الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات المغربية الجزائرية : من يجني ثمار تعكير الأجواء ؟

عبد الرحيم العطري

2005 / 6 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مرة أخرى يعود كل شيء إلى الصفر ، و ينتهي موسم الغرام السياسي الذي جمع البليدين الشقيقين لأسابيع معدودة ، فشهور العسل بين المغرب و الجزائر قدر لها ألا تكتمل ، و أن تظل مجرد مناسبات محدودة الزمن و الأثر للإعراب عن حسن النوايا ، ليعود كل شيء إلى سابق عهده و تنتحر الأحلام و الآمال التي انتعشت و تنامت في أعماق الشعبين ، خصوصا بعد مشاركة الملك محمد السادس في القمة العربية المنعقدة أخيرا بالجزائر و تمديد إقامته بها ،الشيء الذي جعل قارئي الطالع السياسي المغاربي يسهبون في الحديث عن تنقية الأجواء ، و عن قرب فتح الحدود البرية بعد قرار الجزائر برفع التأشيرة ،و كذا عن بناء المغرب العربي و تجاوز كل الخلافات القائمة بين البلدين .
لكن نبوءات قارئي الطالع السياسي لم تصدق و ربما لن تصدق في القادم من الأيام ما دامت العلاقات المغربية الجزائرية تنضبط لخلفية بنيوية معقدة تؤطرها مجموعة من العوامل الداخلية و الخارجية و يؤثر في صياغتها و انبنائها فاعلون كثيرون تتناقض مصالحهم و أهدافهم في مطلق الأحوال ، فرهان التطبيع و الانتهاء من كل الخلافات و الحسابات الضيقة و التي تفوت على الشعبين و المنطقة عموما فرصا قوية للاندماج و التكامل لمواجهة عصر العولمة الكاسح ، ذات الرهان الوحدوي ربما لا يتم صنعه في قصر الجزائر ، و إنما يعود القرار فيه إلى المؤسسة العسكرية التي ما زالت تسيطر على مختلف تضاريس النسق السياسي الجزائري ، فبالرغم من التغييرات التي أنجزها الرئيس بوتفليقة على مستوى التدبير الفوقي لهذه المؤسسة ، فإنه يبدو واضحا بأن المؤسسة العسكرية هي أكبر قوة سياسية في البلاد ، و هي التي تصنع القرار السياسي و تعمل أيضا على تصريفه في مختلف الاتجاهات . فكبار مسؤولي الجيش الجزائري لا يريدون لشهور العسل السياسية بين المغرب و الجزائر أن تستمر لوقت طويل ، فالخلاف بين هذين البلدين يفيد كثيرا في تقوية الرأسمال المادي و الرمزي لمؤسسة الجيش . فمن خلال الأزمة يتغذي أكثر من جهاز و تتم شرعنة أكثر من قرار . و لهذا يتساءل الكثير من المحللين الذين لا يدمنون قراءة الكف السياسي بل ينصتون إلى النبض الحقيقي لمالكي وسائل الإنتاج و الإكراه في النسق المغاربي ، عن سر امتداد الأزمة الجزائرية الداخلية ؟ و عن الحسابات البنكية التي تستقر بها مداخيل البترول و الغاز الطبيعي ؟ و عن الحجم الحقيقي للجيش الجزائري في دوائر صناعة القرار السياسي ؟ و أيضا عن علاقته المباشرة بمشكل الصحراء المغربية و مدي إفادته من تمديد النزاع حوله ؟
إن الإجابات المحتملة عن هذه التساؤلات الشقية تكشف كثيرا من الغموض الذي يلف هذا التعكير المستمر للأجواء بين الرباط و الجزائر ، و يقود أيضا إلى فهم كثير من العناصر التي تجني ثمار هذا التعكير و تفيد منه في شرعنة و تكريس وجودها ، فالعلاقات المغربية الجزائرية لا تصنعها النوايا الطيبة و لا تبادل الإشارات السياسية الذكية ، بل إنها تظل محكومة و حتى إشعار آخر بمصالح المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تخشى التفريط في أحد المشاجب الرئيسية التي تعلق عليها أخطاءها الاستراتيجية ، فمن خلال تدعيم الجمهورية الوهمية للانفصاليين يتم الاستمرار في التضليل السياسي و أيضا في مراكمة الكثير من الخيرات و الرساميل ، و يستمر الإعفاء التام من المساءلة السياسية ما دامت المؤسسة العسكرية تكرس كل جهودها لموضوع إنساني نبيل و هو" مساعدة شعب على تقرير مصيره " . إنه العبث من غير شك ، و إنه العبث الذي يسمح بفعل أي شيء دونما حاجة للانضباط لما هو مؤسساتي في النسق الجزائري ، فلا مؤسسات نيابية و لا مدنية و لا إعلامية بمقدورها أن تقف في وجه طموحات هذه المؤسسة التي باتت تصنع القرار السياسي الذي يخدم مصالحا بالدرجة الأولى .
إن الإملاءات السياسية للمؤسسة العسكرية الجزائرية ليست وليدة اليوم ، و لهذا فهي لا تحمل عنصر المفاجأة ، بل على العكس من ذلك فقد كانت متوقعة ، لأنه من غير المعقول أن يحدث كل هذا الانعطاف نحو التطبيع السياسي دون أن تتحرك المؤسسة العسكرية الجزائرية و تجعل الرئيس بوتفليقة و جريدة الخبر تحديدا يلوكان من جديد الأطاريح و المواقف العدائية السابقة ، و لهذا فعنصر الاندهاش الذي جاء في بيان الخارجية المغربية يصير لا مقبولا إذا ما تم شحذ الذاكرة السياسية و الرجوع قليلا إلى الوراء ، ألم يقل بوتفليقة على هامش مشاركته في الدورة 54 للجمعية العامة للأمم المتحدة " إن الجزائر لا تقبل أن يكون شبابها من المستهلكين للمخدرات التي تأتي من البلد الجار الذي يعد من أكبر الدول المصدرة للمخدرات " ؟ و ألم يضف قائلا في كثير من المناسبات " بأنه لن يتخلى عن دعم الشعب الصحراوي في تقرير مصيره " ؟
و لعل عنصر الغرابة و الإدهاش الذي تحدث عنه بيان الخارجية المغربية يتصل أساسا بالتوقيت قبل المضمون الذي ميز عودة العلاقات إلى الصفر ، فالتصريحات الأخيرة للقيادة الجزائرية جاءت في وقت يجري فيه التحضير لعقد قمة مغاربية أكد قارئو الطالع السياسي أنها ستكون خطوة مركزية و استثنائية على درب تنقية جميع الأجواء المغاربية و تجاوز كل الخلافات القطرية و في مقدمتها الخلافات المغربية الجزائرية ، كما أنها جاءت في سياق دولي يسحب فيه الاعتراف بجمهورية الوهم من قبل العديد من الدول ، و تتكثف فيه الجهود من أجل الوصول إلى حل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية .
كثيرة هي المحطات التي انكشفت فيها الإملاءات العسكرية الجزائرية التي تغنم كثيرا من تعكير الأجواء بين الرباط و الجزائر ، و كثيرة هي اللحظات التي انفضح فيها الخطاب الازدواجي الذي يبصم اشتغال مؤسسة الرئاسة بالجزائر ، و لهذا لا ينبغي للشعبين المغربي و الجزائري أن يعلقا كثيرا من الآمال على المناسبات التي يتألق فيها الغرام السياسي ، و تنطلق على إثرها أسابيع العسل التي لا تعني أكثر من تبادل زيارات بروتوكولية أو تصريحات مجاملاتية أو حتى القيام بمبادرات رمزية من قبيل رفع التأشيرة دون فتح الحدود البرية .
إن الخيار الوحدوي و الوصول إلى أكبر درجة ممكنة من التفاهم بين البلدين يظل هو الاختيار الذكي و الوحيد لمواجهة الإكراهات التي تعصف بعالم اليوم ، لكن هل هذا الخيار الاستراتيجي يعيه جيدا صناع القرار السياسي بالجزائر ؟ أم أن همهم اليوم و غدا هو شرعنة الحضور و تصريف الأزمة الداخلية و إلهاء الٍرأي العام الداخلي و الخارجي والاستمرار في مراكمة الرساميل المادية و الرمزية على حساب القضايا المصيرية للشعب الجزائري و المغاربي .؟
*كاتب و باحث مغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق