الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجم حيدر.. وعراقية التصميم في المسرح

فاضل خليل

2013 / 12 / 7
الادب والفن


من اجل ان ادخل إلى عالم نجم حيدر المسرحي، وليس التشكيلي او الباحث في الفلسفة، لابد لي من تحديد مصطلح التأويل أولا، كمفهوم قد لا يختلف عليه ما يعنيه أغلب المعنين في معناه. رغم أن معناه قد تجاوز الفهم الضيق إلى عمومية شكلت فيه رأيا عاما بل اتفاقا شبه جمعي. فمغزى التأويل لا يقف عند حدود معينه لأنه يجول في التراث مثلما يناقش الواقع المعاصر المعاش. أما النصوص فمهما كان انتسابها، اجتماعي أو ديني أو مختلفا غير ذلك، انما هو واقع ثابت له ما يحدده في الحياة الواقعية التي نعيشها، أو في عموم الثقافة التي نعرفها. وعليه فان دراسة الموضوعات وفق فلسفة التأويل كفيلة بأن تكشف لنا عن أصول الأشياء وانتساباتها حين تكتشفها التفسيرات التي تساعدنا في فك رموزها النصية. تلك التفسيرات التي تبحث عن إجابات يطرحها النص نيابة عن الحياة. حين يتجه في البحث عما يخلص الإنسان من مخاوفه اتجاه الكون وما يطرحه من ضرورات من شانها تخليص الإنسان من مخاوف الوجود في أن يكون أو لا يكون. من هذا الفهم المتفق عليه ـ حسب اعتقادي ـ ينطلق نجم حيدر في تجسيد الفهم التصميمي لغالبية المناظر التي اشتغل عليها قراءة وخطابا. تماما كما المخرج المختص المتفرد. وهو بذلك يحذو حذو مثله الأعلى ( كاظم حيدر ) الرائد المتفرد في تصميم المناظر المسرحية التي اشتغل عليها، لقد تجاوز كاظم المنظر المجرد، وذهب إلى مناطق الاشتغال عليها فكرا، شكلا، وصناعة. فانتقل بذلك من المصمم المبدع إلى (السينوغراف) المهنة المتاخمة لمهنة الاخراج، بل يكاد يكون السينوغراف هو المخرج في الكثير من البلدان المتقدمة في المسرح، المهنة الأكثر اقترابا من منطقة الإخراج، وبذلك يكون المبدع كاظم حيدر الجندي المجهول في نجاح أعمال العديد من المخرجين الذين اشتغل لهم. لقد قدم أعمالا كثيرة يصعب تعدادها لاسباب اعتبارية، شكلت انعطافات هامة في مسيرة المسرح العراقي حسبت لآخرين جلهم جهات هامة في المسرح العراقي. لكن ظل كاظم حيدر شامخا يؤشر بوضوح إلى بصاماته المحفورة في ذاكرة التوثيق للمسرح. ومثلما كان كاظم حيدر، كان نجم حيدر ذلك المارد ـ المخبوء في كاظم فكرا وفنا وذاكرة ـ ومثلما كان [الحيدران] المسكونان ببغداد والعراق القديم منه والمعاصر، يؤكد ذلك لمساتهما العراقية الممتدة الى جذور بابل وآشور وأكد وما جاورهما من حضارات قديمة وما نتج عنها من حضارات عراقية متتالية حسب حقبها. للديكور من خلال فهمه للبيئة البغدادية التي لم يكتف بما يختزنه لها من معرفيات عاش الكثير منها مثلما درس البعض الأكثر عنها، وبالتالي قام على تدريسها ضمنا من خلال انتسابه الى بغداد. ولذلك من وجهة نظري لم كثير صعوبة في التعامل مع النصين [الشريعة، وخيط البريسم] الا بمقدار ما يخرج فيها عن المألوفية المقيته التي لا يرتضي لها المبدعون، مما يجعلهم يربون من التجسيد الواقعي المنقول حرفيا وايقونيا من الواقع. لذلك كان في اختياره للخامة المستخدمة في كلتا المسرحيتين اختيار راق تسامى بالعرض فنيا فوق التصور.
ان المتتبع لانجازات نجم حيدر في تصميم وصناعة ديكوراته يلمس التفرد الذي يميزه عن غيره من اقرانه، فمن مسرحية [تموز يقرع الناقوس] و[كلكامش] و[مصرع كليوباترا] نماذج لتأكيد مذهبنا، فالأنموذجان الأول والثاني لـ [كاظم حيدر] والأنموذج الثالث لـ [نجم حيدر].
أنا ونجم حيدر، وتجربتنا المشتركة في أربعة أعمال هي: خيط البريسم، الشريعة، مائة عام من المحبة، وفي أعالي الحب. وسأبدأ من مسرحية [في أعالي الحب] التي خضعت لأكثر من مقترح، ابتدأ من سجن على شكل مكعب، وانطلقنا بحكم تعلقنا معا ـ أنا وهو ـ بكاظم حيدر، ذهبنا الى لوحة شهيرة لكاظم حيدر، وبعد أن تجاوزنا فكرة المكعب في التصميم، ظلت الصورة اللوحة عالقة بذهنينا الأمر الذي جعل منها صورة لغلاف [البروشور brushier] أو ما نطلق علية محليا [البروكرام program] وهو البرنامج، أو الكتيب الذي يضم أسماء العاملين في العرض جميعا. وحين انتهى مقترح الديكور إلى قمقم من الملابس الكثيرة والمتنوعة. وللملابس حكايتها التي ابتدأت في أن لون العراق منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي وحتى أيام العمل على المسرحية هو [الخاكي] وهو لون ملابس المقاتلين من الجنود الذاهبين للحرب، في جبهات القتال. و[الأسود] لون الحزن على ضحايا الحروب التي لم تنتهي حتى بعد انتهاء المسرحية، وكميات تلك الملابس الكثيرة، تعبيرا عن كثرة ما استخدم الناس الذاهبين إلى الحرب واللابسين للسواد حزنا على الضحايا. وللقصة حكايا اقرب بالطرفة، وهو عند التفكير بالملابس ونحن قدمنا العرض الأول في الأردن(**)، لم نجلب معنا من الملابس القديمة ما يكفي لصناعته. وفي لحظة تجل كنا وقتها في الفندق، انطلق صوت نجم حيدر الجهوري الذي يتمناه أغلب الممثلين بالنداء: حيدر: ياشباب كل واحد منكم يجلب حقيبة ملابسه للمسرح.
وجوم بان على وجوه العاملين في المسرحية، وكانت عيونهم تتساءل: لماذا الحقائب؟ وما دخل الملابس في الموضوع ؟ هل سنسافر دون ان نقدم العرض ؟ أو أننا سنسافر بعد العرض ؟ وكانت أكثر التساؤلات تفاؤلا هي: أننا ربما سنغير الفندق. وظلت الأسئلة الحائرة حتى وصلنا المسرح الذي سنقدم عليه المسرحية، وعندها طلب حيدر أن تفرغ الحقائب من ملابسها ليتم نصب الديكور بواسطتها. عندها ضحك الجميع، وكان ديكورا من ملابسنا، فكانت جوارب يوسف العاني، وكيلوت تميم فاضل، زائدا دشداشة نوم آسيا كمال، ويلك هيثم عبد الرزاق، وتراكسوت هادي كاظم، وحذاء نجم حيدر(2)، جميعها شكلت ديكور مسرحية [في أعالي الحب](3).

هوامش
1) قدم العرض في مهرجان عمان للفرق المسرحية المستقلة الذي تقيمه فرقة مسرح فوانيس.
2) وهم فريق العمل الذي قدمته فرقة المسرح الفني الحديث.
3) مسرحية (في أعالي الحب) تأليف: فلاح شاكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81