الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دزدمونة ... والعنف ضد المرأة في المسرح

فاضل خليل

2013 / 12 / 3
الادب والفن


( دزدمونة ) واحدة من السبيات اللائي قتلن جراء طائلة القسوة التي تطال النساء في بلدان التخلف تحت مسمى ( العنف ضد المرأة ). و( دزدمونة ) امرأة نالت عقاب الموت جراء غضب زوجها ( عطيل ) ـ مريض مصاب بالـ ( شيزوفرينيا ) التي يصاحبها الصرع ـ مضاف اليها الغيرة، التي جعلت منه مطية لها، ومطيعا لأمرها بقتل زوجته ( غسلا للعار ). و( عطيل ) رجل عربي من ( المغرب العربي )، أسير ظنون مختلقة وشكوك لا أساس لها من الصحة بعلاقات موهمة بين زوجته ورجل من ابناء جلدتها تستنهض رجولته في اختيار العنف سبيلا لراحته من عذابات الضمير. ويراه البعض محقا في تصرفه، لأن ( دزدمونة ) الفتاة البيضاء الجميلة التي تنتمي الى طبقة بورجوازية، وأبوها رجل غني، قريب من الحاكم الذي كان سببا في تزويجها من ( عطيل )، و( عطيل ) الذي يتصف بصفات في الضد تماما من مواصفات زوجته، فهو الرجل، الفحل، العربي، الأسود، الذي تجرأ في حب امرأة بيضاء. كل ما تقدم يحمل بين طياته اسبابا مبررة ومنطقية للقتل بعد اليقين من الخيانة. ومع أن هذا كله ليس ذو صلة بموضوعنا، ولكنها شأن في أصول الكتابة التعريف بالحكاية وابطالها.
ولما لم تكن ( دزدمونة ) يوما عنوانا منفردا لقصة او رواية ولا حتى لمسرحية، نجد أن الكاتب يوسف الصائغ قد جعل منها عنوانا لمسرحية أخرى مغايرة لما كتبه ( شكسبير ). ان الجرأة في اختيارها موضوعا منفصلا عن الأصل دعتنا أن نتناولها لندخل في بعض تفاصيلها المنطلقة من أداة السؤال ( لماذا ؟ ). وبعد التحري غير المضني، المنطلق من خصوصيات الكاتب ( الصائغ ) والمخرج ( ابراهيم جلال )، وما للمرأة من دور في حياة كل واحد منهما، نلحظ ذلك الاهتمام من تعدد الزوجات في حياة كل منهما. وبهذا فهما لم يكونا مذنبين قانونا بهذه التعددية وركن المرأة جانبا وبجرأة غير معهودة منهما وهما المرهفين. فما أن تحل بحياة أحد منهما ( دزدمونة ) حتى تأتي أخرى لتحل محلها. فكان نصيب كل واحد منهما ـ الكاتب يوسف الصائغ، والمخرج ابراهيم جلال ـ عدد غير قليل من الزيجات يتراوح لكل واحد منهما بين 4 الى 5 زوجات. اذن فجريمة القتل ثابتة عند كليهما، ولكن الفرق هو: أن ( عطيلا ) حكم بالموت الحقيقي على ( دزدمونته ) لكن الآخران حكما عليها بالاهمال والاستبدال. فأي الميتتين أقسى؟
ذلك هو السؤال ؟
انطلق في موضوعي من اعجابي بابداعهما المشترك في تقديم المسرحية ( دزدمونة 1989) وهناك اجماع في انها عمل كبير، لك يخفق. ولكن وجهة نظر خاصة ومحترمة لـ ( المسرحي والناقد اللبناني عبيدو باشا ) في معرض نقده لها عند عرضها في تونس ( مهرجان قرطاج المسرحي 1989 ) حيث قال فيها: " ففي دزدمونه انتقل إبراهيم جلال من هندسة علم الجماليات ومزجه بين بريخت و ستانسلافسكي إلى العمل على منصة تخضع إلى شروط الأذن. بدا ميكرفونيا "(1). هي إذن - حسب عبيدو باشا - لم تكن بالمستوى المعتاد لـ ( الصائغ وجلال )، والتي كان فيها (جلال ) قريبا من جماليات الصوت بعيدا عن جماليات الصورة ( السينوغرافيا ) ـ حسب عبيدو باشا ـ ومع احترامنا لهذا الرأي الذي لا يقلل من شأن تجربة المخرج الجمالي والسينوغرافي ( ابراهيم جلال ) كثيرا، لاسيما وان ( دزدمونة ) بكل ما هو مدهش، وقد وصفها البعض من النقاد المهمين الذين لايقلون شأنا من ( عبيدو باشا ). وهي التي وضع لها الدكتور جميل نصيف(*) عنوانا نقديا يصفها، بأنها شكلت مرحلة جديدة، وأن مسرحية " دزدمونة: إيذان بولادة مسرح عراقي حقيقي ". وقد يكون في اتهامها بقلة الشأن الجمالي فهذا رأي ربما مقبول ربما، أما عن نيلها جائزة في المهرجان فوصف ( عبيدو باشا ) ذلك بما يشبه العقاب لمن شاهدها حيث يقول: " لقد قارع الجمهور ما شاهده من ثقل النص ومن اكتشافه إن صاحب النص يوسف الصائغ جاء إلى المهرجان وجائزته في جيبه. ذلك أنه أعلن في ملخصها أن مسرحيته درامية ذات منحى بوليسي نفسي"(2). ومع اننا لم نتمكن من فهم المنحى النفسي البوليسي، وعلاقته بالسخط الجماهيري لمن شاهد العرض في مهرجان قرطاج 1989. لكننا نعرف ابراهيم جلال جيدا مثل ما نعرف يوسف الصائغ، وتجربة كل منها التي امتدت أكثر من الخمسين عاما لابد لها من أن تنضج من أسلوبهما في الكتابة بما يخص الصائغ، والعمل مع الجماليات السينوغرافية بما يخص ابراهيم جلال. ولابد من الاشارة بأن جلال الذي لم تسمح له ظروفه ( العاطفية ) من الضلوع في النظريات، بقدر ما ساقته الى انضاج حسه ونظرته الجمالية الثاقبة الى الصورة التي يمتلكها غريزيا، وفطريا، ليصنعها باقتدار على خشبة المسرح، هكذا وصفه البعض من متابعيه ممن أعابوا عليه قصوره في التدوين النظري. على ان نعرف من ان هذا الرأي لايتفق وتوجهاته في العمل على النص كقراءة جمالية ابداعية تدخل في صلب عمل المخرج، وهو الذي يصف علاقته بالنص النظري بقوله: " عندما أقرأ نصّاً مسرحياً أبداً بسماع نغم … وأرى صورة تعبر عن هذا النغم … فأحاول أن أصنع الهارموني في الصورة ، الحركة ، النغم ، كل ذلك لإعادة ترتيب الواقع ، لإضاءة العقل والروح لدى المتلقي "(3). إذن هو يسعى إلى التكامل الفني في العرض المسرحي مع حرصه بأن تتناول النصوص التي يختارها همموم الناس وحكاياتهم. وهو ما جعله يتجه في بحثه عن النصوص المحلية التي يكتبها في الغالب كتاب محليون، تابع تأليفها مع بعضهم متدخلا بإبداء الرأي والنصيحة والملاحظة. فهو يرى في النص المحلي شيئاً ما يمكنه أن ينمو ويتطور، أملا في أن يتوازى بالأهمية مع النصوص المهمة التي أفرزها لنا التأليف في بعض البلدان الهامة في المسرح. يضاف اليها تدخله السافر في انضاج بقية المستلزمات الاساسية للعرض المسرحي هو يقول : " أنني في أكثر أعمالي أضع – أو أساهم في تصميم الديكور – ومثلها الملابس، الإضاءة، الموسيقى ... الخ، لأنني مثلما أريد إمتلاك مضمون العمل، أسعى إلى إمتلاك شكله "(4). مثلما تهمه ضرورة الإنسجام بين المخرج وفريق العمل، هذا الانسجام الذي هو أساس الإبداع أما عن تكوين الصورة لديه فيخلقها التأمل والحوافز التي تثيرها التجارب المعرفية المخزونة في ذاكرته الوقادة التي تحقق لديه الإيقاع الصوري المسند بالإيقاع الصوتي، حواراً، شعراً، موسيقى، غناء، ورقصاً. وعليه فأن ( دزدمونة ) عرض تكاملت فيه السينوغرافيا مع الحوار، وارتقت كي تكون نصا لكاتبه ( يوسف الصائغ ).

الهوامش:
*) الدكتور جميل نصيف، واحدا من أهم النقاد العرب، وله آثار قيمة تأليفا وترجمة. وهو أستاذ نظريات الأدب والنقد في كلية الآداب، وقسم الفنون المسرحية/ كلية الفنون الجميلة ـ جامعة بغداد.
1) عبيدو باشا : ممالك من خشب – المسرح العربي على مشارف الألف الثالث ، رياض الريس للكتب والنشر ، الطبعة الاولى ، كانون الثاني/يناير1999 ، ص430.
2) عبيدو باشا: المصدر السابق ص430.
3) إبراهيم جلال: المسرح بلاغة الحياة ، جريدة الجمهورية، العدد4845 ، بغداد 1982 ، ص6.
4) عامر بدر حسون : رحلة الصحون الطائرة، جريدة الفكر الجديد، بغداد 15/10/1982، الصفحة الأخيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/