجتماعية وسياسية تتوزع بين العوز للثقافة التعايشية ووجود الازمات السياسية التي غيَّرت ملامح المجتمع لتصنع منه مجتمعاً مصمماً وفق مقاسات الواقع الذي يعيش فيه ، وتداخلات تربط بين العمق الثقافي للفرد ونظرته للحياة وتصرفه حيال يومه وحاضره ومستقبله ، وعدم القدرة على لملمة شتات الكل لربط الاجزاء وجعلها وحدة تكاملية .
كل هذه التفصيلات ستكون كفيلة بجعل الهوية في مأزق ، فلا يوجد اجتماعاً واضحاً لكل ما يُرسخ ثبوتها كهوية صلدة ذات عمق اصيل ، وانما تناوبت على تمزيقها ما سلف ذكره من هذه الامراض ، لتخلق للفرد هوية مأزومة تعاني ضغوطات الحضور بدورها كأساس لبقاء المجتمع وتعزيز صلاته بالآخرين ، ومحن ما اصبحت عليه بفعل الضربات القوية التي ادخلتها في موازين الهويات السائرة نحو الاندثار .
ان مجتمعاتنا العربية وبدون ادنى شك تعاني من عدة أزمات تعتري الهوية المجتمعية ، بفعل مسببات كثيرة منها ما خلقتها هذه المجتمعات بنفسها ومنها ما شجعت ظروف عيشها ونهوجها في الحياة على التعاطي معها ، فأصبحت هوياتنا بحاجة الى اصلاحٍ جذري شامل ، ولا ينفع مع ذلك ترقيعاً او ترميماً وإنما محاولات التشخيص الصحيح وايجاد العلل ووضع أسس صحيحة لهوية متعافية من أي مرض.
اننا بحاجة الى ان نعتز بعمق تراثا الحضاري ، لكن دون ان نغالي به كثيراً وجعله ملائما لمعطيات حياتنا دون ان يؤدي ذلك لنسف اسسنا التي وجدنا عليها ، كما اننا بحاجة لان نتصالح مع انفسنا بتفكيرنا وسلوكياتنا ، مع فهمٍ وبعمقٍ كبير ما هو الآخر ، وكيف نبني ذاتاً قادرة على خلق هوية معطاء لا يشوبها أي نقص وغير قابلة للتعرض للانتهاك او التصدَّع .
ويجب علينا ان نعي ماذا تعني الهوية بالنسبة لنا واين تكون محاور قوتها وما فائدتها لكل مجتمع ولكل فرد ، لكن يبدو ان الكثير من مجتمعاتنا قد نسيت ماذا تعني الهوية ليس رسماً وانما تحقيقاً فعلياً على ارض الواقع بما تحمله في طياتها من مضامين تشكل البنى الرئيسة لحياة وديمومة المجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران