الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين فيروز وبتهوفن

مهند عبد الحميد

2013 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


"اعجب بيتهوفن بنابليون بونابرت رجل الثورة الذى حقق لبلاده الكثير فى ظل مبادىء الثورة الفرنسية فالف سيمفونيته الثالثة وسماها سيمفونية بونابرت. وعندما تنكر بونابرت للحرية والمساواة بين البشر واعتلى عرش فرنسا باسم الامبراطور نابليون. غضب بيتهوفن وجعل يضرب بقلمة على اسم بونابرت حتى أخفى معالمه من الصفحة الاولى للسيمفونية واكتفى بوضع كلمة "ايرويكا" الى جانب العنوان. سيمفونية البطولة لبيتهوفن تقف فى مصاف الاعمال العظيمة فهى اثر خالد وكانت نقطة فاصلة لما قبلها من السيمفونيات وفيما بعدها". منتدى أساطين النغم/ "الايرويكا".
فجر الفنان زياد الرحباني قنبلة داخل الوسط الفني والثقافي اللبناني والعربي حين قال لصحيفة العهد التابعة لحزب الله : إن والدته فيروز "تحب حسن نصر الله كثيرًا". منذ إعلان ذلك "الحب" ساد الجبهة الثقافية هرج ومرج بين المباركين والمستنكرين. المباركون كانوا من المؤيدين والداعمين لتحالف حزب الله ونظام الاسد. أما المستنكرون فكانوا من المؤيدين والداعمين لحرية الشعب السوري ومن جهات أخرى ضد النظام والحزب من منطلق مذهبي وطائفي. الخلاف والاختلاف لم ينطلق من حق الفنانة فيروز في أن تحب او تكره من تريد، ولا في أن تؤيد او تعارض من تشاء. الخلاف واحتدامه جاء لأن إقحام فيروز الفنانة الفائقة الشعبية والمحبوبة في صراع سياسي لم يكن مألوفا في تاريخ الصراعات الداخلية. بل جاء كسابقة استخدامية من العيار الثقيل في محاولة لترجيح كفة على الاخرى. علما ان فيروز لم تتدخل في أوج الحرب الاهلية اللبنانية. اقصى ما قدمته اثناء الحرب "أغنية بحبك يا لبنان" التي تعرضت لنقد ابنها زياد في برنامج إذاعي" بعدنا طيبين" وكان يحتج على حياديتها، لكن الجميع أحب أغنيتها وتفهم موقفها وظلت محط حب وتقدير الناس على اختلاف انتماءاتهم.
كان يمكن تفهم "حب فيروز لنصرالله" لو أعلن أثناء مقاومة حزب الله الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب، واثناء صده العدوان الاسرائيلي على لبنان في العام 2006 . في ذلك الوقت كان نصر الله رمزا وقائدا للمقاومة، وحظي بشعبية لبنانية كاسحة وبشعبية عربية غير مسبوقة. في ذلك الوقت الذي احتل فيه نصر الله مكانة مرموقة لدى الشعوب لم يعلن زياد عن حب فيروز لنصر الله كثيرا ولا قليلا . لكن حزب الله شرع باستخدام سلاح المقاومة في المعادلة الطائفية الداخلية الذي كان من شأنه تكريس الطائفية بأبشع أشكالها. كان الاجدر بحزب يهزم الاحتلال ان يستخدم سلاح المقاومة في محاولة تحرير الشعب اللبناني من أمراء الطوائف وقممها الجشعة وفي محاولة انهاء علاقات التبعية الاقتصادية والسياسية السائدة في لبنان. لم يفعل الحزب المنتصر ذلك وآثر الدخول في نظام المحاصصة الطائفية وبنى تحالفاته على اساس طائفي نفعي. منذ ذلك الوقت بدأ رصيد الحزب المقاوم يتآكل ويضمر، فلا قيمة لحل المسألة الوطنية بمعزل عن التصدي للمشكلات الاجتماعية وبمعزل عن محاولة تغيير قواعد اللعبة السياسية الطائفية وبمعزل عن الديمقراطية. لامعنى لحزب ينتصر وطنيا ويظل حزبا طائفيا مغلقا أمام ابناء الشعب من الطوائف الاخرى. انتقال الحزب من الطائفية الى الوطنية كان يعني الكثير. وكان يحتمل أن يُنْتَخب نصر الله رئيسا للجمهورية، ويُنتَخب البرلمان اللبناني انطلاقا من معايير غير طائفية. لكن بقاء الحزب طائفيا يفسر التزامه "بالولي الفقيه"، ويفسر لماذا وضع الحزب سلاح المقاومة في معركة إيران لتحسين شروط تفاوضها مع الغرب حول سلاحها النووي ومكانتها الاقليمية، يفسر أولوية ايران على لبنان ومصالح شعبه في معادلة نصر الله ، يفسر تبعية حزب الله الكاملة لايران.
إن طائفية الحزب المحلية ورجعيته الفكرية وتبعيته الخارجية لايران ولا ديمقراطيته ، تضعه في موقع النقد والمساءلة، لا الحب الكثير ولا الاعجاب الوفير، وبخاصة من قبل الذين أعجبوا بمقاومته للاحتلال والعدوان الاسرائيلي. فلا يعقل لقوى ديمقراطية وتنويرية واشخاص ديمقراطيين وتنويريين وتقدميين، أن يعجبوا بحزب طائفي رجعي، في زمن لا يستقيم فيه الفصل بين الوطني والاجتماعي والثقافي.ولا يمكن الاجابة على السؤال الثقافي والاجتماعي والديمقراطي بالقول ان الحزب قاوم أومستعد ان يرد على اي عدوان إسرائيلي. ومن غير المنطقي مقايضة الماضي بالحاضر والتثبيت على لحظة المقاومة المضيئة لتبرير الظلام الراهن.
التحول الاسوأ جاء مع انتقال حزب الله للقتال في سورية الى جانب النظام الاسدي. هذا التحول نقل الحزب إلى خندق الانظمة الديكتاتورية المستبدة. وإذا علمنا أن قرار الانتقال للقتال في سورية كان ايرانيا، وصادرا عن ديكتاتورية دينية فإن هذا يضع النقاط على الحروف في كل ما يتعلق بدور الحزب التبعي وغير المستقل. وجه الغرابة يتبدى هنا في مفارقة، فاثناء قتال الحزب في سورية واستياء اكثرية الشعب السوري من انحيازه السافر للنظام ومن معاظمته لخسائرهم ومأساتهم ومعاناتهم، في هذه الاثناء يعلن زياد حب فيروز لنصرالله. إعلان حب فيروز لنصرالله لا ينفصل عن حب الاسد والنظام الذي يقاتل من اجل استدامته. او هكذا احس المنحازون لحرية لشعب السوري. المشكلة لا تقتصر على الذين احبوا بل تشمل الاوساط الثقافية والفنية المؤيدة للحب المعلن. بعضهم لا يستحق الرد، كالفنانة التي طالبت النظام باستخدام السلاح الكيماوي، والممثل القدير الذي غنى "نحنا جنودك يا بشار" والممثلة التي ارتدت الزي العسكري تشجيعا للقتال، والذين يتحدثون عن "سيد الوطن". هؤلاء ينطلقون من الولاء الذي يستجيب لمصالحهم الانانية ولا يكترثون لمعاناة الشعب السوري. الفئة الجديرة بالنقاش هم اصحاب القناعة الخاطئة. القناعة المؤسسة على ثنائية نظام وأصولية إما أو . والمؤسسة على الدور الممانع والمقاوم للنظام. مع ان اوراق الممانعة والمقاومة سقطت مرات عديدة. بتقاعس النظام امام كل الاعتداءات الاسرائيلية، وبالخنوع امام التهديد الامريكي وتسليم ترسانة السلاح الكيماوي بسرعة قياسية. وبحفاظه المتواصل على الامن والهدوء على الحدود مع دولة الاحتلال. وبعجزه المستدام عن حل المسألة الوطنية وبقاء الجولان محتلا منذ 46 سنة قابلة للتمديد. اي وطنية واي ممانعة واي مقاومة هذه. ولنفرض جدلا ان النظام وطني وممانع وداعم للمقاومة. فهل وطنيته وممانعته تبرر لكم تأييده كنظام ديكتاتوري شمولي وراثي عائلي طائفي الى ما لا نهاية؟ والاهم هل تجيز وطنيته وممانعته استخدام كل اسلحة الدمار التي بحوزته لاخضاع شعبه؟ من الصعوبة ان يحترم اي شخص عقله وعقول ملايين السوريين الذين يعيشون المأساة ويؤيد تلك الجرائم التي يندى لها جبين البشرية.
كم كان بتهوفن رائعا وهو يهدي بونابرت الثورة الفرنسية سيمفونيته، وكم كان اكثر من رائع وهو يشطب اسم بونابرت الذي تحول الى امبراطور وطاغية عن السيمفونية ويغير اسمها. فيروز - إن صح حبها- فعلت عكس بتهوفن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت