الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( الحلقة التاسعة ) يوميات سكين

باسم محمد حبيب

2013 / 11 / 3
الادب والفن


رواية في حلقات
لم يتفاجيء الشيخ بحديثي فقد سبق واطلع عليه ، لكنه لم يعلم بالتأكيد بمدى معاناتي ، التي وصلت حد نبذ النوم خشية من الكوابيس التي تتربص بي ، بل وتلتصق بي كظلي ، اما رغبتي التي لم اشأ ان اخفيها او اتجاهلها ، فكانت تتمثل بمعرفة سر هذه السكين ، التي فتحت علي باب جهنم وحولت حياتي إلى شقاء ، وبينما كنت اتبادل معه اطراف الحديث ، تلقى مكالمة هاتفية اجبرته لبرهة على قطع حديثه معي ، لكني شعرت ان للمكالمة علاقة بي ، بعد ان استهلها الشيخ بتوجيه نظرات عميقة مشوبة بالحيرة والتجهم ، فمن يا ترى هذا الذي كلم الشيخ واجبره على تشفير كلماته ؟ هل هو من طرف بائع السكين أم شخص آخر لا علاقة له بقصتي ؟ وبينما كنت اواجه ترددي ، سمعت جلبة وأصوات تكبير ، رافقت دخول قيادي جديد لم اعهده من قبل ، فقد كان هذا القيادي طويلا ، كث اللحية ، يجلجله الغموض من رأسه إلى أخمس قدميه ، ما جعلني اراقب حركاته واحصي سكناته ، عسى ان اجد ما يفك قيدي وينهي معاناتي ، وبعد ان جلس خاطبنا بلكنة غريبة :
- انظروا إلى هؤلاء
وأشار بيده إلى رجال اربع كانوا جالسين امام الجمع في وسط الغرفة ، وهم مكممي العيون وموثقي الأيدي :
- انهم من اعدائكم لأنهم يدعمون العدو بعملهم الخدمي وجهدهم اللوجستي
خاطبه احدنا :
- يبدو من وجوههم انهم من العمالة الآسيوية
رد القيادي :
- هم كذلك فعلا
أجابه المتكلم :
- هل يستحقون المحاكمة ؟
رد القيادي :
- نعم هم يستحقونها أيضا
- ولكنهم ليسوا من ملتنا
- نعم هم كذلك .. ولكن للجهاد شروط منها : ان يكون الشخص معاديا لك أو صديقا لعدوك
- إذن ما الداعي لمحاكمتهم ؟
- حتى نسمح لهم بالدفاع عن انفسهم انطلاقا من سنن ديننا
- يبدوا هذا منصفا
- نعم .. ولكن
صمت القيادي لبرهة ثم اكمل كلامه :
- تواجهنا مشكلة التحدث معهم
ثم وجه كلامه إلينا :
- هل هناك من يتقن لغتهم ؟
فلم يرد عليه احد فعاد القيادي للكلام :
- ربما سنتفاهم معهم بالإشارات
فجأة رفع احد المتهمين يده وقال :
- اسمحوا لي بترجمة الحديث فأنا احسن التكلم بلغتكم
سر القيادي بذلك ، وأعلن بدأ المحاكمة ، مبتدءا بسؤال المتهمين عن اسمائهم واعمارهم ودياناتهم وبلدانهم ، وبعد ان تلقى منهم الأجابة ، وجه لهم سؤالا جديدا :
- لماذا تساعدون العدو ؟
تحدثوا مع بعضهم قليلا ثم نقل صاحبهم المترجم ردهم :
- اننا لا نساعد أحدا بل جئنا للعمل وحسب
- ولكن أليس هناك عمل في بلدكم ؟
- نحن من بلد فقير وليس فيه فرص عمل كثيرة وان وجدت فلا تسد حاجتنا
- الم تجدوا بلدا آخر يمكن ان تجدوا فيه عملا مناسبا غير هذا البلد ؟
- لو وجدنا هذا البلد لما جئنا إلى هنا وعرضنا انفسنا للخطر
- هل كنتم تدركون هذا الخطر ؟
- نعم .. ولكن ليس إلى هذا الحد
- أتغامرون بحياتكم من اجل فرصة عمل محفوفة بالمخاطر ؟
- انه الفقر يا سيدي
- ولكن هل تنتظرون ان نرحمكم بسبب حاجتكم للعمل ؟
- هذا ما نأمله منكم لأن الرحمة من سمات الاديان
- انكم تعينون عدونا بعملكم لديه ونحن وهذا العدو في حالة حرب يقتلون منا ونقتل منهم وانتم بعملكم لديه تساعدونه على قتلنا
- لم يكن قصدنا
- لكن هذا ما حصل
- نحن آسفون لذلك
- وهل الأسف يجدي ؟
- دعونا نغادر ارضكم
- هذا يجعلكم تفلتون من العقوبة ؟
ما ان نقل المترجم هذا الكلام لهم حتى اجهشوا بالبكاء واخذوا يصرخون بصوت عال ويرددون كلمات بلغتهم ثم تكلم صاحبهم المترجم :
- اننا نطلب الرحمة .. نحن فقراء
رد القيادي :
- لقد حكمنا عليكم بالموت
بدى الرعب على وجه المترجم ، لكن ذلك لم يمنعه من نقل ما سمعه إلى زملائه ، الذين ما أن سمعوه حتى أجهشوا بالبكاء ، ورددوا نفس الكلمات التي رددوها من قبل ، ثم رد المترجم والأرتباك بائن عليه :
- هل حكمكم نهائي ؟
- نعم وسينفذ في الحال
- وما هو حكمكم ؟
- الموت وبطريقة اسلافنا
ثم دعاني القيادي وثلاث اشخاص آخرين إلى تنفيذ الحكم بهم ، هنا اردت ان أدلو بدلوي في الأمر فقلت :
- لماذا لا نطلب فدية منهم ؟
ابتسم القيادي وقال :
- انهم من الفقراء وليس لديهم ما يدفعونه
- ربما حكومتهم تستطيع ذلك
- وهل تعتقد ان بلدهم الفقير يمكن ان يدفع من اجل فكاكهم
- لنجرب ونرى
- ليس لدينا وقت .. ثم ان لدينا سبب آخر لأصدار هذا الحكم وهو اننا نريدهم عبرة لغيرهم
- اذن لا مناص من ذلك
- نعم فتوكل على الله
شعرت بعد هذا الحوار ، أنني أصبحت كالدمية التي يحركونها كيف يشاؤون وليس كما اريد ، فهم يدفعوني إلى فعل اشياء لا استسيغها ، لأن هؤلاء الفقراء يذكروني بعائلتي التي كانت تعاني من شظف العيش ، لكن يبدوا انه كتب علي ان اعاني وان اعيش مأساتي الخاصة ، شعرت بالجمع وهو يتمعن بي ، كأنني الشاذ بينهم ، بعد ان نفذ الآخرون ما طلب منهم ، لذا اسرعت إلى هدفي بكل ما اوتيت من خوف وقلق وارتباك ، كانت نظرات المترجم الذي عهد تنفيذ الحكم به الي تقطر رعبا ، لكن بعد ان لمح تلك السكين اللعينة ، هدأت حركته ، وضعفت مقاومته ، وبات كالمصدوم الذي لا يعي بما يحيق به ، وبينما كنت أهم به ، سمعت صوت الشيخ وهو يدعوني إلى الطعام الذي يبدوا انه قد جيء به على غفلة مني .

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-