الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أيّ جحيم تأخذنا سياسة الأحزمة الناسفة والسيّارات المفخّخة ؟

محمّد نجيب قاسمي

2013 / 12 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إلى أيّ جحيم تأخذنا سياسة الأحزمة الناسفة والسيّارات المفخّخة ؟

1- مقدّمات: لا خلاف بين المسلمين في أنّ الباثّ واحد في الخطاب القرآني وهو اللّه تعالى. في حين أنّ المتقبّل متعدّد متنوّع بتعدّد البشر وتنوّعهم في المكان والزّمان .ولذلك فإنّ المُدْرَك من ذلك النصّ غير نهائي وغير كامل وإلاّ لتحوّل من يدّعي إدراكه بشكل مثالي إلى إله آخر وهذا أمر مستحيل لأنّه ببساطة انتهى زمن ادّعاء الربوبية أو الألوهية.
وأقصى ما يبلغه المسلم الاقتداء بالرّسول الكريم عسى أن يفوز بالجنّة. ولا يفوتنا أن ننبّه إلى أنّ الرسول هو من البشر ولكن اصطفاه الرّبّ وأدّبه بل أحسن تأديبه.فليس لبشر أن يبلغ مرتبته و إلا لتحوّل إلى نبيّ مثله .وقد خُتم عصر النبوّة وانتهى عصر ادّعاء النّبوءات.
ولهذا لا يمتلك بشَرٌ كائنًا منْ كان الحقيقة المطلقة .فكلّ الحقائق نسبيّة ،دينيةً كانت أم علميّة.وحتّى إن قال بعضنا إن وجود الله هو حقيقة يقينية مطلقة فليس هناك مضمون متّفق عليه لصورة تلك الحقيقة ولا معنى لجزم المحدود ، وهو الإنسان، بوجود المطلق، وهو الله-.
فالحقيقة الدينية هي حقيقة ذاتية بامتياز لان وجودها الموضوعي يضيق عن الاستيعاب البشري ولكلّ ذات حقيقتها ونصيبها مما تدركه منها وذلك بالتوازي مع الحقيقة العلميّة التي هي موضوعية وواقعيّة بوضوح ..وصدق الغزالي عندما تحدّث عن "النّور" الذي قذفه الله في صدره كما صدق ديكارت في محدّداته الثلاثة "الوضوح والدّقّة والتميّز".
ولذلك فكلّ ما نطمح إليه في فهم النصّ القرآني هو السعي المشترك للذوات المختلفة للاقتراب أكثر ما يمكن لفهم دنيوي نفعي لأوامر الوحي ونواهيه و لِوَعْده و وعيده ولقَصَصه وعبَره ولأحكامه وضوابطه .وهذا لغاية صلاح العلاقة العمودية بين المرء وربّه واستقامة العلاقة الأفقية بين البشر جميعا مؤمنين وغير مؤمنين.
فإن نحن تواضعنا على فهم تقريبي مشترك في مكان ما وزمان ما عملنا على تطبيقه بكل حذر مع مواصلة البحث في فهم أرقى دون الرغبة لا في تأبيد ذلك الفهم ولا في تعميمه ولا في معاقبة من يرفض فهمنا أو إلزامه به..
أمّا غاية المسلم من تديّنه فهي غاية" بسيطة " إذ يسعى باختصار إلى أن يعيش النّعيم في الدّنيا والآخرة معا .وإذا فشل في الأولى فيمكنه تدارك أمره في الثّانية أمّا إذا فشل في كليهما فله ربّ غفور . ومن يدري؟
وقد سخّر الله كامل الكون وما فيه للإنسان ل"يكسب" رزقه ويعيش نعيمه وذلك عندما وهبه ملكة العقل وميّزه بها عن سائر المخلوقات وجعل المباح من آلائه أصلا والمحرّمات استثناءً. فالأولى (النّعم) لا تحصى ولا تعدّ والثانية( المحرّمات) تُعدّ على أصابع اليد الواحدة. كما جعل كلّ حركات الإنسان و وسكناته مصدرا للجزاء والأجر في حين عَدَّ بعض أفعاله وأقواله سببا للعقاب . فحتّى الصّبر على الأذى حسنة . ومن أراد التطهّر من سيئاته فليس عليه سوى إتيان سلوكيات تجلب له الحسنات .ولهذا فمن "اليسير" نيل النعيم في الآخرة.
وهكذا يُدعى الإنسان المسلم إلى الانتشار في الأرٍض ليضرب في مناكبها ويحصل بجهده وعرقه وبفكره وتدبّره على ما به يعيش سعادته الدنيوية وليدّخر ممّا يُستحسن من أفعاله وأقواله ليفوز بنعيم الجنّة الموعودة..وان نجح في تعميم الرخاء على غيره في الدنيا فلن يستطيع أن يجرّ معه أحدا إلى النّار إن حُشر فيها وليس بإمكانه أيضا أن يُدْخِل معه إلى الجنّة أيّ شخص آخر ولو كان أكثرهم قربا إليه.
2- استنتاجات: ولهذا كلّه فمن الغريب أن نرى بعض المسلمين يندفع بقوّة لإرغام الآخرين على فهم ما فهمه هو من النصّ القرآني رغم ما أكّدناه بداية من أنّ القائل واحد والمخاطَبين لا حصر لهم . بل من الغريب أن تجد آخرين يعملون بحدّ السّيف لإرغام النّاس على فَهْم ما فَهِمَه أناسٌ بعيدون جدّا عنهم في الزّمان وتفصلهم عنهم أشواط عظيمة من تراكمات المعرفة و تغيّر الظروف واختلاف الوسائل و الكثير الكثير...والأغرب من ذلك كله أننّا أصبحنا نرى "مسلمين" يتوهّمون التطهّر من ذنوبهم ودخول الجنّة عبر تفجير أنفسهم وسط حشود من النّاس المطمئنين الوادعين في أسواقهم ومدارسهم وأعراسهم ومواكب عزائهم . فبأيّ شريعة نبرّر لأنفسنا الطمع في نوال الجنّة وجمع الحسنات التي تذهب بالسيئات على حساب أشلاء الآخرين وآلامهم وأحزانهم ويتمهم وخراب بيوتهم ؟ من أباح لنا قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث والحال أن الإسلام كرّم بني آدم مهما كان جنسه ولونه ودينه ولم يرد في النصّ القرآني كرّمنا المسلم وحده دون غيره ؟
لو نظرنا في خريطة العالم وتفحصنا توزّع المسلمين في أصقاع الأرض لوجدنا أنّ الغالبية العظمى هم ممّن انتقل إليهم الإسلام بالقدوة الحسنة لا بالفتوحات والغزوات . ففي أقصى الشّرق وفي صحراء أفريقيا الممتدّة وأدغالها الكثيفة أسلم النّاس لأنّهم تتبعوا حركات التّاجر وسكناته دون أن يفهموا من كلامه إلا اليسير وبالإشارات معظم الأحيان. وهؤلاء نجد في إسلامهم والى اليوم الهدوء والسّكينة والإقبال على العمل بطواعيّة .أمّا من أسلموا في معظمهم بالقتال والحرب فهم إلى اليوم يتقاتلون في ما بينهم ويكفّرون بعضهم البعض وكلّ يحاول احتكار الإسلام بطريقته ولطريقته الخاصّة.
لذلك يتبيّن لنا أنّ من يرفع شعار الإسلام ويدّعي الحرب باسمه ويزعم الانتصار له لا صلة له بالإسلام كدين وإنما هو يضمر الاستحواذ عليه ويجعل نفسه وكيلا حصريّا عليه لقضاء مآرب خاصّة لأشخاص وجماعات ودول ومحاور وأحلاف .
ألا نجد في أداء يمين الانتماء إلى بعض الجماعات الشهيرة قسم العضو بالوفاء ل"دعوة " تلك الجماعة ومناصرتها في المنشط والمكره؟ ولكنّنا لا نجد القسم على "دعوة الإسلام"....ألم يتحوّل الكثيرون إلى مُصْدري أحكام بالكفر وبدخول النّار على آخرين من المسلمين المشهود لهم بالورع والتّقوى وألغوا بذلك أيّ دور للذات الالاهية وما لها من قبول توبة ومغفرة ؟ ولم يعد تبعا لرؤيتهم أي معنى للحساب ولا لميزان الحسنات والسيئات . ألا نرى دولا ديدن حكّامها الفساد بكل صنوفه وهم غارقون في المجون والعهر والشّعوذة في ذات الوقت الذي يغدقون فيه الأموال الطّائلة على مجموعات تقتل وتخرّب وتذبح وتكفّر باسم الإسلام.؟
أدركت معظم شعوب العالم أنّ الاقتتال الدّاخلي لا نفع منه ولا منتصر فيه ولذلك أقلعوا عنه منذ زمن طويل .أمّا نحن فقد فتحنا عليه أعيننا أكثر وطرنا به فرحا وأخذتنا البهجة إليه وتكاد تبلغ نشوتنا به ذروتها . فهاهي مدننا تدمّر وجيوشنا تنكسر ونساؤنا يغتصبن وأطفالنا يعدمون وأشجارنا تقطع ومزارعنا تهجر ومدارسنا تغلق واستبيحت دولنا لكلّ من هبّ ودبّ من القوى المعادية إقليمية كانت أو دولية بل أصبح الكثير منّا عملاء جهارا نهارا لها يسبّحون باسمها ويمنعون أيّ نقد لها . تحوّلنا إلى دول ينتشر فيها الرّعب والتّرويع وكدنا نقع في الجحيم ، في المحرقة..
كنّا نفاخر شعوب العالم بتنوعنا الطائفي والديني والثقافي والمذهبي والعرقي والمناخي والجغرافي والتاريخي والتراثي وأصبحنا اليوم نستهدف الجميع ويستهدفنا الجميع فنفجر الكنائس والمساجد والحسينيات والزوايا وحتى المستشفيات.
قد يقول قائل إن الشباب الذي انجرف وراء تيار المحرقة الكبرى، محرقة الأحزمة الناسفة والسيارات المفخّخة لطالما كان مستهدفا محاصرا ممنوعا من كل ّشيء لم يعرف سوى السجون والمنافي والفقر والجوع والمرض ولذلك فلا غرابة أن يكون بهذه العدوانية ..وجواب ذلك أن المسلم مدعو للصبر على الأذى والردّ بالحكمة والموعظة والتصرف بهدوء وسكينة وإلا فكيف يكون صاحب رسالة ؟
من كتاب لنا بعنوان "الإسلام من وجهة نظر مغايرة " غير منشور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاب كويتي «مبتور القدمين» يوثق رحلته للصلاة في المسجد


.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ




.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب