الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيسبوك كواقع اجتماعي بديل

حمودة إسماعيلي

2013 / 12 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا كنت الأهم بالنسبة لعائلتك، فالعالم ليس هو عائلتك ..

الفيسبوك هو مجتمع افتراضي أكثر منه موقع اجتماعي، أي شخص بإمكانه أن ينشأ حسابه، فينضم لمحيط يشمل العديد من الأشخاص من مختلف بقاع العالم بما في ذلك أصدقاءه ومعارفه وجيرانه وأفراد عائلته.

الاختلاف بالفيسبوك كواقع بديل عن الواقع المعاش : هو أنه بامكان الشخص أن يُنقِّحَ واقعه، فهنا يصبح بامكانه الغاء من لا يرغب من الأشخاص، كما باستطاعته أن يضيف الشخصيات التي يرغبها. فالحساب الفيسبوكي يتحوّل إلى مملكة يسيطر عليها صاحبها يضم لها من يريد ويطرد او يرفض منها من لا يريد. وبهذا يُمثِّلُ الفيسبوك واقعا بديلا عن "واقعه" الذي يعجز عن السيطرة عليه، والذي (واقعه الحقيقي) يفرض عليه معايشة أناس لايحبهم، ويُصَعِّبُ عليه عملية التعرف على شخصيات يود لو يربط معها صداقات.

لو أزعجك جارك، فإنك قد تتخاصم معه أو تتجاهله، لكنك لا تستطيع أن تلغيه من حياتك، فبحكم القرب والاحتكاك اليومي فإنك ستراه وتلتقي به، مثله في ذلك مثل زميل الدراسة أو العمل. لكن بالفيسبوك : إن حدث ذلك فأنت باستعاطتك أن تلغيه نهائيا بحذفه، وكذلك منعه من العودة لربط صداقة جديدة بك .. إنها سيطرة كاملة على صناعة الواقع المرغوب.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحتى الأحلام التي يعجز الإنسان عن تحقيقها بحكم صعوبة الواقع الحقيقي أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية الغير مساعدة، فإنه في الفيسبوك ـ كواقع بديل ـ يمكن استعادة تلك الاحلام، وتحقيق حتى الصعبة منها. فالناس العاديون يصبحون فيه شعراء وعارضات أزياء ومطربين ونجمات سينما وكهنة وكاهنات وروائيين وسياسيين ونقاد في شتى المجالات. دون أن نشير إلى خروج يأجوج ومأجوج : وهي كائنات تتجوّل بآلات تصوير لاتعرف حتى كيف تمسكها، ومباشرة تتحوّل هذه الكائنات إلى "نجوم" ما أن تصور بعضها بعضاً وتنشرها بحساباتها الفيسبوكية ! . حتى صاروا ينافسون مصوري ناشيونال جيوغرافيك المحترفين، الفرق هو أن هؤلاء يلتقطون المشاهد الاسثنائية، ويأجوج ومأجوج يشترون آلات تصوير حتى يتمكنوا من ربط علاقات كثيرة مع غريبات أطوار يتحولن (هن كذلك) لعارضات أزياء ـ ما أن يطأن الفيسبوك ـ وممثلات هوليوديات لا تنقصهن سوى مطاردة البابارازي وملابس حقيقية باهضة الثمن. دون أن ننسى عارضي الأزياء الذين يتبادلون القمصان الرخيصة فيما بينهم لتأكيد الوهم ! .

إن التعبير عن الذات أمر جميل ومفيد كذلك، لكن الأسوأ هو عندما يُصدِّقُ البعض ما يحدث بعالمهم الافتراضي ويحاولون التصرف على أساس ذلك في العالم الواقعي. فأن تقوم بجمع مجموعة من الأفراد الذين اخترتهم لأنهم يروقون لك ومن بينهم من يبادلونك الإعجاب فيشجعونك على مواهبك التي بدأت تَلْمَحُ شعاع الاقبال والاعجاب : لا يعني أن سكان الكوكب اندهشوا بذلك. فأن تكون عارض أزياء فأنت كذلك بين أصدقائك لست كذلك بالعالم الواقعي ما لم تتبث ذلك، وكشاعر أنت شاعر بين أصدقائك (الافتراضيين) لم تصبح بعد كذلك بالنسبة للعالم حتى ترى قصائدك يتغنى بها المطربون ويحللها النقاد.

إن المتناول هنا ليس تدميرا للواقع البديل الذي يجد فيه الكثيرون ذواتهم أكثر من الواقع الحقيقي الذي يغترب فيه الانسان عن ذاته، بل ليعي غريبوا الأطوار أن الهبل الذي يقومون به لا صلة له بالعالم الخارجي المبني على الوقائع و على السعي لتأكيد الذات بين المعجبين والمشجعين والكارهين والساخرين، وليس أن تجمع مجموعة من المجاملين لتعذية الوهم على حساب الواقع الحقيقي.

يقضي الكثير معظم أوقاتهم بالفيسبوك كواقع بديل بدل واقعهم المعاش، طالما أنه يرتحاون بالتفاعل فيه مقابل عدم وجود بديل بالواقع الآخر (نقص انجازات أو إحساس بفشل وعدم الأهمية، هذه الأخيرة التي يصنعها الفيسبوك)، ونجد من لا يحققون المبتغى حتى بواقعهم الافتراضي، فإنهم غالبا يحذفون حسابهم : بادعاء أنه سخيف أو انهم لا يتقنون استعماله.

يمكن أن يستغل الإنسان الفيسبوك لتغيير واقعه الاجتماعي الحقيقي للأفضل، بدل التخريف الأزرق أو "التّفَسْبُك" : مثلاً، شخص يشارك أصدقاءه الافتراضيين صوته بتسجيل مقاطع متواضعة بحسابه، سيبدوا من الحماقة أن يتصرف بالشارع كأنه "روك ستار" وينتظر من الآخرين أن يأتوا لأخد تواقيع منه وصور معه، أو يراقب الآخرين هل يراقبونه هم كذلك بدورهم ويتابعونه بنظراتهم، لكنه يستطيع أن يستغل ثقته بنفسه ـ التي اكتسبها من واقعه الافتراضي ـ لتأكيد الذات كذلك بالواقع الحقيقي عن طريق التفاعل مع جمهور حي، سواء بالمشاركة في تظاهرات فنية أو توسيع انتشار وتداول تلك المقاطع بعد زيادة العمل عليها لاضفاء صبغة الاحتراف.

فإذا كنت الأهم بالنسبة لأصدقائك الافراضيين، فالعالم ليس هو الفيسبوك .. بل فقط انعكاس له، قد يكون سلبيا (كتغذية أوهام وهلاوس) أو إيجابيا (كمعالجة الواقع انطلاقا منه).

لكن الأغرب يظل هم من يقومون بفتح حسابات لإناث وهم ذكور أو لذكور وهم إناث، لربما كرغبة لا واعية بأن يصبحوا جنسا مغايرا !! لكن الحقيقة هو أنها الوسيلة التي يستطيعون بها ربط صداقات بالجنس الآخر.

يوضح الكاتب نايجل ووربيتن بكتابه "حرية التعبير" أن : "الإنترنيت تتيح لمستخدمي الرسائل ومنشئيها التستر خلف هوية مجهولة، وهذا يُسهِّل كثيرا من إنتاج واستهلاك مواد زائفة وغير قانونية"، ويضيف أنه "بوسع ذوي الآراء الغريبة وغير المعتادة والهدامة والخطيرة أن يعثر بعضهم على بعض بسهولة أكبر على الإنترنيت، ففي حين كان يتعرض صاحب الآراء الغريبة في الماضي إلى العزلة الاجتماعية، في الوقت الحالي ـ وبفضل الاتصال عبر غرف المحادثة و المواقع الالكترونية (كالفيسبوك) ـ أصبح لدى هؤلاء الأشخاص الشجاعة ليس للتعبير فحسب عن آرائهم، بل للتصرف على أساسها، فتعززت ثقتهم بأنفسهم من خلال عضويتهم في مجتمع يؤمن بأفكار معينة".

لكن الأكثر طرافة بكل ماسبق : هو عندما تكتب أنثى حسناء جملة سخيفة بحائطها مثل "لقد تبوّلت للتو" فتهطل أمطار من اللايكات والتعليقات والمناقشات الفلسفية ومن يبدون إعجابهم بجملها الساحرة !! وذلك من أسخف الطرق للتقرب والتغزل بالأنثى .. التّفَسبُك لا عقل له.

يقول مارك زوكربيرغ (مؤسس الموقع) أن : "الفيسبوك لم يُنشأ على حساب أنه شركة، بل لأجل إكمال مهمة اجتماعية - بجعل العالم أكثر انفتاحا وتواصلا"، وليس بجعله هو العالم ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن