الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتصاب العذرية - قصة -

ضياء حميو

2013 / 11 / 27
الادب والفن


المسافة بين سكنها خلف أزقة المدينة القديمة " بباب الملّاح " و حيث تعمل في " ديور الجامع "، لاتأخذ أكثر من عشر دقائق .
هذا ما كان ينقصُ أمينة في هذا اليوم الممطر..لا تاكسيات، وأن ينخلع كعبُ حذائها الجديد منتصف طريق ذهابها للعمل.
لتفكر كيف ستتصرف، وتستوعب الأمر ،وقفتْ على الرصيف مستندةً الى عمود كهرباء، المحلات لم تُفتح بعد، ورئيسها في العمل أنذرها أكثر من مرة لتأخرها.
لم تكن تتأخر قبل شهر حين إرتدتْ الحجاب ، أي لون شال ، وكيفية وضعه وأي ماكياج!، كل صباح يُربكها هذا الأمر،ويأخذ منها وقتاً يُنسيها الفطور، تريد أن يظل وجهها جميلا كما كان قبل أن تغطي شعرها.
لاخيار الا أن تمشي حافية، هكذا قررتْ .
نزعتْ جوربيها، وحملتْ زوج حذائها بيدها، فيما وجوه المارّة تستغرب وتضحك، إقترب أحدهم متحرشاً وهو يغني أغنيةً لكاظم الساهر :- آه.. ياحافية القدمين.
كتمتْ ضحكتها ، كي لايتمادى، اقترب أكثر، أحستْ برائحة أنفاسه ودخان سيجارته، توقفتْ محدقةً به، لوّحتْ بحذائها المكسور :- إمضِ بطريقكَ او أكسرُ الثاني على رأسك.
مضى وهو يشتمها :- ماظننتُ المحجبات ايضاً وقحات.
أحستْ بنشوةِ إنتصارها، وصارتْ خطواتها الحافية أكثر رشاقة.
رملُ الرصيف الصغير وأوساخه، هذا الإحساس بالالتصاق بالأرض، يغمرها بنشوةٍ تصعد الى قمة رأسها، واذ تتلاشى تصعد نشوةٌ أخرى.
صارت تحسُ الأشياءَ للمرةِ الأولى، عجبا ..!، كيف لم تنتبه لشجرة مسك الليل ، وهي تمر بها يوميا، بزهورها البيضاء الكبيرة، كأنها قناديل !.
تغدو " الرباط" في المطر، كمسك الليل ،تغتسل من وسخ دخان السيارات والزحمة.
أسفل الشجرة، تخيلت شعرها، أوراقها والقناديل معلقةً به.
تذكرتْ حديث صديقتها زينب يوم أمس ..:- لا استطيع أكثر ،لم أعد أطيق هكذا زواج، سنة كاملة يحاول ويحاول ، ولا يحدث الإنتصاب لديه،فيجلس يبكي، سنة وانا متزوجة عذراء، رضيتُ هذا بإنتظار أن يستطيع يوما.
أمي أخبرتْ أبي برغبتي بالطلاق، وبدل هذا، يُخبراني أن أساعدهُ ، فيقترحان أن تُزيل الحجة " رشيدة " الغشاء بإصبعها!!.
زوجي الإفتراضي شريك أبي في العمل ، ستكون فضيحة لزوجي لو تطلقت وأنا عذراء، يخشيان على سمعته إن تزوجتُ بعد الطلاق، وأبي يؤرقه هاجسُ أن أكون ثيباً بإصبع " الحجه" رشيدة"، ومطلقةً. يخاف ان أعاشر رجلا آخر، بعد ان يُفتح الطريق.
إبتعدتْ أمينة عن الشارع المؤدي لعملها، لم تشأ أن تخسر هذه اللحظات الرائعة، ليس كل يوم تمشي حافية كما كانت صغيرة، فالتتسخ القدمين، المطر سيشطفهما.
"سأدعه يشطف شعري" ، وبحركة واثقة ، ثنت المظلة، أزاحت الحجاب ، وبدأتْ السماء بسقيها.
زينب الطفلة الجميلة ، جمالها أرعبَ أبيها، فزوّجها طفلةً لشريكه في العمل.
ليلة البارحة أخبرتْها ان أبيها جلس يبكي قربها، ويشعر بتأنيب الضمير..
إنفجرتْ زينب ضاحكةً فجأة :- لمَ يَطلبُ بعضُ الأزواج كشفا طبيا في العذرية!، اليس من حقنا أن نطلب ذلكَ ايضا!، أو على الأقل ، كشفا طبيا بالإنتصاب!
- انتِ مجنونة، لو طلبنا ، لن نتزوج أحدا، وقد نتسبب بإنقراض سلالتنا.
لن تخسر هذه اللحظات ، الى الجحيم بالعمل ، وبالمدير ،وبالإنتصاب، اليس هو من كان يتطاير فرحاً بإنتصاب أحزاب " الربيع العربي"..!
ها هي قد تحجبتْ ،حضوةً لدى المدير، ورغبةً بأن لاتشذ عن القطيع ، ليَخف التحرش بها، وإذلالها بكلام قبيح من المارة ، كأنها لاشيء، مجرد جسد.
زينب المسكينة ، ترتعب من موعد الغد مع إصبع "رشيدة".
انحرفتْ أمينة بطريقٍ آخر صوب البيت ، هكذا قررتْ أن لاتذهب للعمل ، وأن تجلس في أول مقهى يُفتح ، بانتظار محلات الأحذية .
في الطريق إشترتْ علبة سجائر، طلبت من البائع أقوى السجائر ، مستغربا سألها البائع:- هل تدخنين ؟، أجابته بالنفي.
قال لها:- اللون الأحمر يعني انها قوية، ومن ثم وهو يغمزها: هنالك السيجار وهو أقوى.
قال هذا وهو يُشير الى قضيبه.
- قذفته بالنقود ، ومن ثم وبصوت حانق وهي تُغادر مسرعة :- إن كانَ ينتصب بدون فياجرا..!.
لاتحب القهوة السوداء ، بلا حليب،ومع ذلك طلبْت "دبل اكسبراسو"،، كان مذاق القهوة المركّز حاداً، خدَّر لسانها، فضتْ عذرية علبة السجائر ، بأسنانها، حين لم تجد نتوء شريط فتحها، استلتْ سيجارة وتخيلتْ نفسها تمسكها بطريقة " الن ديلون" في فلم " الشمس الحمراء"، وبدأت بنفث الدخان ، طلب النادل رقم هاتفها، خرجت منها .. اوفففف ، جعلته يهرب من أمامها.
مأصعب ان تكون إمرأة بهذا العالم.
ولكن ..!
مالذي عنته زينب ، بانها ستقلب الطاولة الى الأبد!.
يالهي ، هل فكرتْ بالانتحار!، كيف لم يخطر بذهنها ذلك!.
إتصلتْ بها لكن الهاتف مغلق ، عاودتْ الإتصال ، وذات الشيء.
اطفأتْ السيجارة ، دفعتْ حسابها ، وخرجتْ تهرول كالمجنونة صوب بيت زينب ، فيما النادل يصيح بها:- موزموزيل .. علبة سجائرك.
- إحتفظ بها لكَ ، انا لا أدخن.
كانت كالمجنونة حقاً بشعرها المبلل ، وقدميها الحافيتين المتسختين، وجدتْ باب البيت مفتوحا، دخلتْ مسرعةً ، لتجد زينب شبه عارية تجلس محدقة بالفراغ ، فيما ثوب نومها ينكشف عن فخذيها ، ولون قطرات دمٍ حمراء تصبغ قماش الأريكة.!.
:- زينب. مالذي حصل، هل انتِ بخير!؟.
- انا بخير، قلبتُ الطاولة.
- اي طاولة؟ هل ضربكِ ؟ من فعل هذا؟ هل إنتصب أخيرا؟
وبضحكة أشبه بالبكاء :- أنا من إنتصبتُ، أجلسته قبالتي وتعريتُ، وفضضتها بإصبعي أمامه، هكذا لن أحتاج "الحجة"، ولن ينفضح عجزَهُ إن تزوجتُ ثانيةً، وافق أن يُطلقني.
- هل إنتهى كل شيء؟
- بل بدء كل شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النص بين الشكل والمضمون
رائد الحواري ( 2013 / 11 / 28 - 04:30 )
القصة جيدة في شكلها، فقد استطاع الكاتب ان يستخدم لغة ادبية تتناسب مع شخوص الحدث، فعدما جعل الانثى تتكلم بصوتها هي، كان يمثل احتراما لها، كما ان الفكرة التي يعاني منها العرب ـ ـ المجتمع الذكوري ـ تمثل حالة من الاشكالية فيه، نهاية القصة كان بمثابة ـ ثورة ـ على الزوج والاب والمجتمع، بكل المقايس النص جيد.

اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-