الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر في الدين والسياسية

جاك جوزيف أوسي

2013 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
الإنكشارية الجدد
من محاسن "الربيع العربي" أنه وضّح كيفية إدارة القوى العظمى للعرب عن طريق أجهزة التحكم عن بعد. فيكفي أن تضغط إحدى القوى الكبرى للزر حتى تبدأ حروب العرب ضد العرب. فالسياسة والحرب عندنا تُدار بمنطق ابنة كليب وعقلية الثأر الهمجية. فالعرب ومن هذا المنطلق لا يأكلون إلا لحوم موتاهم ولا يشربون إلا دماء إخوتهم وحتى الثُمالة.
فالسلطان العثماني استعاد تقاليد أجداده واستدعى من مجاهل التاريخ تقاليد الانكشارية وطبقها بحذافيرها على "الجيش الحر" حيث درّب وسلّح عناصره ليقاتل به أكراد سوريا وأقلياتها الدينية والعرقية، ولتصبح الصورة الكبرى حرب جميع السوريين ضد جميع السوريين والخاسر الوحيد في هذه الحرب هي سوريا التاريخ والحضارة والرسالة الإنسانية. فالقوى الإقليمية والدولية لا ترى في العرب وسكان هذه المنطقة ومنذ أيام الغساسنة والمناذرة، سوى إنكشارية هذه الامبراطورية أو تلك.
(2)
تحالف الأقليات أم اتحاد المتنورين
في ظل الصعود السريع للتيارات التي تتبنى الفكر التكفيري الإقصائي ... وما نشاهده من تعرض الأقليات الدينية على امتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من اضطهاد ممنهج بهدف إفراغ هذه المنطقة من المكونات الاجتماعية الأساسية التي عاشت على مدى عصور طويلة بتناغم وسلام مع محيطها الاجتماعي. بدأت القناعة لدى الأقليات الدينية تزداد بضرورة تعميق أواصر التحالف لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي بدأت تهدد وجودها في المنطقة.
هذا الفكر التكفيري لا يهدد المخالف دينياً او مذهبياً فقط، بل أصبح يهدد حتى من ينتمي لمذهبه إن كان لا يعتنق نفس الفكر التكفيري، وما نشاهده من فتوى قتل لرجال دين حاولوا اظهار فساد رأي هذه الجماعات خير دليل على ما يتهدد المجتمع بشكل عام.
وفي سبيل مواجهة هذا الفكر المتطرف وهذه الهجمة الشرسة التي تتهدد وحدة البلاد يبرز سؤال مهم عن نوع العلاقة التي يجب أن تحكم العلاقة بين هذه المجموعات هل هي علاقة زواج كاثوليكي لا تنفصم عراه حتى الموت، وفي السياسة لا يوجد شيء أبدي جامد، أم هو زواج مؤقت تتنتهي مفاعيله بانتفاء الحاجة إليه. اعتقد إننا بحاجة إلى بناء هذا الاتحاد وفقاً لنموذج "الزواج المدني" الذي يرتضي الطرفان إبرامه وفق شروط تؤمن نجاحه، وهما يعرفان جيداً أن شروط فسخه ستكون مكلّفة جداً للكليهما، وعندها يعلم الجميع أن أي خلاف سينشأ سيكون اختلاف تكتيكي في مواضيع يومية ولكنه لن يكون صدام استراتيجي حول شكل العلاقات الناظمة لهذا الاتحاد. ويجب أن نعي أن القوى العظمى الطامعة في خيرات بلادنا لا تحترم خصوصية أحد ولا دوره ولا تاريخه وهي تتعامل مع الجميع على أساس أنهم "بيادق" على رقعة الشطرنج الدولية تنتهي أدوارها عندما تنتهي الحاجة إليها. وأي محاولة للترقب من طرف ما وإغراءه ما هي إلا محاولة خسيسة ودنيئة للاستفادة من موقعة لضرب الآخر شريكه في الوطن وأخيه في الإنسانية.
(3)
"الربيع العربي" وإعادة رسم الحدود في منطقة الشرق الأوسط
إن الأحداث التي رافقت هبوب عواصف الربيع العربي على المنطقة العربية بدأت تؤشر إلى انتهاء مرحلة ما بعد الحكم العثماني في منطقة الشرق الأوسط. ذلك أن النظام التي وضعته بريطانيا وفرنسا عبر اتفاقية سايكس – بيكو ليحكم المنطقة خلال الفترة الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والقضاء على الامبراطورية العثمانية واقتسام إرثها وحتى بداية الربيع العربي قد اعتمد على الهيمنة العربية السّنّية. إلا أن الثورة الإسلامية في إيران وحرب الخليج الثالثة والاحتلال الأميركي للعراق وما رافقه من إعلان الأكراد في شمال العراق الحكم الذاتي قد هزّا هذه الهيمنة.
بروز القومية الكردية كأحد المكونات الرئيسية في المنطقة بالإضافة إلى القوميات الفارسية والتركية والعربية، وصعود الإسلام الشيعي بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران ومنافسته للهيمنة السّنّية، بالإضافة إلى صعود وتزايد أدوار الأقليات الدينية والعرقية الأخرى في لعب أدوار على مسرح الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تحوّل في منطقة وادي الرافدين وبلاد الشام، التي تعتبر منطقة تلاقي العوالم الفارسية والتركية والعربية ونقطة التقاطع بين الشرق ذو الحضارة الإسلامية والغرب ذو الحضارة المسّتمد من التراث المسيحي، إلى حرب أهلية بين أقوام وطوائف وقوميات مختلفة. ذلك أن الخلافات السياسية الداخلية سرعان ما تأخذ أبعاداً قومية أو طائفية تؤدي غلى تفجّر العنف المسلح في المجتمع، الأمر الذي يسّهل تدخّل قوى إقليمية ودولية لتنفخ النار في الرماد إما للبحث عن موطئ قدم أو زيادة نفوذ أو تحقيق مكاسب اقتصاديةٍ كانت أم سياسية. ودائماً على حساب دموع ودماء شعوب المنطقة.
(4)
لماذا يحق للتنظيمات الإسلام السياسي ما لا يحق لغيرها؟
ولماذا يجب أن يمتازوا عن باقي أفراد المجتمع (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً)؟
ولماذا يقررون أن ما يفعلونه هو الصواب ويصادرون هذا الحق عن باقي التيارات السياسية والدينية في المجتمع؟


(5)
الدين ليس وجهة نظر حول موضوع معين، وإنما هو اعتقاد حصري. ومن هنا فإن أتباع أي دين يؤمنون دائماً بأن دينهم هو الوحيد الصحيح وبقية الأديان هي مزيفة أو محرّفة. وما يسري على الأديان ينطبق على المذاهب، فكل مذهب يعتبر نفسه الفرقة الناجية والباقي من أهل الزيغ والضلال.
الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية ولكنه يعتبر أن الديانتين قد أصابهما تحرّيف أخرجهما عن طريق الحق. المسيحية لا تعترف بالإسلام كدين سماوي ولا بمحمد كنبي، بل تعتبر الإسلام حركة إصلاحية قام بها قائد قبلي بهدف تأسيس دولة زمنية. اليهود لا يعترفون لا بالإسلام ولا بالمسيحية، ويؤمنون بأن المسيح " كقائد عسكري " الحقيقي لم يظهر بعد.
هذا التضارب بين الأديان والمذاهب تسبب في حروب ومذابح بشعة على مر التاريخ الإنساني. حتى جاءت الثورة الفرنسية وقامت بفصل الدين عن السياسة وعن الدولة، ومن ثم تطورت هذه البذرة إلى وضع قوانين في الدولة المتحضرة تنص على احترام الأديان كافة وعدم إهانتها أو إهانة معتنقيها " جريمة ازدراء الأديان " بشرط احترام الأنظمة والقوانين المرعية في تلك البلاد. فإين نحن من كل هذا ...
(6)
جوهر العلمانية الديمقراطية هو صيانة حرية الإنسان وكرامته، وصد الطغيان سواء أكان مصدره الأنظمة السياسية أو الأنظمة الثقافية والدينية، وترك الاختيار للفرد ذاته كي يقرر ويختار ما يناسبه في حياته الخاصة، وحماية الحياة والسياسية من سيطرة الدين. فما تريده العلمانية هو الفصل بين الممارسة الخاصة للدين في البيت ومكان العبادة وفي المناسبات الدينية المختلفة، وبين أن يتغّول الدين ويحاول السيطرة على الفضاء العام في المجتمع ويسعى إلى التحكم في الحياة السياسية، ليتحول إن نجح في مسعاه إلى وحش يقمع حرية الآخرين.
(7)
دخول الدين على خط السياسة أنتج فقه ديني يقوم على تبرير السلوكيات السياسية لفصائل حزبية قائمة على أساس ديني، ويعمل على تحويل الخطاب الديني إلى إعلان سياسي يخدم مجموع المصالح لهذه الفئات. وهو بهذه الحالة يخرج من دائرة المألوف والمنتظر من وظيفة الخطاب الديني - الذي يهتم بقضايا تمس الحالة الروحية والعقدية للإنسان وعلاقته بالله وبمحيطه الاجتماعي من جهة، في الجهة الأخرى يعمل على تطوير المجتمع والإنسان - إلى وسيلة لتحّشيد الأبدان وإلغاء العقول لتأييد فكرة سياسية أو برنامج فكري يخدم طائفة ويجور على باقي الطوائف الدينية والاجتماعية ويحاول إلغاء باقي التيارات السياسية في المجتمع ...
(8)
عندما يدخل الدين الدولة يفسد الدين وتفسد الدولة، ذلك أن قدرة الدولة على تحويل الدين إلى إحدى أدوات الصراع على النفوذ والتنافس على السلطة بين مختلف أجنحة الدولة. ونظراً لكثرة المتصارعين والمتنافسين وتعدد أهوائهم وتطلعاتهم وأفكارهم المتأثرة بخلفيتهم الثقافية والبيئية, فإن استغلال الدين "أي دين" يعرضه للتحلل أو التمزق إلى أديان. وبذلك يصبح الصراع على السلطة صراعاً على الدين ومن ثم صراعاً مع الدين. ومن جهة أخرى، الدين يفسد الدولة من حيث أنه يجعل من الاختلافات السياسية، وهي اختلافات متحركة ومتغيرة، خلافات مع الدين بما يمثله من ثوابت عقائدية وقيمية وأخلاقية. وتكون النتيجة تفكك مجتمع الدولة إلى عناصره الأولى، لأن قراءة الدين وفهمه تختلف باختلاف المذهب والطائفة ...
(9)
عندما يجتمع المال الحرام مع العقيدة الفاسدة التي تتبناها المجموعات المتطرفة يصبح الاجتهاد سيد الأحكام، وهو من يدير اللعبة على الأرض. وهؤلاء لا يهمهم سوى أن تسير الأمور بما يتوافق وأهوائهم وبما يتناسب ورؤيتهم للحياة.هذه الأهواء والرؤية تتقاطع مع زرع الفوضى المسلحة وتوسيع نطاق انتشارها. فهذا المد التكفيري لا يعرف حدوداً، ولا يلتزم بمعاهدات أو اتفاقيات، بل يلتزم إرثاً ثقافياً تاريخياً عقائدياً، عنوانه: "أنا ... ولا للآخر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
قاسم حسن محاجنة ( 2013 / 10 / 15 - 05:43 )
تحياتي لك
واقول بأن تحليلك جيد
لكن ..لا حياة لمن تنادي

اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة