الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغالاة في المسرح

فاضل خليل

2013 / 11 / 22
الادب والفن


الثابت علميا ومنذ زمن ليس بالقريب، وخصوصا في الوسط الثقافي السياسي والفكري، بأن[ الانسان هو الذي يتحكم بالفكر]. وقديما أيضا قيل ومن منطلق عدم ثقة المتكلم بسامعيه، بأن [الفكر هو الذي يتحكم بالانسان]، كان ذلك في الوقت الذي لم يكمن بعد مفروزا في الاوساط الثقافية والفنية الفاعلة رأي لمفكر محلي يشار لاقواله، مأثرة منه ساندة لرأيهم غير المجرب. وهكذا تراهم يحفظون العديد من المقولات المؤثرة، وقسم كبير منها بديهي وغير مؤثر، على وزن "ما قال ديكارت: أنا أفكر، فاذن انا موجود" وهو صواب بديهي لا يختلف عليها اثنان، فهل يصح أن التفكير لغير الموجودين؟.. هذا الاصرار يتبعه اصرارآخر أشد، وهو بدعوى القيمة الفكرية للقائل توجب عليك الالتزام بحتمية التطبيق. وهكذا وجدنا العديد من الكيانات البشرية والدولية سقطت بسبب تطبيق الثابت المنحوت من أفكار الأخرين. وقسرية التطبيق على مجتمعاتهم، بعضها لم يجد صداه وعافيته عند مجتمعات اخرى، فكانت سببا في سقوط تلك الكيانات الكونكريتية العظيمة ممن تمسكت بالنظريات، الزائف بعضها. في اثبتت حضورها بجدارة في مجتمعات أخرى قيلت بسببها الذي قيل. بل لقد انبثق عن هذه الافكار مبادئ أصبح تطبيقها قسريا في مجتمعات لا تصلح لها، ولايحق لك ان تناقشها الا بعد التنفيذ. واذا ما صادف وسقطت تلك الكيانات سهوا فاقرأ على الدنيا السلام. ولذلك حين نتساءل بدافع الفضول عن اسباب سقوط صرح له وزنه في العالم، سيكون الجواب بان تلك النظريات ظلت حبيسة ماضيها، وتباطئت عن مسايرة الزمن. ولنا أمثلة كثيرة من تجارب هامة مر بها العالم.
أما في الثقافة ومنها المسرح حين ينقلب حماسنا باتجاه ما يقال الى مغالاة وانحياز، لأمر ما قد يكون هذا الامر قليل الاهمية أو غير ذي بال في اغلب الاحايين. يدفعنا الى الانجذاب للفكرة، حد المبالغة في التزامها والانتصار لها، وغالبا ما يوقعنا ذلك الانحياز غير العقلاني بالخطأ الذي يبعدنا عن الصواب. وهنا تذكرت واقعة تقربنا من مسعانا وهي:
في قمة سيادة الواقعية في روسيا القيصرية، وفي قمة انتصار المدرسة الطبيعية الروسية في المسرح المستندة الى [الواقعية الاشتراكية] و[الشرطية] التي دعى اليها [ايفيجيني فاختانكوف]، وبعد النجاح الذي حققه [ستانسلافسكي] في إدارته لـ[مسرح موسكو الفني]. يوم كان لكل فرقة كاتبها الذي تتباهى بمنجزه، كان مسرح موسكو الفني يتباهى بكاتبه الكبير [انطوان تشيخوف] الذي وقف كل الفنانين معه ومع منجزه المسرحي، وكان من تلك الايام يوما مشهودا للجميع، وهم يسعون لتقديم مسرحيته الشهيرة [ بستان الكرز ] يوم التف حولها كل فناني المسرح لإنجازها على أفضل وجه. يوم كان مشهودا من أحد أيام الانجاز الكبير للواقعية التي سعى اليها مسرح موسكو الفني، وخلال مرحلة القراءة على [الطاولة المستديرة] الخاصة بالتحليل والتفسير والوصول الى فكرة يتفق عليها الجميع نطلق عليها [الوحدة الفنية والاسلوبية] في المسرحية المزمع تقديمها وهي كما أسلفنا [بستان الكرز] للكاتب الكبير انطوان تشيخوف، من قبل فريق العمل، وكان تشيخوف يحضر ذلك التمرين خصيصا، لأهمية مسرحيته، هب واحد من الفنانين الشباب المتحمسين للمؤلف وللمسرح الروسي: ولأنطوان تشيخوف و للواقعية الاشتراكية، مبديا وجهة نظره وتصوراته في كيفية تحقيق الواقع، القريب من الطبيعية المدهشة في هذا النص الواقعي المتميز – وكيف انه يقترح استخدام [باب تراثية كبيرة]، تحدث جلبة وصوتا ـ نطلق عليه صريرا ـ عند فتحها أو غلقها. هذا الصوت يوحي بقدمها ويعطي إيحاءا لا نقاش عليه بعظمة الواقعية التي يسعى اليها المسرح الواقعي الروسي باعتباره الباب الواسع الذي بامكانه ان يتسع لدخول كافة الجماهير الكادحة يومذاك. يضاف الى فعل الباب العظيمة تلك اضافة [نسيج العنكبوت] الذي سيلف المكان، زواياه، وسقوفه وكل الاجزاء التي يدخلها فعلا وواقعا، حتى أرضه التي تتدلى على حيطانها العناكب ، و .. و .. و... إلى غير ذلك من المقترحات التي تقارب الفن من الحياة ، ولا تجعل الفرق بينهما كبيرا . قاطعه هنا تشيخوف ساخرا مبتسما وهو يسأله :
تشيخوف ـ هل شاهدت لوحة للرسام الواقعي الكبير كرامسكوي ؟
الممثـل ـ نعم ، شاهدت له العديد من الرسومات الواقعية
تشيخوف ـ من المؤكد انك لاحظت ، كم هي قريبة من الواقع ؟
الممثـل ـ كثيرا ، بل تكاد ، تكون هي الواقع .
تشيخوف ـ أليس كذلك ؟ لكنها لوحة فنية وليست واقعا . أليس كذلك ؟؟
الممثـل ـ صحيح ، تكاد صورة الإنسان فيها تنطق
تشيخوف ـ صحيح ، لكنها من المستحيل أن تنطق ، لأن النطق في اللوحة ليس من اختصاص الفنان كرامسكوي . أتدرى لماذا ؟
الممثـل ـ طبعا ، لأنها لوحة وليست الحياة الحقيقية .
تشيخوف ـ تماما .. مثلما لا يمكننا قطع أنف حقيقي لأنسان ، كي نلصقه أنفا لوجه إنسان اللوحة . هل يمكننا ذلك ؟
الممثـل ـ لا طبعا .
تشيخوف ـ أتدري لماذا ؟
الممثـل ـ لماذا ؟؟
تشيخوف ـ لأننا سوف نشوه الإنسان بقطع أنفه، مثلما نشوه اللوحة بابتعادها عن لغة الفن ... فالفن فن ابداع ودهشة من صنع الفنان ... والحياة حياة نسعى لمحاكاتها، والتمثل بعظمتها.
وعليه وبناء على ما تقدم من مثال حي دار بين مؤلف مثل [انطوان تشيخوف] سجل حضورا كبيرا في ساحة التأليف للمسرح والساعي لكل فعل او مقترح ينهض بمسعاه الواقعي في المسرح. نراه وبصراحة واضحة يرفض الانسياق خلف المغالاة التي تفسد المسرح رافضا الانحياز لمقترح الممثل الشاب في مقترحه لاقتطاع اجزاء حية من الحياة ربما تكون مدعاة للنجاح وسببا من اسباب الدهشة التي نسعى اليها. ان أية قضية قد تشوه المسعى الابداعي في الفن، وتبتعد عن الحقيقة والتي قد تعطي الكثير مما نريد في غير وجهه الذي أردناه له هو مرفوض في مسعى الفن النقي. وهذا بعيد وليس في صالح التوجهات مهما كانت صحيحة. فاقتطاع الأصل سيشوه الأصل والصورة، على ان نعرف بان الكثير من الجهود لا يهمها ان تقتطع من الاصل لتعطي الحياة في غير مكانها في الفن، والثقافة ايضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تشيخوف والواقعية الاشتراكية
سامر البابلي ( 2013 / 11 / 22 - 05:51 )

طرح الاستاذ الكاتب مسالة غاية في الاهمية ولكنه مع الاسف حاول ان يبرهن على اراءه بذكر احداث غير دقيقة تماما مثلا يقول:
_هب واحد من الفنانين الشباب المتحمسين للمؤلف وللمسرح الروسي: ولأنطوان تشيخوف و للواقعية الاشتراكية)ة
واود ان اعيد الاذها ن الى ان المرحوم تشيخوف عاش قبل ثورة اكتوبر وتوفى في 15 يوليو 1904 ولم يسمع ابدا عن مدرسة الواقعية الاشتراكية التي ظهرت كتيارا رسميا في الاتحاد السوفيتي (الذي لم يدرك تشيخوف ظهوره) في ثلاثينات القرن العشرين اي بعد وفاته باكثر من عشرين عام وساد التيار في الاتحاد السوفياتي وفي الدول الواقعة تحت تأثيره، حيث كان التيار الموصى به أو الملزم، وكان له ارتباط وثيق بالإيديولوجيا ولم يعرف المسرح الفني ايام تشيخوف مسالة (الجماهير الكادحة) اعتقد ان من الانسب ان ننسب تشيخوف الى تيار الواقعية النقدية الشفافة حتى نفهم ادبه بشكل صحيح تشيخوف لم يكن اشتراكيا ولا شيوعيا

اخر الافلام

.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي