الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فى رواية منافى الرب

غادة هيكل

2013 / 11 / 18
الادب والفن



كتبت قصة قصيرة جدا ، علق عليها صديق، وقال هذه القصة ورد مثلها فى رواية "منافى الرَّب"، فقلت له سوف أقرأ الرواية، وبالفعل اهدانى الأستاذ "أشرف الخمايسى" نسخة منها الكترونية، ثم فوجئت بعدها بتكرار الاسم امامى كثيرا، علاوة على العنوان الذى شدنى لقرائتها، وقد سألت نفسى هل للرب منافى؟ كيف وكل الدنيا بكل متاعها هى فى حد ذاتها منفى للإنسان، هكذا أرى نفسى فى منفى لا متناه مترامى الاطراف، لا أرى فيه سوى وجوها كالحة مزيفة، وأقنعة متلونة، وسعادة مقرونة بالحزن، أو ليس الحزن منفى؟ والسجن منفى؟ والشر الكامن فى النفس منفى؟ كل هذا يدور فى راسى ولم أبدأ فى الرواية بعد.

فى الصفحات الأولى، ومع حوارات أبطال القصة، عدت بالذاكرة إلى حديث ابن عمى، هذا الذى نقول عنه إنه يعرف الكُفت، كان يحكى لنا عن جيرانه فى الحقل، وهم يسهرون لرى الأرض، وهم يختبئون فى الطين، وهم يتندرون على زوجاتهم، عشت معك يا "حجيزى"، ويا "سعدون"، ويا "غنيمة"، نفس الحكايا، لكنى لا أمتلك جرأة الكاتب فى السرد، واستخدام الألفاظ على علاتها، توغلت اكثر، وبدأت الفكرة تتضح لى شيئا فشيئا عن المنفى الوحيد الذى يعبث بعقل البطل، فى زمان ممتد بطول الحياة وعرضها، فهنا لا زمن محدد للرواية، والمكان، وإن كان قد سماه بالوعرة، فهو مجرد مكان للسكن، وليس مكان للرواية التى فتحت آفاقها نحو الصحراء الممتدة، فالمكان متسع.

فالمنفى الذى تدور حوله هو الخوف، الخوف الساكن فى قلب كل بطل منهم، الخوف الذى ملأ قلب "حجيزى" من محدودية المكان، فما بالك بالدفن تحت التراب! والخوف الذى سكن "سعدون" من العقم، ثم من الوحدة بعد فقد أحبته، والخوف الذى سكن "غنيمة" من بعد فراق ولده، هو ذاته الخوف الذى حطم تمثال "سكيرة"، وهو الخوف الذى حول "صبحى" إلى راهب، وجعله يقتل من أحبها.

لغة المنفى لغة سهلة قريبة إلى اللهجة العامية، لغة الحكى القديم الذى تربينا عليه فى حكايا الجدة على مصطبة الدار، لغة يدركها من يسمعها، ويفهمها، لا تعقيد فيها، ولا رمزية تحتاج إلى شرح.

أما عن الموضوع، فهو موضوع جرئ كلغة الكتابة، موضوع تناول كل مناحى الحياة، بحلوها ومُرها، دَخل نفس الإنسان، وتوغل فى مشاعره، وفى أفكاره، وحتى فى حلمه.

أسلوب الحكى متناغم منساب، وكلما بدأت فى حكاية أحد الأبطال أجدنى خرجت منها، فأشعر بالغيظ ،ثم أعود إليها بسلاسة ويسر لا يمكن انكارهما.

برع الكاتب فى أن يجعلنا ندخل فى حكايته، ونتعايش مع الأبطال، ونضحك ونحزن معهم، ثم نفترق، لنشتاق إلى العودة اليهم.

لم تكن منافى الرب سهلة الكتابة، بل خيل لى أن الكاتب عانى كثيرا ليخرجها بهذا الشكل العالمى فى أسلوب السرد، لقد توغل كثيرا فى علم النفس البشرى، ومكنون الروح وما تُخفى، وهذه سمات الصحراء التى عشقها، وتربعت فى قلبه، فآثر للبطل المنفى أن يموت فيها.

إن تناول الكاتب لموضوع شائك، مثل العلاقة بين المسلمين والمسيحين، بهذا الشكل لهو جُرأة أخرى يُحسد عليها، ولكنه أبدع فى وصف هذه العلاقة، واخراج ما تكنه النفس فى كلا الجانبين، فالمواجهة خير علاج.

وأخيرا، لا يسعنى إلا أن أقول إنى استمتعت بعمل قلما توفر لدينا مثله فى الفترات السابقة، ولمدد زمنية طويلة قادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة