الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الطّريق إلى الحريق

محمّد نجيب قاسمي

2013 / 12 / 28
الادب والفن


في الطّريق إلى الحريق


يعبرون الجسر في الصّبح خفافا
أضلعي امتدّت لهم جسرا وطيدا

خليل حاوي


"...........توقّفت قليلا قرب مقهى "سمرقند" لألتقط أنفاسي. وبلمح البصر ألقيت نظرة شاملة على كل الجالسين فيها..المتحلّقين تحت ظلال شجر " الفيكيس " العظيم ، مثنى وثلاثا ورباعا وحتى أكثر . كأني أراهم لأول مرة وآخر مرة .
كم شاء أن يلقي عليهم تحية الصباح ...بل تحية الوداع فلم يجرؤ!
ولحسن الحظ ،وقع بصري على صديق لي. فألقيت عليه تحية صباحية بطعم جديد ،وكأني أنثر تلك التحية على كل الجالسين والواقفين والمارين ،المسرعين منهم والمتأنّين .
ترى هل أعرف كل هؤلاء ؟
حتما لا .
ولكن هل يعرفني كل هؤلاء ؟
ربما !
ألا أمر من هنا كل يوم ، مرّتين على الأقل ؟
رواد المقهى يتجددون كل حين ..ومنهم من لم يتجدد منذ عقود!
ما أكثر مقاهينا ! بلادنا عامرة بالقهوات !
سيأتي يوم يعرفونني كلهم ولا يرونني ..بل كأنهم يرونني.
مقاهينا تعمل بكثرة ، لأننا ،نحن ،لا نعمل .
الكثيرون منا ينحصر عملهم في المجيء إلى المقهى كل يوم .
نحن نتعلم لنرتاد، في النهاية ، المقاهي !.
بين كل مقهى ومقهى توجد قهوة أخرى!
كثيرا ما يتخاطب روادها ، وكل واحد منهم بمقهى آخر! .
..اسمع يا ... حدثني من أثق بهم يوما ، أن سائحة ألمانية، توقفت ذات يوم ،وهي تعبر مدينتنا المنسية، في رحلتها إلى الجريد فرأت جمعا غفيرا من الناس ، في مقهيين متقابلين،على جانبي الطريق ، وهم غارقون بجدية ،في لعب الورق، لعب " الرامي " و " البولوت " ،وفي الخوض في أحاديث السياسة والأخبار اليومية ، فتساءلت هل هؤلاء بصدد استراحة مؤقتة ،من عمل بمصنع قريب ؟
فلم يخطر ببالها ،أنّ هؤلاء يقضون هناك الساعات الطوال كلّ يوم للغرض نفسه. أما المصانع، فبينها وبيننا مسافات.
عجبا !.. لماذا لا ينشئون المصانع هنا ؟ هل تحتاج بدورها إلى رمال الشواطئ الذهبية ، وزرقة مياه البحر اللاّزورديّة، وبقايا الحصون والقلاع والرباطات، الّتي تحكي عبور القرطاجنّييّن و الإسبان والأتراك ؟ ألا تحتاج فقط إلى اليد العاملة الرخيصة التي عندنا منها الشيء الكثير كما يقال لنا دوما ؟ !
سيعتصمون هنا ،وسيسدّون الطّرقات للمطالبة بجلب المصانع، لتوفّر فرصة للتشغيل ومورد رزق قارّ... وسيتظاهرون هناك ، لإغلاق المصانع، بل وحرقها لأنّها ملوّثة .. لأنّ الرّوائح الكريهة تنبعث منها!..بل لأنّها،رّبما، كثيرة ..تزدحم بها الأراضي الخصبة ..وتختنق الأحياء بدخانها وغازاتها..وتجعل قطعة الأرض، الصّالحة لبناء سكن متواضع، عسيرة المنال ..
ماذا فعلت يا "كينز" ، ويا "آدم سميث " ، ويا " فريدريك تايلور" ؟! ويا كلّ من لم يستمع إلى استغاثات العمال عند "بالزاك "؟ ! ويا كلّ من تجاهلتم نداء " يا عماّل العالم اتّحدوا"؟! ويا كلّ من صدّرتم إلينا الصناعات الملوثة ، وأبقيتم عندكم الصّناعات الدّقيقة النّظيفة؟!
ألقيتم بيننا مصانعكم ،وبتنا نختصم حول أين تلوّث أكثر؟ وأين تلتهم اليد العاملة الرّخيصة أكثر؟ وأين تمنح فرصة للعمل أكثر؟
لماذا إذن تفتح المدارس والجامعات إذا لم تفتح معها المصانع والمؤسسات ؟
وتذكّر أنه مازال يقف عند المقهى . فرغب أن يعرف أيّهما أكثر، عدد المقاهي ، أم عدد المدارس والجامعات والمصانع والمؤسسات؟
هذا السّؤال تجيب عنه السلطات الرسمية !
وإذا زورت الإحصائية ؟
تعوّدنا التّزوير !.التّزوير في كلّ شيء ...حياتنا أرادوها زورا على زور !.
وان زوّروا هل تصدّقونهم أنتم ؟ هل تصدّقهم أنت ؟
لم نعد نعرف ما الّذي نصدّق ،وما الّذي نكذّب .سنكذّب كلّ شيء... كذبوا ويكذبون وسيكذبون.. ولن نصدّق .


مقطع من الفصل الأول " في الطّريق إلى الحريق " من رواية" ثورة الجسد" / في انتظار النشر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با