الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقابات الامريكية تسعى لاسترجاع نفوذها

اساف اديب

2005 / 6 / 4
الحركة العمالية والنقابية


نقاش حاد في النقابات الامريكية عشية انعقاد مؤتمرها في تموز المقبل، حول اسباب الازمة العميقة التي تتجلى في انحسار نسبة الاعضاء الى 13%، وسبل مواجهة هجمة الادارة الامريكية على ما تبقى من مكتسبات العمال الاجتماعية؛ نفس الاسئلة تطرحها اليوم ايضا النقابات الاوروبية، بعد جمود طويل بسبب "العمل النقابي ضيق الافق"، ما يشير الى بداية نهضة للحركة العمالية.

اساف اديب

نقاش مثير وحيوي يعتري في الاشهر الاخيرة اوساط النقابات الامريكية، مع اقتراب موعد مؤتمر اتحاد النقابات الامريكي

(AFL-CIO)المزمع عقده بمدينة شيكاغو في تموز المقبل. موضوع النقاش هو سبل اعادة الحياة والقوة للنقابات واخراجها من ازمتها التي تتجلى في انحسار نسبة اعضائها من 30% من قوة العمل الامريكية في الخمسينات الى 13% فقط اليوم.

ضعف النقابات يبرز اكثر ازاء الهجمة اليمينية التي يقودها الرئيس الامريكي، جورج بوش. فبعد فشلها في انجاح مرشح الحزب الديمقراطي، جون كيري، في انتخابات تشرين ثان (نوفمبر) 2004، رغم تجنيدها اعضائها لهذا الغرض، وجدت النقابات نفسها في حالة من التخبط وفقدان الاستراتيجية، واعتبرت هزيمة المرشح الديمقراطي هزيمة لها.

على هذه الخلفية بدأ اجماع يتشكل في صفوف الحركة النقابية الامريكية، بانه دون تجنيد الطاقات العمالية وبلورة استراتيجية ناجعة لاعادة بناء قوة النقابات، فما ينتظرها هو التهميش.

تراجع نفوذ النقابات في السياسة الامريكية بدأ عمليا في الثمانينات، عندما شنّ الرئيس ريغان حملة ضروس ضد نظام دولة الرفاه، ادت تدريجيا لكسر النقابات وتحرير رأس المال من قيوده. في النظام الاقتصادي والاجتماعي الجديد لم تعد الدولة تحمي الصناعات المحلية، مما سمح باغلاق المصانع ونقل الانتاج لبلدان اخرى. النتيجة المباشرة كانت ارتفاع نسبة البطالة، وضعف النقابات التي بدأت تفقد اعضاءها.

خطة بوش الحالية للقضاء على برامج التأمين الوطني وتقليص التأمين الصحي، هي مثابة إتمام للعملية المستمرة منذ فترة ريغان. وهي لا تهدد فقط بالاتيان على ما تبقى من مكانة النقابات، بل بجر الطبقة العاملة الامريكية برمتها نحو كارثة اجتماعية حقيقية.



بدائل تنظيمية

احد اسباب النقاش المذكور، هو التنافس على منصب رئاسة الاتحاد العام للنقابات الامريكية. التحدي الماثل امام الرئيس الحالي، جون سويني، هو رئيس الكتلة النقابية الكبيرة اندي سترن. ويقود سترن نقابة عمال الخدمات، ونقابة السائقين القوية "التيمستيرس" ونقابات اخرى.

عملية النقاش والتفكير بدأت في آب 2004 في مؤتمر نقابة عمال الخدمات، باعلان سترن ان الوقت حان لطرح جدول عمل جديد لاتحاد النقابات الامريكية، واعادة النظر في مواقفها، بما في ذلك التحالف التاريخي بينها وبين الحزب الديمقراطي. وفيما بعد قامت نقابة الخدمات بتشكيل كتلة موحدة من عدة نقابات، وطرحت برنامجا تفصيليا لاتحاد النقابات الامريكي تحت شعار "توحدوا تنتصروا". (Unite to Win)

برنامج سترن تنظيمي في جوهره، ويتمحور حول كيفية تجنيد اكبر عدد من العمال للنقابات. وينص الاقتراح على تخصيص نسبة اكبر من الموارد والميزانيات للعمل النقابي الميداني، ونسبة اقل للمكتب المركزي لاتحاد النقابات ولنفقاتها في مجال بناء العلاقات وتمويل الكتل الضاغطة على السياسيين.

كما اقترح سترن اتخاذ اجراءات اجبارية لتقليص عدد النقابات المستقلة في الاتحاد، من 57 نقابة الى 12. ويعني هذا دمج النقابات القائمة في نقابات مركزية، لتعزيز التنسيق النقابي والتمكن بذلك من مواجهة قوة الشركات الكبيرة بقوة نقابية كبيرة.

وقد اتهم سترن الزعيم الحالي للاتحاد العام للنقابات، جون سويني، بالمسؤولية الاولى عن تراجع دور وقوة النقابات. هذا علما ان سويني يأتي من نفس نقابة سترن، وقاد قبل عشر سنوات حركة تصحيحية مماثلة تحت شعار "تنظيم المزيد من العمال وتوسيع صفوف النقابات".



السياسة اولا

ولكن يبدو ان محاولة إحداث انقلاب على سويني، ليست بالامر السهل. في المواجهة الرسمية الاولى بين كتلة سويني وكتلة سترن، في اجتماع اللجنة التنفيذية الاخير قبل المؤتمر (اواخر شباط 2005، في لاس فيجاس) تمكن سويني من اثبات سيطرته على الاتحاد، بعد فوزه باغلبية 60% مقابل 40%.

مقابل الاقتراحات التنظيمية التي طرحتها كتلة المعارضة، اكد سويني في تقريره على ضرورة تجنيد القوة السياسية لضمان الاغلبية ضد اصلاحات بوش، وخاصة لصد هجمته في مجال التأمين الوطني والصحي.

في ورقة العمل التي عممتها القيادة الحالية في نيسان (ابريل) الماضي بعنوان "لننجح من اجل العائلات العمالية"، يكتب سويني ان مهمة توسيع الصفوف وزيادة تأثير النقابات تتطلب "التركيز على مهمتين مترابطتين، الاولى مساعدة النقابات المختلفة في تعميق التنظيم النقابي، والثانية تجنيد العمال لضمان القوة السياسية والتشريعية التي تؤمّن مستقبلنا".



تفادي مسألة الحرب؟

الكتلتان المتنافسان على قيادة الاتحاد لا تختلفان جوهريا. سويني وسترن لم يناقشا بجدية الموضوع الذي يسيطر على حياة امريكا منذ اربع سنوات، الارهاب والحرب على العراق.

في كتابه عن النقابات الامريكية (بعنوان: الانتفاضة العمالية القادمة)* يذكر الباحث دان كلاوسون، ان انخراط النقابات الامريكية في الحركة ضد العولمة كان نقطة تحول ايجابية هامة. فقد شارك 30 الف نقابي في مظاهرات سياتل التي تمكنت من افشال مؤتمر منظمة التجارة العالمية في تشرين ثان عام 1999.

الا ان كلاوسون يؤكد ايضا انه منذ الهجمات الارهابية على نيويورك وواشنطن في 11/9/2001 طرأ تراجع كبير على موقف النقابات من الحركة المناهضة للعولمة. في المظاهرات الكبيرة التي اجتاحت العالم كله ضد الحرب على العراق في 15 شباط 2003، لم تشارك النقابات الامريكية بشكل فعال.

التنظيم الابرز الذي يطرح موضوع العراق، مجموعة العمال الاميركيين ضد الحرب (USLAW)، يضم في صفوفه مئات النشيطين في مستويات قيادية ميدانية ونشيطين من اليسار، الا انه يفتقد القدرة على التأثير على مجرى الامور في قيادة التيارين المتنافسين على قيادة الاتحاد.



مطلوب نقابات مع رسالة

تخبط النقابات الامريكية في ازمتها الحالية، نابع من تحالفها طويل الامد مع الطبقة الحاكمة الامريكية، على المستوى المحلي والخارجي. بدل طرح موقف مستقل عن سياسة الحرب الباردة، انخرطت القيادة النقابية الاميركية في الحملة الامريكية ضد الشيوعية، وتعاونت بشكل فعلي مع وكالة المخابرات الامريكية (CIA) في إحداث انقلابات ضد الانظمة التقدمية والثورية في دول امريكا اللاتينية.

التحول المطلوب اليوم في قيادة ونهج النقابات لاخراجها من ازمتها، لا يمكن ان يقتصر على اصلاحات في الاطار التنظيمي او تنسيب الاعضاء. المطلوب هو رؤية مناهضة للامبريالية الامريكية، تعيد النظر في التجربة القديمة الفاسدة على المستوى السياسي والتنظيمي. البرهان الاكبر على محدودية برنامج الاصلاح التنظيمي الذي تقترحه المعارضة الحالية، هو فشل نفس البرنامج الذي اقترحه سويني قبل عشر سنوات.

حسب الكاتب كلاوسون، ما يمكن ان يؤدي الى نهضة نقابية جديدة هو حدث تاريخي كبير في حجم الازمة الاقتصادية من عام 1929، التي رفعت نسبة البطالة الى 33%، وشكّل هذا نقطة انطلاق لحركة نقابية تقدمية غيرت وجه امريكا. في حالة حدوث ازمات كبرى كحرب مثلا، ازمة اقتصادية، سلسلة من الفضائح المالية في الشركات، كارثة بيئية او صحية خطيرة، او هجوم حقيقي على التأمين الوطني، فيمكن ان نتصور تحولا كبيرا في وعي العمال، يقود الى حركة انضمام واسعة النطاق للنقابات.

عن ضرورة فك الارتباط بين النقابات ورأس المال، وطرح نهج نضالي يساري جديد كشرط لا غنى عنه لاعادة الحياة والحيوية للنقابات، يتحدث ايضا جيري توكر، مسؤول نقابي سابق في نقابات عمال السيارات. في مساهمته في النقاش الحالي، يصف توكر نهج النقابات الامريكية في الخمسين عاما الاخيرة بانه "عمل نقابي ضيق الافق" (Business Unionism)، ويقول انه حان الوقت لوقف التعاون مع رأس المال وفك الرابطة بين مصير العمال وبين نجاح الشركات.

للنقاش الدائر في النقابات الامريكية اهمية كبرى، اذ ان الاسئلة نفسها تطرحها ايضا النقابات الاوروبية ايضا. فهذه الاخيرة، عانت لسنوات طويلة من نفس الداء الذي اصاب النقابات الامريكية، وهو مرض "العمل النقابي ضيق الافق" والتعاون مع رأس المال.

الثورات والتغييرات الكبيرة لا تأتي بارادة حرة من الافراد والقيادات، بل نتيجة ازمات كونية تهز كل اركان المجتمع وتجبر الجميع على اعادة التفكير في حياتهم العادية وسبل ضمان المستقبل. نهج بوش الرأسمالي العنيف الذي يقود العالم الى كوارث اقتصادية، لا يقفز عن العمال الامريكيين الذين بدأوا لاول مرة يقلقون على مستقبلهم.

النقاش الدائر اليوم هو بداية هامة، ومع الوقت وتعمق الازمة ستطرح ايضا اصوات اكثر جذرية، وتبرز قيادات جديدة تقود الطبقة العاملة كقوة اجتماعية وسياسية مستقلة عن الاحزاب الرأسمالية بما فيها الحزب الديمقراطي الذي تحول الى قفص للطبقة العاملة الامريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يغازل الطبقة العمالية مستغلا انشغال ترمب في مارثون الم


.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون




.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس


.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا




.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل