الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب و-الناتو- أوّل -شريك- إفريقي ومغاربي

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 12 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


يعتبر المغرب فاعلا أساسيا في الحوار المتوسطي لدى منظمة حلف شمال الأطلسي، حسب قادة حلف "الناتو"، كما يقرّ هؤلاء أن المقاربة التي تتبناها المملكة تلتقي مع المقاربة الشمولية التي ينهجها الحلف.
ويعد المغرب حلقة مهمة في مجال الشراكة الأمنية بين الحلف ودول البحر الأبيض المتوسط، وفي استراتيجية الحلف الأمنية بسبب قربه من أوروبا وكونه بوابة القارة الإفريقية إلى الغرب. لذلك اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية على الحلف منذ 2004 أن يتم إدماجه داخل الحلف كأول دولة من شمال إفريقيا ومن العالم العربي تدخل نادي الناتو، بهدف تعزيز التعاون الأمني والعسكري معه قبل توسيع هذا التعاون إلى دول المغرب العربي الأخرى.

المغرب أول بلد عربي يدخل "الناتو"
إن صفة "حليف رئيسي خارج الناتو" هو تعيين يقدمه حلف الناتو ( حلف شمال الأطلسي ) أو الحكومة الأمريكية للدول التي لديها معها علاقات قوية، لكنهم ليسوا بأعضاء في هذا الحلف . وقد حظي المغرب بهذه الصفة منذ سنة 2004.
وحسب بعض خبراء الدراسات الاستراتيجية ، أرادت واشنطن من خلال الدفع بالمغرب إلى أن يكون أول بلد عربي يدخل "الناتو" أن تتصدى للتسلح الجزائري الذي ظل يتواصل بإيقاع متسارع ، وتفشل التحالف بين الجنرالات الجزائريين وموسكو التي ظلت تقدم الدعم العسكري للجيش الجزائري بغاية تقوية النفوذ الجزائري في المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا. إذ اعتقدت الولايات المتحدة الأمريكية أن خطر الجيش الجزائري في المنطقة ظل قائما ومهددا للتوازنات السائدة في المغرب العربي. هذا ما سبق أن أكده الرجل الذي كان يعد الثاني في جهاز المخابرات الأمريكية "فيرنون والترز" قبل مدة . لقد سعت واشنطن أن تجعل المغرب حليفا قويا من خارج البلدان الأعضاء في حلف "الناتو". وقد تأكد هذا السعي الأمريكي أيام قليلة فقط قبل عقد قمة إسطنبول .
علما دول الحلف المجتمعون في قمة بروكسيل عام 1994 قد أعلن عن استعداد الحلف لفتح حوار مع البلدان المتوسطية حالة بحالة بهدف تقوية الأمن الإقليمي في المنطقة، وفي شهر فبراير 1995 تم بشكل رسمي دعوة كل من المغرب والكيان الصهيوني ومصر وتونس وموريتانيا إلى الحوار مع الحلف، بينما تأخرت دعوة الجزائر إلى فبراير 2000 . لكن التحول الأبرز في العلاقات بين الدول المتوسطية والحلف حدث في قمة براغ عام 2002 التاريخية التي أدخلت تحولا نوعيا في مفهومه للاستراتيجية الأمنية ومفهوم الإرهاب وتوسيع مهامه خارج أوروبا، إذ في تلك القمة برزت أهمية البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لمستقبل الحلف، وأصبح الأمن في أوروبا مرتبطا بالأمن والاستقرار في المنطقة المتوسطية.
لقد انضم المغرب إلى الحوار المتوسطي لدى منظمة حلف شمال الأطلسي منذ رأى ذلك الحوار النور سنة 1994، وشارك المغرب في عمليات بحرية استهدفت التصدي لخطر تنظيم القاعدة في منطق البحر الأبيض المتوسط، ووجّه إليه حلف "الناتو" دعوة للمشاركة في مناورات عسكرية بحرية في إطار مشروع "نابولي" الذي يشرف عليه الحلف.
وظل مسؤولو "الناتو" يولون اهتماما خاصا لمشاركة المغرب في عمليات يقوم بها الحلف، وذلك اعتبارا لدوره على مستوى التنسيق الاستخباراتي والمعلوماتي، علما أن أكثر من مصدر سبق وأن أقرّ بأن المعلومات القيمة التي قدمها المغرب لحلف شمال الأطلسي ساهمت في نجاح عدة عمليات. وقد تنبأت المخابرات المغربية مسبقا بما حصل في مالي، كما أبلغت في سنة 2011 المخابرات الغربية باقتراب سيطرة الجماعات المتطرفة على الساحة بمالي. وأضحت اليوم المخابرات المغربية – في عيون الغرب عموما – خبيرة فيما يجري ويدور في منطقة الساحل والصحراء.
ويعمل "الناتو" حاليا على تطوير برنامج إنتاج الطاقة الريحية في المغرب، عبر استغلال الرياح في المناطق الصحراوية لتحويلها إلى طاقة تستفيد منها المناطق المعزولة.

إعادة تكييف الشراكة
عرفت الشراكة بين المغرب وحلف الناتو مؤخرا إعادة تكييف لتمكينها من مواجهة التحديات الأمنية الصاعدة في منطقة الساحل والصحراء والانخراط في وعملية "أكتيف أنديفر" لمحاربة الإرهاب.
إن المغرب ظل يؤيد علاقة مع حلف شمال الأطلسي تقوم على التشاور والتفاهم والاحترام المتبادل يخط فيها كل بلد علاقته مع الحلف وفق خصوصياته،كما يرى وجوب إعطاء الأولوية للبعد الإقليمي وللمقاربة الأمنية متعددة الأبعاد. وظل أيضا يعبّر عن التزامه إلى جانب الناتو عبر مشاركته في العديد من عمليات حفظ السلم سواء في إطار الحلف أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة. في هذا السياق، لعب المغرب دورا سياسيا وإنسانيا خلال الأزمة الليبية وفي البلقان وغرب البحر الأبيض المتوسط. وقبل هذا شارك المغرب في العديد من عمليات حفظ السلم التي قادها حلف شمال الأطلسي، خاصة في كوسوفو والبوسنة والهرسك، وكذلك في تدبير الأزمات والتعاون العلمي ومحاربة الإرهاب، ومساهمته في إعداد المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف "الناتو" والذي جرى تبنيه خلال قمة لشبونة ، وفي ندوة حول "الحوار المتوسطي والمفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو" التي احتضنتها مدينة الرباط خلال سنة 2010 .
ويروم المفهوم الاستراتيجي الجديد التوصل إلى توافق متين عابر للأطلسي بواسطة مقاربة تشاركية تدمج جميع الدول الأعضاء في الحلف وكذا شركاء مجلس الشراكة الأورو-أطلسية ودول الحوار المتوسطي.

المغرب يسعى إلى استراتيجة شمولية مندمجة وتوافقية ومتعددة الأبعاد
وفي إطار التعاون مع حلف "الناتو"، ظل المغرب يتصور الأمن الإقليمي والدولي كمجموعة من الإجراءات الحكومية الرامية لتحقيق الأمن الفردي، مضيفا أن هذا التصور لا يقتصر على مقاربة أمنية محضة وإنما يقوم على استراتيجة شمولية مندمجة وتوافقية ومتعددة الأبعاد لمواجهة التهديدات الراهنة المطروحة في المنطقة. وهذا التصور يعتمد المفهوم الشمولي للأمن، يتضمن إلى جانب الجريمة، تهديدات أخرى تتمثل أساسا في الفقر والتخلف وانتهاك حقوق الإنسان والأمية والبطالة وغياب العدالة. كما أنه لا يمكن التغاضي اليوم عن الأخطار التي تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي والمتمثلة في القرصنة والاتجار في المخدرات والبشر وغيرها. لذا دعا المغرب إلى توسيع شراكة الحلف مع دول الحوار المتوسطي ، على المستوى الموضوعاتي ، لتشمل الأخطار الأمنية وغير الأمنية، وعلى مستوى الجغرافي و فضاء تأثيرها، لتضم المناطق المجاورة لحوض المتوسط، خاصة منطقة الساحل والواجهة الأطلسية التي عرفت تحديات أمنية جديدة.
علما أن المفهوم الاستراتيجي للحلف يتوخى تحقيق توافق متين عابر للأطلسي بواسطة مقاربة تشاركية تدمج جميع الدول الأعضاء في الحلف وكذا شركاء مجلس الشراكة الأورو-أطلسية ودول الحوار المتوسطي مع إدماج فاعلين دوليين كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومخاطبين من قبيل المنظمات غير الحكومية.
لكن عرف تعامل الحلف مع القضايا الساخنة في العالم العربي مأزقا، وذلك بالرغم من اعتماده منذ سنة 1994 خيار الحوار المتوسطي الذي أنتج مبادرة الشراكة من أجل السلام، وهي مبادرة عسكرية تجمع ست دول عربية هي المغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن وموريتانيا إلى جانب إسرائيل. علما أن الحلف ظل يتعمد عدم التدخل في الصراع الفلسطيني العربي، وهو ما اعتبره الكثير من المتتبعين، تجنبا للضغط على إسرائيل، هذا في الوقت لعب فيه حلف الشمال الأطلسي دور جسر للتطبيع بعد دخول الجيش الإسرائيلي في تدريبات مشتركة معه في إطار عملياته في البحر الأبيض المتوسط.
مازالت هناك إكراهات
لكن مازالت هناك إكراهات كثيرة يعاني منها حلف الشمال الأطلسي، مع التطورات الدولية الراهنة، كما يواجه صعوبات في تنزيل مشروعه، بفعل استمرار التوتر بين المغرب والجزائر في ظل النزاع الدائر في المنطقة حول الصحراء المغربية.
ويهمّ التعاون بين الطرفين مجال التكوين على مستوى معهد الدفاع التابع للحلف في روما ومدرسة حلف شمال الأطلسي في "أوبيرا ميراغو" بألمانيا.
وبخصوص ملف الصحراء المغربية ظل "الناتو" يقرّ إن "هذا النزاع هو ثنائي بين دولتين، وبالتالي لا دخل للحلف به باعتباره شأنا داخليا، لأن الحلف لا يتدخل في الأمور الداخلية للدول، لكن الحلف ظل دائما يعلن عن استعداده لمساعدة دول المنطقة، لأن هناك حاجة ماسة للاستمرار في محاربة الإرهاب والتصدي له ".
ويذكر أنه بعد انتهاء الحرب الباردة، شهدت استراتيجية حلف الناتو تطورا ملحوظا، حيث امتد نشاطه، خلال تسعينات القرن الماضي، إلي منطقة حلف وارسو السابق، وسعي لضم العديد من دولة إلي عضويته. وقد تطورت عقيدة الحلف، خلال الفترة ما بين عامي 1991 حتي 2001، من "الردع" إلي "الدفاع عن المصالح الجماعية" لأعضائه خارج أراضيه. كما أصبحت تشكيلات تأخذ شكلا يناسب التدخل السريع، حال اندلاع أزمة من شأنها تهديد مصالح أعضاء الحلف، خاصة في منطقة حوض البحر المتوسط. وبعد اعتداءات سبتمبر 2001 علي الولايات المتحدة، شهدت استراتيجية الحلف تطورا جديدا، حيث تم الاتفاق في قمة "براغ" خلال نوفمبر 2002 على خطة عمل مشتركة ضد الإرهاب، وإنشاء قوة رد سريع متطورة عام 2006.
وفي ظل الانتقادات الموجهة للسياسة الأمريكية، عقب "الحرب علي الإرهاب"، والتي خاضت بموجبها حروبا في أفغانستان والعراق، سادت لدى الحلف رغبة في أن يتمايز - ولو نظريا- عن تلك السياسة. فأطلق الحلف – لتحقيق هذا السعي - مبادرات للشراكة تتضمن "الأمن الناعم"، متمثلا في التدريب والاستشارات، وإدارة الأزمات، على نحو مغاير "للأمن الصلب" الذي ظل نهجا للإدارات الأمريكية علي اختلاف توجهاتها. وفي هذا الإطار، فقد أنشأ الحلف قسم الدبلوماسية العامة ضمن الجهاز المؤسسي للحلف ببروكسل، ضمن جهوده لتغيير صورته السلبية، خاصة في المنطقة العربية.
أما بخصوص الصراع العربي - الإسرائيلي، فإن تدخل حلف "الناتو" في هذا الصراع ظل محكوما بضوابط ثلاثة: أن يكون ذلك وفق قرار من مجلس الأمن، مشاركة الأطراف المعنية بالشرق الأوسط في ذلك الأمر، أن يكون دور الحلف ضمن المراحل النهائية لهذا الصراع والتي تتضمن تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة. بيد أن ذلك لا يعني أن الحلف ظل بعيدا عن هذا الصراع، حيث إن الاتفاق الأمني الذي تم توقيعه بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في 16 يناير 2009، بشأن منع تهريب السلاح إلي قطاع غزة، قد أشار إلي دور "الناتو" في ذلك الاتفاق بالقول "تعمل الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين وحلف الناتو لمواجهة مشكلة تهريب الأسلحة ونقلها إلي حركة حماس ..".
معضلة الحلف بعد الحرب الباردة
فقد تمثلت معضلة الحلف بعد الحرب الباردة في تحقيق الاتساق بين ميثاقه الذي لا يتيح التدخل خارج أراضيه ومواجهة التهديدات الأمنية التي تهدد مصالح أعضائه، مما حدا بالحلف لإصدار مفهومين استراتيجيين، الأول سنة 1999، والثاني سنة 2010. حدد المفهوم الأول بوضوح مهمة جديدة لحلف الناتو، وهي"إدارة الأزمات" دون تحديدها بمنطقة جغرافية معينة. وجاء في ذلك المفهوم "ضرورة أن يبقي الحلف علي أهبة الاستعداد للإسهام في كل حالة علي حدة وبصورة جماعية في الوقاية بفاعلية من النزاعات، والمشاركة بنشاط في إدارة الأزمات بما يتضمنه ذلك من عمليات للرد علي الأزمات، وذلك وفق القرارات الأممية. أما المفهوم الثاني، فكان أكثر وضوحا وتحديدا عن سابقه بشأن التدخل الأطلسي في الأزمات، ويقرّ بإمكانية التعامل مع الأزمات، سواء قبل أو أثناء أو بعد نشوئها. كما اعتبر أن البيئة الأمنية لم تعد محصورة في أراضي الناتو، إذ إن الصراعات والاضطرابات التي تشهدها الدول الواقعة خارج حدود الناتو قد تلقي بظلالها علي أمن دول الناتو ذاتها، ويقع ضمن هذا الإطار قضية أمن الطاقة، حيث إن الجزء الأكبر من الاستهلاك العالمي من إمدادات الطاقة يمر عبر أراضي مختلف بلدان العالم، وبالتالي فإن تلك الإمدادات قد تكون عرضة للمخاطر والهجمات والانقطاع، كما أن الأزمات والصراعات التي تدور خارج أراضي الناتو قد تهدد مصالحه بشكل مباشر، وبالتالي يتعين علي الناتو التدخل حيثما أمكنه وحينما اقتضت الحاجة ذلك للحيلولة دون اندلاع الأزمات أو إدارتها، حال وقوعها، ثم إعادة الاستقرار إلي المنطقة بعد انتهائها، والمساعدة في إعادة إعمار المنطقة. هكذا أضحى في إمكان "الناتو" التدخل في أي بقعة من العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست