الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوقليتيانوس يهاجم المسيحية

مجدى زكريا

2013 / 10 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


فى مهرجان الاله الرومانى ترمينس , فى 23 شباط 303 بعد الميلاد , الذى عقد فى نيقوميديا فى اسيا الصغرى , العاصمة الجديدة للامبراطورية , نافس الرجال احدهم الاخر فى التعبير عن وطنيتهم. لكن المجتمع المسيحى الكبير الى حد ما كان غائبا على نحو لافت.
ومن افضل موقع للرؤية فى قصرهما , شاهد الامبراطور ديوقليتيانس وغاليريوس قيصر التابع له مكان الاجتماع المسيحى المحلى. وعند اشارة محددة , شق الجنود والرسميون الحكوميون طريقهم الى داخل بناء المسيحيين , فنهبوه واحرقوا نسخ الكتاب المقدس التى وجدوها. واخيرا دكوا البناء تماما.
وهكذا بدأت فترة اضطهاد لطخت حكم ديوقليتيانس. وقد نعتها المؤرخون بانها " الاضطهاد العظيم الاخير " " الاضهاد الاعنف " وحتى " لاشئ اقل من ابادة الاسم المسيحى " والقاء نظرة على خلفية هذه الحوادث المثيرة يبرهن انه كاشف جدا.
ديوقليتيانس , المولود فى دلمانيا , منطقة مما صار يوغسلافيا , ارتقى فى الشهرة من صفوف الجيش الرومانى. واذ نودى به امبراطورا فى السنة 284 بعد الميلاد , اشتهر بسبب الاصلاح السياسى عندما اسس نظام حكم رباعيا , قيادة جماعية من اربعة , ليترأسوا الامبراطورية. فعين ديوقليتيانس مكسيمانوس , رفيق قديم فى السلاح , ليخدم الى جانبه كامبراطور ثان , بمسؤولية خصوصية فى الجزء الغربى من الامبراطورية. وكان لكل من ديوقليتيانس ومكسيمانوس قيصر تابع منح حقوق الخلافة. فخدم قسطنطيوس كلوروس قيصرا لمكسيميانوس , فى حين تولى غاليريوس من تراقيا زمام الحكم تحت سلطة ديوقليتيانس.
كان غاليريوس قيصر , كديوقليتيانس , عابدا غيورا للالهة الوثنية. واذ طمح الى خلافة الامبراطور , ادعى غاليريوس انه يخشى الخيانة فى الجيش. فلم يعجبه النفوذ المتزايد للجنود الذين ادعوا انهم مسيحيون. ومن وجهة نظر الامبراطور , كان رفضهم المشاركة فى العبادة الوثنية بمثابة تحد لسلطته. لذلك حث غاليريوس ديوقليتيانوس على اتخاذ خطوات لابادة المسيحية. واخيرا , فى شتاء 302 - 303 بعد الميلاد , اذعن الامبراطور لشعور القيصر المعادى للمسيحية ووافق على تطهير الجيش والبلاط من هؤلاء الافراد. لكن ديوقليتيانوس لم يحبذ سفك الدم , اذ خاف ان يحفز شهداء القضية المسيحية الاخرين ان يقرروا التمرد.
ولكن , اذ بقى غير راض بهذا الاقتراب الى المشكلة , استشار ديوقليتيانوس قوادا عسكريين بمن فيهم هيرقليز , حاكم بثينية. فدعم هذا الهلينى الغيور العمل العنيف ضد جميع المسيحيين. ودعم ديوقليتيانوس لالهة روما التقليدية قاد الى صراع مع المسيحية. وكانت النتيجة , وفقا لديوقليتيانس والتعافى الرومانى , بواسطة ستيفن وليمز , " حربا غير مقيدة حتى النهاية بين الهة روما واله المسيحيين "
ولكى يواصل حملة الاضطهاد التى له , نشر ديوقليتيانوس اربعة مراسيم متتابعة. ففى اليوم الاول الذى تلا الهجوم فى نيقوميديا , امر بتدمير كل اماكن اجتماع المسيحيين واملاكهم واصدر مرسوما يقضى بتسليم الكتب المقدسة وحرقها. والمسيحيون الذين يشغلون مركزا حكوميا رسميا كان يجب انزال رتبتهم.
وعنما اندلع حريقان داخل داخل قصر الامبراطور , وقع اللوم على المسيحيين المستخدمين هناك. فحفز ذلك الى اصدار مرسوم ثان , امر بتوقيف وسجن جميع الاساقفة , الشيوخ , والشمامسة. واذ سمح بالتعذيب اذا اقتضى الامر , حاول المرسوم الثاتلث جعل هؤلاء الناس يرتدون , مطالبا بأن يقدموا ذبائح للالهة الرومانية. وذهب المرسوم الرابع الى ابعد من ذلك وجعل من الاقرار بالمسيحية من جهة اى شخص جريمة تستوجب الاعدام.
احدثت موجة الوحشية الناتجة صفا وسم بال تراديتورس " التى تعنى , اولئك الذين استسلموا " , خونة لله والمسيح حاولوا ضمان حياتهم بتسليم نسخهم للاسفار المقدسة. ووفقا للمؤرخ ول ديورانت " الاف من المسيحيين ارتدوا . . . لكن معظم المضطهدين وقفوا ثابتين. ومنظر الوفاء البطولى تحت التعذيب او الخبر عنه قوى ايمان المتقلقلين واكسب الجماعات المطاردة اعضاء جددا" ويختبر الاستشهاد مسيحيون فى فريجية , كبدوكية , بلاد ما بين النهرين , فينيقية , مصر , ومعظم الانحاء الاخرى للامبراطورية الرومانية.
قدر المؤرخ الكنسى اوسابيوس من قيصرية عدد المسيحيين الذين ماتوا خلال الاضطهاد بالالاف. ومن ناحية اخرى , ادعى ادوارد غيبون , مؤلف انحطاط وسقوط الامبراطورية الرومانية , ان الرقم هو اقل من الفين. " يعالج غيبون العديد من هذه القصص بشئ من الشك , اذ تأتى فى الواقع من مصادر مسيحية متحيزة جدا مصممة على تمجيد الشهداء وتعليم المؤمنين ".يوضح احد الكتاب " ولا شك انه توجد مبالغة عند الكتاب الذين يحولون بسهولة وفيات قليلة الى اعداد كبيرة , الذين لا يميزون بين الشهادة التى لامبررلها وتلك الناتجة عن التحريض المتعمد. والذين يخبرون كيف ان الحيوانات المتوحشة فى المدرجات مزقت بشراسة جميع المجرمين الاخرين ولكن اوقفتها قوة فوق الطبيعة عن مس المسيحيين.ولكن , حتى لو سمحنا بهامش من التلفيق , فما يبقى رهيب الى حد كاف لقد حصلت بالتأكيد اضطهادات وحشية اكثر بالمخالع , الحرق , السلخ , والكماشات التى استعملت للتعذيب.
بعض المراجع تتمسك بالرأى ان غاليريوس , بدلا من ديوقليتيانوس , هو من كان المحرض على الاضطهاد. " ليس بدون مغزى ادبى عميق " يدعى البروفسور وليم براييت فى عصر الاباء , " انه يحمل الجهد الابرز للدولة العالمية الوثنية فى دوس حياة الملكوت الذى ليس من هذا العالم اسم ديوقليتيانوس بدلا من اسم مبدئه الحقيقى غاليريوس " ولكن , حتى ضمن نظام الحكم الرباعى , احتفظ ديوقليتيانوس بالسيطرة الفائقة , كما يؤكد الكاتب ستيفن وليمز : " ليس هنالك شك فى ان ديوقليتيانس كان مسيطرا على كل سياسة مهمة فى الامبراطورية حتى السنة 304 , وانه يتحمل المسؤولية الرئيسية عن الاضطهاد حتى ذلك التاريخ. " لقد مرض ديوقليتيانس واعتزل السلطة اخيرا فى السنة 305 بعد الميلاد. ولست سنين تقريبا بعد ذلك , عكس الاضطهاد المستمر بغض غاليريوس المر لكل ماهو مسيحى.
ان هذه الحوادث المروعة التى وقعت فى وقت مبكر من القرن الرابع تؤكد ما تنبأ عنه الرسولان بولس وبطرس وكتبة ملهمون اخرون , فان انسان الخطية المنبأ به مسبقا , الصف الحاكم لرجال الدين المدعين المسيحية , كان قويا انذاك , كما تشهد لذلك مراسيم ديوقليتيانس. وبحلول القرن الرابع , كانت قد صارت ممارسات الارتداد شيئا مألوفا. وعدد غير قليل من المدعين المسيحية صاروا اعضاء فى الجيش الرومانى (ضد وصية يسوع بعدم التورط فى شؤون العالم).
يسمى اوسابيوس بعض ضحايا الاضطهاد , واصفا بدقة ايضا تعذيبهم , ألمهم , واستشهادهم فى النهاية. وما اذا كان جميع هؤلاء الشهداء ماتوا وهم ملتصقون باستقامة بالحق المعلن المتوافر فى ذلك الوقت , فلا يمكننا ان نعرف الان. ولاشك ان البعض اصغوا الى تحذيرات يسوع لتجنب الطائفية , الفساد الادبى , والمسايرة من اى نوع. ومن الواضح ان بعض الذين نجوا بقوا محجوبين عن المشهد التاريخى. حقا , كانت الاجراءات لخنق العبادة المسيحية العلنية ناجحة حتى ان نصبا تذكاريا اسبانيا لتلك الفترة يحيى ديوفليتيانس لانه قضى على خرافة المسيح. لكن محاولات الاستيلاء على نسخ الاسفار المقدسة واتلافها , وجه رئيسى لهجوم ديوقليتيانس على المسيحية , فشلت تماما فى ازالة كلمة الله.
واذ فشل فى محو المسيحية تماما , تابع الشيطان ابليس , رئيس العالم , اعماله الماكرة بواسطة الامبراطور قسطنطين , الذى حكم من السنة 306 الى 337 بعد البميلاد. وقسطنطين الوثنى لم يحارب المسيحيين , وانما وجده ملائما ان يدمج المعتقدات الوثنية والمسيحية فى دين دولة جديد. ومازالت المسيحية حتى الان تمشى على دربه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل