الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور .. طبقة -السيجار الكوبي الفاخر- ! (1- 2)

محمد البسفي

2013 / 12 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


* علي هامش .. المشهد

برغم أن هدف تلك المقالة هو تناول "مشروع الدستور 2014" – الذي أخرجته لجنة ال 50 مؤخرا للجماهير قرأة قبل طرحه إستفتاءا بعد أيام أو ربما ساعات – بالتحليل والدرس لكافة أبعاده الإجتماعية وأغلب تداعياته الطبقية .. إلا أنني أستأذن القارئ الكريم – وأعتذر أيضا – في إستطراد مركز يحاول أن يلقي ولو "ومضة" واحدة علي بؤرة المشهد السياسي الحالي الذي يعصف بالشارع المصري في لحظة طرح ذلك "المشروع الدستوري" , هي في الأساس لحظة "ذروة" في مؤشر ضراوة صراع نظام "الإسلاموعسكري" بين جناحيه – العسكر والإسلام السياسي – الذي يصر علي الإستآثار بمقاعد الحكم منذ أكثر من أحدي وستين عاما مرورا بمشاركتهما له منذ 42 عاما كاملة بنموذج "مشاركة الضرار" .
فمنذ نجاح "الجناح الأقوي" – بتلك الشراكة الغريمية – وهو المؤسسة العسكرية في إستعادة "مقعد" الحكم , ولو بمستواه التنفيذي حتي اللحظة , مستغلا "الفورة" الشعبية التي هب أغلبها هربا من شبح الفقر بأسم الدين – أو "أسلمة الفقر" بمعني أدق – يوم 30 يونيو الماضي .. وقد لمع – من جديد – إسم الأستاذ "محمد حسنين هيكل" الذي أكدت بعض المصادر الموثوق بها – قبل الأحداث المتتابعة – بأنه واضع "التوجه الإستراتيجي" لعملية الإستعادة الآخيرة , وكمحاولة لإستقراء أهم الخطوط الرئيسية لما وضعه هيكل "اليوم" مستهدفا مستقبل "الغد" , يمكننا إلقاء نظرة متعمقة علي أحدي أفكاره التي إستعرضها في أحدي أشهر مؤلفاته في بداية الثمانينات , واصفا طبيعة السلطة في معظم بلدان العالم الثالث , مقرا بأنها : "تتحرك من شرعية تقليدية ذات أصول قبلية أو دينية في إتجاه أمل الوصول إلي شرعية تستقر علي قواعد دستورية وقانونية . لكنها في هذه المحاولة تمر بشرعية مرحلة الإنتقال بين الأثنتين , وهي المرحلة التي يبرز عادة دور أجهزة الإستمرار في الدولة , أي البيروقراطية , وعلي رأسها القوات المسلحة . في هذه المرحلة يبرز عادة دور الرجل الواحد الذي يمكن ملاحظة حجم سلطته أينما تلفت المرء في أي إتجاه في العالم الثالث . والسبب الرئيسي في ذلك هو أن المجتمعات لا تستطيع أن تصل إلي مرحلة الدستورية والقانونية إلا إذا أكتمل فيها نمو الطبقات أولا – ثم إذا إستطاعت هذه الطبقات أن تعبر عن مصالحها سياسيا بحرية كاملة – ثانيا – ثم – ثالثا – إذا كانت التناقضات الإجتماعية بين هذه الطبقات مما يمكن حله بالحوار الديمقراطي"(1) .
(1) ص 353 – خريف الغضب – مركز الأهرام للترجمة .
وبإبراز جمل – واضع التوجيه الإستراتيجي لعملية إستعادة "مقعد" الحكم – عن "الرجل الواحد" داخل أجهزة "الإستمرار" البيروقراطية القوات المسلحة , ربما ينجلي ذلك الإندهاش الذي يعتري بعض المثقفين الآن – إن كان موجودا أصلا – من تضخم و"تورم" الظاهرة "السيساوية" مسخرة الدولة لها كافة الإمكانيات بدءا من الأمنية وليس إنتهاء بالإعلامية والنفسية .
وأيضا ينجلي الإندهاش ثانية – لدي هذه المرة – الذي إعتراني حينما سألت عامل فقير لمقهي رخيصة بوسط القاهرة عن موقفه من مشروع الدستور الذي سوف يصوت عليه بعد أيام , فرد علي بحماس معترفا بأنه لم يقرأه علي الإطلاق وإنما سوف يصوت لصالحه من مبدأ أن كل "نعم" لهذا المشروع يعتبرها "رصاصة" في قلب "جماعة الإخوان المسلمين" !
وبهذا المنطق .. وداخل ذلك "الجو" التوجيهي المعبق بعبارات وشعارات وطنية وقومية "رخوة" غير واضحة المعالم .. سوف يتم إصطفاف الجماهير أمام لجان الإقتراع علي دستور تكهن بعض أعضاء اللجنة التي وضعته بنتيجته سلفا بأنه سوف يحظي بموافقة تتراوح بين 70 و80 % من إجمالي أصوات المصوتين !
والأغرب – ربما بالنسبة لي بصفة خاصة – تلك الآراء – التي إستطلعتها بنفسي بشكل أو بآخر – لأصحاب الفكر والممارسة اليسارية التقدمية , الذين رآوا فيه أفضل المشاريع لدستور "الثورة" بسبب إعجابهم ب"صياغة" مادة أو أثنتين من جملة 247 مادة , أو حتي باب كامل من الأبواب الستة المكونة لمجمل الدستور .. متناسين "بديهية" أن الدستور "تجربة" مصيرية تؤثر وتحكم مستقبل "أجيال" قادمة , للأسف الشديد عملية التصويت علي مشروعه خطوة "متكاملة" إما الأخذ والموافقة عليه بأكمله أو تركه ورفضه برمته !

* دستور .. صحراء التيه

وبعيدا عن ذلك "التقليد" المستورد من دولة متقدمة في حجم فرنسا في عصور القرن التاسع عشر , حينما حرصت في إسناد صياغة "ديباجة" دستورها لأهم فلاسفة جيلها المعاصر له , ومن هنا كان حرص نظام 30 يونيو الحاكم من خلال لجنة صياغة دستوره عندما أسندت تلك المهمة لشاعر "العامية" الأصيل سيد حجاب , بماضيه اليساري الناصري الذي حمله لجميع إنتاجه منذ عام 1962 تقريبا .
وبعيدا – أيضا – عن ذلك التناقض الحاد الذي جاءت به تلك الديباجة لما كان يطفو من شخصية وإنتاج الشاعر اليساري "القديم" , فهذا علي مستوي الشكل .. أما علي مستوي التعمق – قليلا – في صياغة ديباجة مشروع دستور 2014 , والتي من المفترض أن تجمل المبادئ الدستورية السامية التي يسوقها المشروع محملة بأهم أدبياته وأخلاقياته ودوافعه – كأي دستورلكل دولة – لكن "الإنشائية" والعبارات الشعارية أغرقت ديباجة مشروع دستور نظام 30 يونيو بشكل "قح" .. وبرغم ذلك عندما نمعن النظر بعض الشئ , لا نجد من العبارات أو الجمل التي تعكس "روح" و"دوافع" ذلك الدستور أكثر من الفقرة التي تقر بأن : ".. وثورة 25 يناير , 30 يونيو فريدة بين الثورات الكبري في تاريخ الإنسانية , بكثافة المشاركة الشعبية , التي قدرت بعشرات الملايين , وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق .." .
وإن كانت حجة "ضخامة المشاركة الشعبية التي خرجت يوم 30 يونيو" دلالة الفرق الأمنية والسيساوية والساداتية في الدوائر المحيطة بالحكم الآن , لترضية وإقناع الرآي العام الدولي والغربي منه تحديدا لأعتماد نظام 30 يونيو .. فلا يصح – علي ما أعتقد – إعتماد نفس الحجة "الشكلية" في دستور "ثوري" وإلا كان علينا أعتماد الحشود الجماهيرية المصفوفة أمام أفران العيش "المدعم" كل صباح ومثيلاتها أمام بانزيمة السولار المدعم في الأوقات الموسمية "ثورات شعبية" .. ولكن تستطرد الديباجة فيما هو فيما هو أهم وأخطر – في نظري – بما حملته تلك الجملة التالية من دلالة واضحة عن ما نحن بصدده من مجرد نصوص لدستور "إنشائي" لا أكثر ولا أقل , وذلك حينما أقرته الدباجة واصفة دوافع ثورة "25 يناير , 30 يونيو" بين ثورات وإنتفاضات الشعب المصري عبر تاريخه قائلة نصا : " .. بتجاوز الجماهير للطبقات والأيدلوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة .." . وبتلك الكلمات المتعمقة يكمن سر – وربما سر كل تلك الأحداث والصراعات التي يلتهب بها الوطن منذ أكثر من ثلاث سنوات متواصلة – نظرية هذه الطبقة , "الطبقة الوسطي" للإنتفاضات التي يشتعل بها الشارع المصري منذ 2011 وحصر "الحالة الثورية" الدافعة لها منذ أكثر من 36 عاما , في بعدها السياسي الضيق – جدا – "الهُلامي" الحدود , بفصلها عن بعدها ومطالبها الإجتماعية الواسعة .. وبالتالي حينما نستبعد "الطبقات والأيدلوجيات" من مجتمع نحن بصدد تشريع دستوره الأول بعد "ثورته الشعبية" فنحن نستبعد بالتبعية التشريع القائم علي أسس علمية ومنهجية قويمة لمجتمع متماسك , بل وكأننا نشرع لدستور مجتمع "صحراوي" يهيم في رحلة "تيه" أبدية , مثقل بدرجات طبقية "سايحة" المعالم والحدود !

* دستور .. طبقات "السيجار الكوبي الفاخر"

ربما أقل نظرة من باحث أو راصد مهتم لمجريات المشاهد والأحداث المتلاحقة علي "الشريط" السياسي المصري منذ يناير 2011 – فقط – يلحظ مدي إتساع مساحة "الصراع الطبقي" المحرك لإنتفاضات الشعب بين طبقاته الدنيا "الفقيرة" والمتوسطة "البرجوازية" والعليا "المستأثرة" , للدرجة التي أستعانت الآخيرتين بكل ما هو سياسي وطائفي وديني كمحاولة لتآكل تلك المساحة – من الصراع الطبقي – وحصرها لحدود إزاحته علي الهامش تحت دعاوي وشعارات "معلبة" من عينة "ثورة الجياع" و"المطالب الفئوية" .. ولكن بكل تأكيد تظل تلك "الحقيقة" والمسألة محل دراسات ومراصد أعم وأوسع مجالا .. ولكن – أيضا – ونحن بصدد "مشروع دستور" سوف يتم التصويت عليه علي إعتباره خاتمة لمرحلة "إنتقالية" بين حالة "ثورية" وإقرار "دولة" تلك "الثورة" , بمعني أكثر دقة وإيجازا : "نقطة ومن أول السطر" , يجب أن نتأمل جيدا الموقع الطبقي والمجتمعي لواضعي ذلك الدستور ومن ساهم في مشروعه – سواء بالتوجيه أو بالإقتراح – حتي يتسني لنا تحديد "مواقعهم" من شعب يرزح أكثر من نصف تعداده تحت مستوي خط الفقر – حسب الإحصائيات والمعلومات الرسمية – ووضع بالتالي بإسمهم !
وبإستعراض جميع مواد وأبواب الدستور 2014 – وبالأخص فصول بابه الثاني الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع – وأيضا بوضع الملامح الصراع السياسي الذي يتذبذب بين الحدة والأحضان بين تياري القوميين ودعاة الليبرالية الحديثة – يمكننا , بكل سهولة وأرتياح أيضا , تحديد المواقع الطبقية لواضعي ما بين أيدينا من "دستور" بأنهم محصورون بين الطبقتين العليا والمتوسطة "العليا" من المجتمع المصري – عمرو موسي وسامح عاشور نموذجا - , ولكنهم "صاغوا" الدستور بمنطق طبقة "البرجوازية الصغيرة" , والتي نجح الدكتور "رفعت السعيد" في تحديد ملامحها – خلال أهم دراساته التي وضعها عام 1978 لتحليل "الناصرية" – حينما قال بأن : "البرجوزاية الصغيرة تعني في آحيان كثرة التردد وقلة الحيلة وتعني في آحيان آخري المناورة واللامبدئية .. ألخ" .. وبعد أن إستعرض الباحث السيكلوجية المجتمعية للفلاح والحرفي أبناء طبقة البرجوزاية الصغري , ينتقل لنفس المقومات النفسية والدوافع الطبقية للبرجوازي الصغير "المثقف" – وهو ما يهمنا هنا نظرا لسيطرته علي أغلب المشاهد الختامية لإنتفاضات الشعب منذ 1977 وحتي اليوم , وأيضا لعلو صوته خلال حقب نضالات هذه البلاد – حيث يقول "السعيد" : "وهو نمط مختلف , فهو يتعلم ويحصل علي الشهادة كي ينفصل عن طبقته , كي يصعد أعلي فأعلي .. دائما ينظر إلي فوق يحاول أن يقطع كل علاقاته بالماضي .. يريد أن يبدو أمام المجتمع كما هو الآن .. وليس كما كان بالأمس , إبنا لفلاح أو لحرفي أو لموظف صغير لا يزال يتعثر في الدرجات الدنيا للسلم الوظيفي ." .. "وهو يصعد متظاهرا بأنه لا علاقة له بالماضي مغلفا ذلك التناسي بالتعالي والترفع علي العمال والفلاحين وعلي أبناء طبقته القدامي , خالقا من نفسه محورا للكون معتقدا أن عليه – في أحسن الأحوال – التفضل عليهم ببعض الخدمات , ليس لأنه واحد منهم , وإنما لأنه عطوف طيب القلب" .. "إنه يرفض الإستغلال فلا مصلحة له فيه , وهو يرفضه أخلاقيا لكنه يفتقد الإحساس الطبقي أو بالقة المعاناة الطبقية في رفضه لهذا الإستغلال , ومن هنا يأتي رفضه واهيا وأخلاقيا , بل إن مناداته بالمساواة لا تعني مطلقا بالنسبة له – أن يتساوي مع العامل أو الفلاح .. لكن المساواة في منطقة تعني أن يصعد هو إلي أعلي حيث يقتسم مع الأغنياء ترفهم وثراءهم ." .. "وهو يطالب للعمال والفلاحين بحياة أفضل لكنه لا يتصور مطلقا أي شئ يمكن أن يدفع بهم إلي مواقع السلطة الفعلية , إنهم "أولاد طيبون" قد يستحقون العطف لكن مكانهم ليس في قمة السلطة بأي حال من الأحوال .. السلطة أمله هو .. مكانه هو .. مو المثقف .. المتحدث اللبق .. السياسي المتعمق .. هو بكل تطلعاته وأحلامه المحلقة دوما إلي أعلي . هذا كله إذا ما كان يعلن أنه ثوري وتقدمي .."(2) .
(2) ص 53 إلي 58 – تأملات .. في الناصرية – دار المدي . بيروت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا