الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل والمنطق والفطرة السليمة

رامي رفعت

2013 / 11 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين اتابع نقاشاً بين اصحاب عقائد مختلفة او بين مؤمنين وغير مؤمنين بوجود الله غالبا ما تثار ثلاثة اسانيد لاثبات او نفي عقيدة ما او مفهوم معين :
هذا الدين لا يتعارض مع العقل – هذا الدين يرفضه العقل .
وجود الله يتفق مع المنطق – المنطق يقول انه لا وجود لله .
هذه العقيدة تتماشى مع الفطرة السليمة – هذه العقيدة تتعارض مع الفطرة السليمة .
مما جعلني الاحظ ان المتحاورين يستخدمون ثلاثة اشياء لجعل كلامهم مقبولا عند الطرف الآخر وهم العقل والمنطق والفطرة السليمة وهو ما كنت اتقبله سابقا على انه شئ مسلم به ، لكن مع الوقت اصبحت اشك في هذ المسلمات وبدات اتسأل هل هناك تعريف محدد للعقل والمنطق والفطرة يمكن على اساسه قياس مدى توافق الشخص مع هذه التعريفات ؟ في الواقع لم اجد اي تعريف محدد ولا اعني بالتعريف هنا المعنى اللغوي لتلك الكلمات لكن تحديد سمات او افكار يمكن على اساسها معرفة هل هذا الشخص منطقه سليم ام لا على سبيل المثال .

اولاً : العقل
كل شخص منا لديه عقل – او على الاقل هذا ما نعتقده – يفكر به فيما يطرح امامه من مشاكل ويساعده على اتخاذ قرارته اليومية العادية والمصيرية التي قد تحدد حياته ، لكن هل جميعنا لنا نفس العقل ؟ هل عقلي مثل عقل غيري ، وان لم يكن فكيف نقيس العقول ، هل بالجيد والردئ ام بالسليم و الخاطئ ؟ لا اعتقد ان هناك عقل يشبه الآخر ولا اعتقد انه يمكن تقييم العقول في كافة مجالات الحياة ولا اعتقد انه هناك معايير مطلقة يمكن من خلالها الحكم على العقل . ان عقولنا ليست على حالها منذ نولد بل هي تزداد قدرة على اتخاذ القرارت وتحليل المعطيات عن طريق الخبرات التي نمر بها والمعلومات التي نحصل عليها والمسلمات التي نضعها ليسير عقلنا على اساسها ، تلك الاخيرة تحديداً هي التي اعتقد انها موجودة وان كنا لا نعلمها في بعض الاحيان . بل ان افتراض ان العقل يصدر قرارته دون تأثير من مشاعرنا وما ترسب في عقلنا الباطن من ثوابت قد لا نستشعرها حين نفكر فيه مغالطة كبيرة في رأيي .
لذا فان كلمة ان هناك دين يتعارض مع العقل او يتفق معه بها عدة مغالطات ، اولا انه لا يوجد تعريف مطلق للعقل يمكن على اساسه معرفة ما يتفق وما لا يتفق معه ، ثانيا افتراض ان الدين شأن عقلي مجرد لا علاقة له بالنفس والقلب واللذان يؤثران وبشدة على ايمان الشخص بمعتقده ، ثالثاً ان العقل اذا تعامل مع الدين بمنظور علمي بحت فسنجد هناك اشياء كثيرة يعجز العلم عن اثباتها اولها وجود الله في حد ذاته وازليته وابديته ووجود يوم حساب وجنة ونار وغيرها من الامور الغيبية التي يذخر بها اي دين ولا مجال لادخال العقل فيها والحصول على نتائج ايجابية الا اذا حددنا للعقل متي يعمل ومتي يصمت ويقبل ما يعطى بدون نقاش وهو ما يقودنا للمغالطة الاخيرة وهي افتراض ان العقل يعمل بشكل مستقل عن تكويننا النفسي وما استلمه على مدار السنين من مسلمات اصبحت ( فلاتر ) ثابتة تعتبر هي مرجعيته في قبول اي فكرة واردة عليه . وهو ما قد يفسر لماذا نجد اغلب من تربوا تربية دينية قائمة على التلقيين يظلون في حالة سلام نفسي مع عقولهم ودينهم لان ببساطة عقولهم قد شكلتها تربيتهم الدينية مما يجعل اي امر غيبي او فريضة بلا سبب واضح لها مقبولة تماما ولا تثير الشك في عقولهم .
هناك مقولة لابن رشد (لله لايمكن أن يعطينا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها ) وهي اراها جملة غير معبرة عن مدى ملائمة الشرائع للعقول ، لانه ان كان الله اعطانا عقولا فقد اعطانا المادة الخام لتلك العقول اما بنائها وتزويدها بالمعلومات وطرق التفكير فقد كانت مهمتنا نحن . فمدى ملائمة الشرائع الدينية او التوجهات الفلسفية لنا في فهم الكون تعتمد على الكيفية التي انشأنا عقولنا بها وليس عقولنا في حد ذاتها .

ثانياً : المنطق
اذا كانت عقولنا ليست متشابهة فانه سيكون من البديهي ان يكون منطقنا ليس كذلك ، فمنطق الاب والام يختلف عن منطق الابناء ومنطق الرجل العسكري يختلف عن منطق الرجل غير النظامي ومنطق الرجل الاوروبي يختلف عن منطق الرجل الافريقي وهكذا . لان ببساطة المنطق ايضا يتأثر بشدة بكل العوامل التي تؤثر على العقل في اتخاذ قرارته بل ان افتراض ان المنطق غير العقل لا اراه معبرا ، فالمنطق عبارة عن طريقة لاستنباط الاحكام بناءا على المعطيات المتاحة أي انها عملية عقلية بالتبعية وليست منفصلة عن العقل . واشعر ان وضع العقل والمنطق على مسافة متباعدة والتعامل معهما على انهما شيئان منفصلان وبالتالي دليلان دامغان على صدق المتحدث باسمهما يعتبر نوع من التضليل واشعار الطرف الآخر ان الاسانيد العقلية كلها تقف في صف واحد وهو صف الطرف الاول .
لهذا ايضاً فان اغلب اتباع الديانات يجدون ديانتهم تتفق تماما مع المنطق على الرغم من الاختلافات فيما بينها لا لشئ الا لان منطقهم بالاساس نتاج دينهم ومسلماته .

ثالثاً : الفطرة السليمة
انا لا أؤمن بوجود ما يسمى الفطرة السليمة ، ربما يوجد فطرة فيما يتعلق باحتياجات الانسان الاساسية وان كنت اعتقد ان تلك تعتبر غرائز وليست فطرة لكني لا أؤمن بالفطرة العاقلة التي تقبل ما يتفق معها وترفض ما يتعارض معها . الكثيرون يتحدثون عنها كانها حقيقة دامغة ووضعها في جملة تجعل ما يليها من حقائق الحياة ، فتارة نجد ان الفطرة السليمة تؤمن بوجود الله وتارة اخرى تؤمن بدين معين دون الآخر . في رأيي اذا اردنا التاكد من وجود مثل تلك الفطرة هو ان نضع بعض الاشخاص منذ ولادتهم في جزر منعزلة ثم نتركهم حتى الجيل الثالث مثلا ثم نعود لنعرف ماذا توصلوا اليه من قناعات ، مع العلم ان حتى تلك التجربة لن تكون معبرة لانهم لن تتاح لهم ما اتيح لنا من علم مما قد يجعل اغلب فطرتهم عبارة عن خوف من مجهول او تصورات فردية وليست افكار عامة .
انا ارى ان العقل والمنطق والفطرة وكل تلك البراهين التي يحتج بها البعض ليست مطلقة في ذاتها وليس لان مجموعة اشخاص وجدت امرا ما متفقا مع العقل والمنطق ان جميع الناس ستوافقهم فيما وصلوا اليه ، العقل نسبي ومعرفته نسبية ووضعه كمعيار لتقييم ما هو مطلق هو اما خداع للنفس او عدم فهم لدور العقل .

لكن اذا كان العقل والمنطق والفطرة مقياسا لمعرفة الحقيقة فما هوالسبيل لمعرفتها ؟
اذا توصلنا الى قناعة مفادها ان الحقيقة نسبية وليست مطلقة فذلك هو السبيل لمعرفتها ، بمعنى ان كل شخص يستطيع ان يبحث قدر ما يستطيع وان يحاول ان يكون موضوعيا قدر ما يستطيع حتى يصل الى الحقيقة التي اقتنع بها او بالاحرى ارتاح اليها . تلك الحقيقة عليه ان يعلم جيدا انه توصل اليها بناءا على عدة نقاط هي سبب جعلها نسبية في رايي :
1 – بعد ان اوردت وجهة نظري في ان العقل والمنطق ليست ثوابت عند كل البشر ، هناك ايضا الشق النفسي الذي يختلف من شخص لآخر وهو يدخل في عملية البحث عن الحقيقة .
2 – مفهوم الحقيقة في حد ذاته مفهوم نسبي لان الشروط التي نضعها للتفريق بين الحقيقة والوهم خاضعة لعقولنا ومورثاتنا وثقافتنا
3 – هناك عامل غيبي يدخل في الامور الدينية واعتباره حقيقة وفطرة ام هو احتياج قد يكون صعباً ، كمثال بسيط وجود الله في حد ذاته . كثير منا لديه احتياج لوجود الله ، الشعور بأن هناك قوة لا متناهية خلقت الكون بما فيه تهتم لأمرك ، بأنه اذا ضاقت بك السبل فان المتحكم في كل السبل سيجد لك الحل ، بأنك اذا افسدت حياتك فهناك من سيعطيك فرصة اخرى ، بان كل اخطائك هناك من هو قادر على محوها لك ، بان هناك سندا لك في وقت الشدة ، لذا اغلبنا يجد الله منطقيا ليس في ذاته انما فيما يقدمه للمؤمنين به . لذا لا استغرب من يقول انه من غير المنطقي وجود اله – بعيداً عن العلم – لانه قد يرى ببساطة ان ما يقدمه من شعور زائف للمؤمنين بوهم وجوده بالاطمئنان هو شعور اتكالي لا اكثر لكي يعلقوا عليهم اسباب نجاحهم او فشلهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني


.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح




.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي




.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل