الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء مما يجب قوله بشأن محاضرة الأستاذ سعيد القجيري

محمود بلحاج

2013 / 10 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


شيء مما يجب قوله بشأن محاضرة الأستاذ سعيد القجيري

تابعت كغيري من المهتمين بأخبار الوطن عموما، والريف خصوصا، المحاضرة (المداخلة) التي ألقاها الصديق، الأستاذ سعيد القجيري؛ الكاتب العام لحزب العدالة والتنمية في آيث بوعياش، ضمن فعاليات الندوة التي احتضنتها قاعة محمد بن عبد الكريم الخطابي مساء يوم 6 ديسمبر2013 ، تحت شعار " الوضع الراهن بني بوعياش". والتي شن من خلالها هجوما لاذعا على المجلس البلدي للمدينة متهما إياه بسوء التدبير / التسيير والفساد، هذا بالإضافة إلى مطالبته أيضا بالاستقالة والرحيل. وفي ذات السياق دعا المتحدث ( لقجيري) ساكنة البلدة إلى الوحدة والتكاثف من أجل محاربة الفساد والمفسدين على حد تعبيره .

وجانب الاتفاق مع الأستاذ لقجيري في موضوع مناهضة الفساد والمفسدين بآيث بوعياش أكبر من أن يحجبه الخلاف الفكري والإيديولوجي، وبالتالي، فإن أهمية الدعوة التي أطلقها الرجل ( لقجيري) من أجل مناهضة الفساد، سلميا وحضاريا، وفي هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ المدينة، تستوجب علينا تجاوز الخلافات الفكرية والإيديولوجية التي طالما كانت عائقا في تطور وتقدم الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية بالمدنية ، وبالتالي، فهي جزء من أسباب الأزمة والفساد المنتشر في كل مناحي الحياة في مدينتنا الحبيبة؛ أي أن هذه الخلافات ساهمت - بشكل مباشر أو غير مباشر - في انتشار الفساد والمفسدين داخل المجلس البلدي، أو خارجه، مع مرور الوقت وتعاقب الزمن، وذلك بعد انسحاب الفعل الثقافي والسياسي التقدمي بغير مبرر من ساحة الفعل الثقافي والسياسي والاجتماعي الجاد والمسؤول. وعليه، فأننا ندعوا جميع الفعاليات المدنية والفكرية والسياسية بالمدينة إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية والخروج عن صمتها الغير المبرر، حيث ساهم هذا الصمت، خاصة الصمت الثقافي المريب لمعظم العاملين في الحقل الثقافي في صنع وضعية متورمة وغير صحية، بانصرافهم عن موضوع( الفساد) اعتبروه مثيرا لحساسيات غير مرغوب فيها، ليست في حقيقتها إلا تعبيرا عن العجز الفكري.

لهذه الاعتبارات أضم صوتي إلى صوت الأستاذ لقجيري في موضوع محاربة الفساد والمفسدين في آيث بوعباش، وبالتالي، العمل جميعا من أجل النهوض بواقع ومستقبل المدينة التي نحبها جميعا، ونسعى إلى تحسين وضعها المأساوي على كافة المستويات. لكن، هذا الأمر لا يمنعنا من تقديم بعض الملاحظات النقدية، الأولية، حول مضمون المداخلة المذكورة أعلاه، لعلها؛ أي الملاحظات التي نتوخى تقديمها هنا، ستساهم في توضيح بعض الأمور المتعقلة بالموضوع ؛ والأمر في مجمله يتعلق بملاحظتين أساسيتين، لا غير.

الملاحظة الأولى:

ما يلفت الانتباه في موضوع الكلمة / المداخلة التي ألقاها الصديق القجيري، كما اشرنا أعلاه، هو الارتجال والعبث؛ أي أنه قدم خطابا عموميا غير منسجما في مضامينه ومحتوياته، هذا بالإضافة إلى استناده على الدين باعتباره سلاح اجتماعي في خدمة الأغراض السياسية ؛ أي أنه نهج أسلوب الخلط بين العمل الدعوي والعمل السياسي بشكل فظيع للغاية، حيث لا يدري المستمع إلى مداخلته أين يقف ؟ أو بصيغة أدق، لا يدري المرء هل هو يستمع إلى إمام مسجد أم إلى أمين عام حزب سياسي؟ وبالتالي، من الصعب جدا الفصل بين الديني والسياسي في خطاب الأستاذ لقجيري، وهذا النوع من الخطاب يعمق الهوة بين السياسيين والمواطنين، وهو ما ينتج عنه انعدام الثقة وانزياح المواطنين عن العمل السياسي. وهذا النوع من الخطاب يقودونا إلى طرح السؤال التالي: إلى أي حد يمكن للمرء أن يثق في مثل هذه الخطابات التي لا صلة لها بالواقع الموضوعي ؟ وعندما نطرح هذا السؤال فأننا ندرك أمرين في غاية الأهمية، وهما:

الأمر الأول: هو أن التاريخ بشكل عام، والتاريخ السياسي للمسلمين على وجه الخصوص، علمنا أن لا نثق في مثل هذه الخطابات الجوفاء التي تفتقر إلى الحد الأدنى من التقدير الموضوعي للأوضاع التي تحاول معالجتها وتغييرها، وهي خطابات طوباوية وشعاراتية أكثر منها خطابات موضوعية وجدية، رغم أنها تبدو ظاهريا عقلانية وجدية، بينما في العمق هي خطابات مخادعة ومنافقة بامتياز. فمن الملاحظ أن الإسلاميون – عموما - يكتسبون شعبيتهم ومصداقيتهم الانتخابية من خلال اعتمادهم على استغلال الدين، وعلى المنهج التلفيقي والتضليلي، المحرم شرعا، وليس من خلال قراءة موضوعية واضحة للواقع الذي يعملون على تغييره، وبالتالي، ليست لديهم برامج مجتمعية سياسة واضحة ومحددة الملامح والأهداف، بحيث تجيب عن أسئلة وتطلعات المواطنين. فعلى سبيل المثال، المواطنين في آيث بوعياش يريدون بالفعل محاربة الفساد، والدليل على ذلك هي التضحيات التي قدموها خلال السنوات القليلة الماضية( عشرات المعتقلين)، لكنهم يريدون أيضا حلول منطقية وموضوعية للأوضاع المزرية التي يعيشونها على كافة الأصعدة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ولا يريدون خطابات عامة وجوفاء لا تقدم حلول لمشاكلهم اليومية.

على أية حال، سوف لا نعود هنا إلى التاريخ لنؤكد، ونثبت، لك – أيها القارئ الكريم - صحة ادعائنا هذا؛ أي إثبات السلوك الانتهازي الذي يتميز به الإسلاميون في ممارستهم للعمل السياسي، حيث يكفي النظر إلى تجربة حزب العدالة والتنمية لمعرفة مدى الانتهازية والنفاق الذي يمارسه الإسلاميون في العمل السياسي، فالجميع يعرف كيف كان هذا الحزب يناهض (يحارب) الفساد والمفسدين قبل أن يفوز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، والجميع يعرف أيضا كيف تحول هذا الحزب إلى راعي وحامي الفساد والاستبداد، سواء عبر تحالفه مع قوى الفساد التي كان يصارعها قبل تسلمه " الحكم " أو عبر قمعه للحركات الاحتجاجية المدنية في عموم الوطن، وبالريف الكبير تحديدا ( في آيث بوعياس، تازة، العرائش..الخ) . فلا داعي للعودة هنا إلى خطابات زعيم هذا الحزب ( بنكيران) حول محاربة الفساد والمفسدين قبل انتخابات 25 نونبر، حيث كان يقول أن طريق الإصلاح يمر عبر محاربة الفساد والمفسدين الدائريين بالملك، لكن بعد أن وصل إلى مبتغاه سمعناه يقول " عفا الله عما سلف "، أليس هذا نوع من الفساد وحماية المفسدين؟ بل أكثر من ذلك سار يبرر عجزه في محاربة الفساد بالحديث عن وجود " العفاريت والتماسيح " وغيرها من التصريحات الانتهازية بهذا الخصوص، فهل كان السي بنكيران، وحزبه، لا يعرف مثلا بوجود هذه " العفاريت والتماسيح " قبل وصوله إلى الحكومة؟ لكن بعد سنتين من تولي حزب العدالة والتنمية الإسلامي تسيير الشأن العام انكشفت حقيقته حيث لا يقل انتهازية ونفاقا من الأحزاب الأخرى (الإدارية وأحزاب اليسار المخزني بالذات) أن لم يكن أكثرهم انتهازية بحكم استغلاله الفظيع للدين. وبعد كل هذا التاريخ الحافل بالنفاق والكذب على الناس باسم الله والرسول؛ أي باسم الدين، كيف سنثق بعد في هذا الحزب الرجعي الانتهازي بامتياز؟

هذا بالإضافة إلى ضعفه الشديد في تدبير الشأن العام وتخليه عن شعاره المركزي خلال الحملة الانتخابية الأخيرة " محاربة الفساد والمفسدين " مباشرة بعد توليه المسؤولية، بل واشتغاله مع المفسدين الذين كان يطالب بتنحيتهم ومحاكمتهم قبل أن يتشرف بتدبير الشؤون العامة للبلاد، ومن يشكك في كلامنا هذا عليه أن يراجع كلام وموقف الأمين العام للحزب ( بنكيران) من السيد مزوار؛ الأمين العام لحزب الأحرار، قبل الانتخابات التشريعية الماضية؛ أي قبل انتخابات 25 نونبر، وكلامه الآن بخصوص نفس الرجل، الذي أصبح( مزوار) عضو في الحكومة الثانية للإسلاميين(وزير الخارجية)، أليست هذه قمة الانتهازية ؟ فهل سيكرر الأخ القجيري نفس الحكاية في حالة وصوله لرئاسة المجلس البلدي في الانتخابات القادمة مثلا؟ خاصة إذا ما عرفنا أن القاسم المشترك بين خطابه؛ أي خطاب لقجيري، وبنكيران قبل وصوله إلى الحكومة، هو استغلال الدين لجذب الأصوات الانتخابية والتعاطف الجماهيري من جهة، والحديث عن محاربة الفساد والمفسدين من جهة ثانية. وخطورة هذا النوع من الخطاب يكمن - أساسا - في تصوره الساذج أن المعضلة الأساسية التي يعيشها العمل السياسي بالمغرب يكمن في غياب الوازع الديني لدى الفاعل السياسي المغربي، وبالتالي، فالأمر يتعلق في نظره ( الخطاب الإسلامي) بابتعادنا عن الدين عموما، وعن تطبيق شرع الله، بينما أن المعضلة الحقيقية في واقع الأمر تتعلق بطبيعة النظام القائم وليس في الابتعاد عن الدين وشرع الله.

الأمر الثاني: هو أن الإصلاح والتغيير لا يكون عبر أنتاج خطاب كلامي عام وفضفاض دون مرجعية ثقافية وسياسية واضحة ومحددة، أو عبر الصراخ فقط، وإنما يكون عبر خطاب واقعي وموضوعي مبني على أسس معرفية وفكرية وعلمية؛ أي قراءة الواقع قراءة موضوعية. كما أن بناء خطاب شامل ومتكامل يستدعي، ويستلزم، قراءة متأنية لتاريخ السياسي للبلاد، فهل يتوفر حزب العدالة والتنمية بآيث بوعياش على هذه القراءة؟ علما أن المشكلة لا تكمن فقط في الفساد السياسي والإداري والأخلاقي والمالي الذي يتخبط فيه المجلس البلدي مند سنوات، وإنما تكمن أيضا في أمور أخرى عديدة، بعضها أكثر أهمية وتأثيرا من الفساد المستشري في المجلس البلدي الذي نرى ضرورة رحيله فورا، ومنها مسألة العقلية السائدة بالمنطقة عموما، وفي آيث بوعياش خصوصا؛ وهي العقلية السائدة التي يغلب عليها الطابع التقليدي والقبلي ( يتضح هذا بشكل جليا أثناء الحملات الانتخابية)، فكيف يمكن مواجهة هذه المعضلة؟

الملاحظة الثانية:

نعتقد أن جميع سكان آيث بوعياش، أو على الأقل أغلبيتهم المطلقة، ضد الفساد بكل أنواعه( سياسي، مالي، أخلاقي، إداري ..الخ) ، لكن الأهم في الموضوع هو كيف سنتصدى لهذا الفساد؟ ومن أين نبدأ المعركة؟ هل سنبدأ من تغيير العقلية السائدة أولا أم من تغيير المجلس البلدي؟ وعلى أي أساس يجب أن يتم ذلك؟ هل من خلال نشر الوعي السياسي النقدي مثلا أم من خلال نشر الوعي الديني التقليدي والمزيف في غالب الأحيان؟ وبالتالي، فالحوار والنقاش يجب أن يتجه نحو هذا الاتجاه؛ أي نحو اتجاه البحث عن الوسائل الموضوعية لمواجهة هذا الفساد. هذا أولا، وثانيا مواجهة جميع المعضلات التي تعاني منها المدينة سواء كانت اقتصادية واجتماعي، أو كانت سياسية وثقافية. وهذا الأمر لا يستقيم في نظرنا إلا من خلال أنتاج مشروع مجتمعي ديمقراطي شامل يجيب عن جميع الإشكالات والمعضلات التي تعيشها المدينة، وليس عبر دغدغة مشاعر وعواطف الناس من خلال توظيف الدين في العمل السياسي من أجل الوصول إلى مبتعات ذاتية، وهو الأسلوب والمنهج الذي أثبتت التجربة التاريخية، قديما وحديثا، فشله؛ أي فشل هذا النوع من الخطابات الطوباوية والعاطفية. من هذه الزاوية بالذات نرى أنه كان من الأجدر بالأستاذ لقجيري، أن يقدم لنا تصوراته ( تصورات حزبه) السياسية للواقع السائد بآيث بوعياش بدل تقديمه لخطاب لا يسمن ولا يعني من الجوع، فالمواطنون سئموا الآن من الشعارات والوعود الانتخابية الزائفة. وذلك لكون أن تغييب هذه الحقيقة يؤدي إلى ردود فعل سلبية، تضييع الوقت والجهد في الحديث، كما أنه لن يستطيع تعبئة الطاقات والجهود لإنجاح المبادرة المعنية؛ أي محاربة الفساد والمفسدين في آيث بوعياش الصامدة رغم القمع والحصار.

محمود بلحاج" لاهاي/ هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة