الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة في عيد الميلاد

سعدون الركابي

2013 / 12 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فكرت ذات مرة, ماذا لو شاء الله أن يبعث أبرز نبيين من أنبياءه, و هما محمد و عيسى الى الأرض ليطًلٍعا عن كبثٍ على أحوال أتباعهما من المسلمين و المسيحيين, فماذا سيحدث لهما ياترى؟
إذ سيُصدم النبي محمد بالحال الذي آلت إليه أمتهُ الأسلامية عامة و خاصة العرب أصحاب راية الأسلام و منبعهُ.. سيرى المذاهب الأسلامية و الطوائف المتناحرة, و التي تُكًفٍر بعضها لبعض, و كل طائفة تستضيف النبي, ستحاول بكل الوسائل إقناعه بأنها هي الطائفة الوحيدة التي تُمثٍل الأسلام الحق, و إن الطوائف الأسلامية الأخرى على باطل و قد خرجت عن دين محمدٍ الأسلام, و بذلك فهي كافرة و لابد من محاربتها و قتل جميع أتباعها و سبي نساءهم و أغتنام أموالهم.. و لكن النبي محمد و هو أعرف الناس بدينه, سيدرك بأن هذه الطائفة ليست على باطل فقط بل هي بعيدة كل البعد عن دين الأسلام الحق.. فيهجرها النبي و يلتجأ لطائفةٍ إسلاميةٍ أخرى, و لكن الطائفة الأولى ستُكفٍر النبي و ستدعو لقطع رأسه و ستحارب الطائفة التي آوته.. و سيرى النبي نفس الأمر لدى جميع الطوائف الأسلامية, طائفة بعد طائفة, و سيلاقي نفس المصير.. و ستضيق به الأرض. و سيدعو الله أن يأخذه الى جانبهٍ و سيدعو الله لقومهٍ بالهدى و الصلاح!! بينما سيكون مصير النبي عيسى مختلفآ تمامآ عن مصير محمدٍ. إذ سيرى عيسى طوائفآ لا تعدُ و لا تحصى من المسيحيين أو ممن يدًعون المسيحية, و لكنه لن يرى طائفة مسيحية واحدة تدًعي إحتكار الحقيقة أو تدًعي إنها تمثل الدين المسيحي لوحدها, بل إن الجميع يعترفون بأنهم بشر خطائون غير معصومين, و إنهم يدعون الرب و روحه القدس في الأرض و السماء المغفرة و الهداية.. و لم ير أحدآ يٌكفٍر أحدآ.. إذ تسود بين قومه روح التسامح و المودة و التعايش السلمي و أحترام معتقدات الجميع و عدم تسفيه إحد لأحد.. ربما لم يكن المسيحيين هكذا قبل قرون, و لكنهم إهتدوا الى الطريق السليم أو ما يسمى في الأسلام الصراط المستقيم. و وضعوا رجال الدين و الكنيسة في قفص يزوره من يشاء. و ساروا بالحكمة القائلة الدين لله و الوطن للجميع.. فهل ياترى لابُد للعرب و المسلمين أن يمروا بنفس مآسي الشعوب الأخرى حتى يهتدوا هم الى الصراط المستقيم بعد مئات من السنين من الآن!؟ و كأني أرى ما رآه أحد فقهاء المسلمين ( أحمد الوائلي ), الذي قال: ذهبت الى بلاد الغرب ( المسيحيين ), فوجدت المسلمين و لم أجد الأسلام. و عندما ذهبت الى بلاد المسلمين وجدت الأسلام و لم أجد المسلمين!؟ أعيش أنا هنا في بلاد الغرب منذ عقود, عايشت عهدين مختلفين, عهد الشيوعية و عهد الرأسمالية, فلم أر إلا التسامح و التعايش السلمي و المحبة و حب الأنسان للأنسان القريب منه و البعيد. و نبذ العنف و العدوان و البطل و الكراهية.. رأيت أحترام الأنسان للأنسان, لشخصهٍ و لمعتقدهٍ. و لم يتغير الناس بتغيير الأنظمة و الحكومات..إستلمت ليلة البارحة رسالة تهنئة من إحدى المعارف بمناسبة عيد ميلاد المسيح المجيد, تقول مما تقول فيها: (..بمناسبة عيد السيد المسيح, ندعو لك سنة قادمة سعيدة مليئة بالمحبة المسيحية.. ), قالت المحبة المسيحية و لم تقل محبة المسيح! هكذا هو عالم التعاليم المسيحية المتسامح, عكس عالم العرب الذين يتراكضون كالقطعان ملايين مؤلفة خلف هذا الفكر الأقصائي و وراء ذلك الطاغية الدموي, من دون وعيٍ و لا عقل. تأخذهم الكراهية و الجنس و حور العٍين و يأتي بهم التعصب و الأستهانة بالأنسان الآخر و بفكره, و كلُ يظن نفسه إنه الأحسن و الأفهم و الأصوب و الأكثر إيمانآ و الأعلى و إنه الحفيد الوحيد لعنترة بن شداد.. ترى الناس هنا ( في العالم الغربي المسيحي و حتى في العالم المتحضٍر غير المسيحي, هذان العالمان اللذان أعطيا خلاصة هذه الحضارة العظيمة التي تنعم كل البشرية بأنجازاتها. و نحن طبعآ من هذه البشرية أيضآ, بينما لم يُقدٍم لا العرب و لا المسلمون شيئآ يذكر للبشرية سوى الحقد و الكراهية و العنف ), ترى الناس تتألم و تبدي إمتعاضها و غضبها على قطة سائبة أو كلبٍ سائب يقتلهما معتوه أو مريض نفسيآ, بينما يقتل العرب و المسلمون بعضهم البعض ليل نهار!؟ يقتلون الأبرياء من مختلف الأعمار و الأجناس و الطوائف و الأعراق في بلاد العرب و المسلمين, من الأطفال و النساء و الشيوخ, في كل يوم و كل ليلة, في الأعياد و في المناسبات, في الأعراس و في المآتم, في الأفراح و في الأحزان, في البيوت و في المساجد و الجوامع, في المدارس و في الأسواق, في ساحات الحروب و في أحتفالات السلام في الملاعب و في المواكب في السهول و في الجبال, و حتى في مكة و بيت الله الذي يتوجهون بالصلاة و الحج نحوه و هو محور الأسلام و المسلمين.. فلقد أصبحت الجوامع مراكز لتفريخ الأرهابيين و القتلة والسفاحين. إذ يمكن أعتبار رجال الدين المسلمين عامة و أتباع المذاهب المُتطرٍفة مثل المذهب الوهابي السعودي الذي أخرج من رحمه القاعدة السعودية و غيره من المذاهب المتطرفة, هم المتهم الأول في آلاف الضحايا الذين سقطوا و الذين سيسقطون في بلاد العرب و المسلمين و كل هذا الدمار و الخراب الذي نراه و تهجير ملايين الأبرياء و ترويعهم و ذبحهم بطريقة وحشية بشعة. و ذلك تطبيقآ لفتاوى رجال الدين القتلة, الذين يستهدون بالكثير من الأحاديث الملفقة و التي نسبت زورآ و بهتانآ الى الرسول, ليتم عن طريقها ذبح و ترويع الأبرياء من المسلمين العزًل.. من هذه الأحاديث, الحديث الخطير و الكاذب و الذي أختلقهُ الحنابلة في العهد العباسي, و قتلوا وروعوا بواسطتهٍ آلاف المسلمين ممن يختلفون معهم بالمذهب. و هذا الحديث هو ( من رأى منكم منكرآ فليغيره بيدهٍ, فمن لم يستطع فبلسانهٍ و من لم يستطع فبقلبهٍ, و ذلك أضعف الإيمان! ). إذ أعتبر المسلم كل مخالف لهُ في الرأي هو صاحب فكر منكر, إذ كل يعتقد بأن مذهبهُ هو الأصح و إن الآخرين هم على باطل أي كفرة, و بذلك فهو حسب ذلك الحديث النبوي المنسوب زورآ الى النبي, عليه تغيير صاحب الرأي المخالف أي صاحب المنكر, تغييرهُ باليد, أي بضربهٍ أو بقتلهٍ أو بقطع رقيتهٍ, فأن لم يستطع فبلسانهٍ أي بسبٍ و لعن و شتم و تسفيه صاحب الفكر المخالف, و إن لم يستطع فبقلبهٍ, أي أن يحقد عليهٍ و يكرههُ و يدعو عليهٍ شرآ و يتحين الفرص للفتكٍ بهٍ. و هذا لا شك لا يتفق مع دين الأسلام لا من قريب و لا من بعيد, و لا يمكن لرسولٍ متسامح مثل الرسول محمد, أن يفتي بهكذا حديث إجرامي.. و لقد أتخذه إبن تيمية ثم محمد عبدالوهاب منهجآ لمذهبهما المتطرف الأجرامي.. إذ نحن نرى اليوم كيف يعيث الوهابيون في الأرض فتكآ و ذبحآ و قتلآ بالأبرياء من أطفال و نساء المسلمين و غيرهم و تشريد الآمنين و ترويعهم, بحجة إنهم أتباع لهذا المذهب أو ذاك من المذاهب التي يكفرها الوهابيون و يعتبرونها منكرآ لابد من محاربته باليد أو باللسان أو بالقلب و إستئصالهُ من الجذور, حيث إن النساء و الأطفال الرضع هم الجذور, و ذلك تطبيقآ لأحاديث ملفقةٍ و منها حديث من رأى منكم منكرآ.. في العالم المتحضر يقول القانون الوضعي البشري السمح: من رأى منكم منكرآ فليخبر الشرطة التي سترى إن كان منكرآ فتعرضهُ على القضاة للفصل فيهٍ حسب القانون, و لم تقل من رأى منكم منكرآ ياأيها الفرنسي أو الأنكليزي أو الياباني فليأخذ سيفآ سعوديآ مسمومآ بالحقد و الكراهية و ليقطع رأس صاحبهُ.. أي بشرٍ هؤلاء الذين يعتقدون بهكذآ أفكار وحشيةٍ إجرامية ربما لا يقبلها حتى البشر في عهد حمورابي صاحب القوانين السمحاء و لا المصريون في عهد الفراعنة, فكيف ستقبلها البشرية في القرن الواحد و العشرون. أي وحشية هذه و أي بشر متوحشون الذين يعتقدون بهكذأ أفكار و أي دين وحشي هذا الذي يسمح بهكذا أفكار ضد كل عقل و كل مبدأ و كل منطق و كل دين و كل عدالة و كل رب و كل حيوان.. كيف تسكت البشرية جمعاء أمام أفكار إجرامية مثل فكري الوهابية و القاعدة السعوديين اللذين تدعمهما المملكة السعودية الوهابية بآلاف المليارات من الدولارات لنشر الخراب و الدمار في بلاد العرب و من ثم في العالم أجمع, و كما يعلن دعاة القاعدة و الوههابية السعوديتين في كل يوم بأنهم سيحاربون الكفر في كل بلاد الأرض!!؟؟ اليوم حيث وسائل الأتصال الحديثة, أصبح الجميع كتابآ و شعراءآ و لم يعد هناك من يقرأ! و أصبح الخطاب الوحيد هو خطاب الكراهية و الأحقاد و نبش القبور و البحث في الأساطير و الكتب عن كل ما يدعم سياسة الحقد و الكراهية و سفك الدماء و تسفيه الأخرين و أفكارهم و معتقداتهم و تكفيرهم و الدعوة لسفك دماءهم و فناءهم.. فكر من رأى منكم منكرآ هو فكر إستأصالي ديكتاتوري أصبح شائعآ بين جميع العرب و المسلمين في بلاد العرب و حتى بين العرب و المسلمين المغتربين في بلاد الغرب و غير الغرب, فأنت عندما تخالف أحدآ في رأي أو في فكر ديني أو غير ديني, تراه ربما يبتدأ بتطبيق الحديث النبوي المزور عكسيآ لأن القوانين هنا تحترم الأنسان و لا تقبل بأي شكلٍ إهانته خاصة إذا ما كان السبب هو الأختلاف في الرأي, فهو يحقد عليك بقلبهٍ لأنك خالفته, و إن إستطاع شتمك و إن إستطاع أكثر ضربك أو إيذاءك في شيء في شخصك و مالك و ذويك, والتآمر عليك.. لذلك ترى إن الخيانة و النفاق و الخداع عند العرب هو أكثر المذاهب منهجآ للجميع.. هذهٍ هي التربية العربية الأسلامية, و التي ترفضها كل شعوب الأرض المتطورة التي يناقش الأنسان فيها الأنسان الآخر و يجادله بالحجة العلمية و الكلام الجميل و يفترقان دون أن يحمل أحدهما الحقد على الآخر!! و في الوقت الذي يعيش فيهٍ العالم و في هذه اللحظات العالم المسيحي و غير المسيحي ( ما عدا العالم العربي و بصورة أقل بقية المسلمين ) و كذلك الناس غير المؤمنين بأي معتقدٍ أو دين, في الوقت الذي يعيش فيه العالم أعياد المسيح و رأس السنة الميلادية و يسعد الجميع بفرحة السلام و المحبة و ينعم الأطفال بأفراحها, نتفرًج جميعآ على أطفال سوريا كيف يموتون من البرد و في البرد جوعآ و خوفآ و قتلآ, تحت القنابل و المتفجرات, و كيف يُروًع المدنيون و تغتصب النساء, بأموال العرب ( المسلمين! ) و برصاص العرب المسلمين و بدين العرب المسلمين دون أن نذرف دمعة و لا نحرك ساكنآ, بل نحن جميعآ نشارك في توسيع رقعة الموت و الكراهية و الحقد. و كل هذا و ذاك يزيد من أعداد البشر في العالم الذين يحقدون على العرب و المسلمين و يحتقرونهم.. أشعر بالألم يعتصر قلبي على أطفال سوريا و الأبرياء من شعب سوريا. على جمال هذا البلد و طيبة أهلهٍ الذين لم يسدُوا أبوابهم بوجهٍ المشردين من العرب و لم ينصبوا خيمة واحدة لمهجًر بل إستضافوا ملايين العراقيين و العرب بل و المسلمين الذين إستغاثوهم الحماية في بيوتهم, أراهم اليوم يوموتون برصاص العرب و حقد العرب و المسلمين و يقتل أطفالهم و يروعون و يموتون تحت البرد القارص و تهدم بيوتهم كما حدث للعراقيين قبلهم و لا زال يحدث, و ذلك تطبيقآ للدين الذي يدعو لقطع رؤؤس المخالفين للأرهابيين المجرمين الذين لقنهم دعاة الدين المجرمين بأن المخالف لك هو مجرمآ لابد من قطع رقبته حسب قول الرسول محمد, و الرسول محمد منهم و من دينهم براء براءة الذئب من دم يوسف لعنة الله على كل مفتٍ مجرم و تابع له الى يوم الدين آمين.. كيف نريد أن تنظر لنا الشعوب الأخرى إذا كان هذا حالنا؟ لقد وصلت الأمور إلى درجة إنني أرى و أنا مصاب بالدهشة و الذهول, كيف إن هؤلاء البشر الغربيين و غير الغربيين المسيحيين و غير المسيحيين ( من الشعوب المتطورة و المتحضرة ), و الذين يغضبون و يحزنون لتعذيب و تجويع و قتل قطة سائبة, لا يذرفون دمعة و لا يحزنون و لا يتأثرون قط.. قط , لموت و لقتل و لصلب مئات بل آلاف العرب خاصة و المسلمين عامة, بغض النظر عن بشاعة و وحشية هذا القتل, أو أكل أكباد بعض الأبرياء من المسلمين من قبل المتوحشين من التكفيريين المسلمين أو شرب دماءهم, لأنهم يعتبرون إن الأمر يعني أجناسآ من البشر المتوحشين لا يعنيهم هم!!؟؟ أية وحشية هذه و أي أسلام و أية عروبة هذه التي نراها اليوم بوجوهٍ بشعة أصبح فيها الجميع دعاة للقتل و الكراهية و التكفير و روح الثأر!!؟؟ بل لم تعد تذكر أخبار العرب و المسلمين ( المذابح والمآسي في سوريا و العراق و غيرها..) في أيٍ من وسائل الأعلام في أوربا بصورة عامة.. ( أنا مثلآ ألغيت محطات الساتليت العربية في بيتي منذ أكثر من سنتين, لأنني لم أعد أحتمل سماع و رأيت أخبار مذابح و فضائع العرب.. ).. و الآن و بمناسبة أعياد الميلاد و ميلاد السيد المسيح, أدعو الله أن يهدي العرب و المسلمين الى الصراط المستقيم و يحل السلام و تحل المحبة في بلادنا و تختفي أفكار الظلام و الأجرام و الأقصاء و التخلف من عقول الأجيال القادمة من شعوب العرب و التي عانت منها الأجيال السابقة منذ وفاة الرسول و حتى اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي