الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوراق من المهجر 15

صلاح حسن رفو
(Salah)

2013 / 12 / 20
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


اوراق من المهجر15
حكاية عن الوطن خارج اسواره
امراة سمينة صامتة بيدها جهاز التحكم الذي قلما يفارقها، يقابلها جهاز تلفاز كبير يظهرعلى شاشته مسلسلٌ يباري ابطاله بحركات فم تختلف عما يطلقه الجهاز من لغة ، وطفلٌ ممددٌ على بطنه وبجنبه اوراقٌ كثيرة ، يخربشُ بشغفٍ على اغلبها بألوانٍ زاهية . رجلٌ يقيسُ طول الغرفة وعرضها دون ان يعلم لكونه يتكلم ويضحك بين لحظة واخرى مع صديقه الذي يتصل به بالهاتف الخلوي الذي تعرق سطحه الخارجي في يد صاحبنا . ما ان انهى غريب مكالمته الطويلة حتى عاد وحاول ان يشاكس ابنه الصغير الذي لم يتجاوز السادسة من عمره بعد :
_ ماذا تحاول ان تصنع يا بني ؟!
_ ارسم ثلاث خطوط بالعرض ، اضع في حدود كل خط الواني الجديدة : الاسود ، الذهبي ، الاحمر .
_ حسناً كما تشاء....آلم يعد اخاك الكبير بعد؟!
_ لا يا ابي ، فأنت تعلم انه لا ياتي الا حينما ننام ، ولكن لماذا يا ابي يأتي اخي متأخرا دائما؟! هل ان دراسته في هذه الاوقات المتأخرة ؟!
_ لا عليك ياصغيري ،ارسم انت و لاتشغل نفسك بأمورٍ اخرى .
كأن هذا الكلام زاد من فضول الطفل وفتح قريحته لأسئلة اخرى :
_ ابي : لماذا لا تبرح امي هذا المكان الا عندما تحضر لنا الاكل ؟! فهي امام التلفاز طوال اليوم .
ينظر غريب الى زوجته وبأبتسامة يرد على ابنه : في مكاننا القديم ياولدي كانت امك تشغل نفسها بأعدادِ الخبز لجيش جائع من العائلة ، وان واجهتنا ازمة قناني الغاز( رغم يقيني انك لا تعرف ماهي قناني الغاز )وهذا ما كان يحدث غالبا فكانت امك تضطر لان تقضي ساعات اضافية لأعداد الخبز من التنور الطيني للمحلة ، هذا ناهيك انها كانت تُحضر المنزل لأستقبال الضيوف الكثر للعائلة ،كذلك كانت تأخذ بعض الوقت لتجهز لنا الماء الصالح للشرب من عدمه لكوننا كنا نشتريه ، وان بقى لها بعض الوقت فكانت تقضيه مع بقية نساء العائلة امام التلفاز اذا لم ينقطع التيار الكهربائي ، لذلك تجدها الان تملك الوقت الكثير فتقضيه امام هذا الرفيق الذي لا يتوقف عن الثرثرة .
_ ولماذا تركتم مكانكم الكبير في تلك البلاد البعيدة وجئتم هنا ؟!.
_ انها قصة طويلة ...كنت قد تطوعت من العائلة للوصول الى هذه البلاد بعد ان باع والدي الجرار الزراعي الذي نملكه وبعثني من بين اخوتي الى هنا كما كنت اريد ، وبعد رحلة شاقة في الوصول لم اجد من الاحلام الوردية التي في خيالي شيئاً يذكر، فقد كانت سياسية البلاد وقوانينها لا تستوعب المزيد من المهاجرين ، فكنا نعمل بالخفاء في مجازر اللحوم لأكثر من عشرين ساعة متواصلة بأسعار زهيدة ودون قوانين عمل منسقة وتحت رحمة اجانب مثلنا ، فقط انهم كانوا قد سبقونا في الوصول وحصلوا على الاوراق الثبوتية لـلجوء ...، ولكن بعدما ان فجر المجرمين قرانا الصغيرة قبل اكثر من خمسة سنوات وقتلوا على اثرها اطفالنا واخواتنا واخواننا تعاطف معنا اهل هذه البقعة واعطونا حقوق اللاجئين في العمل والتعليم ، وقد راى اخوتك الذين يكبرونك سناً كيف انهم جاءوا بالطائرة وبشكل سلس الى هذه البلاد ، ومن بعدها عملتُ بشكل رسمي وتحسن وضعي المادي وقمت بجلب اخواني وعوائلهم ، وهذه الحالة مع معظم رفاقي ومعارفي ولتصبح هذه البلاد بعد اقل من سنتين ملاذا لكل اقاربنا ومعارفنا .
بخطواتٍ كسولة ونظرات معاتبة تمشي فتاة في مقتبل العمر الى المطبخ مروراً بمكان جلوس غريب مع ابنه لتعود ادراجها بعد جلبها لعلبة عصير من الثلاجة لتغلق باب غرفتها بقوة غير معتادة مما جعلت الام ان تعلي صوت التلفاز قليلاً . حركة الفتاة قطع حديث غريب ليسأل الطفل لحظتها مرة اخرى : لماذا اختي غاضبة ياابي ...هل ان تعلم "الباليه " محرج لك كثيراً؟!.
غريب : يا صغيري ستتعلم ذلك عندما تكبر ، لكنها تعلمت السباحة رغم اعتراضي في بادى الامر الى ان اقنعتني ادارة المدرسة بأنه امر اجباري لكل طالب و طالبة ، وهي تطالبني ان ادخلها في دورة لتعلم رقص الباليه كما تفعل صديقاتها او دورة لتعلم البيانو كما تفعل ابنة الجيران ، وفي الحقيقة ان لا ارى حاجة لتعلم كل هذه الاشياء ودفع مبالغ مالية اضافية اذا لم يكن ذلك من الامور الضرورية والالزامية.
الطفل : لكنني رايتها تشتكي لدى امي بقولها انك لا تحاسب اخي الكبير على تأخيره وتضحك معه عندما يتحدث عن مغامراته ولا تسمح لها بالخروج مع صديقاتها عندما هي تريد .
ذهب غريب الى شرفة المنزل ليدخن سيكارة بعدما ان طلب من ابنه الصغير الذهاب الى السرير لتأخر الوقت ، في هذه الاثناء كانت الام قد نامت على الاريكة بعدما ان ضربت الاخماس بالاسداس ، فقد اختلط عليها احداث المسلسلات التي تشاهدها لكثرتها وتشابه ابطالها .
قبل بزوغ الفجر بوقت قصير دخل الابن الشاب الى المنزل وهو يترنح من شدة الالم والسكر وقد ظهرت على وجه اثار اربعة لكمات من قبل بعض الشبان الروس من اجل فتاة في الديسكو ، لكمتان كانتَ ظاهرتان على خده الايمن ، اما الخد الايسر فتأثير احداهنَ لم يكن كبيراً بقدر مثيلاتها الثلاث ، حاول الشاب حال دخوله الى المنزل اطفاء التلفاز بجهاز التحكم بعدما ان نامت الام وتركته بصوته العالي واذا به يخطأ فيتحول الى قناة بلغة الام وهي تستذكر ضحايا انفجار شنكال ...اصوات النواح والبكاء والعويل ايقظت ذلك الطفل الصغير الذي سمع اسماء نفس المناطق والاحداث التي ذكرها له والده في حكاياته المسائية كل ليلة ، خطر في بال الطفل ان يسأل والده في تلك اللحظة ماذا قدم لأهالي تلك الضحايا منذ حصوله على حق الحياة في هذه البقعة الجميلة بفضل تلك الحادثة المروعة ؟! الا ان غريب كان ساعتها نائما وشخيره يستفزُ هدوءَ المكان !
صلاح حسن رفو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر