الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهمية الأسلوب في الثقافة وألفن

فاضل خليل

2013 / 11 / 23
الادب والفن


يعتقد البعض من العاملين في الفعاليات الثقافية والفنية: بأن المنهج ثابت ومن غير الممكن مناقشتهُ. ورغم أن في هذا الرأي الكثير من التعسف والقسرية، لكنه رأي يقترب كثيرا من الواقع. فهو يعطينا مثلاً بعمل الموسيقيين، الذين يعزفون على آلاتهم الموسيقية، دون أن يمارسوا مناقشة تقنياتهم التي يتبعونها أثناء العزف خلال أداءهم لعملهم الموسيقي. كونهم ناقشوا كل ما يتعلق بالأساسيات والتقنيات من قبل، أي عندما تلقوا علومهم العلمية والمهنية يوم كانوا طلابا على مقاعد الدرس أو التمرين التي سبقت تلك العروض. تماما كما هو حال الممثلين، عندما كانوا طلابا يدرسون فن التمثيل في معاهده المتخصصة أو من خلال البروفات التي تسبق العروض المسرحية. رغم أن البعض منهم يقول: إننا ما دمنا نعرف مبادئ التمثيل التي أرسى أسسها ستانسلافسكي(*)، فلماذا ينبغي علينا استخدام منهجه وتعاليمه مثلما تلقيناها يوم كنا طلابا، ألا ينبغي علينا لكي يكتمل الإبداع أن نسندها بتعاليم وخبر وتجارب أخرى من مناهج وأساليب من شأنها اغناء التجربة والارتقاء بها سعيا في الإبداع؟ إن طموحنا في ذلك هو توسيع آفاقنا باستخدام العديد من المناهج والأساليب والطرق. إننا نسعى كما حاول غيرنا من رجالات الأدب والثقافة والفن استحداث قوانين هامة للإبداع الدرامي: مثلما فعل (ديدرو) في ( مفارقة الأدب )، و(ليسنغ) في (الفن المسرحي في هامبورغ)، و(غوته) في(قواعد للممثلين). وكثيرين غيرهم من الذين امتهنوا العمل في المسرح وكانوا متميزين في فن التمثيل. كهؤلاء نريد استحداث ما يطور عملنا، كما فعل ذلك من قبل كبار الممثلين في تاريخ المسرح العالمي من أمثال: (ايرفنغ، تالما، راكوبوني، ايفلاند، روسي، سالفيني، كوكلان، لورنس أوليفيه، جان لوي بارو.. وآخرون). نحن نطمح إلى حل مشكلاتنا بأنفسنا تماما مثلما كان يفعل ستانسلافسكي. أنه الوحيد الذي تمكن من حل جميع تلك المتناقضات بين الممثل كفنان خلاّق، والممثل كإنسان يعيش الواقع الذي يساعده على تقمص الشخصية التي يمثلها بنجاح، وفق أسس محدده في التأكيد على تحويل السلوك النفسي والعضلي في عمل الممثل من سلوك خاص بالممثل المؤدي إلى سلوك خاص بالشخصية الممسرحة، التي تسعى إلى خلق المواطنة في البيئة التي تدور فيها الأحداث بعيدا عن (الكلائشية) غير المحببة على المسرح. وهي الحالة المثالية الوحيدة التي بواسطتها يتمكن الممثل من الإبداع تلقائيا ودون معاناة. وعليه فلابد أن يكون لكل مبدع بمرور الزمن أسلوبا خاصا به يعتمده في عمله، يميزه عن غيره من المبدعين.
ونعني بالأسلوب: هو الوسيلة، أو النهج أو الطريقة التي يعتمدها المبدع في التعبير عن منجزه. وما يميز ذلك المنجز عن غيره من المبدعين الآخرين في الطريقة والتجسيد. والأسلوب في اللغة هو: شجرٌ طويل ينبت متناسقاً، فقيل لسطر من النخيل أسلوب: أي تهذيب. وبمعنى آخر: هو الطريق، وقيل: "فكأنهم يلحظون ما ينتج عن السطر المتناسق من الشجر أو النخيل من امتداد أو ما يحاذيه من طريق. وصار الأسلوب يدل على الطريق"(1). ويقال: سلكت أسلوب فلان، أي(طريقته). ولفظة الأسلوب تعني: (السياق) الأدبي والشعري. ويروي بشر بن مروان "أن جريرا سلك أساليب من الشعر لم يسلكها ألفرزدق"(2) معنى ذلك: أن الأسلوب هو طريقة الشاعر أو الأديب في النظم والكتابة. وهذا يمكن نقله في تحديد اسلوب الفنان في فنه، كأن نقول بأن اسلوب الرسام (س) يختلف عن أسلوب الرسام (ص)، ومثله في وصف عمل الممثل الفلاني واختلافه عن اسلوب غيره، وهكذا الوصف على بقية المهن الفنية. والأسلوب كما أسلفنا ونذهب على أنه "الطريقة والنهج وألباب من أبواب القول"(3). وأما الاختلاف والاتفاق في الأساليب تحكمه المزاجية وما تحمله النفس البشرية من حال عند قيام العمل ذاته، وهي قريبة الشبه من وصف أحوال الشعراء حين يقال "بأن أساليب القصائد تختلف من حيث الرقة والخشونة حسب حال الشاعر ، فهي على ثلاثة ضروب : ما لان، وما خشن، وما كان وسطا بينهما. واعتبر البعض أن الأسلوب هو: "آلة أو أداة مستدقة الرأس تستعمل في الكتابة ، والأسلوب في الكتابة هو الحالة التعبيرية أي طريقة الكتابة أو القراءة بالنسبة للغة"(4).
وخلاصة القول، أننا انطلقنا من ضرورة التميز، وحتمية التفرد في أن يتميز كل مبدع عن الآخر بخاصية تجعله بعيدا عن التقليد، قريب من إثارة الدهشة في نفوس المتلقيين لإبداعه. أو قل أنها الحالة ألتي تميز كاتبا عن آخر أو فنانا عن آخر، وكما أنهم مختلفون عن بعضهم كبشر ـ أثبتت التجارب العلمية بأن التوأم يختلفان حتى في بصمات أصابعهم ـ فلا بد من أن تختلف إبداعاتهم وإلا فسيقترب نتاجهم من الحرفة، ويصبحون جميعا مثل النجارين اللذين يتفقون في صناعة الكرسي الواحد المتفق شكلا ومعنى. وهي "الحالة التشخيصية للحضور أو التكوين في أي فن من الفنون ألجميلة"(5). كذلك: هي نوع من النمط الفني يتضمن مجموعة متكررة، أو مركبا متكررا من ألسمات في الفن يتصل بعضها بالبعض الآخر"(6). أما أسلوب الفنان فيعتبر فرعيا تحكمه ظروف ألزمان والمكان، ومن خلاله "تنكشف شخصية الذات التي تتضافر في طريقة التعبير عن نفسها"(7). ومن خلال نمط الأداء ومراعاة قوانين الفن وعبر المواد المستخدمة في التنفيذ سيتوضح من خلالها الأسلوب الخاص بالفنان " وحينما يصبح للفنان أسلوب أو طراز فأنه عندئذ يكون قادرا على التحكم في فنه وإنتاج ما يريد إنتاجه"(8) " وهنا نتمكن من أن نقول، وانطلاقا من روح وعقل وشعور وإنشاء وتكوين ومزاج وانتساب وتاريخ وبلد الفنان، أن نعرف بأن هذا العمل التشكيلي هو لـ (فائق حسن) وهذا لـ ( جواد سليم) وهذا العرض المسرحي لـ (إبراهيم جلال) وذاك لـ (قاسم محمد). وبذلك نتمكن من إسناد أي عمل نراه أن إلى الفنان المبدع الذي تميز بأسلوبه المنطلق من منهجية محددة، تميزه عن غيره من عديمي الأسلوب المقلدين للغير. فالأسلوب هو الذي يعكس الطابع الخاص، والمزاج الشخصي للفنان عبر الوسائل التي يستخدمها والتي تعكس خصائصه. ان الذي يحدد تلك الخصائص المميزة للفنان هو القومية التي ينتسب إليها من حيث مزاجها وسلوكها ، وما يسببه ذلك الانتساب من انعكاس على الفن الذي يمارسه ويسعى إلى تقديمه خدمة لمجتمعه والإنسانية. إن الذي يحدد الخصائص والأشكال الفنية السائدة والمفضلة في فترة ما أو عصر معين هو النضج الفني وما ينتجه ذلك النضج من صقل الشخصية الفنية، على أن نتفق على أن الأسلوب الخاص إنما ينطلق من ارتباط الفنان بالبلد والأمة ـ إنسانيا لا شوفينيا ـ وبالعصر أملا في خدمة الإنسانية وهذا يجب أن يقف بجدارة خلف أي منجز إبداعي.
هوامش
*) ستانسلافسكي : هو ( قسطنطين سرجيفتش ستانسلافسكي Constantine Sergievitch Stanislavski ) – ( 17/1/1863 – 7/8/1938 ). ممثل، ومخرج، ومربي، وصاحب أهم نظرية منهجية في فن التمثيل تدرس في أغلب معاهد المسرح والتمثيل في العالم.
1) السعداني، خير الله: المصطلحات النقدية وأصولها وتطورها حتى القرن السابع الهجري رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1974 م، ص 208.
2) نفس المصدر السابق.
3) نفس المصدر السابق.
4) شارل باري (1865-1947): هو مؤسس علم الأسلوب وخلفيته، واحد من أقطاب هذه المؤسسة.
5) الخطيب، عبدالله: الفنون التشكيلية والثورة، وزارة الإعلام، السلسلة الفنية، بغداد 1976، ص219.
6) مونرو، توماس: ألتطور في الفنون، ج2، ت: محمد علي أبودرة وآخرون، الهيئة المصرية للكتاب، 1972م، ص99.
7) هيغل: فكرة الجمال، ت: جورج طرابيشي، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت 1971م، ص310.
8) إبراهيم، زكريا: الفنان وألانسان ، القاهرة - دار غريب للطباعة ، ص89 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي