الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة شتوية للقاهرة والإسكندرية

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2013 / 12 / 18
حقوق الانسان


نعلم جميعا أن الشعب المصرى يختلف عن سائر الشعوب على كوكب الأرض، فهو شعب يتحمل كل شيء ويتعايش مع كل المتناقضات التى لا تقدر عليها الشعوب الأخرى. هذا الشعب غريب الأطوار، يجعلك تشعر أحيانا انه لا يحب الوطن الذى يعيش فيه وأحيانا يشعرك انه يهيم عشقا بالوطن ففى مصر يحرص التلاميذ على تحية العلم كل صباح فى المدارس.. وفيها يقوم بعض طلاب الجامعة بحرق العلم. مصر بها من ضحى بحياته من أجل تراب الوطن وبها من يريد تدميرها وبيع أراضيها أو التنازل عتها تحت شعارات معينة. وربما كان المتنبى يستقرىء الحاضر حين قال: وكم ذا بمصر من المضحكات لكنه ضحك كالبكاء. ومن المضحكات المبكيات فى مصر أن المسئولين لا يعملون حسابا للأمور التى تسبب الكوارث ولا يشعرون بالأسباب التى تؤدى إلى المآسى. وفى الغالب الأعم فإن المسئولين لا يتحركون إلا بعد أن تستفحل الأزمات ويصبح من الصعب حلها.

لا شك أن الشعب المصرى تحمل ظلم الطغاة وقسوة المحتلين والغزاة واستبداد الحكام ورعونتهم منذ عهد الفراعنة وحتى حكم الإخوان. لعل هذا الشعب يدفع اليوم ثمنا باهظا على صمت السنوات المنصرمة. فمصر اليوم ليس فى عيد (خلافا لما جاء فى أغنية الفنانة شادية "مصر اليوم فى عيد" التى قدمتها فى احتفالات سيناء عام 1982م) لكنها تفتقد إلى البنية التحتية التى تجعلها قادرة على مقاومة وتحمل تقلبات الطبيعة كالأمطار التى هطلت بغزارة على القاهرة والإسكندرية فى 12 و13 ديسمبر. لقد قمت بزيارة الإسكندرية يوم الخميس 12/12 فوجدتها غارقة "فى شبر مية" حيث ظلت مياه الأمطار فى الشوارع بعد توقف الأمطار وأبت أن تغادرها إلى جوف الأرض بل عملت على الالتحام بالأتربة التى تملأ الشوارع لتتحول إلى طين. لقد اضطررت إلى القفز فوق برك المياه حتى لا يبتل الحذاء، أفلح أحيانا وأفشل فى أغلب الأوقات. من المؤكد أن الأمطار فضحت قدرات الثغر التى طالما تعايشت مع الأمطار والأنواء والرياح عبر تاريخها الطويل لكنها اليوم باتت عاجزة واستسلمت تماما لغارات الأمطار لذلك قررت العودة إلى مدينة القاهرة فى ذات اليوم معتقدا أنها بعيدة عن صفعات الأمطار وركلات الرياح. قررت العودة بعد أن ابتلت واتسخت ملابسى وتلف حذائى إلى غير رجعة.

لم استطع الحصول على تذكرة قطار فقررت العودة إلى القاهرة بالميكروباص من موقف محرم بك ورضخت والركاب لاستغلال وجشع السائق الذى أصر على أن يتقاضى أجرا لا يقل عن ثلاثين جنيها، هذا رغم أن رحلة الذهاب لم تتكلف سوى خمسة وعشرين جنيها. المهم سرنا فى الطريق الصحراوى وسط الأمطار التى أصرت على مصاحبتنا طوال الطريق. تحملنا مناوشات الأمطار على أمل أن يتركنا فى منتصف الطريق ويعود إلى مقره فى الإسكندرية. صحيح أن الأمطار توقفت تماما بعد 100كم لكن الطقس كان مازال شديد البرودة وكاد الليل أن يسدل عباءته، فتوقفنا عند "رست" حيث احتسينا أكواب الشاى ثم عدنا إلى الطريق المؤدى إلى عاصمة المعز. وصلنا ميدان الرماية بعد ثلاث ساعات حيث فوجئنا بالأمطار تتساقط على الرؤوس وتقهر القاهريين وتخلى الشوارع من المارة واستمر هذا الحال طوال اليوم التالى (الجمعة) واستطاعت الأمطار أن تحقق ما لم تستطع السلطات تحقيقه: إسكات صوت المتظاهرين. لم استطع الخروج من المنزل إلا فى يوم السبت حيث تبين أن الشوارع قد غرقت تماما وتحولت الى مستنقعات وبرك وأحيانا الى بحيرات وتحولت السيارات الى قوارب وتحول المارة الى سباحين من طراز السباح الأمريكى مايكل فليبس صاحب الميداليات الذهبية فى دورتين اولمبيتين. من الملاحظ أن الأمطار فضحت القاهرة التى طالما تباهت بقدرتها على قهر الطغاة والغزاة والمستبدين لكنها تعرضت للقهر على يد الأمطار الغزيرة التى لم تستطع أدوات الصرف التصدى لها ولم تستطع شفط المياه المتراكمة نظرا لعدم توافر عربات شفط المياه. اندهشت أيما اندهاش حين شاهدت مواطنى القاهرة لم يلزموا بيوتهم، فهم موجودون فى كل أنحاء القاهرة: فى شوارع العباسية وشارع الخليفة المأمون (محيط جامعة عين شمس التى كانت خالية من المظاهرات الطلابية) وكذلك الحال فى وسط البلد حيث يتسوق الناس فى شارع شريف وطلعت حرب و26 يوليو . كما تلاحظ أن الثلوج لأول مرة تتساقط على شوارع التجمع الخامس وتغطى أعشابها. لعل الأمطار تحتفل بالنتائج المترتبة على ثورة 30 يونيو حيث باتت المنطقة فى منأى عن سطوة الإخوان.

الغريب أن الشعب المصرى لا يشعر بقصور الخدمات إلا بعد أن تحدث المصيبة أو الكارثة. فمياه الأمطار انزلها الله لكى يرينا النتائج المترتبة على القصور والإهمال. لماذا لم تستعد المدن التى تتساقط عليها الأمطار من خلال "تسليك البالوعات" وتنظيف الشوارع من الأتربة حتى لا تختلط بمياه الأمطار؟ كذلك الحال بالنسبة لعمارات فيصل التى سقطت فى شهر ديسمبر. لقد تبين أن المقاول أو صاحب الأرض الخاوية أراد أن يبنى برجا سكنيا يتكون من عدة ادوار واستطاع "بتفتيح الدماغ والجيوب" أن يحصل على الموافقات والتوقيعات والتراخيص المطلوبة ولم يتكبد مسئولو الحى مشقة إرسال مهندس للوقوف على سلامة العقارات المجاورة أثناء حفر الأساس حيث قام المقاول بأعمال الحفر لعمق سبعة أمتار كاشفا أساسات العقارات المجاورة التى انسحبت المياه من تحتها ليسقط العقار فى الحفرة وتتصدع عقارات أخرى مجاورة حينئذ سارع المسئولون الى موقع الكارثة لالتقاط الصور والإعلان عن تقديم معونات وبطاطين وخلافه. السؤال: لماذا نتحرك "بعد خراب مالطة" ولا نعمل على تجنب الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين