الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حملة 26 أكتوبر: علامة ثقافية

نذير الماجد

2013 / 10 / 22
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


حملة "26 أكتوبر" المزمعة بعد أيام، صارت، وبجدارة لافتة، علامة. إنها "السيمياء" التي ما انفكت تميز وضعا يراوح ذاته.. محطة أخرى في تاريخ منهك بأعباء خصوصيته. المرأة، مفجرة الحملة والناشطة النسوية، في حيز مركب من تناقضات وعواطف مضطربة، هي المنتفض المتأخر بعد أن وضعت الحرب أوزارها. تبدو المرأة كما لو كانت تلعب وقت الفراغ، فالتاريخ المندهش تسوده ضحكات "السيد/الذات/ البطريرك/ الفحل والذكر".. يضحك لأن "الغلبانة/ الموضوع/ الجوهرة"، نسيت كل شيء، وتذكرت مقود السيارة.

لست هنا لأشكل موقفا أو اختيارا صعبا ضمن الصيغة الرائجة "مع أو ضد"، فهذا اختيار السهل الممتنع، والذي لا يكف حيز التناقضات هذا عن فرضه، ما يهمني هو الموضوع، هو العلامة ذاتها: ليست قيادة السيارة إلا علامة تكشف تجذرا لثقافة ما فتئت تضع الحواجز، ثقافة ممانعة تضع التاريخ خلف التاريخ، والمرأة خلف الرجل، والحركة مظهرا عارضا لتخشب ثابت.

ولئن كانت الحملة قد كشفت عن إصرار غير مسبوق عند الناشطة النسوية من جهة، ومن جهة أخرى عن ممانعة لم تدع وسيلة إلا وجيرتها لصالحها، ولتأبيد وضعية دونية لا تمس المرأة وحسب، بل تمتد لغيرها، ليجد الرجل نفسه، وعلى غفلة من سلطته الذكورية، وقد صار فجأة مجرد "شوفير"، فإنها تستحق وبكفاءة صفة العلامة الثقافية.

أن تقود المرأة السيارة، يعني في مفاعيله البعيدة والجوهرية، تراجعا لمعسكر الفروسية المحافظة والحارسة للقيم الناجزة، إنها وبكلمة واحدة خسارة وانحطاط. لذلك بدت الحملة تحمل لوحدها كل سمات العلامة الكاشفة عن وضع ثقافي مستقر حد تعفنه، وضع ثقافي عابر للعوائل والمدن والقبائل والمذهبيات، إذ ثمة إجماع، هو نادر عادة، يجفل ويرتاب من التحديث والحداثة والمعاصرة وكل ما من شأنه تأهيل المجتمع لمواكبة اللحظة: هل يمكننا نسيان الممانعة للتحديث التقني في بواكير تاريخنا المعاصر، أو الضجر والسخط الناجم عن قرار سياسي حكيم يخص تعليم النساء، فالمرأة المتعلمة أمر يشيب له الولدان.. المرأة تتعلم؟ ذلك، في عرف الإجماع الممانع، كبيرة من الكبائر، لا يفوقها إلا معانقة المقود أو اعتلاء دراجة هوائية.

للمانعة تاريخ، كما للفاعل السياسي تاريخ.. وعلى هذا النحو، تُقرأ الحملة، بوصفها انحسارا أخيرا لأمجاد الممانعة، منذ تعليم المرأة، وحتى دخولها مجلس الشورى، بفعل القرار السياسي أيضا.

مجتمعنا محافظ، هذه هي الحجة أو الرصاصة القاتلة لكل حلم بالتغيير، المجتمع غير مهيأ، المساوئ الجسام الناجمة عن ذلك هي أكثر بكثير من محاسنها، وبالمثل تتابع الحجج، لتجهض كل محاولة للدفع بالمجتمع ليكون ذاته.. لكننا لم نتوقع أبدا حجةً مثل "المبايض"، تلك الحجة التي لا نميز فيها الاستيهام من العلم، من الرغبة، من التهريج، من التهويل على طريقة تخويف الأمهات لأطفالهن !.

الحملة إذاً،علامة ثقافية، لأن المرأة، وهي المعنية هنا (وإن كان الرجل في نظري معني أيضا) كائن ملتحم وغارق حتى أذنيه بمناخات التصنيف، المرأة مقهورة بتصنيفها، إنها موضوع التصنيف بامتياز، أن تصنف المرأة يعني أن تحال إلى التقاعد من المبادرة الذاتية والاستقلال الشخصي والإرادة الحرة في تحديد الذات، وبكلمة أن تحال إلى موضوع، وبما أنها كذلك فهي جوهرة، وبما أنها جوهرة فهي محل عناية الآخر، الذي هو دائما "الذات" التي تفعل، والمتسمة على مدار التاريخ باستحقاق الفعل ورسم ملامح "الكينونة"، للمرأة أن تكون موضوع جمال، بوسعها أن تكون أجمل نساء الكون، أو سيدة جميلات الأخلاق، لها أن تكون أي شيء إلا ذاتها. ولأنها كذلك فلا يحق لها أبدا معانقة مقود السيارة، ففي ذلك، فضلا عن بعده المادي الملموس، بعد رمزي أكثر فتكا وفاعلية.

الجوهرة مرتبطة بندرتها، ومعروف أن الندرة تحدد القيمة. من هنا صارت المرأة، ولهذا فقط، موضوع قيمة.. قيمة منحدرة من مبدأ الندرة الاقتصادي، لكن النسق الذكوري بارع في خطابه المراوغ، الذي يخفي دائما وبدهاء مدهش، شيوع هذا المبدأ في الخطاب واستراتيجيات الخطاب، ولأن الندرة تفتح إمكانا ضخما لامتيازات لم يكن "السيد" ليحلم بها، فإنها ستمثل علامة ثقافية، لفصام ثقافي، يمارس التبخيس بقناع التبجيل، ويحافظ على المرأة من حيث يهتك مكانتها.

إنها علامة التصنيف التي تحيل المرأة إلى "لوليتا".. الممانع الغيور على المرأة، والممارس الضليع بممارسات التصنيف، يحسب كل امرأة "لوليتا": فتاة همها فتنة الرجال.. "لوليتا" رمز لكائن شبقي، رمز لكائن غير مروض، فهو بحاجة ماسة وبشكل مستمر للرقابة والسيطرة بمعادلتها التي تشبه "معادلة العصا والجزرة".. إنها كائن "دون إنساني" لا يستجيب إلا بترويضه على الطاعة. أن تصنف المرأة على هذا النحو، يعني حدوث مجزرة تستبعد تلقائيا المرأة الناضجة، المرأة المتزوجة، المرأة العاملة، المرأة الأم.. وحتى المرأة القبيحة.

ليست كل النساء "لوليتا"، لكن عراب التصنيف ومحرك التاريخ وثقافة الممانعة مسكون بجسارة "الأعمى". يخبط خبط عشواء، ويجمع في عجين عجائبي بين المختلف والمتمايز. إن خلط كل النساء، رغم تفاوتهن الشكلي والطبقي والثقافي، في بوتقة واحدة، لإنتاج نموذج متخيل، للوليتا كما رسمها الكاتب "فلاديمير نابكوف" يمثل كارثة علمية وعملية، تكشف عن ذلك التملك المرضي الذي يحول بين المرأة والسيارة، بين المرأة وحرية تنقلها، حرية أن لا تكون "لوليتا"..

هذا الخلط الأعمى ينتج واقعه المشوش وتناقضاته المحيرة: على المرأة أن تعمل وهي مقيدة، أو بسائق أجنبي يستنزف دخلها الشهري. ويشكل، في أوضح مفارقة، تهديدا لعفتها وخصوصيتها وعزلتها.. السائق ظلها المرافق أو حارسها الثقيل الذي يأكل "الميزانية"، ويفرض شروطه، ويخلق امتيازات ووجاهة و"برستيج" لرابحين ورابحات على حساب جيش من المتضررين والمتضررات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب


.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة




.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات


.. المحتجة إلهام ريدان




.. المعلمة المتقاعدة عفاف أبو إسماعيل