الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدوي الجبل يشيِّد عالماً من الحرية في السجن

يوسف الخضر

2013 / 10 / 16
الادب والفن


هذه القراءة محاولة تطبيقية لتلمس جوانب من الأثر الإبداعي لبعض الصور الفنية في كل من الفكر والعاطفة .( من قصيدة الشهيد)
مما لاشك فيه أن الصور البلاغية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالشعر أكثر من ارتباطها بالفنون الأدبية الأخرى ، ويرجع ذلك إلى خصوصية الشعر القائمة على التكثيف اللغوي في المقام الأول .
فالصورة هي أولى جماليات القصيدة ، وهي التي تلبسها ثوباً من التوهج والتميز ، سواء بين الفنون الأخرى أو بين الشعراء أنفسهم أو لدى الشاعر ذاته أو حتى في القصيدة الواحدة ، ويُسهم في تشكيل هذا التميز كذلك عوامل عديدة تتعلق بالموضوع والمتلقي من جانب ، ومن جانب آخر بالموروث الثقافي للشعب .
يضاف إلى ذلك التميز اعتماد التصوير البلاغي على الخيال لا البصر والسمع كالفنون الأخرى .
والصور البلاغية نفسها تختلف فيما بينها في قدرتها على التأثير في المتلقي حسب العناصر التي تعتمدها ، فاستخدام الخيال البصري أكثر العناصر قرباً ووضوحاً من الخيال السمعي وأبسط من الاعتماد على المحاكمات العقلية والحس الذهني في الأغراض الشعرية مع الأخذ بعين الاعتبار التداخل وصعوبة الفصل فيما بين ذلك كله .
تناول الشاعر وبتركيز جملة من المعاني المجردة عن طريق إقامة علاقة مجردة بينها وبين المحسوس ، فالأذى بكل ما يمثله من ضروب تجسد في هيئة ما تترك للمتلقي تصورها وذلك باستعارة لفظ الوثوب الموحي بالانقضاض والمبادرة والحركة ، فترك لنا الباب مفتوحاً لتصور مدى قوة هذا الصراع وشكله في مقاربة رائعة بين فعل مغالبة الأذى والانتصار عليه بالوثوب ، وقد مزج هذه المقاربة المشروطة بفكرة الموت كونها حقيقة إنسانية يقينية تلبست بقيم اجتماعية ونضالية ، فالموت بحد ذاته حق وحقيقة يقرها الدين ، وواجب وطني لتحقيق الحرية والاستقلال ونيل الحقوق ، وهو أمر محمود ، وهو عند الشاعر نصر في تحمله والصبر عليه والقبول به في مواجهة الأذى ( الشر) المتمثل بالمستعمرين والطغاة ، فنوله( الموت) في هذا السبيل فضل لا ينكر.
( إذاالمرء لم ملك وثوباً على الأذى .... فمن بعض أسماء الردى الحق والصبر ُ)
الموت الفكرة المجردة المحسوسة الخفية هوبحد ذاته فكرة وقيمة للحق ، وفعل الصبر في حالة تلازم وتطابق معها.
في هذه المقاربة التصويرية استثارة للعواطف وإعلاء وإكبار للتضحية بالروح وجعل الموت ومن منظور آخر انتصاراً لا هزيمة واستسلاماً ، وهو في الأصل لم يكن ضعفاً كماأوضح الشاعر.
وتتجسد معاناة بدوي الجبل في سجنه بحرمانه من مباهج الكون ، حيث حُجب هذا الكون عن عينيه ولكن عينيه هما اللتان حُجبتا عن الكون . هذا الكون الضاحك الممتع يصور عمق إحساسه بالحرمان الذي يتسبب به الطغاة بحق الأحرار ، لكنه يصرُّ على التحدي ورفض الاستسلام بخلقِ كونٍ آخر هو كون الفكر الذي يضيء في تضافر التشبيه البليغ والاستعارة المكنية مجسداً بعداً ذهنياً في زمانيته ومكانيته بدا بسيطاً نحو مستقبل يمسك بحتمية واستمرار التحدي والرفض. فالحجب محدود بينما الكون الآخر المضيء في فكر الشاعر لا حدود له ، فالتناقض بين الكونين أنتج كوناً شعرياً إبداعياً رسمه الشاعر بريشة العقل ولوَّنه بإرادة التصميم والتحدي.
و إن حجبوا عن عينيه الكون ضاحكا...... أضاء له كون بعيد هو الفكرُ
هذا التجوال في كونه الغني بالمعادلات الوجدانية بين سجنه وإيمانه وتفاؤله وتحديه يحملنا على الإيمان بما يشحنه فينا من ومضات تستكمل مشهد الكون في فكره عن طريق سلسلة من التشبيهات البليغة المتتابعة ، ما يخلق روافد قوية تبدد عسف الطغاة من خلال تناوب المحسوس وغير المحسوس ( فالليل صبح ، والعسرة غنى ، والأحزان نعمى، والآهات شعر) وهنا تكمن عبقرية الشاعر في التتبع والكشف عن أوجه الشبه بين كل متناقضين لنصل إلى حالة من التوحد العقلي الناتجة عن طريق إحلال المشبه به مكان المشبه.
فليلته صبح و عسرته غنى... و أحزانه نعمى و آهاته شعرُ
وقد تبلغ الصورة درجة من العمق والتجرد نادرةً في البشر فتبلغ عند الشاعر ثقة تترفع فيها نفسه عن الآلام ، فيتجاوزها بما يمتلك من طلاقة وبشر في إطار تجاوز الإحساس المادي للآلام في الفعل ( تؤنسها )
أنزّه آلامي عن الدّمع و الأسى
فتؤنسها منّي الطلاقة و البشرُ
تتوالى صور الشاعر التي تسبر جراحه واتقاد جمر الثورة فيه معتمداً تكثيفاً لغوياً ذي دلالات معنوية نفسية تبدو شاخصة في الاستعارات التصريحية.
ويشخص الدهر بالظالم الذي أصابه من ظلمه نصيب في سعي منه لإبراز المعادل النفسي والفكري الذي يُشعر بالراحة والطمأنينة ويؤكد البعد الإيماني بصورته المطلقة لدى الشاعر.
وقد استعار جناح الطائر يحمل نفسه عليه محلقة في سماءالحرية لتتجاوز الحدود التي فُرضت عليه موظفاً دلالة الطائر المعروفة على الحرية ، فهو يقيم لُحمة بينه وبين الحرية لا تنفصم مقدِماً طرفي الإبداع ؛ إحساسه الشديد بالحرية ( نفسي) والرمز المتمثل بالطائر من خلال تقديمه بعبقرية تحمل أبعاده النفسية وإيمانه بقيم الحياة في التحدي والعشق المطلق للحرية.
و ما ضرّني أسر و نفسي طليقة
مجنّحة ما كفّ من شأوها أسرُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه