الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفول الإمبراطورية !

نجيب الخنيزي

2013 / 10 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر



على غرار ما جرى في العام الفائت ، تكررت المناكفات والمماحكات المريرة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أروقة الكونغرس ( بمجلسيه الشيوخ والنواب ) الأمريكي لدى مناقشة اقرار الميزانية الفيدرالية الأمريكية ورفع سقف الدين العام في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي جديد ليصل إلى 16.7 تريليون دولار . كما هو متوقع تم التوصل إلى أتفاق اللحظة الأخيرة قبيل تاريخ 17 اكتوبر الجاري ، وهو الموعد النهائي قبل مواجهة خطر التخلف عن سداد الديون ، ويمدد هذا الاتفاق الجديد الذي وقعه الرئيس أوباما سقف الاستدانة الفيدرالي إلى 7 فبراير/شباط و كذلك تمويل المؤسسات الحكومية إلى 15 يناير/كانون الثاني، وهو ما يسمح بإنهاء الإغلاق الجزئي لأدارات حكومية ، حيث اعلن مكتب الميزانية بالبيت الأبيض أن الموظفين الحكوميين، الذين أجبروا على إجازة بدون مرتب قبل حوالي أسبوعين، سيعودون لاستئناف العمل يوم الخميس الماضي . الجدير بالذكر انه في هذه الأزمة أجبرت الأسهم في وول ستريت على التراجع و دفع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لوضع التصنيف الائتماني الأمريكي على المراقبة السلبية، كما أنهى مؤشر داو جونز تعاملاته بانخفاض 133 نقطة. كما لجأت وزارة الخزانة الأمريكية إلى استخدام ما تصفه بـ "إجراءات استثنائية" لسداد التزاماتها المالية بعد وصول الولايات المتحدة إلى سقف الدين الحالي في مايو/أيار ، وذكر وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو إن هذه الوسائل ستستنفد في 17 من الشهر الجاري ما يجعل الولايات غير قادرة على الوفاء بكافة ديونها والتزاماتها المالية الأخرى، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل الولايات المتحدة في ظل ازمتها البنيوية والمركبة والعميقة سائرة و بشكل حتمي نحو إشهار إفلاسها الكبير الذي سيطال في تأثيراته وتداعياته مجمل الاقتصاد العالمي ، وبالتالي فأن هذه الحلول الترقيعية والمؤقتة هو مجرد كسب للوقت على أمل حدوث معجزة تنقذ الإقتصاد الرأسمالي الأمريكي والعالمي من الكارثة المحدقة ؟ من المبكر الحديث عن سقوط وشيك للإمبرطورية الأمريكية غير أنها أخذة بصورة متزايدة بالتأكل والإضمحلال . على صعيد الإستعمار والإمبريالية كان القرن التاسع عشر قرنا بريطانيا ( بمشاركة أقل لفرنسا ) بإمتياز ، في حين كان القرن العشرين قرنا أمريكيا بدون منازع ، غير انه مع بدايان القرن الواحد والعشرين شهد العالم تغيرا نوعيا في أنساق القوة والهيمنة في العالم ، حيث يتراجع وعلى نحو مضطرد الدور القيادي الإحادي للولايات المتحدة الأمريكية رغم كونها لا تزال تعتبر القوة الأولى في العالم ، غير ان تاريخ صعود وسقوط الأمبراطوريات يؤكد بأن القوة العسكرية تحتاج إلى قوة اقتصادية موازية ومكافئة لها ، وعلى هذا الصعيد فأن الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي شهد و يشهد أزمة بنيوية حادة تمثلت في استفحال أزمة المديونية الفيدرالية، وازمة الميزان التجاري، وميزان المدفوعات ، وارتفاع نسبة البطالة والفقر ، وتدهور قطاع الخدمات ، وتراجع مكانة الطبقة الوسطى، وهو ما انعكس في ارتفاع نسبة الأمريكيين المتشككين في النظام السياسي / الاقتصادي السائد ، والذي عبرت عنه بوضوح احتجاجات " احتلو وول ستريت " ، وطال عدم الثقة الأحزاب والجماعات السياسية المهيمنة كافة، بسبب انتشار ورسوخ الفساد السياسي والمالي والأخلاقي ويكفي أن نذكر هنا فضائح ووترجيت، وإيران - كونترا جيث، ومونيكا جيث، ناهيك عن الحروب الخارجية ( إفغانستان والعراق ) وما سمي بالحرب على الإرهاب ، والتي استنزفت تريليونات الدولارات إلى جانب عشرات الآلاف من القتلى والجرحى الأمريكيين . غير أن هذه الفضائح ودور مراكز القوى والنفوذ والمال والدعاية، والإعلام (أنفقت 3 مليارات في الحملة الانتخابية الأخيرة ) لم تؤد إلى فرز خط ثالث قوياً ومؤثراً وبعيدا عن هيمنة الحزبين الجمهوري والديمقراطي المهيمنين على الساحة السياسية في الولايات المتحدة . وفي الحالات القليلة التي دخل فيها طرف ثالث كان بصفته الشخصية (مستقلاً) أو يمثل قوة هامشية مثل داعية الحقوق المدنية جاكسون (أسود) والبليونير روس والمدافع عن حقوق المستهلك الأمريكي رالف نادر وقبلهم أنجيلا ديفز مرشحة الحزب الشيوعي الأمريكي. أن تفرد الولايات المتحدة بالقيادة والقوة العسكرية والسياسية العالمية فقط لن يؤهلها لكي تلعب وتقرر منفردة مستقبل ومصير العالم لأمد طويل، في ضوء بروز منافسين عالميين أقوياء خصوصاً في الميدان الاقتصادي كأوروبا واليابان من جهة والصين و روسيا والهند وبقية دول "البريكس" من جهة أخرى . وبالطبع فأنا لا أملك ترف التفكير في إدخال العالم العربي في هذه المعادلة فهم مجرد متفرجين ومتأثرين بما يجري حولهم. غير أن هذه التطورات في ميزان القوى الاستراتيجية العالمية لم يبدل من حيث الجوهر الاتجاه الرئيسي للسياسة الأمريكية في استخدامها لكل ما في حوزتها من إمكانيات ووسائل ضغط من أجل استمرار الهيمنة والتدخل في مختلف مناطق العالم بما في ذلك استخدام القوة لحماية مصالحها الذاتية. لقد كتب المفكر الأمريكي نيشان ميلر منذ زمن طويل "كان الفساد مادة تشحيم دواليب الآلة الإدارية للدولة وقد لعب الكسب غير المشروع والفساد دورا حيويا في تطور المجتمع الأمريكي الحديث وفي خلق الآلية المعقدة المتداخلة من الحكومة ورجال الأعمال، الآلية التي تقرر مجرى شؤوننا في الوقت الحاضر". كما كتب آدم سميث (مفكر ومنظر اقتصادي بريطاني شهير) عام 1776م "أن اكتشاف أمريكا واكتشاف طريق الهند الشرقية عبر رأس الرجاء الصالح هو أعظم وأهم حدثين في تاريخ البشرية ولا تستطيع حكمة البشر أن تتنبأ أية فوائد أو أية مصائب للبشرية ستنتج ع هذين الحدثين العظيمين من الآن فصاعداً" . يستحضرني هنا ما جاء في الكتاب المهم " الإمبراطورية " - إمبراطورية العولمة الجديدة لمؤلفيه مايكل هاردت وانطونيو نيغري بقولهما : الولايات المتحدة لا تستطيع تجاوز الأزمة ، وانتشال الإمبراطورية من الانحطاط . ليست الولايات المتحدة المكان الذي يستطيع الأوربي ، أو حتى الكيان الذاتي الحديث ، أن يلوذ فيه هربا من الضيق والشقاء .. تكمن الوسيلة التي توفر إمكانية تجاوز الأزمة في الإلغاء الوجودي للذات . وبالتالي فأن التغيير الأهم يتم داخل الإنسانية . في جميع الحالات فأن البشرية مقبلة بالضرورة على مآلات وخيارات إنسانية أخرى بديلة لعالم قوانين السوق الغابية المتحكمة في نظام العولمة المتوحشة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أفول إمبراطورية ياليت!
حميد كركوكي ( 2013 / 10 / 21 - 14:26 )
متى وكيف تتدهدم هذه البعبعة الا إنساية السمجة، قانون الغاب المتمدنة، إحتكار الإنسان لأخيه الإنسان؟ وهذه العولمة المتوحشة الشرهة!

اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح