الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فى قصة التفكير

غادة هيكل

2013 / 11 / 27
الادب والفن



اولا: القصة
التفكير ****
عزلوه عن محبوبته ذات الظلال الوارفة وشجر الزيزفون ، لم يطردوه منه ولكن حبسوه فى زنزانة ضيقة بعد ان كانت مدينته كلها ببراحها الواسع هى كل عالمه ، اليوم أصبح العالم أربعة جدران فقط ، له باب واحد بعد أن سرقوا مفاتيح المدينة ذات الأبواب السبع وأغلقوها على ساكنيها ، لم يتأقلم مع محبس المدينة الواسعة فحبسوه خلف باب واحد له سجان واحد وعصابة من القوادين ، فى محبسه لم يكن يتذمر ولكن جعل الصمت سلاحه ، وكيف لا وقد كانت الكلمة فيما مضى سلاحه الذى سلطه على أفواه الفاسدين فكمموا فاهه بمعزله،ولكن هل يرضيهم صمته ، هم فقط من يرونه صامتا ولكنه يحدثهم جميعا ، فهذا الواقف خلف الباب يسمع همسه ويسمع همسها معه، يتبادلان أطراف الحديث عن المدينة الضائعة فى أيدى دمى بلهاء غافية تحكم وتصدر الأوامر ينصت من بالباب لعله يسمع أطراف الحديث فيقوم بالتبليغ عن مخططه نحو المدينة ، ولكن هيهات فهو صامت ، اذن كيف الوصول إلى مكنونه ؟فليحادثه الواقف بالباب فهو أقرب الناس له ورفيقه ليلا ونهارا . يفتح الباب بصيص النور المتدفق إليه يمنعه من الرؤيا ينتظر لحظات حتى يفتح عينيه يدور بينهما حديث : لماذا العند يابنى ؟ لقد منحنى العند معرفة الشيطان وحلفائه ومن يوسوسون لهم لتبقى مفاتيح المدينة بأيدهم وتبقى انت خلف هذا الباب سجان بمفتاح مزيف يملكونه ولا تملكه ما هذا الكلام يا بنى أنا لا أفهمك ! اذن فلتنقل حديثى كما هو ليس عليك فهمه يقولون أنك تفكر وتكتب وتهاجم . وهل اصبح العقل جريمة والحلم جريمة والقلم جريمة لماذا لا تشاركهم المال والجاه وتخرج من محبسك هذا ؟ ومن يطلق المدينة من محبسها ومن يعيد لها المفاتيح المسلوبة والخزائن المنهوبة ويرسم على الجدران لوحات الحرية ؟ لم أعد قادرا على فهمك سوف أرحل . فلترحل وليأتنى غيرك من يفاوض على ثمن المفاتيح وكم سأنال منها حتى أصمت يأتيه صوت من الخارج : سوف تصمت وإلى الأبد فمكانك ليس هنا سنقف بينك وبين عقلك ونمحو ذاكرتك وننسيك مدينتك فنحن لم نستول على المدينة هى من أتت إلينا طواعية وتنكرت لمن هم أمثالك ، نحن المال والقوة ، وأنتم لا تملكون سوى عقل وقلم وورقة تبلى مع الزمن ،أعطوه حقنة لكى ينام ولا يحلم . تستمر الأيام متشابهة لا يملك سوى حلم وبعض الهمس لمحبوبته التى يراها كل يوم أجمل وشوارعها الواسعة الخالية من الفساد والنفاق وورقات التزوير وصناديق الاقتراع الخالية والنتائج المسبقة علنا ، كل يوم يراودونه يزداد صمودا، يعذبونه يزداد قوة ، يصعقونه يزداد صرامة . فى الخارج وعلى أسوار المدينة يكتبون كلماته ينشدون ألحانه يصفقون بايديهم ، لقد علمهم كيف يقفون ، كيف لا يركعون إلا للخالق ، لقد ترك لهم الحلم ، وترك لهم نور الشمس ، وترك لهم كلمات لا يمحوها ذوبان الورق ، لم ترهبهم وترهبه الجدران فلم يحن وقت الموت لك يا محبوبتى وفيك من ينشدون الحرية لك ولهم ولى ، لكسر الأغلال والقيود ، ما زال الخلاص هنا فى العقل وتهمتى هى التفكير فليكن موت الجسد و ليحيا التفكير

ثانيا : القراءة
****************
المجد للشيطان معبود الرياح
من قال لا فى وجه من قالوا نعم
من علم الإنسان تمزيق العدم
من قال لا فلم يمت
وظل روحا أبدية الألم
أمل دنقل
لم أكن قد انتهيت من قراءة قصة التفكير للمبدعة /غاده هيكل إلا ووجدت نفسى أردد أبيات أمل دنقل من قصيدته (كلمات سبارتكوس الأخيره ) فروح الرفض تطل بقوه من بين سطور القصه
مرة أخرى وبعد قراءة اخرى وجدت كلمات الزعيم الهندى الكبير غاندى يطل بكلماته
(الـ “لا” التي تلفظ عن قناعة عميقة أفضل من الـ “نعم” التي تلفظ لمجرد الإرضاء، أو أسوأ من ذلك، لتجنب المتاعب).

بعد عدة قراءات لقصة (التفكير) للمبدعة / غادة هيكل وجدت نفسي صريعا لدوامات التفكير
لعل عنوان القصة وحده يستحق دراسة ...
القصة عبارة عن سرد متقن يندرج تحت نظرية الفن الحكائى مستخدمة ضمير الغائب .
هنا نجحت القاصة فى استخدام الضمير بمنأى تام عن وجودها الشخصى أو انحيازها الفكرى للبطل (الضمير /الوطن /القلم /العلم /التفكير ) فجائت جملها الفعلية القصيرة بإحساس عالى جدا لكنه لا يشير لوجودها فى متن النص مما يزيد من امكانية استغراق المتلقي فى النص وإحساسه بأنه مسئول تماما عن ما يحدث من عزل وتعذيب للبطل (المعنى )
(عزلوه عن محبوبته ذات الظلال الوارفة وشجر الزيزفون،لم يطردوه منه ولكن حبسوه فى زنزانة ضيقة بعد ان كانت مدينته كلها ببراحها الواسع هى كل عالمه ، اليوم أصبح العالم أربعة جدران فقط)
استهلال سردى يلتقط حالة تضع المتلقى فى حالة تأهب لمتابعة مايحدث ومن هو الذى وقع عليه فعل العزل هل هو شخص عادى؟ هل هو ملك؟ هل هو رئيس ؟ - هو كل هؤلاء هذا ما استنتجته بعقليتى البسيطه وقراءتى المتواضعة للنص- . ثم يأتى بعد ان العزلة طالت المدينة كلها ولأنه من بيده كانت المفاتيح فهو( الشخص /العقل) الأخطر عليهم
البطل/الرمز (التفكير)
الرافض بصمته ومع ذلك هم يخافون من ان تتسرب افكاره خارج محبسه وتصل لمن حوله اذا الخوف ايضا من الصمت فهو لغة يجيدها اصحاب العقول .
القاصه احسنت إستخدام الجمل الفعلية بين الماضى والمضارع والتى جاءت قصيره ذات وقع دال على تشابك الماضى بالحاضر فى ذوبان لغوى يخدم النص والفكره
الافكار لها أجنحه هكذا تقول القاصة رمزا وتصريحا عندما افلح الصمت البطل الرافض رغم كل محاولات الاستمالة ترغيبا وترهيبا فها هو الأمل قد لاح صراحة فى قولها ( كل يوم يراودونه يزداد صمودا، يعذبونه يزداد قوة ، يصعقونه يزداد صرامة) (وعلى أسوار المدينة يكتبون كلماته ينشدون ألحانه يصفقون بايديهم ، لقد علمهم كيف يقفون)
(لقد ترك لهم الحلم ، وترك لهم نور الشمس ، وترك لهم كلمات لا يمحوها ذوبان الورق ،)
برغم جدر العزلة تتسرب الافكار الى من يؤمنون بها فلا شك اذا من قوة المنطق وصدق القضية التى تناولتها الكاتبه رمزا بالتفكير
تتداعى الى الذهن صور لأبطال ناهضوا الظلم/ العتامه الفكريه/ تضليل العقل/ سلب الحريه /
أمثال ابن رشد وغاندىو جيفارا وامير شعراء الرفض امل دنقل ونجيب سرور
كل هؤلاء رأيت صورهم فى نص التفكير للقاصة الرائعة غاده هيكل
اذا النص يعد تأريخا لقصص الصراع بين الحق والباطل /النور والظلمه عبر رمز التفكير
والذى منشأه العقل
الصراع شكل من اشكال صراع السيطره والهيمنه من قوى الظلام على الشعوب والتى تعانيه شعوب بعينها ذات إرث حضارى وتاريخى مما نستشف منه انه نوع من انواع طمس الهوية الفكريه والهيمنه على العقل.
القاصة استطاعت استدعاء كل اشكال الرفض السلمى والتى تتبلور فى شخصية السجين الذى كان يتمتع بكل انواع الحريه فى مدينه كأنها المدينه الفاضلة (الحلم ) الافلاطونى .
ان كل الشخوص الذين جاء ذكرهم فى قراءتى المتواضعه للنص وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم هم جميعا وجه واحد مهما اختلفت الاشكال والتوجهات الا انهم تشابهوا جميعا فى كما نستدل من القصه فى المصير منهم من كتب له النجاح فى حياته ومنهم من قضى نحبه وظلت افكاره تجاهد الظلام حتى كتب لها النجاح كما تقول القاصه فى نهاية القصة (فليكن موت الجسد و ليحيا التفكير
اذا نقول ان قصة التفكير هى استدعاء لأفكار المواجهه فى صراع ازلى قائم على الخير والشر
جاء على لسان القاصه فى حكاية قريبه من التيمات الشعبية (على الزيبق والزير سالم ) رغم ان الدلالات التى نثرتها القاصه كانت اشمل حيث جاءت تأريخ عبر رمز دال على كل ابطال الرفض الصامت
يبقى ان اقول ان الكاتبه لديها قناعه شخصيه تجاه قضيه معينه رمزت لها بالأربعة جدران وقد يكون تفسيرى هذا خاطىء تماما ولكن هذا ما تبادر للذهن
وليكن ما يكون فالكاتبه ببراعة شديده لوحت ولم تصرح وهذا فى حد ذاته هو بيت القصيد فالمباشرة عدو القصه الاول
تحياتي المبدعة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة