الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الدكتور علي عبود المحمداوي

سعدون هليل

2013 / 11 / 10
مقابلات و حوارات


الدكتور علي عبود المحمداوي
استعادة المقول الفلسفي وفعله في الواقع العربي


الدكتور علي عبود المحمداوي باحث واكاديمي عراقي ومدرس الفلسفة في كلية الآداب – جامعة بغداد/ العراق. وهو الأمين العام- المشارك للرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة، وعضو اللجنة الثقافية في قسم الفلسفة – جامعة بغداد، وعضو فريق التأويليات ونقد الأنساق الثقافية / المغرب وعضو رابطة بغداد الثقافية وعضو منظمة عراق الغد. له مجموعة من الاعمال الفلسفية اهمها:
1- الإسلام والغرب من صراع الحضارات إلى تعارفها.
2- الفكر الشيعي المعاصر .. رؤية في التجديد والإبداع الفلسفي .
3- مقاربات في الديمقراطية والمجتمع المدني (مشترك).
4- الإصلاح الديني والسياسي (مشترك).
5- الإشكالية السياسية للحداثة من فلسفة الذات إلى فلسفة التواصل "هابرماس أنموذجاً".
6- خطاب الهويات الحضارية: دراسة مقارنة بين المنجز الغربي والمنجز الإسلامي.
7- الفلسفة السياسية المعاصرة: من الشموليات إلى السرديات الصغرى (إشراف ومساهمة).
8- مدرسة فرانكفورت النقدية: جدل التحرر والتواصل والاعتراف (إشراف ومساهمة).
9- الفلسفة والنسوية. (اشراف وتحرير ومساهمة).
10- فلسفة التاريخ : جدل البداية والنهاية والعود الدائم (اشراف وتحرير ومساهمة).
11- فلسفة التأويل : المخاض والتأسيس والتحولات (اشراف وتحرير ومساهمة).
12- فلسفة اللغة (مساهمة في كتاب مشترك).
13- فلسفة الدين: سؤال المقدس واليوتوبيا والتعددية الدينية (اشراف وتحرير ومساهمة).
14- موسوعة الابحاث الفلسفية : الفلسفة الغربية المعاصرة . (اشراف وتحرير ومساهمة).
15- الفعل السياسي بوصفه ثورة، (اشراف وتقديم ومساهمة).
16- خطابات المابعد: او في استنفاد المشروعات الفلسفية (اشراف وتقديم ومساهمة).
في حوارنا معه نحاول تسليط الضوء على أهم ما يشغل الفكرالعربي، ومدى فاعلية الرابطة العربية الاكاديمية للفلسفة وأعمالها المنجزة وغير ذلك.

*متى بدأ مشواركم الفلسفي ولاسيما على صعيد الكتابة الفلسفية والتأليف؟
_ كانت البداية كأي باحث شغف لموضوع تخصصه الاكاديمي، ببحث نشر لي في المرحلة الثالثة من البكالوريوس بعنوان نقد العقل العربي، وفيه عالجت اطروحات محمد عابد الجابري المفكر المغربي وقدمت قراءة نقدية له، لكن الكتابة الاحترافية بدأت مع رسالة الماجستير، وبعد ان ظهرت رسالتي بكتاب مطبوع بعنوان: خطاب الهويات الحضارية من الصدام الى التسامح، وبعدها ظهر كتابي: الفكر الشيعي المعاصر : رؤية في التجديد والابداع الفلسفي، ومن ثم اطروحة الدكتوراه بعنوان الاشكالية السياسية للحداثة من فلسفة الذات الى فلسفة التواصل، وقدمت فيها رؤية تحليلية نقدية لطروحات الفيلسوف الالماني يورغن هابرماس. وبدا معها مشوار الكتابة واصدار مجموعة من الكتب الفردية والجماعية، التي لطالما حملت معها هم التحرر والاستقلال والتأسيس واعادة القراءة المطلوبة بتلازم مع ظرفنا الثقافي والاجتماعي والسياسي الراهن.
* يثيرنا الظهور الملحوظ لنشاطات الرابطة العربية الاكاديمية للفلسفة بمنشوراتها وملتقياتها العلمية ، كيف ومتى انبثقت الرابطة وتشكلت ومن يديرها وما اهم الاعمال التي انجزتها الى اليوم؟

_نعم، كان للرابطة نشاط كبير في السنتين الماضيتين ولايزال. و تعد الرابطة العربية الاكاديمية للفلسفة اولى الشبكات البحثية التي انبثقت عن الواقع الافتراضي، وهي الاولى كذلك في جمعها لفلاسفة ومتفلسفة العالم العربي من المغرب الى العراق مرورا بالجزائر وتونس وسوريا وغيرها من الدول العربية عبر الاتصال الالكتروني. ويمكن توصيفها بانها مجموعة اكاديمية تمتهن الفلسفة وتعمل على تحويل الخطاب الفلسفي الى خطاب تحرير وعقلنة لمجتمعاتنا التي لاتزال تقبع تحت مطارق الجهل والاقالة لماهو عقلاني. وقد جاء في بياننا التأسيسي توضيح لكل مانعول عليه ونعمل من اجله ونناضل من اجل تفعيله، فبالرغم من الاسر الذي يعاني منه الفكر العربي من لدن ثنائيات لامتناهية التكاثر: الأصالة/المعاصرة، التقليد/الإبداع، التراث/الحداثة، التنوير/التأصيل، ورغم وجود ماهو أبعد وأهمّ من كل ذلك، انه إبداع النصوص الأصيلة، فالنص مأوى الفكر، والإبداع تخريج للحرية في ثوب الأسلوبية، وذلك أبعد وأهم من المطارحات الأيديولوجية التي استهلكت قرون السؤال الفلسفي العربي، قد تخرج براءة الفكر المتسائل في دروب المتعدد والمختلف،أقوى من زخم التكاثر للنصوص المتاخمة حول نص مركزي؛ فإن ثمة "من" يريد أن يكتب نفسه، ويشعل زخمه في أثرِ ما...
وفي عصرنا هذا، عصر التواصل والمنابر الافتراضية العابرة للأوطان، عصر الشبكات البحثية العالمية، لم تعد أجيال الفيسبوك بحاجة إلى مؤسسات ومكاتب وطوابير لكي تبدع مفاهيمها الفلسفية، على الأثير تجدون لافتة صغيرة، ومن غير وجهة محددة: "الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة"، لنحاول زرع المفهوم وتخصيبه، لينضمّ إلينا من كانت تهمّه زراعة المفهوم، ومن كان متورّطا في فعل الكتابة، وكلّ من أُتّهم بذنب التفكير، أو ضُبط متلبّسا بالتساؤل... فلا توجه لنا إلا الحرية، ولا رهان للفلسفة هنا إلا التحرر.. وفي هذا العصر العربي بالذات، عصر الحراك والتغيرات الكبرى، والمنعطفات التاريخية الحاسمة، أيعقل أن يكمل التاريخ دورة ما في غياب الفلسفة؟ أيعقل ألاّ يرافق الفكر الصيرورة؟! ونأمل أن يشكل مشروعنا مراجعة فلسفية لمنجزات الحداثة الفلسفية المؤجّلة، كما نطمح أن يكون قطيعة تنظيرية مع المطارحات الأيديولوجية، واستئنافا للقول الفلسفي في روحه الأكاديمية. ونحن نعي انه يجب أن لايخلو مشروعنا من هموم نضالية، أو أن يفرغ من هواجس القضية الفلسفية اليوم (قضية التحرر)، لذلك فلتكن الحرية ماهية الفكر المسؤول، ولتكن الفلسفة رهانا تحرريا نضاليا. (من البيان التأسيسي). اما عن اصدارات الرابطة فاهم الكتب التي صدرت: الفلسفة السياسية المعاصرة من الشموليات الى السرديات الصغرى- مدرسة فرانكفورت النقدية : جدل التحرر والتواصل والاعتراف- فلسفة الدين - فلسفة اللغة- فلسفة التاريخ - هايدغر في منظار عصره - ادوارد سعيد فضلا عن اعمال فردية اخرى لاعضاء الرابطة ومن اهم الملتقيات والندوات التي اقمناها هي: الملتقى الفلسفي الاول للرابطة بعنوان: ( السؤال السياسي وخطاب الحداثة ومابعد الحداثة) وندوة : ( التراث العر بي وتحديات العصر ).

* لفت انتباهنا كتابكم الموسوعي الضخم : الفلسفة والنسوية، متى بدأ العمل عليه وكيف تم انجازه ومن اهم المشاركين فيه؟

_ بدأت الفكرة في انجاز هذا الكتاب لمسوغات عدة منها، اندثار الاهتمام بالفكر الفلسوي النسوي وسطوة التمركز الذكوري واحتكاره للقول الفلسفي، مما حدا بنا الى ان نسلط الضوء على هذه الاشكالية ومن ثم البرهنة على ضدها من خلال الكتابة عن فيلسوفات من اليونانية الى المعاصرة ، شارك في العمل مجموعة من الاكاديميين العرب من العراق الى المغرب مرورا بتونس والجزائر والسعودية.

* أمام المد السلفي الذي يحمل هذه الثيمة وهي التمركز الذكوري، كيف تجدون تقبل الكتاب وجدية وجرأة إطروحاته؟

_ يمثل الكتاب كما قلت لك انعطافة في الكتابة الفلسفية العربية، وبالتأكيد سيأخذ ردود افعال ناقدة من كل مدعي هذا التفوق الجنسي، لكننا نعلم مقدما هذا المعرقل، وقد عالجناه باكثر من محور في الدراسة، لكن يبقى الواقع متعلقاً بمدى الاستجابة الحقيقية للمكافىء من القول الفلسفي النسوي.
واذا علمنا ان النسوية انما تعمل من اجل استدعاء الكوني/ الانساني لانجاز فهمها وافهام الاخر بان المرأة هي ذلك الجزء الند لجزئية "الرجل" في كل "الانسان" الذي يلزمه الفهم الحقوقي الكافي للخلاص مماتكابدنه من حيف وظلم في اطار انجاز ذلك الكل وعدم تهشيمه لذاته بيديه، وتعمل الفلسفة محاكية للكوني في جنباتها: انه الانسان، خارجا عن قوالبه التي خلقتها التقاليد الهوياتية من دين او مذهب او عقيدة او طائفة، او تنشئة اجتماعية او بيئة ثقافية، بل وكل محددات الهوية، وكل مصنعات النوع. فمن ذلك تتبين اهمية محاولات فك السحر عن العالم "بلغة فيبر" بوصفات نقدية –فلسفية، وفك السحر عن فهمنا للمرأة، وكشف المتوهمات فيه يحدو بنا الى توظيف كل اليات وادوات القول الفلسفي من تأمل وتحليل ونقد وعقلنة، من اجل ان تحقق تلك النشدانات التحرر. والمطلبان يضعان لبنات التأسيس لمفهوم الفلسفة النسوية ومعناها.
ها نحن اذاً امام فضاء من التقاطعات: تمثله مناطق "الكوني" و "التحرر" و "امكان ان نكون؛ بوصفنا مشاريع نخلقها ونتممها نحن". ها نحن، إذاً، في مقام تناسٍ أو نسيان آخر حصل عمدا أوسهوا في تاريخ الفلسفة! إنَّه المرأة.
ومهمتنا هي فضح: النسيان وكشفه، والازدراء ونقضه، والتمركز ونقده.
والمصطلحان يتضايفان (النسوية والفلسفة) فتنير تلك الشعلة التضايفية اشكاليات عديدة، تتجلى في سؤال الكل والجزء: هل النسوية تتضمن فلسفتها -سؤال امكان التفلسف النسوي؟، ام ان الفلسفة في ملامستها الكوني دائما هي ما تستدعي وصفة الكلي والعام لتضمن تحتها النسوية موضوعا وواضعا؟
لعل الأمر ليس بذاك القدر من الخطورة، إلا اننا لابد ان نفهم ان الانطلاق من النسوية نحو الفلسفة ليس الانطلاق عينه من الفلسفة نحو النسوية! ففي الحال الاولى نجد ان المرأة تقتحم عالم القول الفلسفي وانتاجه في مقابل طلبات بالاعتراف والاقرار، بسبب الاحتكار الذي ينشط لدى المركزية الذكورية الفلسفية المهيمنة على ذلك الانتاج؛ كما انها قد لاتكتنز في داخلها روحية الكوني فتدخل ذلك الحيز بهاجس من رد الاعتبار ومكافحة الازدراء و...، بينما في الحال الثانية نجد باب الفلسفة أرحب لأن يكون مدخلاً لتضمين النسوية الفاعلة (المنتجة للقول الفلسفي) وذلك لخلاصها وانعتاقها من هموم الضحية من جهة ومن جهة اخرى لان الخطاب الفلسفي شمولي/ كوني لايحتاج الى اعتراف جنسي، وحينها ستكون افضل حالاً كترحيب بالنسوية بوصفها حقلاً فلسفيّاً.


* حول ازمة العقل العربي، وتقولبه او عدم جاهزيته دوما في المواكبة للمقول الفلسفي والابداعي الغربي، كيف يمكنكم ان تقدموا رؤية توضح وتضع حدودا راسمة لقسمات المنجز الفلسفي العربي اليوم؟

_قدمنا رؤية واضحة لمشكل العقل العربي وميكانزمات تفكره وتحركه، ولاسيما في موقفه من تراثه وامكانيات حضوره في معاصرته، وكأننا أمام عقلين: العقل الغارق والعقل المارق. والأول هو من يجد في التراث مسكنا، أو بحراً يغوص فيه بل يغرق في أعماقه. بينما الثاني هو العقل الحداثي الذي طبيعته وماهيته الرئيسة هي القطيعة والفحص والنقد المستمر الذي لا يدع لكل راسخ مقاماً، بل كل الأبنية تحضر لديه على طاولة المساءلة. وفي الأول تتضح الأحكام المسبقة التراثية وكأنها ضرورات للفهم. بينما هي للعقل الثاني تظهر بصفتها أكنة تمنع الفهم.
وثالث ما يحمل صفة "بدوية المعنى وفلسفة التجول"، انه نتيجة تعدد المسارات من جهة، وارتحال المعنى بين لحظة وأخرى من جهة أخرى. وهنا يظهر العقل الثالث بعد الغارق في التراث، أو المارق عليه . وهو العقل الفائق: المتجاوز لهذه الإشكالية، والباحث عن كل محطة معنى.
وبالتالي فنحن امام فض فضيع لاشكالية افضع، وهي كيف يمكننا ان نتجاوز هوية ليست لنا؟ ان الـ مانحن ؟ هو السؤال الذي يجعلنا نبحث فيه بطريقة براجماتية تعيد مصلحتنا وتوزن قيمنا، وذلك ما يشغل ذهني اليوم.

* هل من الضرووي على العقل العراقي الذي ينشد العقلانية ان يمر بمرحلة تمهيدية تقبل التنوير بداية؟

_ لابد لنا ياصديقي ان نفهم ان العقلانية هي اس التنوير وقاعدتها الاولى، لكن ان نتمسك بالتنوير بما تشكل عليه غربياً بحذافيره لايعني اننا انتجنا عقلانيتنا الخاصة، والدليل ان هنالك كثياًر من الشعوب استطاعت ان تصنع هوية وعقلانية وتقدماً تقنياً وعلمياً دونما الرجوع للمثال المركزي الغربي باوربيته وامريكيته، ولايعني ذلك عدم جدوى هذه النماذج، انما اقول انه من الممكن ان نخلق فضاءات ابداعية خاصة بنا تتيح للمختلف في بيئتنا نفسها ان يقبل المنتج بوصفه متعلقاً بالاصالة ولايتوانى عن نشدان العصرنة. ومن هذه الامثلة : اليابان.

* هل هنالك اي قيم فلسفية للثورة العلمية والتقنية في العراق؟

_ لاتوجد ثورة عملية وتقنية في العراق، مايوجد هو استيراد تقني لمنتج حضاري متفوق لايمت بصلة لنا كمبدعين له، وانما كمستهلكين، وهنا اتكلم بلغة السوق، نعم نحن مستهلكين في الكثير من قسمات حياتنا الفكرية والاقتصادية وحتى النتاج السياسي.


* وهل هذا يقودنا للتساؤل المعروف عن امكانية امتلاكنا لفلسفة خاصة بنا أم اننا سنبقى ننقل فلسفات غربية ونستنسخها؟
_ بالنسبة للفلسفة لايمكننا الحديث عن منتج وطني واخر لاوطني او فلسفة خاصة بنا دون غيرنا، فالمقول الفلسفي برمته هو مقول كوني، او يلزم عليه ان يكون كونها لان موضوعه الانسان وازماته حسب عصره، فالفلسفة بوصفها موقفا نقديا وعلائقياً يفضي لتحليل وتركيب وبناء او نقد الحال الانسانية انما هو يحاكي مانحن عليه بوصفنا الانسان، وكما قال المفكر التونسي المسكيني: يجب ان نخضع لمنطق الحيوي لا منطق الهووي، ويقصد به منطق الانسان الحي الكائن املفكر المهموم بنضاله الانوجادي في هذا العالم لا ماتنتجه عليه هويته من قولبة وتحديد للفكر، وبما ان تاريخ الفلسفة نفسه فلسفة، اي اننا نؤمن بالتراكم الفلسفي منتجا نصيا "او خطابيا" فاننا سنقبل بكل ماينتج في غرب او شرق هذه الارض لاننا لانعير للحد الجغرافي اهمية، الا بالقدر الذي يصبح فيه انتاج هذا المقول احتكاراً او شعوراً بالتفوق والتمركز وبالتالي اقصاءنا وتهميشنا فحينها علينا ان لانلعنهم وانما ان نقدم مايوازيهم او يخترق فضاءنا وفضاءهم بوصفنا جزءً حاضرا وفاعلا في هذا العالم...

*وهل ترى أن هنالك أزمة على وجه الخصوص في العراق تعتري المثقف والثقافة العراقية؟
_ نعم هنالك ازمات لا ازمة، لكننا يمكن أن نعزوها الى المنطق الحاكم لتحركات ومسارات الثقافة والمجتمع العراقي، واقصد: اننا حينما نركز في واقعنا المعاش سنجد ثنائيات حاضرة يجب ان نلتفت لها وفضح رداءتها، وهي:
1- الاستحمار والاستهتار
2- السادية والمازوخية
3- اللامبالاة والتطرف

فالنظام السياسي وقابلية الاستهتار.والمجتمع وقابلية الاستحمار. ساهما في صناعة الشمولية، والنظام بقبحه وخرقه لكل قواعد اللعب والجد وبالتالي ساديته، والمجتمع باستعداده المازوخي لتقبل الجلد والتعذيب وبالتالي الاستحمار والبلاهة تجده يتحول لجمهور لامبال. صنعا نوعا من التطرف من جهة ولامبالاة من جهة اخرى.
وطبقا لهذه الثنائيات الحاكمة نجد ان الثقافة العراقية انساقت تحت مطرقة النظام وضاعت في لامبالات المجتمع، فاصبح القول الثقافي ترفياً له، وبالمقابل لاجدوى منه في حسابات السلطة.

*ماحجم الامل لديك في تحقيق مجتمع فاعل ومدني يستطيع ان يستعيد عافيته التي ترتبط بجذوره وإمكانيته؟
- لايمكننا ان نكون واقعيين، في خضم حالات "فوق الواقع" التي نشاهدها ونعيشها اليوم، بل لايمكننا ان نكون لكي نأمل. ان تحقيق وجودنا اليوم في قبال كل حركات المد الاصولي والعنف وتيارات المقاصل، هو رهاننا. فما نأمله متوقف على مايمكن ان نكون اولاً. وبعد ذلك فالكلام في مقومات المجتمع المدني تأخذ مجراها، وهي لدينا تتلخص فيما افترضه ماكس فيبر : في ان المجتمع الحديث هو من يستحق نظاماً دستورياً او قانونياً – ديمقراطياً.
وذلك يعيد فحص واختبار واقع مجتمعنا ، هل تحررنا من سطوات التخلف القبلي او التطرف الديني او اسسنا لذلك التحرر؟ هنا يكمن الامل. وسؤالكم هنا يخضع لتراكمية تحتاج تاريخ وتجارب وحالات فداء نوعية وكمية. واقصد اننا يمكن ان نأمل في حال كنا ومن ثم اسسنا لهذا الافتراض وهو المجتمع المدني الفاعل. واما الشطر الثاني من سؤالكم : في العلاقة بالالجذور بوصفها باعثا للفاعلية، فدعني اجعل العبارة ادق بقولي ان الجذور بتجاربها التاريخية لاتعطي الدلالة الفاعلة لمجتمع حر وفاعل والتاريخ العربي والاسلامي يشهد بحوادثه النفاياتية، اقصد مايستهجنه العقل والمدنية التي تنشدها وننشدها كأمل. لذلك يبقى الجذر لاعلاقة له بالامل هنا.
وكذلك فتحقيق مجتمع يقبل بانسيابية مقول الديمقراطية يفترض هو الاخر خلو تجاربه من الازمات او تجاوزه لها بسرعة وذلك ما لانشهده اليوم كذلك، فخذ ازمة الدافعية التي بدأت تتفاقم في الحس المشترك للعراقيين، فالاغلب بدأ ينسحب عن المشاركة السياسية بسبب اللاجدوى المتحصلة من وصول نماذج فاشلة سياسيا للحكم. فضلا عن ازمة الشرعية التي هي الاخرى بدأت تكبر طرديا مع الفشل السياسي الذريع للحكام العراقيين.

* أيمكن أن تحدثنا عن آخر عملين لكم" موسوعة الابحاث الفلسفية" وكتاب " "خطابات المابعد"؟

_ يعد كتاب موسوعة الابحاث الفلسفية من اهم الاعمال التي انجزناها في اطار رابطتنا العربية الاكاديمية للفلسفة، وكذلك على المستوى الفردي يعد من اهم اعمالنا المنجز تحريرا ومساهمة، وقد اتخذت هذه الموسوعة سبيل السلسلة البحثية، كانت حلقتها الاولى بمجلد الفلسفة الغربية المعاصرة الذي قدم له الفيلسوف علي حرب، ومجلدها الثاني الذي اشرف عليه صديقنا الدكتور اسماعيل مهنانة من الجزائر وتخصص بالفلسفة العربية المعاصرة وهو المجلد الذي صدّر له المفكر الدكتور فتحي المسكيني.
اما كتاب خطابات المابعد فهو كتاب راهن جدا ومهم في الوقت نفسه لاسباب عدة ،كتبت عنها في تقديمي له، وكان الاشكال الاساس الذي يدور حوله الكتاب : هل يحق لنا الكلام في الـ "مابعد" بوصفه تجاوزاً، في وضع فكري عربي لايزال يراوح في امكانية تجاوزه للـ "ماقبل" والقدامة؟! هذا إشكالٌ قد يضع الاصبع على الجرح النرجسي، الذي لايريد ان يندمل في تمسكنا بالبالي من تراثنا/ قدامتنا، فهاجس التقدم (الحداثي المنشأ) هو الذي دفع الحداثة لان تتجاوز مشروعيتها، بويلاتها المشخصة، ثم لتُجهز عليها. بينما لايزال الحنين يقتلنا ويغض ابصارنا ان بقي رمق من حياتنا عن تلك المقولة لاستهلاكها.
وقد اشرنا الى ان مباحث الـ"مابعد" تعيد لنا افق الامكان الانساني والابداع الحر فيه، ذلك لأنه يأخذ بايدينا بعيداً عن كل الشراشف القاتمة التي لاتنفك تظلل غرف معيشتنا التقليدية. واذا كان الفيلسوف هو من يحاول ان يجدد الاشكال- كما يرى ريكور- بغية فهم معوقات موضوعه وسبل المخارج منه، فإن الـ "مابعد" يعيد صياغة اشكال الفكر العربي الاساس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا