الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعترافات عاقلة لإمرأة مجنونة

طالب عباس الظاهر

2013 / 11 / 15
الادب والفن


أدرك جيداً يا نصفي الرائع مقدار ما سببه انسحابي المفاجئ دون استئذان من ألمٍ مبرح لك، وما تركه في رهافة حسِّك الشاعري من خدش قد لا يندمل بسهولة... بل وما حفره تصرّفي في قلبك من جرح، مع إنك لا تستحق مني إلا الحب والتقدير... لا تعتقد بأني لم أدرك مغبة ما أقدمت عليه، لكنه ربما المرُّ الذي لا يقود إليه سوى الأمرُّ منه.
ورغم إني خارجة من رحم بيئة تكاد تضفي على بعض تصرفات الرجل وشاح القدسيَّة ... إلا إن قراري ذاك ربما فيه بعض بوادر تمردي على مثل ذلك الواقع، وتمزيقي لشرنقة قيده الحسِّي في ذاتي، فما باليد حيلة لوقف شلالات نزيف، إلا أن أتصرَّف بما تصرفت، فتطابقنا في الرؤى قد أضرم النار في الهشيم بهذه السرعة والقوة، أذهلتني المفاجأة وبدوت غريبة عني... يستغرب بعضي أحياناً تصرف بعضي، ولعلَّ تهرُّبي منكَ لا أفهمه إلّا هرباً منِّي ... خوفاً من انزلاقي، انزلاقنا... رويدا ... رويدا نحو حافة المجهول.
مجسُّ الأنثى في داخلي، وبوَحْيٍّ من خلفيته الدينية، ربما استشعر الخطر القادم... إنه حسٌ لا يكذبني أبداً، فأمسكتُ بلجامِ الجموحِ لمهرةَ نزقي وجنوني، وإن اضطّرني ذلك لأن أتركك مصلوبَ الفؤادِ على خشبةِ الإنتظار، تنهش في رأسك غربان الظنون... يا وطن روحي الشاعري.
ألَمْ أقل: يا نصفي الرائع، والآن يا وطن الروح ... ِلمَ إذن أحاول تبرير الموقف؟ هل من المعقول أن نتألم بنصف قلوبنا..! أو ننجرح بنصف وجودنا..!!
أحُسّكَ أقرب إليِّ من حبلِ الوريدِ، مع إن عمر تعارفنا قصير جداً بقياساتِ الزمن المادي ... فهل حقاً التقت أرواحنا في حيواتٍ أخرى... بزمانٍ ما، سحيقٍ أو مكانٍ ما، نائي كالرجع البعيد؟!
لكننا سنلتقي حتماً إن طال بنا الأمد أم هو قصر، لقاءنا السرمدي دونما ندم أو ألمٍ أو عتاب، لكن كيف ... متى ... أين؟ لست أدري، مع إنني واثقة بأننا سوف نلتقي في القمةِ أو القاعِ ... حينما تنزع أجسادنا رداء المادة الفانية، وتعود نقية كالضياء.
ومع كل ما قلت فلست نادمة على قراري الأخير لأني مقتنعة به تماماً، وإن لم أستطع معه الشرح، فقد عرفت أشياء كثيرة لا تعرف... بيد إني لا أعرف كيف أعرفها..! وإن عدم قدرتي على التعريف لن تزعزع قناعتي أو تثنيها.
ففي لحظةِ صفاءٍ روحيٍّ أو تشويشٍ عاطفيٍّ؛ بدأت أسائل نفسي: أيعقل أن أنهار أمام هبوب أول تيار للريح، رغم ظني المفرط قبلك بقوتي ليس الوقوف بوجهها فحسب، بل وتغيير اتجاهها أيضاً..!
راودتني الخشية، رغم إنك لم تفرض عليّ قناعة ما... وأتذكر جيداً إنك قلت لي ذات صفاء لذيذ : حينما لا تكوني مستعدة للتواصل؛ قولي فقط عن إذنك، وتعني بها مؤقتاً أو وداعاً للنهاية... هل كنت تعني فعلاً ما تقول؟
لكن فاتني أن أقول أحدهما لك، لكي تستريح فيك حرقة السؤال، بهجير الحيرة وزمهرير الاستفهام ... انسانيهما الشيطان، وفضّلت أن تتكلم معك نيابة عن حزني الأسطوري، بلاغة الصمت، وإيحاءات السكوت... ولست أدري هل وصلت لأذن روحك إيقاعاتها المـتألمة؟ وحرقة جرح روحها الغائر دون انتهاء؟!
أجل، قد تركت أبواب الاحتمالات مشرعة أمامي، وما زلت واثقة تماماً بأنك لن تحاول فرض أحدها مهما كانت درجة قناعتك بها، لأنك مؤمن بذاتك، ومؤمن إن لي أيضاً قناعاتي، ومن لا يحترم قناعة الآخرين؛ قطعاً لا يحترم في ذاته أية قناعة مهما كانت منطقية، ولكن أي منطق أتحدث عنه أنا الآن في لغة القلب ... أي منطق ذاك..!
بيد إن ذلك يحدث على فرض إننا عشاق حرفٍ، ومهوسِ تعبير... باختصار شديد مجرد مجانين، رأسنا في قلمنا، وحبرنا نبض قلوبنا، تقربنا رابطة الكلمة المجنحة، وينئى بنا سوء طالعٍ، مازال يجرجرنا للرحيل صوب خريف عمرٍ، لا يرحم تأخر طلوع وردة الحب في جدب سنوات العمر، وأفول زمن الأحلام ... فيدقّ الموت/ اليأس نواقيس الحذر في خلدنا، ويمنعنا من الإقدام تجاه المجازفة.
هل تبعثرت حبات الوقار من جباهنا؟ وهل سقط ماء الخشوع من عيوننا؟ بعد كل هذا العمر من العفة والالتزام؟!
فجأة اكتشفت ظهور أول أعراض الحب في سويداء القلب، وأحسستها تتفشى بين شغافه، كما في زمن المراهقة، حينما لمست في نفسي ميلاً عجيباً وملحاً لاعتزال الناس، لكي أفكر فيك مليا... كأني أنسف تاريخ نصف قرن من الحشمة، وعزمت المقاومة قبل استفحال الخطر، وأدركت أهمية أن أحوّل آلام الحب الى كلمات؛ ومعناه إنني أسير فعلاً على طريق الشفاء... الشفاء من جنون الحب، وجنوح العاصفة.
حسناً...الكتابة من زوايا متناظرة، أعتقد إنك من طرحت هذي الفكرة، ورغم عدم تفاعلي لحظتها؛ إلا إني فكرت بها بجدية... فهل ما أسطّره الآن يقع ضمن ما طرحته عليّ؟!
نعم، أدرك ما سببته لك من ألمٍ حق الإدراك، لأنه قبل ذلك وببساطة شديدة، تصرّف أدمى قلبي أيضاً، لعله قبلك... وربما بعدك، فبكيت ناراً ... تظلمني إن اعتقدت إن أمراً كهذا كان اتخاذه سهل عليَّ، فتطلب منِّي الاعتذار... جرحك جرحي، وجلادك جلادي ، ولكن أيطلبُ الألم اعتذاراً من سوط..!
ليس أمامنا يا توأم روحي إلا نعود كالغرباء... يفرقنا حب، ويجمعنا جرح ..!
قدرنا كما يبدو ان ننجرح في الصميم، لأنه حب خطأ في الزمان الخطأ والمكان الخطأ..! بل إنه في وضعنا انتحار أبيض، وولادة بين موتين أو موت بين ولادتين ؟!
كيف لي أن أشرح لك... شيء لعله أكبر من طاقة البوح في الكلمات... بل واللغة برمتها يشغلني..!
حسناً... حسُّ الأنثى في داخلي كما العصافير قبل هبوب العاصفة، استشعر عبر مجساته المرهفة جنون اللحظة القادمة، أومأ إليّ بالخطر في مجازفة الاستمرار، وأثم التقدم نحو الخطوة التالية.
كن واثقاً ولا تسأل ولا تستغرب .. ولا تسـ ...........!! لأنه حسٌّ لم يخذلني يوماً، ولن يخذلني كما لغتي اللعينة هذه دائماً..! فوداعاً... وداعاً حـبـ .. بيبي.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج