الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- كونٌ يبدأ منّي فما دون-

طالب عباس الظاهر

2013 / 12 / 22
الادب والفن



تجوس عيناه ظلام ليلٍ دامس ... شديد العتمة، ووحشي القسمات، لعله لا يشبه أي ظلام آخر في كل بقاع الأرض، وربما مفازات السماء..!
تتسلق هواجسه أسوار جدار عال ... عال جداً ينتهي بأسلاك شائكة ... مكهربة، لا نأمة رجاء إذن، للنفاذ منه لدنيا الخلوة والخلاص، من هياج وحش الآلام، ومن ثورة هذا القلق ... قلق يمضغ أعصابه ... كعلكة لينة بفم عاهرة!، ويخيم ليل اليأس في روحه كطائر خرافي جناحاه المشرق والمغرب ورأسه الشمال وقدماه الجنوب، فتحطّ نظراته بأحمال التعب جوار شباك وحيد في الأعلى ... كوة منفردة بعين واحدة تطل من زنزانته الأبدية على العالم الخارجي ... حمامة سلام بيضاء هاربة من أتون حرب شعواء، في أوج هياجها الماجن لمضاجعة أجساد الأبرياء، واغتصاب البراءة فيهم، خاصة الأطفال والنساء ... نافذة أمل وحيد... بائس، فاه ضاحك في مأتم الظنون، فتبدو كعين أم رؤوم ترنو الى فاجعة الاغتراب في روح ولدها الوحيد.
كان فؤاده ملبد بغيوم الأحزان ... موشح برداء الهموم، وقد بللته الدموع.
أصَدَرَ عليه حكم بالإعدام رمياً برصاص الحظ العاثر أو شنقاً حتى الموت بسوء الطالع ؟ أم هو حكم بالولادة، ببقاء سرمدي، ووجود أبدي ... قسري في حضن الجراحات؟!
ها هو يرقد منفرداً كأمنية يتيمة منكوسة الرأس، ومعلقة في سلك كهرباء... يبرق ... يرعد... ينزف آلامه... فينزل على حين غرة غيث الدمع من عينيه... مطر أسود الى الداخل... زخات دم من جرح تقف الجراحات في حضرتها ذاهلة ... خجلة من تعسف مقارنة عبدة دميمة بسيدة للجمال، بل وملكة للطهر... والعفاف والكمال..!
ويسترق السمع - بغير أذنيه حتماً - الى أنين مطره المتساقط الى الأعلى، هل هو يرجع أفضال بكاء السماء عليه دهوراً متطاولة من الأزمان، وجميل تعاطفها اللذيذ مع عميق .... عميق جراحاته؟!
تطربه سمفونية مطر الحزن ... الجرح... بوشوشته الحالمة، وهو يطلق للمدى أنشودته الخالدة ... عزف منفرد على أوتار الروح، فجأة يتوقف التساقط، لكنه يبقى مستيقظاً ، يرقب أرقه المستفحل في عروقه كثورة بركان.
ينكفئ في زنزانته الأزلية... الانفرادية دائماً، ووجوده الأبدي وحيداً... منطوياً على ذاته رغم زحمة الأحياء، يصارع نهر وجود زائف... يحث خطاه عجلاً، بينما هو واقف كصخرة عنيدة بوجه تيارات أمواج الفناء، ومنزوياً كحلم بائس في إحدى زوايا الإهمال في قفص الأضلاع ... بيد إن عيناه لم تزل ترنو نحو ذاك الشباك... المتوحد نظيره في الأعلى، والدمع لآلئ تبرق فيهما... صورة معكوسة في الماء من الأعلى الى الأسفل، ويظل يرقب من خلل النافذة تلك... بزوغ الأمل في بؤس دهور ليل الأحزان في روحه.
متى يجود قمره بطلته اليومية ... متى يزور كوته الوحيدة على العالم ولو خطفاً، ويزيح من روحه فلول الظلام، ولكيلا يبقى أبداً مصلوباً بمسمار هذه الاستطالات المدمرة لمسافات الانتظار، وتكاثر خناجرها بنهش محموم بليونه فؤاده، واستفحال شبق الطعنات فيه من كل جانب.. شوقاً للشرب من دمه المسفوك على قارعة هواه ... دونما رحمة... ومن دون شفقة بنزيل الأطباق السبعة من الآلام؟!
هل توقفت الأرض عن الدوران؟
هل جفّت الحياة في عروق الأكوان؟
هل أندثر الوجود كأنه عدم راجع الى عدم ؟!
أم نسيه الفناء في فراغات اللامكان واللازمان أو قبلهما أو بعدهما، وأغفله التاريخ في إحدى فجوات النسيان...وحيداً... ضائعاً ... تائهاً ... مغتربا، أم سقط نسياً منسياً من ذاكرة الحضور الى مجاهيل الغياب؟
إلأنّه عاشق بلا عشق؛ تقوم فيه بين الفينة والفينة قيامة للجرح ؟ أين كنت؟ ولماذا أتيت الى هنا... وقذفت بنفسك في هياج نوبات الجنون؟ ولِمَ تقربت من مكامن التدمير الوحشي... ألم تدرك إن هوى القلب سيصيبك بمقتل؟!
أسئلة حرى تبقى تمسك بياقته... تعنفه بقسوة، تسقطه أرضاً، ترفعه الى السماء ثم تهوي به الى الأرض، فتطرق باب قلقه المتزايد، مئات الأضعاف في اللحظة، وملايين الكيلو مترات في المليم!، بانتظار نزول ذبالة الضوء الشاحب على ليل كوته العليا تلك... الحزينة معه، لمفارقتها الضياء الحبيب، واستبطاء إطلالة قمره .. بخجل محبوب، لكي يولد فيه العالم من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه