الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة اضطهاد المسيحيين في مصر

رامي رفعت

2013 / 11 / 6
المجتمع المدني


( ملحوظة : اعتذر عن طريقة كتابة المقال بطريقة قد تبدو واقعة في خطأ التعميم الغير دقيق كوني استخدم كلمتي ( مسيحي ) و ( مسلم ) كطرفين اساسيين في المقال ، واحب ان اؤكد ان التعميم غير مقصود لكن قد اجد صعوبة في تفاديه اغلب المقال بل انه في اغلب الاحيان حين اتحدث عن المسيحي لا اعني بهذا الشخص المنتمي للدين المسيحي فقط بل والمسلم ايضا الذي يتبنى نفس وجهة نظر المسيحي في تلك القضية والعكس صحيح . )
في اغلب النقاشات التي قد تدور بين المسيحي والمسلم في مصر ويتطرقا الى موضوع الاضطهاد نجد رأيان مختلفان بين مسيحي متاكيد تمام التأكيد ان المسيحيين في مصر مضطهدين ولا يحصلوا على حقوقهم كاملة وبين مسلم لا يرى ان ما يقوله المسيحي له علاقة بالواقع انما هي تخوفات لا اساس لها ان لم يكن يظن ان صديقه المسيحي ربما يحصل على حقوق هو نفسه لا يحصل عليها . والمشكلة الرئيسية هو ان مفهوم الاضطهاد عند المسيحي يختلف عنه عند المسلم الذي يحاوره ، فالمسيحي قد يعتبر ان عدم وجود رئيس دولة مسيحي او وجود المادة الثانية في الدستور يعتبر اضطهاد في حين ان المسلم حين يتناهى الى مسامعه كلمة اضطهاد يستدعي مشاهد القتل والتعذيب والاجبار على تغيير الدين وهو ما لا يراه موجود او بمعنى ادق لا يراه امامه او في الاعلام . لذا فساحاول في هذا المقال محاولة البحث في تلك المنطقة الشائكة .
أولاً : التعريف
علينا اولآ ان ان نتعرف على معنى كلمة اضطهاد أو على الاقل التعريف المتواتر في عقل المسلم والمسيحي لتلك الكلمة .
التعريف الاول : وهو التعريف الدارج في عقل المسيحي بأن الدولة بمفهومها الحديث لابد ان تكون عادلة تماما مع كافة مواطنيها بغض النظر عن دينهم او لونهم او جنسهم ، لذا فان اي تمييز يحدث يعتبره المسيحي اضطهاد وسلب لحق من حقوقه المشروعة .
التعريف الثاني : وهو التعريف الدارج في عقل المسلم بأن الاضطهاد يعني قتل المسيحيين بشكل رسمي وعلني وممنهج وبرعاية الدولة والتضييق عليهم ومنعهم من بناء الكنائس او ممارسة عبادتهم او اجبارهم على دخول دين الاسلام بالارهاب ، لذا اي حديث عن أي شئ آخر بخلاف ذلك لا يعتبر اضطهاد بل هي مشاكل عادية يواجهها المسلم قبل المسيحي .
الافكار الخاطئة في نقاش الاضطهاد
الفكرة الاولى : الاقلية
تعتمد هذه الفكرة ليس على ان المسيحيين اقلية انما على مقارنتهم باقليات اخرى في العالم ، البعض لديه مشكلة مع كلمة اقلية في حد ذاتها وكانها ادانة او نقص مع ان المسيحيين بالفعل اقلية عددية في المجتمع . مشكلة المقارنة ليست في حد ذاتها انما في نوع الاقلية التي يتم المقارنة بها ، فغالبا يقارن المسيحيين بالمسلمين في فرنسا ويثير المحاور قضية منع النقاب أو المسلمين في بورما او البوسنة لتوضيح ان ما حدث هناك للمسملين هو المسمى اضطهاد وان المسيحيين لا يحدث معهم هذا في مصر أو للدقة ليس بتلك الطرقة الرسمية والممنهجة . وهؤلاء غالباً يتبنون مقولة ان الاقباط هم اسعد الاقليات في العالم .
الخطأن الاساسيان الذان يقع فيهما اصحاب هذا الفكر هو :
الخطأ الاول : ان مقارنة المسيحيين الذين يعتبروا من اهل البلد مع اقلية وافدة على البلد – كحال بعض الجاليات المسلمة في الدول الاوروبية - ربما كان اغلب من يمثلوها لم يحصلوا على جنسية تلك الدولة بعد يجعل المقارنة في غير محلها ، كون الخلفية الحضارية للاقليات المهاجرة والتي يصطدم المجتمع الجديد مع عاداتهم وتقاليدهم مختلفة عن اصحاب الارض انفسهم وحتى تلك الاقليات في الدول المتقدمة حضاريا تحصل على حقوقها لكن بعد فترة . هذا غير ان كل دولة لها قوانينها المعروفة لكل من يرغب في العمل او الانتقال اليها ، فمثلا اذا طالب المسيحيين العاملين بالسعودية بانه على المملكة السماح لهم ببناء الكنائس سيكون نوعا من انواع تغيير العقد المبرم بين الطرفين . فالشخص المسيحي الذي يعمل بالسعودية يعرف قبل ان يذهب انه لا توجد كنائس ولن يسمح له بممارسة شعائره الدينية وعلى الرغم من ذلك قبل السفر والعمل بها ، لذا فمطالبة الدولة وقتها باحترام عقائد الوافدين سيكون الرد عليه وقتها ان الدولة لن تغيير سياستها لراحة الوافدين وان لم يعجبهم الحال فدولتهم الام ودول الجوار ستستمح لهم بما يريدوا ولن تتغير طبيعتهم كعمالة وافدة سواء في هذه الدولة او تلك .
الخطأ الثاني : ان المقارنة مع امثلة من الاقليات تتعرض للظلم والحرمان من الحقوق ليس مبرراً لتكرار نفس الاخطاء أو اضفاء الشرعية عليها كونها تحدث مع اقليات أخرى في دول أكثر منا تقدماً .
الفكرة الثانية : البعد الديني
ان اغلب المصريين اصبح موضوع الاضطهاد جزء من عقيدتهم الدينية ، فالمسيحي يعتبر الاضطهاد بعد مكمل لشخصيته بل ويتمسك به كما يتمسك بذهابه للصلاة في الكنيسة . وبالطبع هناك البعض ممن يعتبر اي اخفاق له اضطهاد لكونه مسيحي بغض النظر عن مدى صحة ادعائه وللأسف فان ابتعاد المسيحيين عن المشاركة في الحياة السياسية في العقود الآخيرة كرس داخلهم الشعور بالغربة وبالتالي الشعور بانهم مكروهين من المجتمع لانهم مسيحيين ، وقد ساعد الفهم الخاطئ لبعض الآيات في الكتاب المقدس مثل (طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم. متى 5 11:12 ) والتي يتحدث فيها السيد المسيح عن اضطهاد المؤمنين به ونسوا كلمة ( كاذبين ) في الآية واعتبر البعض شعوره بالاضطهاد مكافأة له بل ودليل على ايمانه .
المسلم ايضا اصبح الاضطهاد بالنسبة له امر غير صحيح لانه غير مقبول ، فحين يقول المسيحي انه مضطهد في بلده يترجم هذا في عقله ان المسيحي يضطهد في بلد مسلم على يد المسلمين مما يعني ان الاسلام هو الذي يضطهد المسيحيين . ومنذ اللحظة التي يعتبر المسلم فيها دينه في قفص الاتهام يبدأ بالانكار والرفض ظناً منه ان ما يفعله دفاعاً عن الدين ضد من يسيئون اليه او يفهموه بطريقة خاطئة .
التفكير في هذا الموضوع من منظور ديني يجعل الحوار بعيداً عن العقل والمنطق ، فلا الاسلام هنا المتهم ولا المسيحية هي الضحية انما هي انظمة دولة او تعنت القائمين على تنفيذ هذا النظام أو تشدد بعض المتطرفين . انما تعميم المواقف التي لا يصح معها التعميم وربط الامر بالانتماء الديني وليس بالواقع يعطل الطرفان عن الوصول الى قاعدة مشتركة تمكنهم من حل مشاكلهم بعيداً عن التعصب والانفعالات .
أشكال الاضطهاد
اولاً : الاضطهاد في الدستور والقانون
المادة الثانية في الدستور المصري : وجود المادة الثانية في الدستور المصري والتي تنص ان دين الدولة الاسلام يولد شعور بالتمييز لدى المسيحي أيا كان انتمائه السياسي ، فالدولة التي من المفترض ان لا يكون لها دين – كوني اتبع الفكر العلماني أجد ان هذا هو المفترض – اصبح لها دينا غير دينه . لو ان الصياغة كانت مصر دولة ذات اغلبية مسلمة لكان هذا اقرارا بحقيقة بحتة لا مجال فيها للعقائد والاديان . ايضاً النص الذي يقول ان مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع يفتح الكثير من التمييز الذي يشعر به المسيحي في القضايا الخاصة بالاحوال الشخصية وهو ما سنناقشه لاحقاً .
هناك اصوات حين تسمع هذا الموضوع تقول ان اوروبا بها دول تكتب في دستورها ان الدولة لها دين محدد وهو في رأيي خطأ ليس لان بعض الدول الاوروبية تكتبه في دستورها فعلينا اتباع المثل .
قانون الاحوال الشخصية : تطبق على المسيحي الذي يذهب الى التقاضي في المحكمة الشريعة الاسلامية في القضايا التي تتعلق بالاحوال الشخصية من زواج وطلاق ، وهو ما سبب كثيرا من المشاكل حين تصدر المحكمة قرارا بالتطليق او السماح بالزواج لشخص مسيحي وترفض الكنيسة تنفيذ هذا الأمر لأن حيثيات الحكم الذي اصدره القاضي تتعارض مع القوانين المنظمة للزواج والطلاق في المسيحية . وهو ما خلق مواجهات بين الدولة والكنيسة كان من الافضل تلافيها بوضع قانون للاحوال الشخصية لغير المسلمين .
وبما ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع نشأ عن ذلك قضيتان يتعارضتان مع المسيحية ولا يتعارضتان مع الشريعة الاسلامية لذا اصبحتا قانونيتان ولا تعاقب عليهما الدولة وهما :
* زواج المسلم من مسيحية حيث يسمح الاسلام بزواج المسلم بكتابية في حين ان المسيحية تنهى عن ذلك لكن القانون يسمح بهذا الزواج لانه لا يخالف الشريعة في حين ان زواج المسلمة من مسيحي ممنوع لانه يعارض الشريعة مما يجعل المسيحي يشعر ان شريعته لا يعتد بها وان القانون يسمح بمخالفتها فهي ليست المقياس في تقدير شرعية الاحكام .
* التبني في الاسلام حرام شرعاً لذا يمنعه القانون في حين انه ليس منهياً عنه في المسيحية لذا لا يستطيع المسيحي الذي حرم من الاطفال تبني اي طفل لان الدولة تمنع ذلك لمخالفته الشريعة .
قانون بناء الكنائس : من القوانين التي دائما ما ترتفع الاصوات العاقلة للمطالبة به بعد اي حادث ارهابي او طائفي وهو يجسد تعنت الدولة في ابقاء مثل هذا القانون في الادراج لتبقى مشكلة بناء الكنائس قائمة حتى تبقى ورقة رابحة في يد النظام يستخدمها متى اراد . الكنائس كان لابد من صدور قرار جمهوري لبنائها لعقود طويلة ثم انتقلت السلطة الى يد المحافظين في حين ان الداخلية متمثلة في جهاز امن الدولة ظلت هي المتحكم الفعلي في بناء الكنائس او ترميمها ، فالبعض يتعجب بل ولا يصدق انه اذا اردت رفع كفاءة دورة مياه بكنيسة او ترميم ما تهدم او حتى اعادة طلاء السور الخاص بها يستلزم اذنا من امن الدولة . تلك المشكلة التي يعرفها المسيحيين بوجه عام وعايشها من تابع اجراءات بناء او ترميم اي كنيسة تبدو بالنسبة للمسلم غير قابلة للتصديق لعدة اسباب :
السبب الاول ان مشكلة بناء كنائس جديدة تقريبا غير ملموسة في المدن الكبيرة بل هي مؤثرة ومؤلمة اكثر في القرى والاماكن البعيدة عن الاهتمام الاعلامي لذا حين يسمع المسلم تلك المشكلة ثم يرى كم الكنائس الموجودة بالقاهرة والاسكندرية يشعر ان الامر به مبالغة في غير محلها . اما مشكلة الترميم فهي مشكلة داخلية بالتأكيد لن يسمع بها أحد خارج القائمين عليها .
السبب الثاني ان مساحات بعض الاديرة في مصر كبيرة مما يجعله يظن انه لو كان هناك تعنت من الدولة في بناء الكنائس لما سمحت لتلك الاديرة بشغل تلك المساحات ، متناسيا ان اراضي الاديرة اغلبها تكون اراضي وقف وملك للدير ناهيك ان هناك صمت من جهة الدولة حول هل تلك الاراضي ملك للدير ام لا مما يجعل البعض يعتقد ان تلك الااراضي هبة من الحكومة .
السبب الثالث : بعض المسلمين – السلفيين على وجه الخصوص – يرون ان بناء الكنائس في حد ذاته لابد ان يخضع لقواعد شرعية موجودة في كتابات شيخ الاسلام بن تيمية وابن القيم وغيرهما مفادها ان الكنائس لا تبنى في الارضي التي استحدثها المسلمين بعد دخول العرب مصر ولا تبنى في الاراضي التي فتحت عنوة ويجوز بنائها فقط في الاراضي التي فتحت صلحاً . وهذا يعني ان المسيحيين يحصلون على أكثر مما يجب ان يحصلوا عليه في بناء الكنائس لذا فأي شكوى بالنسبة لهم في موضوع بناء الكنائس هو في الاساس تفريط لابد ان يعالج بالالتزام بقواعد الشرع وليس بمزيد من التفريط .
اما على الجانب المسيحي فان التعامل مع هذه القضية لم ينجو من بعض الاخطاء ، فان عدم احترام القانون – حتى وان كان ظالماً تبقى مخالفته جريمة – وبناء كنائس بدون ترخيص على امل ان الاهالي وامن الدولة لن يعترضوا يضع الكنيسة في موضع حرج ويضع المسيحيين في هذه البلدة في خطر . بالطبع هذا لا ينفي ان الدولة التي تتهدد فيها حياة بعض افرادها لبنائهم دار عبادة بدون ترخيص هو دليل واضح على التمييز والاضطهاد الذي يحدث لهؤلاء الافراد .
هذا غير ان هناك قانون او عرف لا اعرف على وجه التحديد يمنع بناء الكنيسة بجوار الجامع في حين يسمح ببناء الجامع بجوار الكنيسة ، وهو الامر الذي قد يستغله الاهالي لمحاولة وقف بناء كنيسة لا زالت بلا ترخيص ببناء جامع بجوارها او الاكتفاء بوضع لوحة مكتوب عليها مشروع انشاء مسجد وتقام الصلاة على ارضه ليتحول في نظرهم ونظر جهاز امن الدولة الى جامع مشيد .
وبالطبع فان طريقة الدولة في التعامل مع كنيسة غير مرخصة يختلف شكلا ومضموناً عن تعاملها مع أي مبنى أخر غير مرخص وكأنها تتعامل مع قاعدة عسكرية او شبكة تجسس مما يجعل الشباب المسيحي المنفعل يقف في مواجهة اجهزة الدولة مما ينتج عنه ضحايا ومصابين من الطرفين والاخطر من هذا يترك جروحاً غائرة بين المسيحي ودولته .
ثانياً : الاضطهاد في التعليم ( تجربة شخصية )
منهج التاريخ الذي درسته حين كنت بالصف الثاني الاعدادي هو مثال صارخ على الاقصاء الذي تم بحق المصريين قبل دخول العرب لمصر لا لشئ الا لانهم كانوا مسيحيين لذا تم اعتبار تاريخهم ولغتهم وفنهم شأن خاص بالمسيحيين ، جاء ذكر المسيحيين في ما لا يزيد عن سطرين بانهم كانوا يعانون من اضطهاد الدولة الرومانية قبل ان يفتحها عمر بن العاص ويخلصهم من العذاب والاضطهاد . لكن هل يعرف المسلم ان اجداده المصريين قدموا مئات الآف من الشهداء لرفضهم ترك ايمانهم ؟ وهل يعرف اي شئ عن دخول العرب لمصر سوى الصورة الباهتة التي يصفها منهج التاريخ ؟ . في حين انني درست تاريخ ظهور الاسلام بدءاً من نزول الوحي على رسول الله محمد ( ص ) مرورا بكل ما مر به وما خاضه من غزوات ، بل حتى نشيد ( طلع البدر علينا ) كان مكتوبا اول اربع ابيات منه فاصبحت ارى ان الأمر تعدى دراسة الخلفية التاريخية الى دراسة دينية بحتة لنشأة الاسلام . المشكلة لم تكن في ذلك التفصيل انما المشكلة كانت ان يوضع هذا التفصيل بجانب هذا التلخيص المبالغ فيه والذي يصل الى حد الحذف ، شعوري بان التاريخ اصبح يهتم باديان صانعيه قبل جنسياتهم حتى لو كانوا أجدادنا هو ما أحزنني وقتها .
كما ذكرت بالاعلى هذه تجربة شخصية ربما قد يتذكرها من درس نفس المنهج وربما قد لا يشعر البعض بان الامر يرقى الى الاضطهاد وانه خطأ غير مقصود لكنها تبقى بالنسبة لي مثال قوي على الاضطهاد الذي يتعرض له الطالب المسيحي في التعليم .
هذا غير دراسة ايات من القرآن واحاديث نبوية شريفة لانها تضبط اللغة والنحو وهو الامر الذي لم اقابله في دراستي لأي اية او حديث فالامر لا يتعدى الحفظ ومعاني الكلمات ولا توجد طريقة خاصة لدراستهم تختلف عن دراسة النصوص الشعرية ، لن اقول لماذا لا ندرس ايات من الانجيل مثلما ندرس ايات من القرآن لكن سأقول فقط ان طريقة تدريس النصوص الدينية في اللغة العربية هي التي تدفع البعض الى مثل هذا المطلب .
ثالثاً : الاضطهاد الفردي
وهو الاضطهاد الاقوى والاهم في رأيي ، فكل ما ذكرته بالاعلى لا يرقى الى كونه مشكلة حياتية اذا كان المسلم والمسيحي علاقتهم جيدة وتسمو فوق محاولات من بسلطة او المتشددين من خلق ازمة طائفية او تعكير الصفو بينهم . لكن المشكلة ان هذا الصفو لم يعد موجوداً والوضع يزداد توترا واحتقاناً بين المسلمين والمسيحيين ، حاولت ان اسرد الاسباب التي ادت الى ذلك ثم المظاهر الناتجة لكن شعرت ان الاسباب قد تكون مظاهر لاسباب اخرى لذا جمعت بين الاثنين واترك للقارئ تقسيم ما يراه سببا وما يراه نتيجة :
الحرمان من وظائف معينة او الاعتماد على نسبة محددة : المناصب الحكومية الرفيعة كانت دائما تخضع لطريقتين اساسيتين اذا تناولنا مشاركة الاقباط بها ، الطريقة الاولى هي المنع من شغل وظائف محددة مثل رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع والخارجية ومناصب رؤساء التحرير ورؤساء الجامعات والمحافظين ، هذا قبل ان يقوم الرئيس السابق حسني مبارك بتعيين محافظ مسيحي لمحافظة قنا ثم تعيين أخر مسيحي مكانه مما اثار غضب الاهالي بقنا حيث شعروا ان الحكومة قررت ان يكون المحافظ المسيحي من نصيبهم في كل مرة . الطريقة الآخرى هي تحديد نسبة معينة لا علاقة لها بالنسبة السكانية انما لتجميل الصورة امام المجتمع الخارجي كما هو الحال بتعيين الوزراء المسيحيين في الحكومات السابقة . في الحالتين سواء المنع او العمل بنسبة لا يوجد قانون يقر هذا المنع او تلك النسبة مما ينفى عنها ان تكون اضطهاد قانوني ، لكن كون الوضع هكذا منذ ما يقرب من ستين عاماً يجعل الامر يترسخ في ذهن المسيحي انه عرف له قوة القانون . وحتى الوزراء الذين كان يتم اختيارهم غالبا ما يكونوا من اسر سياسية عريقة مثل بطرس بطرس غالي ويوسف بطرس غالي ومنير فخري عبد النور ونادية مكرم عبيد ، اي انه يمكن القول ان تاريخ أسر هؤلاء هو ما ساعد الى وصولهم الى التلك المناصب بغض النظر عن الكفاءة وهو ما يعني عدم تكافئ الفرص وامكانية وجود شبهة نفاق سياسي للظهور بمظهر جيد امام الرأي العام الخارجي .
انا أرفض الطريقتان سواء كانت المنع التعسفي او الالتزام بنسبة محددة ، لابد ان تكون الكفاءة هي المعيار الوحيد لشغل اي منصب حكومي بغض النظر عن دينه . فأنا لن أكون سعيدا بتعيين ثلاث وزراء مسيحيين فاشلين لا لشئ الا لتحقيق النسبة المطلوبة ، لكن سأكون حزيناً اذا وجدت ان المسيحي لا يشغل مناصب بعينها ليس لافتقاره للكفاءة انما لانتمائه الديني .
العنف الطائفي : ادى صعود التيار المتطرف الى دخول مصر في دائرة العنف الطائفي ، فالاعتداءات على الكنائس والمسيحيين في صعيد مصر في اوائل التسعسنيات الذي صحبه سكوت اعلامي وحكومي لم يتوقف الا حين نقل المسلحون حربهم مع المسيحيين الى حرب على الدولة ووقتها فقط اعلنت الدولة الحرب على الارهاب . ربما لا يعلم البعض ان في تلك الفترة ظهرت جماعات تقوم باخذ الجزية من المسيحيين وقتلهم حال امتناعهم عن ذلك ، ربما لا يعلم البعض كم الاعتداءات التي حدثت على كنائس ومحال للمسيحيين في تلك الفترة وصمت الداخلية عن ما يحدث وكأنها محاولة لايهام المسيحي ان ما يحدث شئ طبيعي او خارج عن ارادتنا وعليه الدفاع عن نفسه . وهو الامر الذي كنت قد كتبت عنه في مقال سابق وطرحت فيه رؤيتي لموضوع العنف الطائفي .
الحل الأمني : اعتادت الحكومات السابقة والحالية على معالجة الملف المسيحي بالكامل بالحلول الامنية وتركت لوزارة الداخلية وجهاز امن الدولة تحديداً حرية التصرف واتخاذ ما يلزم لمعالجة هذا الملف او بمعنى ادق انهائه بالطرق الأمنية ، وهو ما اثبتت الايام فشلها التام بل كانت من اسباب ازدياد المشكلة تعقيداً حيث ان تدخل جهة المنوط بها تطبيق القانون وليس حل المشاكل الاجتماعية او اقرار السلام الاجتماعي جعلها طرفا في بعض الاحيان في احداث طائفية اما عن عمد او عن دون عمد .
تطبيق الشريعة : أدى ظهور نموذج تفسيري لمعنى تطبيق الشريعة مغاير لما اعتاد الاعلام الحكومي تقديمه للمواطنين بسبب تقدم وسائل نقل المعلومات واستحالة احكام قبضة الدولة عليها كما كان سابقاً الى تخوف المسيحيين والشعور بان هذه الدعوة هي دعوة للاضطهاد ، فهذا النموذج وان كان ليس واحداً الا انه يتنوع بين مطالبات بتطبيق الجزية على المسيحيين ومنعهم من دخول الجيش وبين مطالبات بتحريم شغل مناصب معينة مثل رئاسة الجمهورية ( الامامة العامة ) او وزارة الدفاع او اوزارة المالية ( بيت المال ) ، هذا غير المطالبة بتطبيق الحدود مثل الرجم وقطع اليد والجلد وغيرها . بغض النظر عن كون هذه التشريعات دينية ولها من القدسية والاحترام لدى معتنقيها ما لا يمكن تجاهله الا ان هذا ليس سببا كافيا ليعتبرها المسيحي احكاماً عادلة وصالحة للتطبيق وهو الامر الذي يدفع المسلم المؤمن بهذا النموذج التفسيري الى الرد بأن هذه عقيدتنا وهذا ديننا ولن نقبل التفريط فيه لان المسيحي لا يعجبه هذا فإما ان يقبل بها أو ان يترك البلد مما يعني ان المسيحي اما ان يقبل ان يكون مواطناً درجة ثانية مجبر على تطبيق قوانين لا يجوز تعديلها او تغييرها لانها الهية في نظر الاغلبية او ان يترك وطنه .
تلك النقطة من النقاط التي تثير الحساسيات والضغائن بين المسلم والمسيحي وللأسف يتم التعامل معها بطريقة بها من القهر والاجبار ما لا يمكن تجاهله ، وهذا ناتج عن مفهوم مشوه للديمقراطية بمعنى حكم الاغلبية سواء دفعت الاقلية ثمن ذلك ام لا . فالامور التي تتفق عليها غالبية سواء في اللون او الدين وتريد فرضها على الاقلية المغايرة لها لا يمكن اعتبارها ديمقراطية ، فقد قال مارتن لوثر كينج ( اذا استفتى البيض على تحرير السود لظلوا عبيداً ) بمعنى ان اللجوء الى طرق قانونية كالاستفتاء لاقرار امر سيتم اعتباره عنصريا من الاقلية دون محاولة جادة لمحاولة حماية تلك الاقلية مع الحفاظ على هوية المجتمع لا يضفي عليها الشرعية ولا يمكن وصف نتيجتها بالعادلة .
أقباط المهجر : ظهر في السنين الآخيرة ما يسمى باقباط المهجر وتم تقديمهم في اعلامنا على انها منظمة واحدة لها اهداف محددة ، وهو الامر الغير صحيح حيث ان اي مصري مسيحي يعيش خارج مصر يطلق عليه لقب اقباط المهجر اي قبطي يعيش خارج وطنه . بمعنى ان كل المسيحيين الذين يعيشون خارج وطنهم هم اقباط المهجر ومحاولة تصوير ان كل هؤلاء لهم تنظيم واحد ورأي واحد هو محاولة من قبل النظام الى خلق حالة من العداء بين المسلمين والمسيحيين في مصر . لا ننكر بالطبع ان بعض اقباط المهجر واصحاب الظهور الاعلامي الاكثر لهم اراء متطرفة بين الاستقواء بأمريكا لانقاذ الاقباط في مصر وبين المناداة بانشاء وطن قومي للمسيحيين وهي اراء تدل على ان اصحابها يتمتعون بخيال طفولي يصور لهم ان امريكا تحارب من اجل شئ اخر غير مصلحتها الخاصة وليس دفاعا عن فئة ضد فئة أخرى وجهل بطبيعة مجتمع يصعب الفصل فيه بين المسلم والمسيحي داخل الحي الواحد فما بالك باقامة دولتين وعدم الاهتمام بامن الوطن القومي سواء بدعوات التقسيم او اللجوء الى قوات اجنبية . ان اصحاب تلك الاصوات غالبا هم من تركوا الوطن بعد تجارب سيئة مع الاضطهاد الحكومي او الفردي جعل لديهم الرغبة في الانتقام او هم ببساطة اشخاص كارهة للاسلام ولا تمتلك الشجاعة لقول ذلك وتفضل الاختباء خلف حقوق المسيحيين ووحشية الاسلام والمسلمين . وقد كان سكوتهم الغامض حول الاعتداءات التي تمت على الكنائس بعد فض اعتصام رابعة والتي وصل عدد الكنائس المعتدى عليها الى اكثر من 73 كنيسة و 212 من ممتلكات الاقباط في الوقت الذي كانوا يملأون الدنيا صراخاً للاعتداء على كنيسة واحدة سببا قويا في التأكد من انهم لا يتصرفون من تلقاء انفسهم ولا تعنيهم قضايا المسيحيين بقدر ما يعنيهم الاستفادة منها .
الجهل والشعور بالاستعلاء : ما كنت لأذكر اسباب اي مشكلة في مجتمعنا دون ان اتطرق الى الآفة الرئيسية به ألا وهي الجهل ، ولا أعني بالجهل عدم القراءة والكتابة انما أعني عدم القدرة على البحث والحوار والاختلاف و الاعتماد على الثقافة السمعية والاجابات المعلبة . الجهل التام بعقائد الآخرين وتصديق المصادر المشبوهة لاحتوائها على الكثير من الافتراءات التي تشبع الشعور بالافضلية لدى كل طرف سبب رئيسي في كل مشاكل المسيحيين والمسلمين .
هناك ايضاً بعد المقولات الشائعة التي تقال لاثبات او نفي موضوع الاضطهاد مثل :
نجيب ساويرس وغيره من التجار المسيحيين يسيطرون على جزء من اقتصاد البلد وحرف بعينيها مثل محلات الذهب ، لو كان هناك اضطهاد كما تقولون لما كان لهؤلاء وجود بهذا الحجم .
التجارة لا يوجد بها قوانين يمكن وصفها بانها تضطهد المسيحيين وشبهة الاضطهاد الفردي ضعيفة لان رأس المال لا دين له كما هو شائع ، لذا فلغة التجارة المعتادة هي المصالح المشتركة مما سمح لبعض المسيحيين بالعمل بالتجارة وتضخم اعمالهم فيها . لكن تعميم تلك الحالة لجعلها حالة عامة فيه مغالطة
المسلمين يريدون قتل المسيحيين واخذ نسائهم واموالهم اذا لم يدخلوا الاسلام
هذا الكلام غير صحيح وهناك ضوابط كثيرة في موضوع استحلال النفس والمال والعرض الخاص بالذمي – المسيحي في حالتنا – واذا كان هناك بعض الفرق التي تقر بهذا فهي ايضا تقر باستحلال دماء الشرطة والجيش والحكومة واي شخص مسلم كان او مسيحي لا يتبنى فكرهم .
المسيحيون يريدون تحويل مصر لدولة مسيحية ووضع الصليب على علم مصر .
هذا كلام ايضا غير صحيح فالمسيحية لا يوجد بها فكرة قيام دولة لتحمي الدين او تنشره ، قد يبدو الكلام ساذجاً لدى البعض لكن خروج بعض الاصوات المتطرفة بافكار مشابهة والاهتمام بها اعلامياً من المتطرفين من الطرف الآخر يعطيها ثقلا واهتماماً لا تستحقه لكنه يعطيها ايضا انتشاراً يجعل من الافضل الرد عليه .
أخيراً أود ان أؤكد ان تلك المقالة – كسابقتها- هي رؤية شخصية للأحداث قد أكون أغفلت بعض النقاط وقد أكون أخطأت في بعض الاستنتاجات لكن تبقى تلك افضل طريقة استطعت ان اقدم بها الموضوع للقارئ العزيز ، المقال ليس هدفه اقناع من لا يرى اضطهاداً ان هناك اضطهاد أو ان يتوقف من يشعر بالاضطهاد بالمطالبة بحقوقه التي يراها مشروعة لانه الجانب الاضعف ويستسلم لدور الضحية . قد تتفق معي ان هناك اضطهاد او لاتتفق فكما قلت في اول المقال ان هناك افكار حاكمة لمفهوم الكلمة في حد ذاتها ، لكن يبقى الانكار التام بأنه لا توجد أي مشكلة هو أهم أسباب عدم حل تلك المشكلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تجنيت على أقباط المهجر في مقالك
محمد بن عبدالله ( 2013 / 11 / 6 - 12:14 )
(((قد كان سكوتهم الغامض حول الاعتداءات التي تمت على الكنائس بعد فض اعتصام رابعة والتي وصل عدد الكنائس المعتدى عليها الى اكثر من 73 كنيسة و 212 من ممتلكات الاقباط في الوقت الذي كانوا يملأون الدنيا صراخاً للاعتداء على كنيسة واحدة سببا قويا في التأكد من انهم لا يتصرفون من تلقاء انفسهم ولا تعنيهم قضايا المسيحيين بقدر ما يعنيهم الاستفادة منها .بينما تتهم بعضهم بالتطرف وكراهية الاسلام كرد فعل لمعاناتهم من التفرقة والاضطهاد سابقا تأخذ عليهم سكوتهم أمام حرق الكنائس بعد 30 يونيو)))

سكتوا يا سيدي لأنهم رأوا أن ذلك أهون الشرّين..فضلوا التضحية بكنائسهم على التضحية بالشعب المسيحي كله إذا ما دام حكم الاخوان
لو كانوا ينطلقون من موقف الكراهية والانتقام الشخصي دون عقل لكانوا أثاروا موضوع الاضطهاد حينئذ
لا يا سيدي انهم من منطلق حرصهم على مصر تناسوا كل ما عاشوه في الماضي ووضعوا مصلحة مصر ومصلحة أقباطها فوق كل مصلحة أو هوى


2 - في مصر الاضطهاد عام
عبد الله اغونان ( 2013 / 11 / 6 - 15:54 )

ثبت بما لايدع وسيلة للشك أن المسؤول عن حرق كنائس هو النظام ومنذ عهد مبارك
سواء بتكليف بلطجية بحرقها أو رفع الحراسة عنها
المسيحيون ليسوا ملائكة فتواضروس زكى الانقلاب وجلهم اختاروا شقيق مرشح العسكر ثم السيسي
ماوقع ويقع من مذابح في رابعة وغيرها واعتقالات ومحاكمات يثبت أن جل المصريين يعانون وسيعانون الاضطهاد
الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا

اخر الافلام

.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم


.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية




.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال


.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال




.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان