الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة في مكونات المجتمع المدني وأدوارها في دولة المؤسسات,العراق نموذجا, الحلقة السادسة: طرائق قياس الرأي العام ومتبنياته وأدوار المنظمات المجتمعية فيه

هيثم الحلي الحسيني

2013 / 11 / 24
المجتمع المدني



تتولى مكونات المجتمع المدني, وخاصة البحثية المتخصصة منها, مهام مراقبة الرأي الشعبي العام, وتوجهاته وتطلعاته ومزاجه, بما يعرف بعملية قياس الرأي العام, والتي تجري وفق أسلوبي الإتصال أو الملاحظة ، إذ يشمل أسلوب الإتصال, جميع الطرق التي يجري فيها القياس بالتماس المباشر, مع عيّنات البحث الميداني، وذلك يجري أما بطريقة الإستبيان أو بطريقة المقابلة, أما أسلوب الملاحظة, فهو ينجز نفس المهمة, ولكن دون التماس المباشر مع عينات البحث, وذلك من خلال القياس عن بعد.
وستنصرف هذه الحلقة من الدراسة, الى التعريف بطرائق قياس الرأي العام, وأساليبه وأدواته, وبالتالي الى تقويمها وأساليب المفاضلة بينها, نسبة الى مزايا وتحديدات كل منها, والظروف الأكثر ملاءمة, لأختيار الأمثل فيها.
طرائق "الإتصال" في قياس الرأي العام
تعتبر طريقة "الإستبيان", من أدوات "الإتصال" واسعة الاستخدام, في قياس الرأي العام، إذ يتم بواسطة الاستبيان الحصول على الحقائق, والتعرف على الأفكار والآراء, واستطلاع شريحة واسعة من المجتمع, يجري إختيارها كعينة للبحث, من خلال نموذج الإستبيان, التي يتولى المستهدف بالإستطلاع, الإجابة على التساؤلات الواردة فيه .
أن المزايا التي يمكن أن ترصد في هذا النوع من مصادر المعلومات الميدانية, أو طرائق الحصول عليها, مقارنة بغيرها من طرائق الإستطلاع, الإتصالية وغير الإتصالية, هي:
أ. إنها أكثر اقتصادا بالجهد والوقت, مقارنة بأدوات الاستطلاع الاخرى.
ب. تتيح الفرصة لإبداء الآراء بحرية وموضوعية, لأنها لا ترتب أية تبعات على المستهدف فيها, فغالبا ما لا يصرّح باسمه فيها .
جـ. يمكن تفريغ البيانات بسهولة ويسر، لان الإستبيان يعتمد على نموذج موحد, يدلي وفقه, جميع المشمولين به, بآرائهم وأجوبتهم, ضمن سياق موحد المواد والفقرات.
د. يساعد الاستبيان في الحصول على بيانات, تؤدي إلى نتائج حسّاسة ومحرجة، مما يصعب التوصل إليها بالطرق الأخرى.
هـ. يتيح الفرصة للمستجيب, لاختيار الوقت الملائم والطريقة المناسبة للإجابة.
و. يكون أكثر ملاءمة للاستخدام, عندما يكون مجتمع البحث, في مساحة جغرافية واسعة.
وعلى الرغم من المزايا الواسعة في قياس الرأي العام, باستخدام أداة "الاستبيان"، إلّا أن هنالك تحديدات واضحة على استخدامه, تجمل بما يلي:
أ. يتطلب تصميم "الإستبيان", عناية فائقة في الصياغة والوضوح والسهولة, في قراءة نموذج الإستبيان, وتبيين التساؤلات الواردة فيه, منعا للإشتباه في مقاصدها.
ب. قد لا يعيد عدد من أفراد العينة المستهدفة في الإستطلاع, نموذج الاستبيان, إلى الباحث القائم به، مما يؤثر في دقة تمثيل العينة.
جـ. صعوبة التأكد من ثبات الاستبيان وصدقه، خاصة عندما يملأ أحياناً, من قبل أناس غير الذين أرسل إليهم النموذج أصلاً، مما يتطلب ملاحظة ذلك.
د. هنالك بعض الشرائح والأفراد، ممن يتخذ موقفاً ضد عملية الاستبيان, لأسباب ذاتية أو مزاجية بحتة, وليست موضوعية، منها كثرة الاستبيانات التي تصلهم, أو عدم دقة ووضوح النموذج, والأمثلة المصاغة فيه, إضافة إلى عدم أيمان بعضهم, بكون الاستبيان أداة بحث علمية مجدية.
هنالك عدة أنواع من الاستبيانات، إستنادا الى شكل نموذجه وآلية التعامل معه, والتي أبرزها الاستبيان "المفتوح", وهو النموذج الغير محدد الإجابة، والاستبيان "المغلق" وهو النموذج المحدد لخيارات الإجابة، وهنالك الاستبيان "المفتوح المغلق", وهو النوع المختلط, الذي يتجاوز عيوب النوعين المذكورين، والتي لا يصعب التعرف عليها.
إن ميزة الشكل الأول "المفتوح", تتمثل بتزويد مراكز قياس الراي العام, بمعلومات دقيقة ومحددة عن الموضوع المطلوب استبيانه، يسهل جمعها وإحصاءها, والخروج باستنتاجات سريعة عنها، في حين أن النوع الثاني "المغلق", يعطي معلومات أوسع, ويكشف بشكل أكثر واقعية ومصداقية, عن أراء ومعتقدات ومواقف عينة الاستبيانات بشكل أكثر حرية، لان الأسئلة فيه, تكون محددة بخيارات الإجابة, الذي يتضمنه نموذج الاستبيان.
وقد لا يستوعب النموذج, فكرة أو رأي أو معتقد المستجيب, وبالتالي فان هذا النوع, يصعب فيه إحصاء وحصر الآراء, والاستنتاج الدقيق عنها, لذلك فان الاستبيان "المفتوح المغلق", قد يكون الأسلوب الأمثل, لأنه يستخدم السؤال الملائم لكل حالة في النموذج.
طريقة الإتصال وفق المقابلات الشخصية
أما المقابلة الشخصية أو الجماعية, فهي الاسلوب الثاني من طرائق الإتصال، وهي إجتماع بين شخصين أو أكثر, لتبادل المعلومات في موضوع محدد, لتحقيق هدف معين، وتعد من التقنيات المساعدة في قياس الراي العام، من خلال استقائها من أشخاص ذوي خبرة ودراية, أو ذوي علاقة قريبة من الموضوع, أو القضية الجاري قياسها.
طريقة "الملاحظة" في قياس الراي العام
الأسلوب الثاني, من طرائق قياس الرأي العام, وهو طريقة الملاحظة, أو ما يعبر عنها إختصاصا, بالطرائق غير الإتصالية, والتي لا تستوجب التماس المباشر بعينة البحث, إذ يجري فيها رصد ومراقبة عناصر الشريحة البحثية, عن بعد ودون التماس بها, لغرض جمع وتثبيت المعلومات, بهدف قياس الراي العام .
ويجري فيها جمع المعلومات, من خلال مراقبة وملاحظة الظواهر ذات العلاقة بموضوع الإستطلاع، أو مراقبة حدث معين أثناء وقوعه, من ثم رصد نتائجه وما يترتب عليها، أو مراقبة سلوك محدد فردي أو جماعي, ويجري في جميع الحالات, تسجيل الظواهر من قبل القائم بالإستطلاع, دون أدنى تدخل بها.
وعليه يتطلب من القائم به, عند استخدامه هذا النوع من أدوات الإستطلاع، أن يكون حصيفاً غير متحيز في تسجيل الوقائع والظواهر، دون تأثير مسبق بعواطفه ورغباته, في سوق المعلومات تجاه وجهة البحث، وأن يكون مواضبا على تسجيل جميع الظواهر, دون استثناء, لكي يخرج في النهاية بحصيلة واقعية للظاهرة التي يجري رصدها, يعتمدها كمصدر للمعلومات, لدعم مخرجات عملية الإستطلاع الميداني, في قياس الرأي العام.
إن مزايا هذا النوع من أدوات الإستطلاع، أنها لا تتعلق بتدخلات جانبية وأفكار وأراء الآخرين، لأنها تسجل من قبل القائم بالإستطلاع نفسه, على أساس رصد الواقعة أو الظاهرة مباشرة، ولكنها من جهة أخرى قد تتطلب منه, فترة طويلة لتحصيل المعلومات, تستوجب منه المتابعة المستمرة، لان وجود أية ثغرات أو هفوات في جزء من المعلومات, سيؤدي إلى نتائج غير واقعية.
ويمكن تسجيل عدة مزايا في الملاحظة, مقارنة مع طرق الاتصال وهي:
أ. لا تعتمد في جمع المعلومات المرغوب بها على استعداد الشخص المستهدف أو المصدر في ذلك، كما أن المعلومات فيها تسجل ساعة حدوثها.
ب. تقليل أو إلغاء الانحياز في طبيعة المعلومات، الناتج إما بسبب الشخص المقابل أو عملية المقابلة أو طرق الاتصال الأخرى، كما وأن العينات المطلوبة تكون أقل من سواها في طرق الاتصال الأخرى.
جـ. عدم إمكانية تجميع بعض المعلومات, إلا عن طريق الملاحظة, مثل الأنماط السلوكية التي لا يدركها الشخص المستجوب، وعليه فإن معلومات الملاحظة, تتميز بالشمولية والعمق والتفصيل.
وهنالك محددات رئيسة, تحدد استخدام هذا الأسلوب من المصادر الميدانية لقياس الرأي العام، لصالح طرق الاتصال الأخرى وهي :
أ. عدم مقدرة طريقة الملاحظة, تسجيل بعض البيانات, مثل الإدراك والاعتقاد والشعور والتفضيل.
ب. في حالة محدودية الوقت والموارد, فانه يصعب ملاحظة الأنماط السلوكية إلّا في حالة تكرار السلوك بشكل مستمر، مما يحدد استخدامها لمجموعة من الحالات, إضافة إلى تصنّع ردود الفعل عند معرفة المستهدفين، إنهم تحت الملاحظة.
جـ. تدخل عوامل خارجية تعيق الملاحظة, مثل العوامل الشخصية الطارئة للقائم بالإستطلاع, أو الطقس أو الظروف الأمنية والمجتمعية.
وهنالك عدة طرق, يمكن أن تصنّف بها أنواع الملاحظة.
أ. الملاحظة الطبيعية, التي تكون البيئة الحقيقية, هي الوسط في أجرائها, والملاحظة الاستنباطية, وهي الملاحظة التي تتضمن تشكيل بيئة مصطنعة. إن الملاحظة الطبيعية تكلف كثيراً, كونها تتطلب انتظار وقوع السلوك طبيعياً, بالإضافة إلى صعوبة القياس.
ب. الملاحظة التنكرية, وهي التي لا يدرك فيها الشخص الملاحظ أنه تحت المراقبة, والملاحظة غير التنكرية, حيث يكون السلوك الفردي مختلفاً, إذا ما علم المراقب أنه تحت الملاحظة، والكاميرا الخفية هي أحدى هذه الوسائل، إن نتائج الأبحاث تتقاطع في التأثير الكبير والقليل, بين هذين النوعيين من الملاحظة.
جـ. الملاحظة المنظّمة, وهي مناسبة عندما تكون المعضلة محددة, والمعلومات المطلوبة تشجع في تحديد المراقبة وقياسها، في حين أن الملاحظة غير المنظّمة, تعتبر مناسبة في الحالات الأخرى, التي تشكل الفرضيات فيها, بديلاً عن التحديد, وهي تستخدم في الأبحاث البيئية والاستكشافية.
د. الملاحظة الإنسانية أو اليدوية, وهي التي يقوم بها الشخص بحواسه, أما الملاحظة الآلية, فهي التي تستخدم فيها أدوات المراقبة الآلية, كأجهزة التصوير والتسجيل, وذلك لزيادة الدقة أو لتخفيض التكاليف .
وهذه العملية في الرصد والمراقبة, يعبر عنها أهل الاختصاص, في علم الإتصال والمعلومات وهندسة الرأي العام, بالتغذية المرتدة لقياس الرأي العام، وهي المرحلة النهائية لتقييم النتائج في المسح الميداني, واتخاذ القرار حسب ردود الافعال، التي تتخذ استناداً للمعلومات التي تتضمنها التغذية المرتدة.
ففي حالة ان نتيجة الإستدلال الاستنتاجي الرياضي للتغذية المرتدة, تكون قيمتها "صفرا"، أي تتساوى فيها الصورة المخطط لها للرأي العام, مع الصورة الواقعية الراهنة, التي جرى دراستها وتسجيلها، عندها تؤشر التغذية المرتدة عدم الحاجة للتداخل الإجرائي، وفي حالة العكس, عندما تكون نتيجة قياس التغذية المرتدة, رقما أو قيمة موجبة أو سالبة، عندها سيتطلب التداخل الإجرائي, لتعديل مسار الرأي العام, من خلال الإستجابة لمتطلباته أو مزاجه, في تقارير مخرجات ونتائج قياس الراي العام, التي تودع الى الجهات ذات العلاقة, أو أن تعلن من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
تقويم وإختيار طرائق قياس الراي العام
ليس هنالك طريقة واحدة أو وسيلة منفردة, أفضل من سواها تعميماً من الطرائق الأخرى، فأن الطريقة المناسبة لحالة أو ظرف معين, قد لا تناسب غيرها، لان الموضوع ومجال البحث الميداني, يفرض نفسه في تحديد طريقة جمع المعلومات لأغراضه.
ويمكن استخدام المقارنة التالية, كدليل عمل معياري, في إختيار الطرق والوسائل المختلفة لجمع المعلومات, وملاءمتها لنوع البحث, سواء كان في قياس الرأي العام, أو لأغراض البحث العلمي الأكاديمي.
1. من ناحية الكلفة والجهد, فالملاحظة الميدانية, يكون جهدها كبيرا, وتحتاج إلى وقت ومتابعة، أما أساليب الإتصال, فان الجهد المبذول فيها كبير أيضاً, إلا أنه أقل من وسيلة الملاحظة الميدانية .
2. ومن حيث ضبط المعلومات ودقتها, تعتبر الملاحظة والمقابلة, من أكثر الأدوات دقة، وقد تقل درجة عنها, أسلوب الاستبيان.
3. ومن حيث عمق المعلومات المجمّعة, يحصل القائم بالإستطلاع الميداني, على معلومات أكثر عمقاً في الملاحظة والمقابلة، وتأتي طريقة الاستبيان في درجة أدنى, من حيث عمق المعالجة لموضوع البحث ومشكلاته.
4. ومن حيث المرونة في جمع المعلومات الحديثة, فالوسائل الميدانية تكون ذات مرونة متدنية, في متابعة وجمع المعلومات الحديثة وخاصة الاستبيان, مقارنة بالمصادر المكتوبة.
5. ومن حيث شموليتها ووفرة معلوماتها, تكون المقابلة والملاحظة, شاملة لكل جوانب الموضوع, من حيث وفرة المعلومات وتفاصيلها, إلا أن الاستبيان يكون أقل شمولية, خاصة ما يخص الموضوعات والأنشطة المعاصرة.
6. ومن حيث أمكانية ردود الفعل, فالاستبيان والملاحظة, تكون أقل خضوعاً لإرادة القائم بالبحث والإستطلاع الميداني, إلا أنه في أسلوب المقابلة, كثيراً ما يلاقي ردود فعل من جانب الأشخاص الذين سيقابلهم, خاصة إذا تعلق الموضوع عن مؤسساتهم أو مجال عملهم ومعيشتهم, وخصوصياتهم في الأداء والعمل والإبداع، ومحاولة كشف النقاب عن بعض الجوانب السلبية في ذلك.
هوامش الدراسة
دهيثم الحلي الحسيني, الباحث, المناهج والمنهجية وطرائق جمع قاعدة المعلومات في البحث العلمي, الحلقة التاسعة, طرائق الإتصال الميدانية في جمع المعلومات, مقالات حول العالم, شبكة عراق المستقبل للاعلام, 2008.
2 عامر ابراهيم قنديلجي" الأستاذ"، البحث العلمي واستخدام مصادر المعلومات، الجامعة المستنصرية، دار الشؤون الثقافية ، يغداد، 1993.
3 دهيثم الحلي الحسيني, الباحث, المناهج والمنهجية وطرائق جمع قاعدة المعلومات في البحث العلمي, الحلقة العاشرة, الطرائق الميدانية غير الإتصالية في جمع المعلومات, مقالات حول العالم, شبكة عراق المستقبل للاعلام, 2008.
4 علي سليم العلاونة " الدكتور"، أساليب البحث العلمي في العلوم الإدارية، جامعة مؤتة، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، 2000.
5 سرمد الجادر, "الأستاذ الدكتور"، مناهج البحث العلمي، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، بغداد ، 2000.


دهيثم الحلي الحسيني
باحث في الدراسات الإستراتيجية
ومتخصص في التراث العلمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكان غزة على حافة المجاعة خصوصاً في منطقتي الشمال والوسط


.. هيئة عائلات الأسرى المحتجزين: نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق




.. مقابر جماعية في غزة تكشف عن فظائع.. ومراقبون: ممارسات ترقى ل


.. بريطانيا: طالبي اللجوء ا?لى سيرحلون إلى رواندا مهما حدث




.. أهالي الأسرى لدى حماس يتظاهرون في القدس من أجل سرعة إطلاق سر