الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على حسن السعدنى يكتب : كيف يمكن فهم الدبلوماسية السعودية في الأمم المتحدة؟

على حسن السعدنى

2013 / 11 / 4
السياسة والعلاقات الدولية


كشف قرار المملكة العربية السعودية بعدم قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، عن بعد آخر للتغير في السياسة الخارجية السعودية، مرتبط بتبني الرياض نمطًا جديدًا من السياسة الخارجية، يجمع بين "رفض" سياسات الدول الغربية في المنطقة، وتشكيل "التحالفات المرنة" مع دول الإقليم، على نحو يضمن تحقيق مصالحها الاستراتيجية، وتحولها لشريك للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية في كل ما يتعلق بقضايا المنطقة.
التحول إلى الدولة "الرافضة":

يمكن القول إن السبب الرئيسي وراء تحول السياسة الخارجية السعودية، هو تغير السياسات الأمريكية في المنطقة، وانكشاف محدودية النفوذ الذي تحظي به واشنطن، خاصة بعد اندلاع الثورات العربية، لا سيما ثورة 30 يونيو في مصر، فضلا عن اتجاه واشنطن لتسوية مجموعة من الأزمات التي تؤثر على مصالحها في المنطقة دون الاهتمام بإشراك السعودية فيها، أو مراعاة مصالحها الاستراتيجية.

وقد يكون إعلان السعودية عدم قبولها عضوية مجلس الأمن، هو محاولة منها للتصعيد مع واشنطن في "الغرف المفتوحة"، بعدما وصلت جهودها في "الغرف المغلقة" إلى طريق مسدود، وبداية تحولها إلى دولة "رافضة" للسياسات الغربية، واتخاذها الرفض المعلن وسيلة للضغط على هذه الدول لتغيير سياساتها تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط، ووضع حسابات ومصالح السعودية في الحسبان، إذ أن هناك حالة من "الامتعاض" السعودي من واشنطن، يتضح في ثلاث قضايا رئيسية: يتمثل أولها في قضية سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، حيث ساندت السعودية ثورة 30 يونيو، عن طريق تقديم الدعم لمصر، في حين لا تزال واشنطن مترددة في دعم المرحلة الانتقالية في مصر، رغم الجهود التي تبذلها السعودية والإمارات، والمتعلقة بتوضيح طبيعة المرحلة الانتقالية في مصر، كما اتجهت واشنطن إلي تعليق جزئي لإمدادات السلاح لمصر، وقد كان هذا سببًا رئيسيًا في الشكوك السائدة لدي السعودية، وغيرها من دول الخليج، تجاه سياسات واشنطن في المنطقة.

وينصرف ثانيها إلى الصراع في سوريا، حيث مثل توجه إدارة أوباما لشراء الوقت في التعامل مع الأسد، وإرجاء توجيه ضربة عسكرية لنظامه، من خلال تفاهم أمريكي-روسي سمح باختزال الصراع في ملف الأسلحة الكيماوية السورية، تجاهلا للموقف السعودي من الصراع في سوريا، خاصة وأن الرياض، كما ترى العديد من الدوائر السعودية، تعد من بين الدول المتضررة من استمرار هذا الصراع دون تسوية.

ويتعلق ثالثها بالانفتاح بين واشنطن وطهران، والذي كان من أبرز ملامحه المكالمة الهاتفية "غير المسبوقة" بين الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني، إذ أعاد ذلك التقارب إلى الواجهة احتمال إعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي بشكل قد يتصادم مع الرؤية السعودية لتوازنات المنطقة، نتيجة عدم تطابق وجهات النظر بينها وواشنطن حيال مستقبل المنطقة.

شبكة من التحالفات "المرنة":

سعت السعودية إلي ترجمة رفضها للسياسات الغربية، من خلال إعادة ترتيبها الأوضاع في المنطقة، على نحو يخدم مصالحها، ودول الخليج، حيث اتجهت إلي تأسيس تحالفات إقليمية "مرنة"، باعتبارها الأساس في إعادة تشكل المنطقة، وممارسة مزيد من النفوذ في القضايا التي تهمها، وعلى نحو يوفر بديلا للترتيبات الغربية للمنطقة.

فمن ناحية، تتجه السعودية، منذ سقوط حكم الإخوان في مصر في 30 يونيو 2013، إلي تشكيل تحالف "4+2"، الذي يضم إلى جانبها دول الخليج باستثناء قطر وعمان، بالإضافة إلى مصر والأردن، ويقوم على دعم الاستقرار، ومواجهة تنظيمات الإخوان المسلمين، ويعد هذا التحالف بديلا عن تحالف الملكيات الذي سعت الرياض لتأسيسه من خلال مجلس التعاون، ليضم إلى جانب دول المجلس كلا من الأردن والمغرب، والذي هدف حينها إلي تحصين هذه الدول من مخاطر وتداعيات الثورات العربية. وفي حين يحظي هذا التوجه بدعم روسي، فإنه يمثل تحديًا صريحًا للسياسات الأمريكية، وللمواقف القطرية-التركية، التي تسعى إلى الضغط على مصر، وعزلها، بسبب سقوط حكم الإخوان، وتعثر جهود المصالحة مع الجماعة.

ومن ناحية ثانية، تعمل السعودية، على مساعدة روسيا على إيجاد مناطق نفوذ جديدة لها في المنطقة، خاصة بعد موقفها المؤيد لثورة 30 يونيو في مصر، ورغم الاختلاف بين الرياض وموسكو حول التعامل مع الصراع في سوريا، والذي يبدو أن له تأثير كبير على موقف الأخيرة من رفض السعودية عضوية مجلس الأمن، إلا أنه لم يصل إلى مستوى التوتر، حيث لا تزال فرص التنسيق بين روسيا والسعودية متاحة في قضايا أخرى بخلاف الصراع في سوريا، خاصة ما يتعلق بقضية الانتشار النووي في المنطقة، ودعم تحالف "4+2".

ومن ناحية ثالثة، ورغم عدم رضا السعودية عن السياسات التركية تجاه مصر، منذ ثورة 30 يونيو، إلا أن هناك حرصًا سعوديًا على العلاقات مع تركيا، وإدراكًا لأهمية العمل سويًا، خصوصًا أن الدولتين تمثلان "كتلة سنية" قادرة على مواجهة الخطر الشيعي الذي تفرضه إيران، لا سيما في العراق ولبنان، بالإضافة إلى سوريا. كما أن التهديد الإيراني لتركيا من الناحية الاستراتيجية، لا تقل أهميته عن التهديد الإيراني للسعودية وغيرها من دول الخليج، ولكن تظل المشكلة مرتبطة بحدود تقسيم النفوذ في المنطقة بين تركيا والسعودية.

التغيير من خلال الأمم المتحدة؟

قد يكون الهدف الأساسي لرهان السعودية على التعبير بصورة معلنة عن "رفض" السياسات الغربية، تجاه عدد من القضايا التي تهمها، من خلال عدم قبول عضوية مجلس الأمن، والذي يأتي بعد أسابيع قليلة من رفض وزير الخارجية السعودي إلقاء كلمته في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، هو دفع الدول الغربية، خاصة واشنطن، إلي إعادة التفكير في سياساتها أكثر منه تغيير هذه السياسات، بحيث تتعامل مع السعودية باعتبارها "شريكًا" مهمًا في سياساتها.

ولكن نجاح هذا الرهان، أي التأثير على سياسات الدول الغربية، يتوقف من ناحية، على قدرة السعودية على الاستمرار في هذا النمط من السياسات في مواجهة الدول الغربية، وهو أمر تحكمه اعتبارات المكسب والخسارة، فعلى سبيل المثال، لن يؤدي رفض السعودية لمقعد مجلس الأمن إلى تغيير موسكو وبكين سياساتهما تجاه الصراع في سوريا، كما أن إدارة أوباما لن تقرر توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، بهدف إرضاء الدول المتحفظة على تفاهماتها مع روسيا حول الأسد. وبالتالي، هل ستستمر القيادة السعودية في رفض العضوية، أم أنه من الممكن أن تتراجع عنها في حال تم الأخذ ببعض المقترحات الخاصة بتقييد استخدام الحق في الفيتو عند مناقشة بعض القضايا، ومنها الصراع في سوريا، وهو أمر سبق أن اقترحته فرنسا بعد مذبحة "الغوطتين".

ومن ناحية ثانية، يعتمد نجاح هذا الرهان على قدرة السعودية على حماية مصالحها في المنطقة من خلال التحالفات المرنة، وعلي مدى استقرار هذه التحالفات، خاصة وأن قضايا الخلاف بين السعودية، ودول المنطقة، ربما تفوق قضايا الاتفاق، التي تمتاز بطبيعة آنية، وهو ما يتطلب من السعودية توظيف مختلف عناصر القوة الذكية للحفاظ على هذه التحالفات وتوسيع نطاقها، من حيث القضايا التي تشملها، أي أنه يتوقف على قدرة السعودية على المنافسة الفعلية في مواجهة السياسات الأمريكية والغربية في المنطقة، على غرار ما فعلته إيران طوال فترة حكم الرئيس السابق أحمدي نجاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك