الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خِدمَة العَلَم ... حول الواقع و الاسباب ...

احمد نعمة

2013 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في ربيع نيسان 2003 سقط النظام السابق و سقطت معه الكثير من القوانين و التشريعات المجحفه بحق شعبنا العراقي لكن الاهم بالنسبة للشباب هو سقوط قانون الخدمة العسكرية الالزامية و خدمة الاحتياط الذي اضاع سنوات من عمر العراقيين بين كراجات العلاوي و النهضة و بين اهانات العرفاء و نواب الضباط و بين المبيت في حفر الخنادق و الركض حفاة تحت شمس تموز اللاهبة أو كحال البعض ممن حالفهم الحظ (كالرموز السياسية التي ينعم بها وطننا حاليا) الذين اختفوا داخل تنانير الطين أو عاشوا في المناطق المهجورة خوفا من قطع الاذن و الحبس (التي كانت العقوبة القانونية لمن يتخلف عن اداء الخدمة الالزامية أو خدمة العلم كما كانت تدعى)
مصطلح خدمة العلم الذي أطلق على الخدمة العسكرية و التي تختلف مدتها باختلاف التحصيل الدراسي أشتق من خدمة الوطن حيت أن العلم هو رمز معنوي للوطن. فالايام الطويلة التي يقضيها ابو خليل صابرا على المآسي و لاعنا حظه "الفكر" لكونه عراقيا "ابن الملحه" هي خدمة اجبارية و ربما الوحيدة التي يؤديها للعراق و طبعا هذا كله كان جزءا من خطة النظام السابق لعسكره المجتمع حالها كحال اشبال صدام و فدائيي صدام و حتى مقولة "القلم و البندقية فوهة واحدة" ليست تشجيع على العلم و حماية الوطن من خلال التعلم و التطور بل هي ببساطة طريقة رومانسية لأدخال البندقية و السلاح و الحرب الى عقول الاطفال حتى و هم في مقاعد الدراسة. فكان النظام يجهز و يعد العدة للحرب بكافة الوسائل و اهمها تدريب الشعب باكمله على استخدام السلاح أي التعلم على القتل و هي الغاية الوحيدة من صنع السلاح. فالجندي هو ألة قتل تستخدمها الدولة لحمايتها من الاخطار الخارجية و يا مكثر الجنود في ذلك الزمان فكل الشعب كانو جنود في يد قائد الضرورة و بمختلف الاسامي حيث هناك الجيش الرسمي و المتطوعين (الذين فقدنا منهم خيرة الشباب في حربنا مع الجارة العزيزة ايران ثم لم نعترف حتى بتضحياتهم) و جيش القدس (الذي تجاوز عدده 7 ملايين متطوع تلقى تدريب عسكري) و جيش يوم النخوة و قانون المحاربين ( هم العسكريين المحالين على التقاعد لكي لا يغادروا العراق) و تدريبات اعضاء الحزب و غيرها الكثير من الجيوش و الاستعدادات الاجبارية التي حولت مجتمعنا الى وحدات عسكرية خاملة و اشخاص لا يعرفون الا الحرب و القتل و الدمار حتى اصبح القتل و الموت و "الاستشهاد" شيء اعتيادي لدينا و روتين مللنا من الالتزام به و لهذا ما زلنا نعناي حتى اليوم من القتل و الدمار و العمليات الارهابية و المليشيات المنظمة بمختلف انواعها لأن الشعب باكمله كانو جنود مدربين و الحديث عن الحرب و الدفاع عن الوطن ضد مؤامرات اميركا و اسرائيل و الغرب بصورة عامة (و هم كانو العدو الاساسي في تلك المرحلة) و بطولات القائد و الجيش العراقي الباسل هو محور حديث كل الجلسات و الاجتماعات حتى العائلية و الخاصة منها. فهناك مئات الالاف الذين لم تتجاوز مبادئهم و افكارهم الجيش و التدريب و النظام العسكري و الحرب و الموت, حتى الاطفال كانو ينشاون على هذه المبادئ, و لهذا فمن الطبيعي (لكن ليس من الصحيح) أن نجد الان مجتمع كامل يعشق الحروب و العمليات العسكرية و حركات الاكشن مهما كان سبيلها و مهما كانت نتائجها.
السبب الحقيقي لكتابتي لهذا المقال هو انتشار رغبة عودة الخدمة العسكرية الالزامية و كأنها الحل الامثل لجميع المشاكل التي تواجهنا (ربما هذا ايضا من تأثيرات عسكرة المجتمع الذي استخدمه النظام السابق) خاصة و أن اغلب الراغبين بعودتها هم شباب لم يسبق لهم المشاركة فيها و لم يذوقوا مرارتها و يستخدمون حجج و ذرائع مخجلة لتبرير رغبتهم هذه و هنا سأذكر بعض هذه الذرائع الاكثر انتشارا ثم سأحاول مناقشتها:
1 – الخدمة العسكرية هي العلاج الوحيد لمشاكل شبابنا الضائع
2 – هي تعزز الاحساس بالمواطنة
3 – خدمة الزامية لوطننا الحبيب
4 – حل مشكلة الطائفية و الميليشيات حيث الكل أخوة في خندق واحد
5 – حل جذري لمشكلة البطالة حيث الكل يعمل كمنتسب في الجيش أو على الاقل لا يحتاج لدفع رشوة تصل الى 20 ورقة ليصبح منتسب
هذه العبارات سمعتها كثيرا من مختلف الاشخاص و الشخصيات الذين مع الاسف بعضهم يعتبر نفسه عبقري و على درجة علمية قديرة لأنه فكر هكذا و وجد حلا مختصرا و بسيطا لكل مشاكل المجتمع.

و سنبدأ بمناقشتها بأختصار شديد:
اولا:
أن مشكلة المراهقة و الشباب هي حالة نفسية طبيعية تعاني منها كل المجتمعات لكن باشكال مختلفة و مجتمعنا العراقي تعرض لتغيير صادم بمختلف المجالات بعد سقوط النظام و الانفتاح على العالم و اول من تأثر بهذا التغيير هم الشباب لكونهم الاكثر قابلية على التكيف لكن أن نرمي بايدينا شبابنا نحو التدريب على القتل و النظام العسكري الصارم ليس حلا للمشكلة بل هو انتحار لما تبقى من ذرات بسيطة للعقل لدينا.
تخيل الشباب الذين تصفهم بالمنحل أو الطائش يحملون السلاح و لديهم رخصة لاستخدامه و تخيل انك تعطيهم سلطة عسكرية في الشارع أو منطقتك أو محل عملك, فاذا كنت تعتقد أن اهتمام الشباب الحالي مقتصر على المظاهر الخارجية و البنات و العلاقات فهذا بالضبط ما سيهتمون به لكن مع اسلحة حديثة جاهزة للاستخدام و سلطة عسكرية لأن النظام العسكري الحالي ليس جاهزا لمتابعة نفسية الشباب و تعليمهم الانضباط العسكري كما تامل حضرتك و ربما شاهدنا بعضا من شرطتنا أو جنودنا البواسل يقومون بالتحرش أو تحت تأثير الحبوب و الادوية أثناء تادية واجبهم الرسمي.
التربية الصحيحة و الاهتمام بنفسية الشباب و تعليمهم الانضباط هو من ضمن مسؤولية العائلة و ليس الحكومة و لا المجتمع و لا الشارع و لهذا أن فشل بعض الاباء في تربية ابنائهم ليس سببا لرمي كل الشباب الى تدريب على القتل و العيش تحت رحمة القوانين العسكرية.

ثانيا:
الوطن هو بيتنا الكبير و جزء من شخصيتنا يتمثل بابسط الاشياء كاسلوبنا و عاداتنا و لهجتنا و الانتماء للوطن و التعلق به يكون من خلال التعلق باهلنا, اصدقائنا, عاداتنا و تقاليدنا سواء القديمة منها أو الجديدة, و المشاهد التي تعودنا على رؤيتها كل يوم في حياتنا.
الاحساس بالمواطنة هو شعور انساني في قمة التعقيد لا يمكن الغائه أو استحداثة بقرار حكومي بل هو يأتي من حب المواطن للوطن و الافتخار به, لو اردنا أن نرى مبدأ المواطنة لدى مواطنين احدهما من النرويج و الاخر من دول جنوب القارة الافريقية بالتاكيد سنلاحظ أن المواطنة في دول النرويج أو السويد أو أي دولة هادئة اكثر بكثير علما أن شعوب الدول الافريقية قضو حياتهم كلها يحملون السلاح و يقاتلون من أجل البيت و العائلة و القبيلة و الوطن.
القتال و العسكرية لن تزيد مبدأ المواطنة بل أن الامان و الاستقرار و الخدمات و ضمان مستقبل الشباب داخل و الوطن يفعل ذلك!!

ثالثا:
من الطريف أننا حددنا أن التدريب على السلاح و أداء الخدمة العسكرية هي الطريقة الوحيدة لخدمة الوطن ثم نعود لنشتكي من انعدام الامن و وجود الكثير من المسلحين و الميليشيات المنظمة و العصابات الاجرامية, حيث أننا ندعو في البداية الى تدريب كل الشباب على حمل السلاح و تنفيذ العمليات العسكرية ثم نشتكي بان المجتمع كله اصبح مسلح و مجرم.
خدمة الوطن هي ليست فقط حمل السلاح و معرفة استخدامة لأن الوطن ليس مجرد جيش و حروب بل أن هناك جوانب أخرى لخدمة المجتمع العراقي لا أعرف أن سمعتم بها سابقا مثل التطور العلمي و تكنولوجي و جوانب البحث العلمي و الاختراعات و الابتكارات "معاذ الله منها", أي ببساطة أن كل الطلاب و الموظفين و المهندسين و الاطباء و الباحثين و الاعلاميين و غيرهم عندما يؤدون عملهم باخلاص فهم يخدمون الوطن.
حتى الفلاح و المزارع "الذين أختفوا في ظل التطور الحضاري لدينا" هم عامل اساسي في خدمة الوطن و تطور المجتمع و الا فهل يمكنك أن تتخيل نفسك اسبوع أو حتى اقل بدون طعام؟؟؟؟
و بهذا فأن كل من يدعي أن الخدمة العسكرية هي الطريقة الوحيدة لخدمة الوطن فهو مجرد ببغاء ما زال يكرر ما سمعناه كثيرا في النظام السابق و لا يريد أن يعطي لعقله حرية التفكير لربما يجد طرق اخرى اكثر فعالية و عملية لخدمة الوطن.

رابعا:
يوجد لدينا في العراق مختلف انواع الارهابيين و التكفيريين و المتعصبين و الاحزاب و الميليشيات و الجماعات المسلحة و غيرهم, الذين لو جمعناهم في متحف لجاء السياح من مختلف انحاء العالم للتفرج عليهم لأن هذه التشكيلة الرائعة من التخلف لا توجد الا لدينا "ربما سيكون هذا هو المصدر الاساسي للميزانية السنوية بعد انتهاء احتياطي النفط لدينا" و المشكلة أن جميع هؤلاء يعتقدون انهم يفعلون الصواب و يخدمون الله أو الدين او المذهب او الحزب او حتى الوطن عن طريق حمل السلاح و الحرب.
أن زج الشباب من كل هذه الانواع في الخدمة العسكرية لن يجعلهم أخوة يدافعون عن الوطن في خندق واحد بل أن هذا الخندق المزعوم سوف يبقى فارغا بعد أن يقضي هؤلاء الأخوة المتحاربون على بعضهم الأخر بواسطة أسلحة اكثر تطورا من التي يملكونها حاليا قد تسلموها من ميزانية الحكومة, و عندها لن يكون لدينا جيش بل مجرد جماعات رسمية مسلحة يقاتلون بعضهم الاخر و حتى يقتلون الاف الابرياء بحجة الدفاع عن الوطن و يستلمون رواتب و تجهيزات كاملة من الحكومة لأنهم يمثلون درع الوطن الحصين.
السؤال المطروح: بدل أن نجعلهم أخوة في خندق واحد لماذا لا نجعلهم أخوة في موقع بناء أو أخوة في مشاريع أعمار أو أخوة في شركات تعمل لتنمية المجتمع؟؟
لماذا لا نعرف غير تسميات الحرب و الدمار؟؟؟
لماذا الخندق يكون اول كلمة في بالنا بدل المستشفى أو الكلية أو المدرسة او الدائرة الحكومية؟؟؟؟

خامسا:
من المبادئ المعروفة و المتبعة عندما تريد انجاز امرا ما هو "مبدأ الثواب و العقاب", أي انك اما تجبر المقابل على اتباع اوامرك من خلال الفرض و تخويفه أو معاقبته اذا لم يتبع الاوامر و في هذه الحالة فأنك لست مجبر على تكريمه أو مجازاته عندما يتبع الاوامر لأنه مجبر.
أو أنك لا تملك سلطة عليه و لا يمكنك تخويفه أو معاقبته و لهذا تقوم بأغرائه بالاموال أو التكريم من اجل انجار الامر.
أن الرواتب المرتفعة لضباط و منتسبي الجيش و الشرطة و كل اعضاء الجهاز الامني هو مثال بسيط على عملية الاغراء لأن الاجهزة الامنية في نظام الحكم الديمقراطي الجديد يعتمد على مبدأ التطوع و ليس الزامي أو اجباري.
أما اذا عدنا الى الخدمة العسكرية الالزامية حيث ان أي شاب يتجاوز الثامنة عشر من العمر و قد اكمل تعليمه هو مجبر على الالتحاق بالجيش فأن الحكومة ليست مجبرة على دفع هذه الرواتب المرتفعة و التخصيصات العالية للاجهزة الامنية و هذا سيعتبر تبذير في ميزانية الدولة لأن الجنود المكلفين سيخدمون في الجيش باقل مقدار من الرواتب.
أي ان العودة للعمل بالخدمة الالزامية سوف يعيد رواتب المنتسبين بالجيش و خاصة الجنود الى المقدار القديم و ربما لن تتجاوز مع التخصيصات 250 الف دينار في الشهر و هو ما يعادل حاليا الراتب الشهري لموظفي العقود في الدوائر الحكومية.

نلاحظ أن جميع الداعين الى عودة الخدمة الالزامية لا يستوعبون الفكرة الكلية منها بل أنهم يتخذوها ذريعة لابراز انفسهم فقط و مع الاسف نجد منهم الان الكثير من يدعون انفسهم مثقفين أو اعلاميين أو مناضلين في خارج القطر حيث أن القرارات الحكومية و منها الخدمة العسكرية لا تنطبق عليهم أو على عوائلهم و اتباعهم.
الشباب في المجتمع العراقي يحمل مختلف الشهادات و هناك ملايين المجالات التي يمكنه من خلالها خدمة الوطن و بناء المجتمع عدا أن يركض عاريا في معسكرات التدريب تحت شمس الصيف اللاهبة و يستمع لمختلف الشتائم و الاهانات التي يطلقها عريف أو نائب عريف لا يعرف حتى كيف يكتب اسمه.
و اسالوا خريجي الكليات الذين خدموا العلم سابقا أن كنتم لا تعلمون!!
نحن شعب محدود التفكير و نعشق الرموز لدرجة العبادة (ربما سأكتب عن هذا الموضوع في مقال لاحقا) نكره النظام السابق و نلعنه كل صباح و مساء في اجهزة الاعلام لكن ما أن وجدنا انفسنا في أزمة سياسية حتى اندفعنا نركض لنفكر بنفس الطريقة القديمة.
سيقول احدنا: أن الخدمة الالزامية لم تكن حكرا على النظام السابق بل أنها موجودة منذ تاسيس الدولة العراقية!!!
هذا الكلام صحيح, و كذلك في تأريخنا القديم كنا نستخدم السيوف و الرماح في القتال, و نستخدم الخيل و الجمال العربات في التنقل, و نصنع بيوتنا من الطين , و لا نعرف ما هو جهاز الراديو و التلفاز أو ربما اعتبرناها صناديق يسكنها عفريت صغير مشعوذ, و لم نصدق خرافات أن الانسان باستطاعته الطيران.
لكننا عرفنا ما يسمى التطور في المجتمع و اختراع القطارات و السيارات و الطائرات و اصبحنا نعيش في حياة مدنية حيث لا يمكننا أن نعيش داخل قوقعتنا المغلقة في الماضي ثم نبكي و نشتكي لماذا لا يتقدم مجتمعنا؟؟ و لماذا اصبحنا اضحوكة الغرب؟؟؟ّ!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت