الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجريب ..هو التلقي ( المثير ) في المسرح

فاضل خليل

2013 / 11 / 29
الادب والفن


التجريب، اشكالية في غالب الاحيان عصية على الفهم، سواء بالنسبة الى القائم على التجريب أو متلقيه. ولقد أثارت هذه الظاهرة التي صارت فيما بعدت موضة أو صرعة تنطلق من فهم أن التجريب انما هو ( لعب ) غير مدروس على ان نعرف بأن اللعب في المسرح ليس سوى لعبا ( تمثيل play )، وعليه فان اللعب الذي نقصده في البعض الذي فهم ( التجريب ) لعبا للصغار، هو الذي ابعده عن معناه النبيل الذي نقصده في المسرح منذ بدأ العمل فيه والى اليوم. وعليه فان ( التجريب ) يثير الكثير من اللبس على صعيد العمل في المسرح، وصار اختلاف الفهم فيه معنى واصطلاحا يثير الكثير من المتاعب للمختصين من العاملين في المسرح. وفي المحاولة للتوصل الى معنى مشتركا فيه وجدت اليحث فيه ضرورة قد توصلنا الى اتفاق لا يجعلنا نتنازل عن ثوابتنا في الذي اتفق كل واحد فينا على معرفته فيه. وسأبدأ من التعاريف التي وردت فيه. فهو يعني: expermentalism وهذا لا يختلف كثيرا عما أورده قاموس المورد) الذي نص على أنه:
1- تجربة، اختبار.
2- تجريب.
3- يقوم بتجارب.
والمقصود بمن يقوم هو ( المبدع ) بشكل عام، وفي الاختصاصات المتنوعة. ولا يختلف الجميع على ماورد في المعنى القاموسي، بل ان الكثير من الباحثيني يتفقون في ان التجريب انما هو: حدث من الأحداث action، يحوي الكثير من الابداع غير المألوف، البعيد عن التقليدي الذي سار عليه الغالبية ممن أطلقوا عليه هذه التسمية. شرط ان يتم التقديم للمادة التي لم يتعرف عليها الجمهور من قبل والتي تعرض لأول مرة، باعتبارها ( أنموذجا ) لم تسبق معرفته والخاص بالمبدع، بالعمل على اختباره كي يصبح تقليدا. وهنا يدخل ( المنجز ) في منطقة التجريب، يضاف الى ذلك شرط آخر كي تكون ( المادة ) غير مسبوقة أو متوارثة ولم تدخل بعد في اطار الحياة، أو المسرح ( حاضنة التجارب المسرحية المجربة ).
وهنا يدخل ( التجريب ) في سياق التعريف التالي: ( وهو عملية البحث في حقيقة شئ ما من اجل الوصول إلى مظهر آخر aspect لنفس الحقيقة ). من هذا المنطلق سيصيب المبدع معنى ( التجريب ) حتما، وسيكون من حقه اختبار تجاربه بامتحانها أمام الجمهور لمعرفة استقبالها ومقدار قبولها سلبا أو ايجابا، فيما إذا كانت تكرارا لسابقة، سواء كانت لذات المبدع أو لغيره من المبدعين. وحتى لو انها لاقت اخفاقا ولم تصب النجاح، فله شرف المحاولة. على أن نعرف بان البعد الذاتي غير الموضوعي، هنا لا يفيد ادعاء التجريب مع التجربة المعروضة، لأن هناك من يفصل بين رأين هما رأي الجمهور الخاص ( النخبة ) الذي قد يتفق في كون الذي يراه ( منجزا ) أو ( تجريب ) يحمل الاضافة، عن الجمهور العام الذي لم يتفاعل معه. وقد يعتبر الكثيرون من المعنين بالتقييم، بأن عدم الاجماع في الرأي هنا اخفاقا، بسبب أنه لم يحض بالاستقبال الايجابي من الجميع، وانه حاكى النخبة فقط، وعندها يصبح الرأي في أن المنجز الحقيقي عند التجريب يجب ان يلقى اتفاقا جمعيا، فالرأي الأحادي سيكون رأيا ناقصا حتما، لا يكفي قياسا في نجاح التجربة. انطلاقا من أنه لم يمتحن من قبل الجمهور بنوعيه، المتخصص، وغير المتخصص باعتبارهما ـ الحاكم الاول على التلقي ـ اللذان يضعان ( المنجز ) في امتحان التشابه أو عدمه في محاكاة العروض، سواء لذات المبدع او لغيره من المبدعين. وهنا سيكون المعنى الاصطلاحي experimentalism متفقا في المعنى مع التجريب الذي نسعى الى الوصول الى معانيه وفق ما ودرد في معجم ( المورد ) على أنه: أنه عمل أو فعل أو نشاط يؤدي إلى سلسلة من الأحداث غير المتوقعة التي تشكل نتائجها أثرا أدبيا أو فنيا جديدا، بعيد عند التماثل أو التشابه مع منجزات اخرى في ذات الحقل. وعليه سيتفق مع الرأي الذي يرفضه البعض احيانا ( الخروج عن المألوف ). وانطلاقا من ذلك، فاننا نستطيع الجزم بأن كل ما قدم سابقا ومنذ بدايات المسرح تسمى ( تجريبا ) قبل امتحانها بالعرض أمام الجمهور الذي سيقرر على كونها تجريبا. وعليه فأن الجهود المسرحية الأولى ومنذ العصور الإغريقية، والبابلية، والسومرية، والفرس، والفرعونية، وسواها من التجارب، انما هي تجارب حظيت بالمشاهدة فصارت تقليدا لا يحق لآخر محاكاتها اذا ما اراد أن يكون مبدعا وليس مقلدا يمتهن حرفة الفن وليس مبدعا. والتجريب الذي نعني هو الذي يمتلك ( الادهاش ) من خلال المثيرات التي تحمل ذات الدهشة كالتي أحدثتها تجارب كافة المبدعين اللذين تركوا بصماتهم على الحركة المسرحية من العصور التي جاءت بعد العصور الكبيرة ـ اغريق، بابل، سومر، فرس، فراعنة، وسواهم ـ وماتلاها من معاصرين كتجارب ستانسلافسكي، بريخت، وصولا الى التجارب الأكثر معاصرة والتي تركت أثرها البالغ فينا في كونها السباقة التي خلدتها الذاكرة.
وكما يمكننا القول بأن الشعر العربي، ليس سوى قصيدة واحدة، تبدأ من حيث ما بدأت في القدم ومن كان اول شاعر لها، ولم تنتهي حتى آخر شاعر كتب القصيدة في اللحظة الراهنة. لكون ديمومتها وستمرارها تدوم مع دوام الولادات لشعرية الجديدة شعرا وشعراء. وكل التجارب ما أفرزت من تجارب في الكتابة، دخلت بامتحانات التلقي وثبتت جدتها في التجريب. حتما ستوضع في سياق التسلسل الشعري للقصيدة الواحد لكل المشتغلين في منطقة القصيدة الواحدة ـ حسب التفكيكية ـ. هذا بالنسبة للتجارب ذات القيمة والاضافة، أما ما عداها من التجارب التي لم تترك أثرها الابداعي بعد التجريب في التلقي كانت خارج سياق القصيدة الواحدة من منطقة الشعر بشكل عام، لأنها لم تحاكي ما سبقها. ورغم أن اللذين وصفوا ( الجواهري ) العظيم بـ ( متنبي العصر ) لم ينطلقوا من أنه قلد المتنبي، انما انطلقوا من التماثل الرصين في البناء الشعري الذي امتلكه ( الجواهري ) شاعرا. وهي لا تقل من قيمة الجواهري ولا شأنه، بل هي نوع من المديح والاعتراف، قاربته من ( المتنبي ) الذي لا يجارى شعريا. ولأن الشعر العربي قصيدة واحدة، فمن المؤكد، أن الجواهري مخبوء في المتنبي، والسياب مخبوء في الفرزدق ..وهكذا.
وكما في الشعر كذلك في التجربة المسرحية، باعتبارها سلسلة من التجارب، يكمل بعضها بعضا، تتصل هذه التجارب بما سبقها من التجارب وابتداءا من أول مسرحية سجلتها الذاكرة الجمعية التي قد تصل الى التجارب المسرحية عند الاغريق، وما تلاها. تلك التجارب التي تتفاوت في مكانتها من حيث القوة، لكنها تتفق في عمق التأثير التي جعلها انموذجا نتمثل به. جميعها تضل سلسلة ابداعات تحسب فيها التجارب بعد خضوعها للاختبار وفق منطق التجريب الذي حددناه آنفا والذي يتحدد من خلال التلقي الرصين، الموسوم بالجدة والدهشة، والمشحون بالمثيرات التي تجعل منها أثرا ابداعيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-