الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الشاعر والناقد جمال جاسم أمين

سعدون هليل

2013 / 11 / 17
الادب والفن


الشاعر والناقد جمال جاسم أمين
تحرير مفهوم الثقافة من (( المدونة)) الى الاجراء
حاوره:سعدون هليل

جمال جاسم امين مثقف متعدد في ابداعه الادبي، شاعر وناقد ورئيس تحرير مجلة ثقافية وفي اوج نشاطه الثقافي والابداعي وعالمه واسع ومتنوع. منذ ما يقرب من عشرين عاماً، وهو قد تجاوز الخمسين من العمر وعندما التقينا بعد سقوط النظام المقبور اول مرة وتحدثنا عن الثقافة ومستقبلها في العراق الجديد.
وجدت جمال يمتلك صفة المثقف العضوي بالمعنى الغرامشي، وجمال عضو اتحاد الادباء العرب. فاز بعدد من الجوائز الأدبية والعراقية والعربية. ترجمت بعض نصوصه الى لغات اخرى، وأسس رابطة "البديل الثقافي" 2005، يرأس تحرير مجلة "البديل الثقافي" صدرت له الكتب التالية: سعادات سيئة الصيت- شعر عام 1995، لا احد بانتظار احد- شعر، اسئلة النقد، نقد تحولات النص الجديد، بين الثقافة والكارثة- نقد، الاخطاء رمال تتحرك- شعر، وعي التأسيس- دراسات ثقافية، اصفاء قبل فوات المشهد- نقد، بحيرة الصمغ- شعر 2011.
ومن الحوار التالي نتعرف على جوانب من ثقافة الشاعر والناقد وآرائه في عدد من القضايا الابداعية المعاصرة..

* بشأن النشأة والتكوين , كيف تأسست شاعراً ؟
- الحديث عن البدايات مربك ربما لانها ترجع الى تعدد اسباب لا سبباً وحيداً وفي الشعر الأمر اكثر تعقيدا كأنك تسأل البلبل كيف تغرد ؟ تسأل الشاعر كيف تأسست شاعرا ؟ قد اعزو الامر الى عاملين يمكن الامساك بهما ، الاول تربوي اقصد النشأة عندما فتحت عيني على والد يساري النزعة ومكتبة لا اعرف ماذا تحوي في وقتها ، والدي كان من سجناء الرأي في العهد الملكي لا انسى حديثه كيف التقى ببحر العلوم والجواهري في سجون عتيدة مثل ( نكرة السلمان ) وسجن بعقوبة والكوت ، أخذ حصته من العذاب العراقي آنذاك ! لا انسى دهشتي طفلا وسؤالي كيف يسجن الانسان بسبب رأي او انتماء؟ اما السبب الثاني فيمكن ان اعزوه الى نوع طفولتي واصابتي المبكرة بالربو القصبي ، كانت طفولة متأملة انعزالية بعض الشيء ، بطيئة بسبب المرض وضعيفة على مستوى البنية ايضا ، ها انا ابتعد عن الاسباب الميتافيزيقية التي غالبا ما نعزو لها الهام الشعر ، لم اكن وقتها في وادي عبقر بل كنت في محلة ( الماجدية ) ذات الشارعين غير المعبدين ، ارض عطشى تحدها ثلاثة انهر : دجلة وفرعا المشرح والكحلاء ! كان افتتاني الاول بالقول الشعري لكن بقي علي كيف أنمي هذا الافتتان لاصبح شاعرا ، هذا الامر استلزم عمرا كاملا بدأ بحفظ مطولات الجواهري ولم ينته بنسيانها ليبدأ انبهاري بطروحات الحداثة التي ترجم اغلبها ادونيس فضلا عن اعتزازي بالشعر الروسي كمايكوفسكي وغيره من الكبار الروس .. هكذا تأسست كما اعتقد .


* ما العلاقة بين الابداع والنقد ؟ وكيف يمارس المبدع دوره في التنظير النقدي ؟ أي ماهية العلاقة بين المبدع ناقدا والناقد مبدعاً ؟
- من الظواهر المثيرة للجدل ظاهرة ( الشاعر الناقد ) وهي على ندرتها تستحق المداولة ، انا في اكثر من موضع فرقت بين ( شاعر النصوص ) وشاعر المشروع وقد يعتقد البعض ان مثل هذا التفريق يحمل انتقاصا من شاعر النصوص ، لا ابدا ، الشعر هو اولا نص وحتى المناهج النقدية لم تكن الا بتحريض نصي او على الاقل تحتاج شواهد غير ان شاعر المشروع له خصوصية ما ، هو شاعر بدءا لكنه يجد حاجة في فهم قوانين الشعرية او فهم روحها
فيتعمق في دراسة مناهجها اضافة الى ورشته الخاصة باعتباره شاعرا وفي هذا المنحى هناك محذور وميزة : المحذور ان يعمم هذا الشاعر الناقد نمط تجربته فيحسبها هي الاوفر شعرية او الاسمى في سلم وفضاء الكتابة لينظر بعدئذ في مدى مطابقة نماذج الاخرين لتجربته هو وهنا يصبح هذا الشاعر الناقد مسطرة قياس تغبن بالتأكيد حق الاخر في المغايرة ، اما الميزة فأنها تكمن في ان الشاعر الناقد اكثر خبرة بروح النص من سواه باعتبار ان النقد ليس علما فحسب بل هو ابداع ايضا .. هذا الايضاح لا يعدم ابدا نماذج من النقاد المبدعين من غير الشعراء لكن لو توفرت الفرصة لشاعر ما ان يمتلك عدة النقد وينتبه لمحذور تعميم تجربته الشعرية بوصفها انموذجا نقديا فأن الامر سينطوي على مزايا بالتاكيد ، انا شخصيا ازعم الانتباه لهذا المحذور حيث اقرأ كل تجربة في ضوء مناخها الخاص .. الشاعر الناقد قد يتعدى حدود الادب الى الثقافة مدفوعا بتحريضات جمالية تحتاج جهدا معرفيا لتكريسها وهنا تتخصب المعرفة بالجمال لتنقذ خطابها من التجريد المتعالي ولدينا امثلة كثيرة لعل ابرزها تجربة الشاعر العربي المعروف ادونيس .

* ما رؤيتك المستقبلية لدور المبدع في بناء مستقبل الثقافة العراقية ؟
- علينا اولا ان نحدد مفهوم الثقافة العراقية حيث يذهب الفهم في اغلب الاحوال نحو الانتاج الادبي والجمالي بكل اشكاله متناسين ان هذه الآداب والفنون ينبغي ان تكون ذات صلة بتحولات مجتمعية منشودة وهذا ما لم يحدث منذ الحلم الثقافي الستيني في العراق وهنا علي ان اصحح مسار السؤال بالقول ان مساهمة المبدع بمستقبل الثقافة العراقية ينبغي ان لا ينحصر بإضافة كم نصي الى منجزها الحافل بالنصوص بل نحتاج الان الى التذكير بدور الثقافة في صناعة مجتمع حيث ينبغي ان يتجه دور المبدع نحو انتاج خطاب فاعل اجتماعيا غير منعزل لنقول : لقد صححنا مستقبل الثقافة العراقية و صوّبنا اتجاه بوصلتها من منطقة العزلة النخبوية الى فضاء التاثير ، ان مثل هذا المسعى لا يحتاج الى الامكانات الجمالية وحدها بل يحتاج ايضا الى روح المشروع الثقافي الذي يستثمر خطابات الجمال الادبي والفني بأتجاه تغييرات كبرى .. أي ان نحرر مفهوم الثقافة من ( المدونة ) الى الاجراء ، الفعل .. اعتقد اننا بهذه الروح سنساهم في بناء مستقبل الثقافة العراقية ونمنحها دورا اكبر في صناعة الحياة ، علينا ان لا ننسى في هذا المضمار حجم التحديات الاجتماعية المناهضة للتحول غير ان المثقف الذي اطلقت عليه في موضع سابق ( مثقف الازمة ) هو من يستطيع ان يدس الحلم في اجفان الغفلة ! من يبتكر مجرى للنور في قسوة الصخر وهنا تتجلى قوة مشروعه لا قوة نصه فقط لان النص الذي لا يغذي مشروعا هو إنشاد لا غير ! تطريب وإمتاع ومؤانسة لا قوة تحريض وصناعة حياة .

* ما رأيك بقصيدة النثر ومستقبلها ؟ هل تؤمن بها ؟
- ما يميز قصيدة النثر انها نص ثقافي مثلما هي أدب ، شعر تحديدا لا يمكن كتابتها الا من قبل شاعر مثقف ثقافة عضوية تختلط فيها قوة البلاغة بقوة التجربة الشخصية ، الانسانية تحديدا ، او ما نطلق عليه عادة ( المعاناة ) ، والامر ذاته ينطبق على متلقي هذه القصيدة ، هو ايضا يحتاج خبرة خاصة بمرامي قول شعري من هذا النوع .. قصيدة النثر ممارسة في الحرية ، قول ينبثق عن فضاء محرض وهنا نتساءل كيف يتم انتاجها وتلقيها في مجتمعات مقيدة ؟ قلت مرة اننا كمن يهرول في قفص، واقصد هذا النوع من المفارقة : ننشد للتحليق واقدامنا ثابتة ! من هنا اخذت الكتابة الادبية في العراق طابعا نخبويا أي ان اصحاب الحلم وحدهم يقصون رؤياهم على بعضهم ! الادب للادباء اما الحياة فمحتكرة لمنافع اخرى ، حصل هذا وتكرس بعد ان اجهزت الانظمة الشمولية من خلال سياسات الاستبداد والتجهيل الممنهج على كل معاقل الطبقة الوسطى في العراق فاختفى الكائن الجمالي ، المتذوق ليحل محله انموذج نفعي مفرغ من أي تطلع وهنا تراجعت قيم الجمال والابداع لصالح اجندات سياسية مفتعلة لا تنمي انسانية الانسان ولا تعرفه بذاته بل هي على العكس تسعى الى طمسه بغية تطويعه واستخدامه في اغراض عسكرتارية تخدم السلطة الحاكمة .. قصيدة النثر تختنق في فضاءات مغلقة كهذه لان تطلعات كتابها ابعد. اما السؤال عن مستقبلها فهو سؤال عن مستقبل الشعر بكل اشكاله .. الشعر لابد ان يستمر بفعل حاجة الانسان له اما كيف ؟ هنا السؤال هل يستمر مأزوما ام معافى ؟ يستمر بوصفه رافدا من روافد الحياة الراقية ام احتجاجا على قبح مستشر! على المستوى الفني هناك ما يهدد هذه القصيدة واقصد استسهالها من قبل عديمي المواهب معتقدين انها نثر محض متناسين بذلك ان شعريتها العميقة تكمن في كيفية شعرنة النثر وهي تحتاج الى خبرة مركبة بالشعر والنثر معا ، وهنا ينبغي ان لا ننسى دور الاعلام الثقافي الذي يحتاج بالضرورة الى مادة يحشو بها صفحاته ولا أوفر من قصيدة النثر بنسختها المشوهة! ناهيك عن ضجيج المهرجانات التي تخضع لحسابات اجتماعية ونقابية صرفة ونادرا ما يحضر الحساب الفني في تقديم شعراء قصيدة النثر الحقيقيين .

- هناك من يتهم حركة الشعر الحديث بعدم الجدية رغم ان العديد من شعراء هذه الحركة قد اثبت حضورا ابداعيا ؟ كيف ترى هذه الحركة وما وجهة نظرك بها؟
- من المؤسف ان حركة الشعر الحديث ظلت عرجاء اذا صح القول أي انها حلم فني جمالي لم يرافقه تحديث اجتماعي او اقتصادي ولا حتى سياسي ، المجتمعات كماهي والخطاب يتقدم ! هذه المفارقة تعيشها الثقافة العربية برمتها بمعنى اننا نشهد ثراء في اللغة / الخطاب يقابله فقر فادح في الواقع حتى وصل الامر حد السخرية .. مشكلة الشعر الحديث لا تذهب بعيدا عن هذا التوصيف ، شعر حديث في مجتمعات تزداد قدما ! وهنا مأزق الجدية ، أي جدية الخطاب في ظل انساق حياتية تالفة حيث ما تزال افكار البداوة واعراض التخلف بادية على سحنة مجتمعاتنا ، والسؤال الابرز هل دخلت مجتمعاتنا مرحلة الحداثة حقا ام ان الشعر وحده حديث ؟ ! ان مثل هذا التشخيص يشير الى نوع من الفصام الواضح بين حلم النخب وواقع المجتمعات وهنا تتأزم الجدية التي نتحدث عنها بل تختفي الجدوى من خطاب معزول مجتمعيا ، واذا اردنا ان نتمفصل فعلا يمكننا ان نسأل عن حداثة الشاعر نفسه لا حداثة نصه ! كثير منا يعبر الى مقولة الحداثة ببدلته القديمة أقصد بأعرافه وتقاليده البالية ولا بسعفه ان نصه حديث .. الحداثة في تقديري مرحلة ينبغي ان يدخلها المجتمع برمته لا ان نصلها ادبيا ونتخلف عنها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ، في مثل هذا الحال لن نقدم سوى خطاطة احلام غير قابلة للتنفيذ ولربما يعترض احد ما بدعوى ان كل مبدع ينبغي ان يسبق زمنه وان هذه المسافة الفاصلة بين نصه وواقعه مسافة طبيعية عاشها حتى كتاب الغرب اقول: ان تلك المسافات كانت تحمل بوادر ردم وتقليص لان الثقافة العامة لتلك الدول تؤمن بالتحول وتسعى له والامر غير هذا في مجتمعاتنا التي تعلن صراحة ان كل جديد بدعة ! وكل تحديث مغامرة ! وان الحلم هنا فردي محض لا علاقة له بالجماعة الراسخة بالثيات ، هذا هو الفارق


* هل نستطيع ان نفصل الواقع السياسي عن الابداع الادبي شعراً كان ام رواية او فناً ودراسات ؟
- لو فصلنا هذا الواقع عن مدونات الادب فأننا سنعيش اغترابا من نوع قاس ومدمر ، الكتابة بلا صلة بواقعها كتابة بلا أثر بلا جدوى ، وهذا ما تتمناه الانظمة الشمولية غالبا أي ان تفصل خطاب النخب عن التأثير فيتحول الشاعر اما الى بوق في بلاط الملك او كائن هذياني لا قيمة له في حسابات القيمة ، انا اعتقد ان كل نص ادبي هو سياسي بدرجة ما ، اقول هذا باعتبار الموقف الانساني الذي يمثله هذا النص وباعتبار شحنة التغيير التي يحملها ، هذا اذا افترضنا ان السياسة تهدف فعلا الى التغيير وليست انماط السياسة التي شهدناها اقصد آليات الاستبداد التي تخلو في حقيقتها من أي مشروع جاد يخدم حياة الانسان ..


* ما مقومات القصيدة المعاصرة من وجهة نظرك ؟
- القصيدة المعاصرة خلطت بين الاجناس فاليوم في داخل كل نص هناك عنصر سردي يشد معمارها الشعري ويمنعها من التفتت غير ان السيطرة على هذا الخيط السردي امر يحتاج الى مهارة خاصة .. كثير من النصوص التي نقرأها تبدو جملا متناثرة لا يربطها رابط وارجو ان لا يفهم من كلمة ( رابط ) التسلسل المنطقي المحض بل اقصد ما يبرر استرسال النص وما يشعرني كقارئ بنمو الدلالة داخل النص هذا على المستوى الشكلي اما مستوى المضامين فأعتقد ان ثقل التجربة الانسانية للشاعر هي الاهم .. شاعر القصيدة الحديثة يختزل دور المفكر دون ان يسقط في التجريد .. شاعر تأملات عميقة ، واللافت في هذا المضمار اننا ما زلنا متمسكين بفكرة ( المهرجان ) اقصد طريقة تقديم الشعر الى جمهوره عبر منصة يقف خلفها الشاعر منشدا ! الشعر اليوم تحريض عميق لا انشاد والشاعر يطلب منك ان تصغي وتتأمل لا ان تصفق ! لأن لا شيء يستحق التصفيق .. التصفيق عادة مدرسية اتخذها المعلمون وسيلة لتشجيع تلاميذهم مثلما اتخذها السياسيون اسلوبا لخداع الحشد الذي يرعبون به خصومهم ! القصيدة المعاصرة قصيدة تعميق وعي ومثابرة في هذا التعميق .

* من اهداف الشعر والثقافة بشكل عام تعميق وعي الانسان بعالمه , هل استطاع الشعر العراقي ان يعمق وعي الانسان العربي والعراقي بما يدور حوله ؟
- قبل ان تحتكر السطات المستبدة كل شيء لصالحها كانت هناك سلطة للشعر والثقافة ايضا و أقصد بسلطة الشعر هنا قوة تأثيره في الجمهور وهذا ما حفظته لنا الذاكرة العراقية عن مواقف الرصافي مثلا والزهاوي والجواهري بعدهما وما تتركه مثل هذه المواقف على الشارع العراقي آنذاك لكن يبدو ان الانظمة انتبهت لتزاحم سلطات من هذا النوع فعمدت الى تجفيف سلطة المثقف والشاعر بالطبع فأحتكرت المال اولا لتنتج شاعرا تابعا ومثقفا ذليلا لا يتوخى التأثير قدر توخيه رضا السلطة ومكارمها وبتراكم التدجين اختفت ثقافة الاحتجاج وتحول الشعر عن مهامه الانسانية وهنا تعثرت قضية تعميق الوعي بارادة سياسية ! لا نعدم ان الشعراء الحقيقيين قاوموا مثل هذا التعطيل بطرق شتى لكن كان ابرزها العزلة والانكفاء او الهجرة .. اليوم يحاول المثقف العراقي ان يستعيد دوره المفقود لكن للاسف اقولها ما يزال الحلم شاقا ربما بسبب تراكم الخراب الذي لحق بالانسان من جراء السياسات المستبدة فأتسع الخرق على الراقع كما يقال .. لا يهم اين نقف الان وكم قطعنا من الشوط بل المهم اننا على اعتاب وعي جديد .

* اريد ان انتقل الى موضوع الصحافة والاعلام ما التوجهات الايجابية في الصحافة العراقية بعد سقوط النظام الفاشي برأيك ؟
- أهم علامة ايجابية هي هذا التنوع في المشهد الصحفي والاعلامي عموما لكن ما نريد ان نثيره هنا هو ضعف المهنية لدى العاملين في مرافق الاعلام المرئي والمسموع خصوصا ولا اقصد الصحافة المقروءة لان العراق يمتلك تاريخا للصحافة زاخرا بالطاقات ، هناك ما يتعلق بهذه المهنية ايضا اقصد النقابات والروابط الصحفية التي تصدت لتمثيل الاعلام العراقي في الداخل والخارج حيث لم ترتق الى مستوى مهامها بسبب ضعف اداء العاملين فيها او عدم انتمائهم جديا لهذه المهنة المتعبة الشيقة بل جاؤوا بدوافع ربحية وصولية تخلو من أي مشروع يخدم الاعلام الحقيقي .

* هل قصائدك قصائد حالات ام انها تفاعل مع الحياة شكلا ومضموناً ؟
- لا يمكن ان يكون الشعر الحقيقي الا تفاعلا مع الحياة وهو بغير هذا التفاعل يصبح تهويما لغويا لا غير .. اما صورة التفاعل، تختلف، فالبعض يعمد الى استنساخ الواقع بدعوى ان شعره شعر حياة ، انا مع الاستبطان ، التمثل ، اقتناص المثير والمدهش ، الاحتجاج في احيان كثيرة أي ان لا نسمح للغراب ان يأخذ وظيفة البلبل ولا للضباب ان يكسر بلاغة الضوء .. الشاعر افضل المدافعين عن الحياة لكن ليس اقواهم ، هناك دائما من يحاول ان يسلبه القوة لذا فهو في صراع مستمر ضد الزيف .. الحياة ذاتها تنتظر ما يبثه الشعر كي لا تتكلس لفرط التكرار
* ما مستقبل الشعر الذي يقوم على مشكلات اجتماعية وحضارية معينة من وجهة نظرك ؟
- الشعر الذي يستمد مادته من مشكلات محددة ينتهي بانتهاء هذه المشكلات واقصد بـ ( المحددة ) الظرفية او ما ندعوه احيانا بشعر المناسبة اما الشعر الذي يهتم بمشكلات الانسان الجوهرية فهو يتجدد ويتعمق مهما تعددت قرائته وحسبك دليلا الشعراء الخالدون الذين دافعوا عن وجود الانسان واحلامه الكبرى في التاريخ كالمتنبي في جزئه المتمرد وشكسبير ومايكوفسكي والسياب الذي حوّل الضعف الانساني الى ابداع .. كلهم خلدوا بمشكلات الانسان لا بسواها اما الشعر الذي يخذل قضايا الانسان الكبرى فهو قد يتلقى معونة اعلامية من حاكم او سلطة لفترة ما لكن لا يخلد ولا يعشقه الناس
* ما المسارات والتيارات الادبية التي يسلكها الادباء الشباب في العراق أي ما نظرتك الشاملة عن ادب الشباب ؟
- بدءا ينبغي ان نفهم قولنا ( ادباء شباب ) باعتبار اعمار من يكتبونه لا باعتبار الادب ذاته ، فليس هناك ادب شيخ وادب شاب ! اما عن نظرتي لهذا الادب أجده ضيقا ولا إقبالاً لشبابنا على تبني مشروعات ادبية كما كان سائدا في العقود السابقة والاسباب تكاد تكون واضحة اهمها ثقافة الصورة التي قلصت منسوب القراءة لدى الشباب ناهيك عن الاحباط العام الذي تعانيه اليوم توجهات الادب والفن في العراق ، واذا اردنا ان نتسلسل في متوالية الاحباط هذا لنسأل انفسنا اولا : هل مناهج التعليم ومدارسنا الحالية تشكل اغراء ثقافي لجيل عراقي جديد أخذت ثقافة الاستهلاك بتلابيبه كما يقال؟ كيف نغري احدا من الشباب ان يصبح كاتبا في بلد ليس فيه سوى مطبعة حكومية واحدة وبلا توزيع ؟ هل يوجد في تشريعاتنا ما يعلي من مكانة الكاتب او الفنان ؟ كل هذا ناخذه بالحسبان عندما نريد ان نفسر عزوف الشباب عموما عن القراءة او الانخراط في ممارسات ابداعية كالادب وغيره كثير ، ومع ذلك هناك من يمكن ان نعدهم جيل ما بعد التغيير / جيلاً محدود العدد بالطبع ولم تظهر ملامحه بعد
* هل صحيح ان الثقافة العراقية والعربية حاليا لاموقع لها ضمن الثقافات الانسانية والعالمية ؟
- يبدو لي ان مسالة الموقع تتأتى عبر عاملين : الاول نوع المنجز الثقافي والثاني ذكاء التسويق فعلى صعيد المنجز اظن ان الشعر العراقي فيه ما يؤهله للعالمية خاصة في اجياله الاخيرة لكن عطل التسويق منعه حتى من الانتشار محليا ، اما على مستوى الفكر فأن تخلفنا لا يحتاج الى برهان والسبب ان الفكر خطابه صادم يحتاج الى فسحة حرية كي ينمو وهو الامر الذي لم تسمح به عقلية الاستبداد ابدا ، المستبد يعتقد انه الاجدر بالتفكير وان كل معارضة عدوان على أحقيته المطلقة ، في اجواء من هذا النوع لا ننتج ما نبهر به العالم وربما الشعر اقل ضررا بسبب لغته الملغزة التي تفلت بقدر ما من صرامة الرقيب ، ناهيك عن الفكر السائد بأوهامه ويوتوبياه وما يشكل من عائق امام الفكر الحر . ثقافة الوهم لا تريد للجماعة ان تعيش اللحظة بل هي ثقافة ارتدادية توهم مريديها ان لحظة الاصل / الماضي هي الاهم وهي بهذا تقذفهم خارج حركة التاريخ اما ثقافتنا التي نطلق عليها تنويرية لم تحسم معركتها بعد داخل مجتمعاتنا ، كيف اذن تصل للآخر؟ العالمية طبقا لهذا المعنى تحتاج الى خطاب مؤثر يحمل روح المشروع الحضاري لهذه الامة او تلك ، يعلن عن مساهمتنا في حركة العالم ، يشير الى وجودنا على لائحة الاهمية ، بغير هذا يصبح حتى الوصول اعلاميا وهذا ما نشهده من خلال مشاركاتنا في معارض الكتب مثلا او مهرجانات دولية تجدها في الاغلب مشاركات بروتوكولية لا غير .

* اين حركة النقد العراقي من حركة النقد العربي والعالمي ؟
- هذا السؤال مرتبط بما قبله ، ازمة النقد لدينا مرتبطة بأزمة المعرفة وازمة المعرفة مرتبطة بنقص الحريات العامة وحق الانسان في الرأي والتفكير ، غالبا ما نتحدث عن النقد الادبي باعتباره ممارسة جمالية كالشعر والقصة وننسى ان مناهج هذا النقد كلها خرجت من معاطف فلسفية معرفية عميقة وان جانبها الادبي هو احد وجوهها وليس وجهها الوحيد ، ربما يحصل لدينا اليوم شيء من هذا الفهم بفضل النقد الثقافي الذي لا يقف عند حدود البلاغة بل هو يسعى الى كشف الانساق المختبئة خلف الجمالي والبلاغي ولكن حتى هذا الفتح النقدي تسمم بسبب ان مزاوليه ليسوا نقادا مختصين في هذا المجال فاستثمروه لنوع من الشتائم الثقافية التي يصبونها على المؤلف لا على النسق الثقافي التالف وكأن هذا المؤلف هو من ابتكر النسق متغافلين بقصدية تامة عن نقد السلطة والمجتمع اللذين يشكلان حاضنين لكل هذه الانساق التي ينتقدونها لكن يبدو ان نقد المثقف / الشاعر / الكاتب اسهل وأأمن من نقد السلطة او المجتمع ! ان مثل هذا المنحى من النقد الثقافي يدعم السطات في سعيها لقمع إرادة التمدن لدى المثقف.. نقد المثقف بقصد تعجيزه او رسم صورة كاريكاتيرية لهذياناته يصب في مصلحة عقل بدوي ترييفي بأمتياز، ولكي اكون دقيقا انا مع نقد المثقف حد اللعنة شرط ان تكون قسوة النقد حاملة لبديل لا مفرغة من كل شيء سوى الشتيمة!

* ما جوهر مشروع ( البديل الثقافي ) الذي اطلقت شرارته بمعونة عدد من ادباء ميسان ؟ وهل ممكن انتاج بدائل حقاً ؟
- حقا اعد ورشة ( البديل الثقافي ) ورشة نقد بامتياز لا لأنني من دعاتها او مؤسسها بل لانها اطلقت اسئلة جدية حول ضرورة ايجاد بدائل ثقافية والتأكيد على حقيقة ان كل ثقافة اصيلة هي في حقيقتها استبدالية أي تنتج بدائل باستمرار . في خريف 2005 كتبت بيانا تأسيسيا حول هذا المعنى واصدرت مجلة فصلية بالعنوان ذاته وما زالت تصدر غير ان معوقات الدعم وصعوبة توزيع المطبوع اثرت كثيرا على تدفقه او تسويقه اما على مستوى الخطاب النظري فاعتقد انه ورشة كما اسميته ساهم بها عدد من الاسماء اذكر منهم ( سالم حميد / علي خالد / مرتضى الرسام / طالب الكعبي / مهند عبد الجبار/ موسى الساعدي/ ) وسواهم من الكتاب العراقيين الذين اجتذبتهم ندوات ومحاور المجلة .. في ورشة البديل الثقافي بدأنا الحديث مبكرا عن نقد المجتمع با2عتبار ان الثقافة الاجتماعية هي الحاضن الاساس لكل ثقافة وان العيوب النسقية هي عيوب اجتماعية بدءا وهذا ما لم تألفه خطاباتنا الثقافية التي كانت تحصر نظرها في حدود النص ، كما نوهنا مبكرين ايضا الى اشكالية السلطة والمثقف وهي الموضوعة التي تأخر تداولها عراقيا ، اظن انها كانت تنبيهات مهمة في الوقت الذي انشغل كثيرون بصدمة الحدث السياسي فتوقفوا عند منطقة الانفعال به دون تحليله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-