الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السؤال

صفوت فوزى

2013 / 11 / 29
الادب والفن


" في الليل علي فراشي طلبت من تحبه نفسي ، طلبته فما وجدته "
كان هو وطني ، وكنت نخلته السامقة ، منه أرتوي ومن ثمره أطعم الأرامل والفقراء . كان يقف هناك ، علي شاطئه الغامض يناديني ، ينادي روحي وجسدي والمستحيل ، أمد له يدي ، أضع رأسي علي صدره – وسادتي اللينه – أود أن يزورني النعاس إلي جواره في النور .
قامت من نومها مفزوعة ، احتضنت صغيرها ، دفنته في صدرها كياناً حياً نابضاً يشيع في أطرافها وأعماقها رغبة البقاء .. مسحت بكفها علي رأسه ، قبلت جبينه .. هذا الكائن الدقيق الحجم ، الراجف بالحنان كالقلب ، تود لو تستوعبه داخل كيانها ، وتلجأ إلي صدره كطفل خائف .
الليل مهيب ، ملتحف بعباءة الصمت والوحشة ، نجومه تتواري كقناديل معتمة ، ونصف قمر مخنوق معلق في شرفة السماء . إحساس حارق بأنها صارت منسية في أرض لم يعد يعبرها أحد . أجهشت في بكاء مر .. مالت تتسمع صوت الصدأ الزاحف في الليل .. تغمض عينيها مستندة بظهرها إلي الحائط تنتظر أصابع نور الصبح الطالع عندما تتسلق الحيطان وتتعلق بحديد النافذة فوق رأسها .

* * *

مال عليها بجسده النحيل ، لبد في جوارها كقطة ودودة ، تشبث بها ، بكي .. ضمته إلي صدرها ، جاهدت ألا تنزل دموعها .. هدأت من روعه ، قادته إلي المدرسة .
عشرات الأيدي لأمهات ممسكات بأطفالهن .. يتجاوزها .. يقفز فوقها .. يتجاهلها .. وتستقر العينان الصغيرتان علي يد خشنة مشعرة قوية لأب ممسك بيد طفل .. يقف أمامها طويلاً مبهوراً .. تتسارع أنفاسه .. يتأملها .. يحس نبضها دافئاً ، يتلمس بأصابعه الصغيرة خشونتها المحببة .. يشعر بالأمان في ظلها .. ويسير .
فناء كبير يموج بالعيال لا يألف فيه أحداً ولا يأبه له فيه أحد .. إعتادوا علي صمته وحضوره الأخرس .. زحام الأطفال وخشيش الثياب المغسولة والضحك .. وجوه مزدهية بالسرور ، ووجوه مسكونة بالخوف والرهبة .. أفلتته من يدها مخنوقاً بالدموع .. مأخوذاً غاب في الزحام .. عيناها معلقتان به ، فيما يده الصغيرة الممدودة تلوح لها .. تحدرت الدموع، نهر ساخن يغسل خديها ، لم تمسحها .. تركتها تسح تنزل علي قلبها تواسيه .. ليس ماهو أكثر حناناً من الدموع ..
أقفلت عائدة وشفتاها ترتجفان بما يشبه الإبتسامة .




* * *

شمس لينة حميمة تزحف صاعدة تتسلق أسوار المدرسة ، تفرد جسمها الدافئ علي الأسطح والحيطان والناس وكل شئ .. تبعث الدفء في الأجساد الغضة الصغيرة .. يتثاءب كلب متناوم ، وتموء فوق الجدار قطة تتدلي للوثوب .. معلمات بدينات مشغولات عنهم بالثرثرة وحبك غطاء الرأس .. يتقافزون .. يتراكضون خفافاً .. تتطاير أصواتهم الصغيرة العذبة .. يتخاطفون أشياء .. يصرخون .. يضحكون حتي يسقطوا مضروبين بالتعب .. يلهثون ، ويبتسمون .. يتحلقون حول بعضهم وتجري أحاديثهم هادئة حيناً وصاخبة أحياناً :
- عندنا كومبيوتر عليه أفلام كرتون .
- عندنا حوض سمك فيه سمك ملون .
- عندنا عصافير ملونة في قفص .
- عندنا أتاري عليه ألعاب كتييييييييير .
وحده يراقبهم في صمت ، علي إستحياء يتأمل وجوههم .. في عينيه يسكن طائر يتنفس هلعاً .. يقترب منهم محاذراً .. نبت السؤال مخنوقاً علي شفتيه بينما تستجدي حنجرته ظل الأشجار ورائحة التراب .
متحسساً كلماته كمن يخوض في أرض زلقة يسألهم :
- عندكم أب ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و